لنفرض ان بحوزتك خمسة ملايين ريال سعودي وتريد ان تستثمرها. ماذا انت فاعل بها؟ لا شك انك ستفكر في الاستثمار ذي العائد الاسرع والاكبر. هذه هي القاعدة الذهبية في عالم التجارة. غير ان هاني العوفي مدرس علوم الاحياء السابق كان له رأي آخر، اذ اختار الطريق الصعب للاستثمار، فلم يفكر في مطعم للوجبات السريعة أو لاستيراد العطور أو في تجارة الشقق المفروشة، بل افتتح معرضاً للزواحف يقدم معلومات علمية وثقافية كاملة عن الزواحف بكل انواعها وفصائلها من ثعابين وسلاحف وسحالي ليكون بذلك اول سعودي يفتتح معرض قطاع خاص من هذا النوع في السعودية والشرق الاوسط ولا شك في انه من القلائل على مستوى العالم، لأن اكثر من 99 في المئة من مثل هذه المتاحف والمعارض في العالم تملكها الحكومات. كانت البداية منذ سبع سنوات. يقول العوفي: "كنت أعمل آنذاك مدرساً للاحياء، وأشرح للطلاب حيوانات لم أرها، ولا أعلم عنها شيئاً. ولكن اتساءل كيف يمكن ان أقدمها بشكل مبسط ودقيق في الوقت نفسه؟ لذا أنشأت معرضاً صغيراً في المدرسة جمعت فيه بعض الثعابين والسحالي. فوجئت بالاقبال الكبير عليه حتى من خارج المدرسة. وعندما سافرت للخارج رأيت في كل مدينة متاحف متخصصة. وتساءلت: لماذا لا يوجد مثلها في بلادنا ونحن لدينا المال والكفاءات؟ اذن لا بد من هذه المعارض والمراكز حتى يخرج من عندنا علماء وطلبة علم على مستوى جيد. ولو توفرت لدينا المتاحف والمعارض بمثل هذه الصورة لتغير وضعنا العلمي تماماً. لهذا بدأت منذ سبع سنوات التخطيط لاقامة معرض متخصص للزواحف يجمع بين التعليم والترفيه وتقديم مادة علمية ثقافية تربوية كاملة". ولكن لماذا الثعابين والزواحف على وجه التحديد؟ - لأن الناس يجهلون الكثير عنها وعن اهميتها، فالثعابين من الحيوانات السرية ذات النشاط الليلي، تعيش في اماكن بعيدة عن الناس، ولخطورتها خلق الناس حولها الاساطير والخرافات. وإقامة مثل هذا المعرض يساعد في ازالة وتصحيح الكثير من المفاهيم عند معظم الناس. مثلاً يعتقد كثير من الناس ان الثعابين كلها ضارة، وهذا غير صحيح. اذ ان انواع الثعابين في العالم تقارب ال 2500. ثلثها فقط سام، والباقي غير سام. كما اننا نوضح للناس الدور المهم التي تلعبه الثعابين في الحفاظ على البيئة وخطورة القضاء عليها، لأن القضاء عليها بشكل غير متزن يؤدي الى زيادة القوارض والثدييات الصغيرة التي تتغذى عليها الثعابين، وهو خلل له تأثير سيء على التوازن البيئي اذا زاد عددها على الحد المطلوب. لكن هذا لا يعني ان نترك الثعابين طليقة، بل من المهم ان نتعرف الى الانواع التي تعيش في السعودية وكيف نفرق بين السام منها وغير السام. ونقوم كذلك باعطاء معلومات عن لدغات الثعابين وكيفية التصرف السريع في مثل هذه الحالات، وماذا يفعل الانسان اذا اضطر للسير في اماكن مأهولة بالثعابين، وماذا يلبس، وما هي الثعابين التي يمكن مسكها باليد من دون خطر، وتلك التي يجب عدم امساكها باليد، وذلك من خلال مجسمات. اذن نحن نركز على النواحي السلوكية والتربوية وهذا لا يقدم في أيِّ معرض أو متحف في العالم. ألا ترى انك تبالغ في وصف هذا المعرض وانه لا يوجد مثله في العالم؟ - لا أبالغ عندما أقول ان ما نقدمه في هذا المعرض لا يقدم في اي معرض في العالم، فقد زرت كل المعارض المشابهة، وتميزنا عنها أشياء كثيرة، منها ان لدينا اكبر عدد من الزواحف في مكان واحد، وهو لهذا يعتبر اكبر معرض متخصص في الزواحف في العالم. بل ان لدينا سحلية سامة ثمنها 25 ألف ريال لا توجد في اي معرض في العالم، حصلت عليها بعد مراسلات دامت عاماً مع وزارة الزراعة الاميركية. كما اننا نقدم وجبة ثقافية كاملة عن الزواحف بالعربية والانكليزية، تشمل كل المعلومات عن العينة المعروضة واماكن وجودها، ودرجة خطورتها، وأكلها، وطبيعتها الجسمانية، اضافة الى ما ذكرته سابقاً من المعلومات التي نقدمها حول التوازن البيئي وأهمية الثعابين في ذلك. هذه المعلومات الحيوية يستفيد منها الجميع، من الشخص العادي حتى المتخصص في هذا المجال. ونقدم ايضاً عروضاً للزائرين عن كيفية استخراج السم من الثعابين. ببساطة الزائر يخرج من هنا وهو يعرف كل شيء عن الزواحف. ابرز ما يُميزنا "صالة الشجعان" وهي غرف نسعى من خلالها الى ازالة الخوف الموجود لدى الناس من الثعابين غير السامة، عن طريق تركها حرة خارج الصناديق لمن شاء ان يلمسها ويداعبها. أقول اننا، وان كنا لسنا الاوائل، الا اننا متميزون عن الذين سبقونا بمئات السنين، ولدينا شهادات بذلك من الزوار آخرهم عمدة غرناطة الذي قال انه زار الكثير من المعارض لكنه لم ير معرضاً متخصصاً بهذا الشكل والحجم. نعود الى البدايات. ماذا عن الصعوبات التي واجهتك؟ - طبعاً لا يوجد مشروع من دون صعوبات، خصوصاً ان المشروع كان الاول من نوعه في السعودية، ولا توجد هناك مشروعات مماثلة استرشد بها. وكانت اول مشكلة هي ايجاد فنيين لهم القدرة والجرأة في التعامل مع الزواحف، لأنه لا يوجد عالياً سوى عدد محدود من الاطباء البيطريين المتخصصين في الزواحف. وتغلبت على هذه المشكلة باستقطاب عدد من الاطباء البيطريين والمتخصصين في علم الحيوان، اضحوا الآن عملة نادرة لخبرتهم في التعامل مع الزواحف. واجهتني ايضاً مشكلة جمع العينات الخطيرة والمحافظة عليها في الأسر، وهذا شيء صعب جداً يحتاج الى اطلاع ومتابعة وعدم ملل. فكنت اقضي جزءاً من السنة في السفر والذهاب الى المتاحف العالمية لتصوير وتسجيل وتوثيق كل شيء لديهم. وبقية السنة اذهب لصيد الثعابين من الصحراء السعودية. حتى في الحيوانات المستوردة كانت تقابلنا مشاكل كثيرة، لأن المصدرين كانوا يرسلونها من دون اي معلومات عنها، لهذا لجأت الى التعاون مع بعض اعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية لتقديم الخبرات العلمية المهمة للتعرف الى الحيوانات والحفاظ عليها وتوثيق المعلومات الخاصة بها ولتسهيل ذلك انشأنا مكتبة ضخمة تضم كل ما يتعلق بالزواحف. اما المشكلة الثالثة فكانت الخوف الذي انتابني من احتمال الفشل الجماهيري للمشروع وعدم اقبال الناس عليه. ولكن جاءت النتائج بما لا اتوقعه. وكان الاقبال كبيراً جداً. وبماذا تفسر هذا الاقبال الجماهيري؟ - الناس بطبيعتها تُقبل على كل ما هو غير مألوف وخصوصاً الالعاب والاشياء الخطرة. ايضاً لا بد ان ندرك ان تركيبة مجتمعنا تغيرت، واصبح الاب يحرص على الترفيه لأبنائه نهاية الاسبوع، مع تغير النظرة الى الترفيه اذ اضحى الناس يفضلون الترفيه مع العلم، فاذا كنا نحن الوحيدين الذين نقدم لهم كل هذه الاشياء فكان من الطبيعي ان نجد هذا الاقبال على رغم تخوفي قبل ذلك. وهل يدار المشروع على اسس تجارية؟ وكم كلفته؟ وهل بدأت تجني أرباحاً؟ - طبعاً، أي مشروع، وخصوصاً اذا كان غير حكومي، لا بد من ان يدار بمنطق الربح والخسارة. وقبل ان ابدأ في هذا المشروع الذي تكلف خمسة ملايين ريال حسبت كل كبيرة وصغيرة ودرست احتمالات الفشل والنجاح واستعنت بمستشارين اقتصاديين. كنت أعلم ان هناك نسبة مخاطرة، وكانت في ذهني المشاكل الكبيرة التي تعاني منها حديقة حيوان لندن التي اوشكت على الافلاس والاغلاق منذ فترة، لكني استطعت ان اصل - بفضل الله - بالمشروع الى بر الامان. وتكلفة التشغيل لا تمثل هماً الآن. اما اذا كنت تقصد استرداد رأس المال فهذا لن يكون قبل سنوات عدة، كأي مشروع تجاري. تقول ان المشروع كلف خمسة ملايين ريال وما أراه امامي لا يوازي هذا المبلغ... - ما تراه الآن هو نصف ما نملكه من معروضات لضيق المساحة، فلدينا حوالى 120 حيواناً نعرض منها 60 فقط، فضلاً عما لدينا من ادارات مساندة واطباء بيطريين ومستشارين اقتصاديين وشرعيين. كما ان لدينا بيتاً للحيوان انشئ بطريقة علمية وفنية لتكاثر الحيوانات المحلية والمستوردة، فالمتبع في العالم الآن ليس صيد الحيوان وانما إكثاره في الأسر لتقليل التكلفة والمخاطرة. ونحن نجحنا في اكثار بعض انواع الثعابين والسحالي، ولدينا نوع من السحالي احضرنا منه سبعاً، صار لدينا منها الآن 33 سحلية، كما نجحنا في توفير أكل الحيوانات من الفئران والصراصير بدلاً من شرائها الى درجة انه اضحى لدينا فائض في القوارض نقوم بقتلها وتجميدها وتقديمها الى الحيوان عند الحاجة. لكن الشائع ان الحيوان لا يأكل طعاماً مذبوحاً أو بارداً... - هذا صحيح. وللتغلب على ذلك نقوم بتسخين القوارض والصراصير على فرن الميكرويف وتقدم الوجبة ساخنة الى الحيوانات فينخدع ويأكلها. هل تعتقد ان هذه المشاريع مربحة الى الحد الذي يجعل رجال الاعمال يقبلون عليها؟ - لو ان ما انفقته على هذا المشروع انفقته على مشروع آخر مثل الشقق المفروشة او الملاهي الترفيهية لكسبت اضعاف ما سأحققه في المعرض. انا لا اقول انه غير مربح ولكن هناك مشاريع اخرى كثيرة تدر عائداً أسرع وأكثر. وأنا أرحب بدخول رجال الاعمال هذا المجال، لكن اشير الى ان المال ليس هو الفيصل في هذه المشاريع، بل الخبرة الاكاديمية العلمية هي الاهم، فنحن نتعامل مع حيوانات خطيرة تحتاج الى خبرة خاصة في التعامل معها وأكلها وتسكينها والحفاظ عليها. ولولا عشقي الشديد منذ كنت طالباً لهذه الاشياء، ورغبتي الشديدة في تقديم شيء تربوي تعليمي الى بلدي، لما اقدمت على هذا المشروع. ألم تحصل على دعم من أي جهة؟ - قدمت الينا الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض المكان الحالي مجاناً لفترة محدودة، الى جانب الدعم المعنوي من المسؤولين. اما الدعم المادي فكما قلت لك ان التمويل كان ذاتياً بالكامل.