تكلم أو اكتب أو تاجر في ما يتعلق بالجنس، واضمن أنك ستجد آذاناً صاغية، وعيوناً مفتوحة، وقوة شرائية هائلة. وهذا تحديداً ما حدث في مصر في الاسابيع القليلة الماضية. حين اجتاحت حمى "الفياغرا" الأوساط الثرية والشعبية وما بينهما من دون سابق إنذار، بشكل دعا إلى التشكيك في فحولة المصريين. واستحضرت الهزة القوية التي أحدثتها أحلام الفياغرا مشاهد من فيلم "النوم في العسل" للفنان عادل إمام الذي اكتشف أن فيروساً ما أصاب كل الرجال بالضعف الجنسي. ولما كان الحديث عن الجنس من المواضيع الحرجة التي لا تطرح عادة للنقاش على الملأ، فقد قفز "الفياغرا" الى اهتمام المجتمع بشكل واضح، واتسعت الساحة للمرة الأولى لرجال الطب أو الدين أو الأمن أو الجمارك أو الصيادلة، كل يدلي بدلوه في مجال تخصصه. وعلى رغم أن تداول حبوب "الفياغرا" مسموح من قبل هيئة الدواء والغذاء الأميركية FDA، بعدما خضعت لأبحاث على مدى عشر سنوات إلا أن الاتجاه العام بين أطباء مصر يميل الى التشكيك في هذه الحبة الزرقاء، خصوصاً أن اهتمام العامة لا يتجه الى فهم التركيبة الطبية للعقار الجديد، لكنه منصب على أمل واحد وهو إسدال الستار على الضعف الجنسي. وأعلن أكثر من طبيب مصري حبوب "الفياغرا" لا تجلب الرغبة الجنسية ولا تعيد الشباب - كما يتصور بعضهم - لكنها تنتج تغييرات جنسية تختلف بتفاوت الاعمار. فيما أكد آخرون أن هذه الحبوب قد تؤدي الى هبوط في ضغط الدم أو وظائف القلب. الدكتور إيهاب نجيب أخنوخ، اختصاصي الأمراض الجلدية والتناسلية ألقى الضوء ل "الوسط" على زاوية لم يتطرق إليها كثيرون، فقال: "قوة الرجل الجنسية تعتمد على أربعة عوامل: الأعصاب، والحالة النفسية، والشرايين والأوردة، والهرمونات. والدواء الذي يفيد في علاج الضعف الجنسي الناتج عن خلل في الاعصاب لا يفيد في علاج الضعف الناتج عن خلل الشرايين، وهكذا". ويمحو أخنوخ بذلك الاعتقاد السائد لدى كثيرين بأن "الفياغرا" السحرية تعالج الضعف الجنسي بغض النظر عن أسبابه. ويستطرد قائلا: "الفياغرا تنشط جنسياً عن طريق زيادة ضخ الدم في شرايين العضو الذكري، لكن إذا كان سبب الضعف الجنسي مختلفاً عن ذلك، فهو لا ينفع، إن لم يكن سيضر". ويضع أخنوخ "الفياغرا" في حجمها الحقيقي، فيقول: "ابتكروا قبل سنوات دواءً لمرضى ضغط الدم المرتفع اسمه مينوكسوديل، لكن وجدوا أن شعر المرضى بدأ في النمو، بينما لم يتأثر ضغطهم، فابتكروا الدواء على شكل دهان يستخدم حالياً لعلاج سقوط الشعر، وهذا بالضبط ما حدث مع الفياغرا التي كانت دواءً يباع لعلاج مرضى القلب، بنحو 126 جنيها، لكنهم وجدوا أن قوة المرضى الجنسية زادت بعد تناولها". الحملة الأخيرة، التي صيغت في وسائل الإعلام باسلوب أضفى على "الفياغرا" صفة السحر، كانت كفيلة بدفع الرجال دفعاً الى الصيدليات المشهورة في مصر ببيع الأدوية المستوردة. بأي ثمن والحكايات كثيرة عن رجل الأعمال الذي طلب من الصيدلي أي مبلغ يطلبه في مقابل الحصول على "السحر الأزرق"، والعامل البسيط الذي استدان مئة جنيه - هي أجره عن شهر كامل - ليحل المشكلة التي نغصت عليه حياته، وبدء محاولات بيع أقراص تشبه الفياغرا لا يزيد سعرها على عشرة قروش بعشرات الجنيهات. ومع تضارب الأسعار التي تناقلها الناس بين 40 و60 و80 ومئة جنيه مصري عن الحبة الواحدة في الصيدليات، شنت أجهزة الأمن المصرية حملات مكثفة على الصيدليات لمصادرة "الفياغرا"، "لأنها دخلت الأسواق المصرية بطريقة غير قانونية من الخارج". كما صدرت تعليمات الى المنافذ الجمركية لتفتيش القادمين من الخارج لمنع "تسلل تلك القوة الجنسية الكامنة في الحبة الزرقاء". وفي الوقت نفسه طالب مسؤولو الجمارك تزويدهم بنموذج لعلبة "الفياغرا" وشكل أقراصها لتعرف العاملون في الجمارك عليها ويسهل ضبطها. وحفاظاً على صحة المواطن المصري رفضت لجنة تسجيل الأدوية في وزارة الصحة تسجيل "الفياغرا"، بحجة "حداثة استخدام هذا المستحضر، ما يعني عدم توافر الوقت الكافي لظهور آثاره الجانبية أو للتأكد من عدم وجودها". ويضيف أخنوخ سبباً آخر يدعم عدم الاستعجال في استخدام "الفياغرا" فيقول: "إذا تناول المصاب بالضعف الجنسي هذا الدواء، وهو لا يفيد حالته، فإنه بذلك يضاعف من رغبته الجنسية في حين أن قدرته الفعلية غير موائمة، ما يسبب له إحباطاً شديداً". ولمن لم يقتنع بذلك، يقول أخنوخ "ولنفترض أن رجلاً في الخمسين متزوج من امرأة في الأربعين تناول الدواء، وأصبحت قوته الجنسية كأنها لشاب في العشرين، فماذا سيكون موقف الزوجة؟". البورصة المصرية لم تنتظر قرار الزوجة في هذا الشأن، لكنها قفزت بأسهم الشركة المعنية من نحو 14 جنيهاً مصرياً الى ما يزيد على 32 جنيهاً مصرياً. وتحديداً بدأت اسهم الشركة في الارتفاع يومياً منذ أواخر شهر نيسان ابريل الماضي بنسبة خمسة في المئة، ووصل سعر الإغلاق يوم 18 آيار مايو 96،30 جنيه. وعلى رغم هذا الارتفاع إلا أن عضو مجلس إدارة شركة السلام للوساطة في الأوراق المالية السيد علي عامر يؤكد أن هذا الارتفاع غير مقنع ويدعو الى التمهل "لكن إذا أصر العميل على شرائها، فنحن نحقق له رغبته، وأغلب التعامل في مثل هذه الأسهم يكون بغرض المضاربة". ويلفت نائب رئيس مجلس إدارة السلام المهندس اسامة عيسى الى أن الشركة المعنية جذبت معها بقية شركات الأدوية الشهيرة الاخرى، إذ أن مثل هذه الشركات عادة ما تدمج أسهمها. ويلفت عيسى الى أن الأرباح التي تحققها الشركة المصنعة للفياغرا تصب في الشركة الأم، "وحتى لو تم تصنيع الفياغرا في مصر، فستصب نحو 90 في المئة من الأرباح في الشركة الأم، ثم إن الدواء المصنع في الخارج عادة يكون أكثر فعالية من مثيله المحلي، وهو ما يفسر نصيحة بعض الأطباء للمرضى بتناول ستة أقراص من الدواء المصري مثلاً أو ثلاثة من مثيله الأجنبي. وهذه حقيقة لا يمكن أن نغفلها". والحقيقة الثانية، كما يحددها عيسى، هي أن عدد أسهم الشركة المطروح للتداول في بورصة القاهرة قليل، وحجم الشركة