عاد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو الى اسرائيل بعد ما قضى ساعات من المحادثات مع الرئيس الأميركي بيل كلينتون لبحث الخيارات الممكنة لاعادة انتشار القوات الاسرائيلية من نسبة ضئيلة من مساحة الضفة الغربية. ويركز الديبلوماسيون اهتمامهم الآن على تفصيلات الانسحاب الاسرائيلي المقترح، الذي سيعطي الرئيس ياسر عرفات، اذا ما حدث هذا الانسحاب فعلاً، الفرصة لاسترداد جزء من الأراضي لا يمكن وصفها الا بأنها من سقط المتاع. ومن الواضح ان الاسرائيليين باتوا الآن على وشك الاجابة عن السؤال الجوهري الذي قامت عليه عملية أوسلو وهو: "أي نوع من فلسطين تريد اسرائيل ان يظهر في الضفة الغربية؟" اذ ان مناقشة هذا السؤال الجوهري اخذت تحتدم بين الاسرائيليين. فمنذ ان تولت حكومة نتانياهو السلطة في أواسط العام 1996 حدث تغيير جذري في السياسة الاسرائيلية بهدف تقرير "الوضعية النهائية". فبينما كانت الحكومات الاسرائيلية السابقة ترفض من حيث المبدأ الافصاح علناً عن مطالبها الجغرافية نجد ان اعضاء حكومة نتانياهو يديرون نقاشاً لم يسبق له مثيل للبحث في المطالب والضرورات الاقليمية والجغرافية التي ستصر عليها اسرائيل كجزء أساسي من أي اتفاق على الحل النهائي مع الفلسطينيين. ورافق هذا النقاش العلني والتغيير الواضح في الموقف الاسرائيلي نشر تفاصيل مبهمة وغامضة احياناً بل وناقصة في بعض الاحيان الاخرى، لثلاث خرائط مترابطة لكنها متميزة عن بعضها في الوقت نفسه، وهي "خريطة المصالح الامنية" التي اعدها الجيش الاسرائيلي، وخريطة نتانياهو نفسه وهي عبارة عن تعديل لخريطة آلون المشهورة، ثم خريطة أرييل شارون. وعلى رغم كل ما سمعناه من حديث عن هذه الخرائط الثلاث، فإن السلطات الاسرائيلية لم تنشر في الواقع أياً منها بصورة رسمية أو مفصلة، مما فتح الباب بالطبع أمام سيل من التكهنات والتوقعات، لا سيما فيما يتعلق بالمستوطنات اليهودية التي تريد اسرائيل ضمها اليها او استثناءها من خريطة التسوية النهائية. ومع هذا فإن النسخ المنقوصة التي نشرتها الصحف لهذه الخرائط تكشف عن بعد مهم جداً وهو اصرار إسرائيل على الاحتفاظ بالسيطرة الاستراتيجية المطلقة على كامل المنطقة الممتدة بين البحر الأبيض المتوسط غرباً ونهر الأردن شرقاً، مثلما تكشف لنا عن مدى المطالب الجغرافية والاقليمية الإسرائيلية وعلاقة المستوطنات والطرق وعناصر البنية التحتية الاساسية الاخرى بهذه المطالب. كذلك تعطي تلك الخرائط دليلاً قاطعاً على التحول الذي يشهده ليكود وعلى بدء قبوله مرغماً حقيقة الدولة الفلسطينية، وحقيقة استحالة الابقاء على "كامل أرض اسرائيل تحت السيادة اليهودية" لأن هذا الهدف السياسي لم يعد ممكناً. كذلك تقدم الخرائط دليلاً أكيداً وواضحاً على بدء ظهور اجماع اسرائيلي يؤيد الاحتفاظ بالقدس الكبرى "الى الأبد" وبنصف الضفة الغربية على الأقل علاوة على الاحتفاظ بالغالبية الساحقة من المستوطنات اليهودية ايضاً. اما بالنسبة الى قطاع غزة حيث لا تزال اسرائيل تسيطر حتى