السيدة اللبنانية الأولى ليست شخصية عادية، فهي أضافت الى لقبها الرئاسي ألقاباً اجتماعية وصفات في مقدمها النشاط. اجواء القصر الرئاسي لم تغر السيدة منى الهراوي، ولم تبعدها عن هموم اللبنانيين. كسرت البروتوكولات، ونزلت الى الساحة الشعبية. عاشت مشاكل الناس وكرّست نفسها لخدمتهم على مدى تسع سنوات رئاسية. الكل يعرف مركز الرعاية الدائمة الذي اسسته ليستقبل أطفالاً يعانون من أمراض السكّري والتلاسيميا. واللبنانيات تشدهم اناقتها وطلّتها ودفاعها عن حقوق المرأة من خلال اللجنة الوطنية للمرأة. "الوسط" التقتها في مكتبها في مركز الرعاية الدائمة في بعبدا. بماذا تشعر منى الهراوي مع اقتراب ولاية الرئيس من الانتهاء؟ - سعيدة جداً، فأنا انسانة واقعية جداً وأؤمن بأن لكل "طلعة نزلة". يكفي أني سأعود الى منزلي الذي يؤمن لي حريتي واستقلاليتي. فمركزي قيّدني ومنعني من أداء أشياء كثيرة أحبها. سأعود إليها. حكّام كثيرون تزعجهم مغادرة قصر الرئاسة. كيف يعيش الرئيس الهراوي الشهور الأخيرة من ولايته؟ - إحساسه وتفكيره مماثل لتفكيري. فالرئيس الهراوي رجل نشيط على الرغم من تقدم عمره وهو سياسي محنك وقدير في اللعبة اللبنانية. وبالتالي سيكون قادراً على ملء وقته والعمل. كما ان الناس ستظل تقصده. ما هي اللحظة الأصعب في السنوات التسع الماضية من الحكم؟ - السنوات الأولى كانت صعبة، لسوء الأوضاع في لبنان بسبب انقسامه على نفسه. الا ان الرئيس استطاع توحيد لبنان وبالتالي تخطينا الصعوبات. لكن ألا توجد لحظة صعبة بعينها؟ - بنظرة حزن لنتناسى الموضوع. كيف تقوّمين مدة ولاية الرئيس الهراوي؟ - الرئيس الهراوي قدّم للبنان إنجازات كثيرة، منها تعديل الدستور، وتعيين نواب في المدن التي تعاني نقصاً وحرماناً وقراره اجراء الانتخابات البلدية أعطى للبنانيين مجالاً لانتقاء من يريدون لخدمتهم. فالانتخابات البلدية على رغم المهاترات والإختلافات التي حصلت تمثل بداية الطريق السليم. ما هو دور السيدة اللبنانية الأولى تحديداً؟ - لم يعد يقتصر دور السيدة الأولى، ليس في لبنان فقط بل في العالم بأكمله، على الاستقبالات والصالونات. فكما لرئيس الجمهورية مسؤوليات سياسية تجاه وطنه، للسيدة الأولى مسؤوليات ثقافية واجتماعية، تكمل بها الدور الذي يلعبه زوجها. في لبنان بالتحديد، لم يكن هذا الدور موجوداً قبلي، وعندما بدأت بالعمل الاجتماعي سمعت انتقادات كثيرة الا ان الناس اقتنعت في ما بعد بضرورته. وأتمنى على السيدة اللبنانية الأولى المقبلة ان تكمل طريقي مع الحفاظ على خصوصية الشخصية والطريقة في التعاطي مع المجتمع. ما هي نشاطاتك المستقبلية؟ - بدأت أهيئ نفسي لمغادرة القصر، فأقمت علاقات جديدة مع الوسطين الثقافي والعلمي اللذين عملت فيهما سنوات عدة. إضافة الى ان الأصدقاء القدامى لن يتركوني والآخرين الجدد سيبقون الى جانبي. كما ان مركز الرعاية الدائمة يملأ وقتي وهو عملي الأساسي في الأصل، لذلك سأبقى قريبة من الناس من خلال العمل الصحي والاجتماعي. الجميع يعرف نشاطاتك الاجتماعية والانسانية، فكيف توزعين ساعات يومك؟ - في الصباح، أتواجد في المركز عند الثامنة والنصف صباحاً لأعيد النظر في مواعيدي والأمور التي عليّ ان أنجزها. ونهاري يبدأ عادة مع أول موعد عند العاشرة صباحاً. وغالباً ما يكون اجتماعاً مع مؤسسة خيرية او اللجنة الوطنية للمرأة. او قد يكون استقبالات لأشخاص خارج مركز الرعاية الدائمة. عموماً ساعات نهاري موزعة حسب الشؤون الانسانية والاجتماعية والثقافية. ما هي نشاطات مركز الرعاية الدائمة؟ - انه باختصار حلم تحقق. وهو مركز تأسس قبل خمس سنوات على أكتاف اللبنانيين كافة مقيمين ومغتربين اضافة الى بعض الأصدقاء العرب. مرّ المركز خلال تلك السنوات الخمس بنضال طويل، حققنا خلاله انجازات كثيرة كان آخرها توقيعي اتفاقية مع جامعة هارفرد خلال زيارتي الأخيرة الى الولاياتالمتحدة، لإنشاء مختبر جيني للأبحاث المتعلقة بأمراض السكّري والتلاسيميا في مركز الرعاية الدائمة. وبهذا الأمر نتوّج عمل المركز الذي يعالج 1030 طفلاً يعانون من السكّري والتلاسيميا. وبهذا المختبر سنتعرف على أسباب المرض ليتسنى لنا استئصاله. كيف بدأت الفكرة؟ - عند انتخاب السيد الياس الهراوي رئيساً، كان وضع لبنان سيئاً جداً. وكانت الناس تقصدني، عندها تبين لي ان أطفالاً كثيرين يعانون من مرضي السكّري والتلاسيميا. عندها ففكّرت بإنشاء مركز يختلف عن مؤسسات الرعاية الاجتماعية المتوفرة في لبنان بكثرة على أن يكمل عملها في الوقت نفسه. في البداية كان مفهوم السكّري والتلاسيميا صعب جداً بالنسبة لي، ما اضطرني الى قراءة كتب عدة والاجتماع بأطباء والتباحث معهم بهدف الوصول الى حل لهذه الأمراض. فتعاونا جميعاً على انشاء هذا المركز لمساعدة الأطفال. وهو شرف لي ان تعطيني الناس ثقتها كي أخفف آلامها. ارتبط اسمك كثيراً بمعالجة التلاسيميا بالتحديد، لِمَ؟ - هو مرض في الدم منتشر في لبنان، إذ يعاني 5 في المئة من اللبنانيين من التلاسيميا الصغرى فقر الدم. أما التلاسيميا الكبرى فيعاني منها 1500 مواطن، نعالج في مركزنا 550 طفلاً منهم. وعندما شاهدت كيف يُنبذ هؤلاء الأطفال من قبل محيطهم، قررت ان أعالجهم علاجاً كاملاً. وبالفعل تحسنت حالتهم في شكل كبير لدرجة لم تعد آثار المرض بادية عليهم. كما ان المركز يسهم بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية في نشر التوعية في المناطق اللبنانية كافة. يبدو المركز مشروعاً ضخماً احتاج الى تمويل كبير، فهل العلاج مكلف في المقابل؟ - المركز لا يبغي الربح على الإطلاق. فالعلاج مجاني باستثناء رسم دخول ضئيل هو كناية عن مبلغ رمزي جداً. أما بالنسبة الى التمويل، فكثيرون من اللبنانيين يتبرعون للمركز ويكفلون أطفالاً، كما تسهم الدولة في تغطية بعض مصاريف الدواء والعلاج. بالخروج عن الأجواء الاجتماعية، نود دخول عالمك الشخصي. كيف تصفين أجواء القصر الجمهوري، وهل توفر لك أجواء عائلية حميمة؟ - بالطبع، فالقصر الجمهوري لم يغير من العلاقات العائلية التي أعيشها مع زوجي وعائلتي. وكوني أعمل الى جانب زوجي، ولا يوجد أي تباعد بيننا بل على العكس، أمر يجعل لقاءنا حميماً جداً. هل شكّل لقب اللبنانية الأولى عبئاً على حاملته، بمعنى هل يفرض بروتوكولاً معيناً؟ - طبعاً، لكن هناك الكثير من الامور المتعلقة باللقب تخطيتها وأخرى لم أتمكن من الخروج عنها. لكني أؤمن ان الانسان، طالما تعلّم أصول التهذيب في منزله لن يتغير عليه شيء في حال تبوأ مركزاً مهماً. وتبقى بعض الرسميات التي تتطلب فطنة ولباقة، وأتعاطى معها ببساطة، لأن التصنع يعيق الانسان. باختصار بقيت كما أنا مع اختلاف اللقب. أناقتك تستوقف اللبنانيين واللبنانيات. كيف تهتمين بها؟ ومن يساعدك على انتقاء ملابسك؟ - أؤمن بأن على كل انسان ارتداء ملابس تناسب سنّه. والأناقة تُخلق مع الانسان كما انها تعكس شخصيته. وكلما اتسم اللباس بالأناقة كان أفضل. لا أملك الكثير من الوقت لانتقاء ملابسي، لكن ما يساعدني هو اعتمادي نمطاً معيناً من الملابس التي لا تلفت النظر وتتسم بالأناقة والبساطة في الوقت نفسه. أصدقائي يساعدونني بإرسال تصاميم جديدة الى منزلي لأنتقي منها ما أريد. أما خارج لبنان، فأتبضع بنفسي لأني أملك حرية أكثر في الخارج إذ لا يرافقني حراس شخصيون. من ينتقي ثياب الرئيس؟ وهل تهتمين بهذا الأمر شخصياً؟ - ينتقيها بنفسه، فهو أنيق جداً. ونادراً ما يسألني عن رأيي، لكني لا أتدخل مباشرة في هذا الأمر. هل تطهين بنفسك، وما هي الأكلة المفضلة لدى الرئيس الهراوي؟ - لا أطهو بنفسي، لكني أحرص على الاشراف على تحضير الطعام بنفسي في المطبخ بسبب قلة الوقت. كما أحرص والرئيس الهراوي على تناول الغداء معاً ونادراً ما يتخلف أحدنا. بالنسبة الى الطعام المفضل لدى الرئيس فلا شيء محدداً، لأنه "هَني"، ويهمه النكهة الجيدة في الدرجة الأولى، بغض النظر عن نوعية الطعام. ماذا تقرأين؟ وما هو كتابك وكاتبك المفضل؟ - هناك الكثير من الكتب الجيدة والمؤلفين الممتازين، من دون تحديد الأسماء. وبالنسبة اليّ أحب قراءة القضايا المتعلقة بالواقع والثقافة والأمور العلمية والطبية كي يتسنى لي الاطلاع على كل ما يدور في العالم، لكني لا أملك الوقت الكافي للقراءة باستمرار. وحالياً أقرأ كتاباً يتناول تاريخ أميركا القديم وانعكاساته على تاريخها الحديث. إلى أي نوع من الموسيقى تستمعين؟ ومَن تفضلين مِن المطربين؟ - أسمع كل ما يبث على إذاعات FM صباحاً، بمجرد استيقاظي من النوم بغض النظر عن نوع الموسيقى سواء حديثة أو كلاسيكية، عربية أو غربية، المهم أن تستسيغها أذناي، وأحب الأوبرا. بالنسبة الى المطربين والمطربات، كل منهم يملك صوتاً وطابعاً خاصاً به. ولا أستطيع ان أسمي أحدهم بالتحديد لأني أملك الكثير من الأصدقاء من الوسط الفني، ولا أريد جرح أحد منهم. ما رأيك في برامج التلفزيون؟ وما هي البرامج التي تشاهدينها وتتابعينها؟ - هناك برامج مفيدة وأخرى مزعجة. لكن لا شك في أن بعضها يفجر وضعاً نعيشه لكننا نتجاهله، وهي مهمة لأنها أوضحت للمسؤولين أوضاعاً تحتاج الى سَنّ قوانين لتحرِّمها، كعمالة الأطفال. فهي فتحت أعينهم على واقع البلد. ومن تلك البرامج أحب برنامج "الشاطر يحكي" الذي تبثه "المؤسسة اللبنانية للإرسال". البرامج السياسية تحوي انتقادات ساخنة ومحقة، لكني لا أتابعها كثيراً الا إذا كان الضيف يعنيني. أما البرامج الترفيهية فهي سخيفة ولم تعد بمستوى القديم منها، وفيها استخفاف بقيمة المجتمع. لذلك لا أتابعها على الاطلاق. وقد يكون سبب هبوط مستواها قلة الإمكانات او الطلب عليها. يعيش لبنان في ظل الترويكا والتبدل المتواصل في العلاقات بين أركانها، فهل تتأثر علاقتك بكل من السيدتين رندة بري ونازك الحريري بالعلاقة بين الرؤساء الهراوي وبري والحريري؟ - على الإطلاق. فأنا أعمل مع السيدة بري في اللجنة الوطنية للمرأة، ومع السيدة الحريري في مركز الرعاية الدائمة، وبالتالي لدى كل منا عامل مشترك، وعلاقتي بهما ممتازة. وإن مرّ وقت لم نتلاق فلا يدل ذلك على وجود خلاف. السبب الوحيد في هذه الحالة انشغال كل منا بشيء. أركان الترويكا يتنافسون على الصلاحيات، فهل هناك تنافس بين "الرئيسات"؟ - نحن لا نتنافس على أي شيء، فلكل شخصيتها وحدودها ومركزها. كما تعمل كل منا وفق قدراتها. وأنا سعيدة جداً لأن السيدتين نازك الحريري ورندة بري تعملان في الحقل الاجتماعي. قيل ان العلاقة بين الرئيسين الهراوي والحريري قديمة وعائلية، فهل بدّلت السلطة من طبيعة هذه العلاقة؟ - هي ليست قديمة بالمعنى الصحيح. فهما يعرفان بعضهما منذ سنوات عدة، لكن اتفاق الطائف هو الذي عمّق العلاقة. وإن كانت السلطة بدّلت العلاقة السياسية فإن الصداقة تبقى. وماذا عن الزواج المدني؟ - أنا أؤيد الرئيس الهراوي مئة في المئة، لكن الأمر للأسف تسيَّس وأخذ منحى ثانياً في الوقت الذي كان يمكن أن يتخذ منحى طبيعياً. وأنا، شخصياً، أطلب من الناس ان تفكر في المستقبل وأن تقبل بالعيش المشترك، وأذكرهم بأن الوطن للجميع والدين لله.