نفسه صغير، لذا زاد الطلب في ظل عدم وجود عرض، ولجأ المتعاملون الى زيادة سعر السهم يومياً نحو خمسة في المئة. ويلفت عيسى الى أن نجاح الشركة في هذا المجال يتوقف على عنصرين: أن تجري وزارة الصحة المصرية أبحاثها على الدواء، وتجيز تداوله رسمياً، وبما أن الشركة المصنعة له في الولاياتالمتحدة لها فرع في مصر فأن هذا الفرع هو صاحب التوكيل الوحيد إما باستيراده واما تزويده بمادته الفعالة لتصنيعه في مصر. إلا أن وزارة الصحة التي يقع على عاتقها حالياً مهمة "تهدئة الهوس الفياغري" المصري، لا تزال تتخبط حيال القرار الذي يجب عليها اتخاذه. فقبل أيام أعلنت الصحف أن الدواء سيطرح في مصر في تشرين الأول اكتوبر المقبل بعد موافقة لجنة الفارماكولوجي في وزارة الصحة عليه، واستكمال إجراءات الترخيص بإنتاجه. وبعدها بأيام، خرجت الصحف نفسها لتعلن أن لجنة تسجيل الأدوية في وزارة الصحة رفضت تسجيل مستحضر أقراص "الفياغرا" لحداثة استخدامه وعدم التأكد من خلوه من الآثار الجانبية. وتمت مصادرة ما عثر عليه - بطريقة عشوائية - في الصيدليات. وفي مناسبة العشوائية، فقد أطلت - ضمن هوجة الفياغرا - إحصائية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء 1995 تشير الى أن عدد الرجال المتزوجين في مصر يبلغ 11 مليون رجل، وأن مرضى العجز الجنسي بينهم يقدر بنحو 30 في المئة. ويضحك الدكتور إيهاب أخنوخ كثيراً من هذه الاحصائية، ويقول "ليس لدينا في مصر إحصاءات دقيقة، وأغلب الظن أن هذه الاحصاءات أجريت عن طريق إحصاء عدد المرضى من الرجال المترددين على عيادات مستشفى قصر العيني، وبينهم نسبة الرجال الذين يعانون ضعفاً جنسياً، ثم تعميم النسبة". ويضيف: "هي إذن - نسبة 30 في المئة مرضى العجز الجنسي - غير صادقة". ويصف أخنوخ الضجة المثارة حول الفياغرا حالياً ب"هوجة، تماماً مثلما حدث إبان اكتشاف تدليك البروستاتا لعلاج الضعف الجنسي، ثم ابتكار عقار الميلاتونين الذي ثبت أنه وهم، وحالياً "الفياغرا". ومثلما أثبت كل من الميلاتونين والاستنساخ ومصارعة الثيران الحضور على مكتب المفتي، فقد لحق بها "الفياغرا". وتنفس كثيرون الصعداء بتأكيد الدكتور نصر فريد واصل أن استخدام "فياغرا" لعلاج العجز الجنسي الذي قد يؤثر على حياة الفرد كلها ليس محرماً. ولكن ماذا عن هذا السيناريو؟ لو صح أن "الفياغرا" هي الحبة السحرية التي تعيد الى الرجل نشاطه الجنسي مهما كان سنه وظروفه، فهل سنصحو يوماً لنجد أبناء الخمسين ربيعاً وما فوق يطاردون بنات العشرين. ونجد الأزواج من الشباب وقد جمعوا بين زوجتين، وثلاث، وأربع؟ وإلى حين انقشاع شبح هذا السيناريو المفزع للنساء والرائع للرجال، دعونا نكتفي بنصائح الجدات لدفع الزوج الى أكل الاستاكوزا والجمبري والحمام والكوارع و"لو علمت الزوجة فائدة الجرجير لزرعته تحت السرير". وعموماً فإن فياغرا، ميلاتونين، جرجير، جميعها يشير الى صحة نظرية فرويد في شأن الدور المحور ي للجنس في حياة البشر .