توقفت طويلاً أمام عنوان تحقيق طريف عن الصلع في مجلة "الاندبندنت أون صنداي" الرصينة عادة الأسبوع الماضي، فهو كان "لماذا لا يلبس الخصيان شعراً مستعاراً"، مع عنوان فرعي يقول ان "الخصي يمنع الصلع ولكن ألا تفضل حلاً أقل تطرفاً؟". العنوان ذكّرني بشيء أعرفه او قرأته، وحاولت عبثاً خلال النهار ان استعيده من أعماق الذاكرة. غير انني صرخت في آخر الليل، وأنا اتفرج على التلفزيون قبل النوم: "وجدتها"، فقد تذكّرت انني قرأت عن الموضوع في الزمان الغابر في كتاب "الحيوان" للجاحظ. كان القدر رحيماً بي، فأنا أملك نسخة كاملة من "الحيوان" تقع في مجلدين، كل منهما في جزءين، وبدأت أقلب الصفحات سريعاً فوجدت غايتي في الجزء الأول من المجلد الأول. ولا أريد ان أدخل في تفاصيل باب عن الخصيان في الكتاب المشهور فقد كانت هناك حرية كلام لم تعد متوافرة لنا الآن غير انني وجدت قوله "الخصي لا يصلع كما لا تصلع النساء" وهو في حاله الجديد "يخرج من أكثر معاني الفحول وصفاتهم، وإذا أخرجه من ذلك الكمال صيّره كالبغل الذي ليس هو حماراً ولا فرساً، وتصير طباعه مقسومة على طباع الذكر او الأنثى…". واكتفي من الأدب القديم بما سبق لأعود الى المقال الذي بدأت به، وكتبته هيلاري بوير، فهو يدور حول دواء جديد لمنع الصلع سمحت به ادارة الطعام والدواء الأميركية يضم مادة "فينسترايد"، ويباع باسم "بروبيسيا" التجاري. الدواء الجديد ليس وصفة سحرية تشفي كل صلع، فهو يؤخذ على شكل حبّة دواء، مرة في اليوم، ويحتاج الى وقت طويل قبل ان يظهر أثره، وبالتأكيد فهو ينجح مع نسبة محدودة فقط من الذين يتعاطونه. ونادراً ما يعود الشعر كثيفاً كما يذكره صاحبه. ثم ان هناك خطر العوارض الجانبية، وهذه لن تظهر إلا في المستقبل البعيد، مع ان المقال يسجل ان ثمة معلومات منذ الآن تشير الى تأثير الدواء الجديد في القدرة الجنسية لمتعاطيه، ما يعيدنا الى الجاحظ وموضوع الخصي. الواقع ان ادارة الطعام والدواء الأميركية اجازت في الماضي دواءً واحداً يعيد الشعر هو الذي عرف تجارياً باسم "ريغين"، وأساسه مادة "مينودكسيل" التي اكتشف الباحثون بالصدفة انها تعيد الشعر، فقد كانوا يختبرونها على رجال ونساء لتخفيض ضغط الدم العالي، ولاحظوا انها تساعد في عودة الشعر الى الرجال. بل انها جعلت الشعر ينمو في أماكن من جسم المرأة، مثل الساعدين، يفضل ان تبقى من دون شعر. ولا بد ان تتبع "ريغين" و"بروبيسيا" أدوية أخرى، ولا بد ان ينجح الطب الحديث في النهاية في الخروج بعلاج ناجع فعلاً، فهو يعرف الآن ان نمو الشعر مربوط في الرجال بعنصرين في الهورمون "تستسترون"، أحدهما وراثي. ومع ان النظام نفسه يتحكم في نمو شعر المرأة، إلا انها لا تفقد المادة المطلوبة إلا بعد ان تتوقف عن الانجاب، أي بعد الاربعين وربما الخمسين، في حين يفقد الرجل هذه المادة في الثلاثينات والأربعينات، وأحياناً في العشرينات. وقرأت ان كيلوباترا أهدت القيصر يوليوس عقاراً من دهن الغزال وسن الحصان والزيت لشفائه من الصلع. ولا أدري لماذا يحتاج قيصر روما الى اعادة شعره، فعنده مواصفات تعوض عن الشعر، كما لا يوجد عند الناس "الغلابة" مثلنا. يقال للرجل العادي انه إذا كان أصلع في مقدمة رأسه فهو صاحب جاذبية جنسية، وإذا كان أصلع في مؤخرة رأسه فهو مفكّر. وإذا كان أصلع في مقدمة الرأس ومؤخرته فهو يفكر ان عنده جاذبية جنسية. ووجدت ان بعض الناس من الصلعان حسّاس في موضوع الشعر، وهو موقف غريب لأنه حسّاس حيال شيء غير موجود. كل ما أنصح القارئ الأصلع به، ان يعتبر صلعته من تلك الرقائق التي تجمع الطاقة الشمسية، وأنه مهما فعل لا يحاول تغطية صلعته بشعر مستعار باروكة فهذه لا تجعله يبدو أصغر بعشر سنوات، وانما تجعله يبدو أسخف بعشر سنوات .