اليوم على نسبة أربعين في المئة من أراضي القطاع فلم تظهر أي معلومات أو تفصيلات عن المطالب الجغرافية الاسرائيلية النهائية هناك. ففي 16 كانون الأول ديسمبر الماضي أصدر مجلس الوزراء الاسرائيلي بياناً رسمياً عقب اجتماعه جاء فيه: "وجد الوزراء بعد درس الخرائط التي طرحت في الاجتماع ان ما يجمع بينهم ويوحدهم اكبر كثيراً مما يفرق بينهم. وقد اتفق الوزراء على ان أي تسوية نهائية مع الفلسطينيين ستضمن لاسرائيل المناطق والمصالح الحيوية وهي: غور الأردن أي المنطقة الأمنية في الشرق، والمناطق الواقعة حول مدينة القدس الكبرى، أي المنطقة الأمنية في الغرب، والتجمعات والمراكز السكانية اليهودية والمناطق المحيطة بها لضمان توسعها وتطورها، والطرق المؤدية اليها ومنها، ومصالح اسرائيل الحيوية في المياه، والمواقع والاماكن ذات الاهمية التاريخية والدينية أو القومية". وفي هذا البيان بحد ذاته ما يكفي للتدليل على ان جميع تلك الخرائط لن تلبي حتى ادنى توقعات القيادة الفلسطينية، دعك عن طموحات الشعب الفلسطيني وأمانيه. فالمشكلة الكبرى هي ان عملية أوسلو لم تعد مفاوضات بين الفلسطينيين واسرائيل بقدر ما اصبحت في الواقع مجرد مفاوضات ومناقشات داخلية بين الاسرائيليين انفسهم، للبحث في مطالبهم الجغرافية وسيادتهم وسلطتهم أولاً ثم لدرس ما يريدون عرضه من سلطة أو سيادة وأرض على الفلسطينيين. ولهذا فان من الخطأ الجسيم اعتبار هذه الخرائط، والاهم من ذلك اعتبار الأهداف الاستراتيجية التي تجسدها، تعبيراً غير واقعي لما يمكن لاتفاق مثل اتفاق أوسلو ان يعطيه. في أواسط العام 1997 نشرت الصحف الاسرائيلية تفاصيل للخريطة التي وضعها نتانياهو نفسه لتسوية الوضعية النهائية. وقد وصف نتانياهو تلك الخريطة بأنها تعديل ايجابي لمشروع آلون. وتلتزم هذه الخريطة عدداً من المبادئ الجغرافية والاستراتيجية الاصلية التي التزمت بها خريطة آلون، وخريطة شارون التي أوردها في كتابه "تصوري لاسرائيل في نهاية القرن" الذي صدر العام 1977، و"خريطة السلام" التي نشرتها حركة "الطريق الثالث" في العام الماضي. وتنص هذه المبادئ على ان احتفاظ اسرائيل بحدود يمكن الدفاع عنها بسهولة، واحتفاظها بالتفوق الاستراتيجي في المنطقة بأكملها يقتضي تلبية الشروط الآتية: 1- احتفاظ اسرائيل بالسيادة على حزام بعرض 15 كيلومتراً يشتمل على غور الأردن وسلسلة جباله الغربية والصحراء الممتدة الى الجنوب من مدينة الخليل حتى البحر الميت باستثناء منطقة صغيرة تقع الى الشمال من عين فشخة. 2- توسيع الجسر الأمني الجغرافي بين القدس وشاطئ البحر الأبيض المتوسط من خلال توسيع نطاق السيادة الاسرائيلية لتشمل المنطقة الواقعة الى الشمال الغربي من المدينة حتى مستوطنة بيت حورون، وتوسيعها جنوباً حتى تشمل مجموعة مستوطنات كفار عصيون. 3- توسيع مدينة القدس نفسها عن طريق ضم الأراضي الواقعة شمالاً حتى مستوطنة غيفات زائيف ومستوطنة بيت إيل، شرقاً حتى مستوطنة معال أدوميم جنوباً حتى مستوطنات كفار عصيون. 