القرار الذي اتخذه الأمين العام لاتحاد النقابات التونسية اسماعيل السحباني وحمل اجهزة المنظمة النقابية التونسية على الموافقة عليه، أحدث مفاجأة حقيقية. فقد أصدر اتحاد النقابات قراراً بالعفو عن حوالي 20 من كبار القياديين الذين تعرضوا خلال العامين أو الثلاثة أعوام الأخيرة الى قرارات عقابية "لاتخاذهم مواقف مضادة للعمل النقابي"، حسب الأمين العام والمجموعة المحيطة به، ولاعتمادهم التعبير عن مواقف لا تتفق مع توجهات الأمين العام، حسبما أكدوه لأكثر من مرة. وإذا كانت هذه القرارات بالعفو لا تعيد القياديين الى مراكزهم اثنان منهم كانا في القيادة العليا للاتحاد، أحملة بن رميلة وعبدالمجيد الصحراوي، وواحد منهم يتحمل مسؤولية قيادة اقليمية، وبالتالي يتمتع بحق حضور اجتماعات القيادة العليا فإنها تعطيهم حقوق العودة لممارسة النشاط النقابي والترشح والتصويت، سواء للهيئات القاعدية أو الوسيطة وحتى للقيادة العليا لمناسبة المؤتمر العام للمركزية النقابية التونسية في نهاية العام، وذلك تحضيراً للمواعيد الانتخابية المنتظرة في خريف 1999 والتي تهم الانتخابات الرئاسية والاشتراعية. وتعد المركزية النقابية التونسية احدى أهم التنظيمات الجماهيرية في البلاد ويفوق عدد اعضائها نصف مليون وربما أكثر من ذلك وفقاً لبعض التقديرات في الأوساط السياسية، كما انها تقدم دعماً كبيراً للسلطة يصفه بعضهم بأنه دعم نقدي، وتواصل القيام بإضرابات في بعض القطاعات، لكن بصفة تعتبر معتدلة غالباً في اطار من حرص جماعي من كل الأطراف على الحفاظ على جو من السلام الاجتماعي الذي يعتقد القياديون النقابيون انه ضروري لتشجيع الاستثمار وهو العنصر الضروري لإيجاد فرص عمل جديدة واحتواء البطالة التي تؤكد الجهات الرسمية ان مستوياتها تبلغ 15.6 في المئة من مجموع السكان الذين هم في سن العمل. ويبدو ان هذا العفو النقابي المقرر يتجه الى اعادة أقل ما يمكن من الانسجام الى صفوف المركزية النقابية وتحسين صورة الأمين العام اسماعيل السحباني الذي تمكن على مدى السنوات التسع الأخيرة من تحقيق انجازات للعمال، خصوصاً في مجال زيادات الأجور السنوية. ويتوقع ان يترشح السحباني مجدداً لانتخابات قيادة اتحاد النقابات برضا السلطات التي تثني على اعتداله ونجاحه في التوفيق بين معادلتين صعبتين: تحقيق منافع للعمال وعدم ازعاج كبير لرجال الأعمال إلا في مناسبات قليلة جداً استعمل فيها ضغط الاضراب أو التهديد به.