4- إلغاء الاستمرارية الجغرافية والاقليمية للكيان الفلسطيني في الضفة الغربية من خلال وضع المستوطنات اليهودية تحت السيادة الاسرائيلية وانشاء أربعة "ممرات" للنقل بعرض لم يتقرر حتى الآن لتربط بين اسرائيل غرباً وغور الأردن شرقاً. 5- الغاء الاستمرارية الجغرافية والاقليمية بين المدن والمراكز السكانية الفلسطينية المطلة على حدود الخط الأخضر بين السفوح الغربية لجبال نابلس ومنطقة كفر قاسم وأم الفحم الاسرائيلية في الجليل. ولا بد من اجل تنفيذ هذا الشرط من توسيع نطاق السيادة الاسرائيلية من الخط الاخضر شرقاً. وتعترف الخرائط المقترحة بأن الغالبية الساحقة من المستعمرات الاسرائيلية التي يصل عددها الى حوالى 150 ويقطنها اكثر من 160 ألف يهودي ستنضم الى اسرائيل، بينما سيجد بعض المستوطنين ان مستوطناتهم الأخيرة أقل من 20 مستوطنة منعزلة ولا يقطنها سوى اعداد قليلة من المستوطنين. ومن المثير للاهتمام ان خريطة نتانياهو تستثني مستوطنة كريات أربع قرب الخليج من السيادة الاسرائيلية، مع ان عدد سكانها يزيد على خمسة آلاف نسمة. قبل حوالى عام قدمت دائرة التخطيط في الجيش الاسرائيلي خريطة "المصالح الحيوية" الي مجلس الوزراء لمناقشتها. وحدد الجيش في خريطته بواعث قلقه في الضفة الغربية. ومن الطريف ان دائرة التخطيط أعدت تلك الخريطة في البداية بناء على طلب من اسحق رابين خلال محادثات طابا قبل التوقيع على اتفاق أوسلو الثاني في ايلول سبتمبر عام 1995. وطبقاً لهذه الخريطة كان من المفروض ان تسيطر السلطة الوطنية الفلسطينية على نسبة تتراوح ين 40 و45 في المئة من مساحة الضفة الغربية بحلول نهاية المرحلة الثالثة من مراحل اعادة الانتشار الاسرائيلية. اما قطاع غزة فلم يردد له ذكر في هذه الخريطة مما يعني ان خطة اعادة الانتشار تلك لم تكن تشمل الأراضي التي تسيطر عليها في القطاع. والملاحظ في خريطة الجيش الاسرائيلي ان المناطق التي ستخضع للسيطرة الفلسطينية في الضفة الغربية لم تكن متصلة لأن المستوطنات اليهودية والأراضي الاخرى التي ستظل تحت السيادة الاسرائيلية سيطرة الجيش الاسرائيلي تحول دون أي استمرارية جغرافية بين الأراضي الفلسطينية. على سبيل المثال تنص الخريطة على وجوب بقاء غور الأردن بكامله تحت سيطرة الجيش، كما تشمل الخريطة على تعديلات في الحدود بمحاذاة الخط الأخضر وعلى ضم اجزاء كبيرة من أراضي الضفة لضمان توسيع المستوطنات في المستقبل. كذلك تطرح خريطة الجيش نقل نسبة خمسة في المئة من مساحة المنطقة ب الى المنطقة أ بعد المرحلة الأولى من مراحل اعادة الانتشار. وخلال المرحلة الثانية تتحول بقية المنطقة ب الى المنطقة أ مما يعني ان السلطة الفلسطينية ستتولى السيطرة المدنية والأمنية على نسبة 30 في المئة من مساحة الضفة الغربية. لكن اسرائيل لن تتخلى عن أي جزء من المنطقة أ الا في المرحلة الثالثة من اعادة انتشار قواتها. ويقدر وزراء ليكود ان اسرائيل ستحتفظ بصورة دائمة بنسبة 52 في المئة من الضفة بينما يستعيد الفلسطينيون السيطرة على نسبة 48 في المئة من مساحتها بعد انتهاء المرحلة الثالثة من اعادة الانتشار. وتفيد معلومات ان نتانياهو عرض هذه الخريطة التي اعدها الجيش على الرئيس بيل كلينتون خلال الاجتماع الذي عقد بينهما في شهر شباط فبراير العام 1997، لكن لم يصدر عن كلينتون أي رد فعل ايجابي أو سلبي، مما دفع دوري غولد مستشار نتانياهو للسياسة الخارجية الى التصريح بعد ذلك الاجتماع بأقل من اسبوع واحد ان الولاياتالمتحدة لم تعد تصر على انسحاب اسرائيل الى حدود حزيران يونيو العام 1967. وفي تشرين الأول اكتوبر من العام الماضي أعلن الوزير موشيه كاتزاف ان "الخطوط العامة والمبادئ التي ترد في خريطة الجيش الاسرائيلي التي جاءت بطلب من رابين مقبولة لدى هذه الحكومة... لأنها هي الخرطة الأمنية التي ستحدد في نهاية المطاف خطوط الحدود الدائمة لإسرائيل". وفي 14 كانون الأول ديسمبر الماضي قدم وزير الدفاع اسحق موردخاي خريطتين استناداً الى خريطة الجيش تحت عنوان "مصالحنا الامنية المعدلة". وتقضي هاتان الخريطتان بضم 2.52 في المئة من مساحة الضفة الغربية الى اسرائيل بينما تترك 45 مستوطنة من مجموع المستوطنات اليهودية في الضفة خارج نطاق السيادة الاسرائيلية. وفي الخريطة الثانية تقع جميع المستوطنات اليهودية من دون استثناء تحت السيطرة الاسرائيلية لكن هذا لا يعني انها ستتمتع "بكامل السيادة الاسرائيلية". وأشار موردخاي الى ان المستوطنات التي تقع خارج منطقة السيادة الاسرائيلية، طبقاً لخريطة "المصالح الامنية" ستحصل على ترتيبات واتفاقات خاصة تضمن عدم تفكيكها. ومن بين المستوطنات المستثناة تلك التي اقيمت على سفوح الجبال بين مدينتي رام الله جنوباً وجنين شمالاً وبعض المستوطنات الصغيرة المعزولة في جبال الخليل عاد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو الى اسرائيل بعد ما قضى ساعات من المحادثات مع الرئيس الأميركي بيل كلينتون لبحث الخيارات الممكنة لاعادة انتشار القوات الاسرائيلية من نسبة ضئيلة من مساحة الضفة الغربية. ويركز الديبلوماسيون اهتمامهم الآن على تفصيلات الانسحاب الاسرائيلي المقترح، الذي سيعطي الرئيس ياسر عرفات، اذا ما حدث هذا الانسحاب فعلاً، الفرصة لاسترداد جزء من الأراضي لا يمكن وصفها الا بأنها من سقط المتاع. ومن الواضح ان الاسرائيليين باتوا الآن على وشك الاجابة عن السؤال الجوهري الذي قامت عليه عملية أوسلو وهو: "أي نوع من فلسطين تريد اسرائيل ان يظهر في الضفة الغربية؟" اذ ان مناقشة هذا السؤال الجوهري اخذت تحتدم بين الاسرائيليين. فمنذ ان تولت حكومة نتانياهو السلطة في أواسط العام 1996 حدث تغيير جذري في السياسة الاسرائيلية بهدف تقرير "الوضعية النهائية". فبينما كانت الحكومات الاسرائيلية السابقة ترفض من حيث المبدأ الافصاح علناً عن مطالبها الجغرافية نجد ان اعضاء حكومة نتانياهو يديرون نقاشاً لم يسبق له مثيل للبحث في المطالب والضرورات الاقليمية والجغرافية التي ستصر عليها اسرائيل كجزء أساسي من أي اتفاق على الحل النهائي مع الفلسطينيين. ورافق هذا النقاش العلني والتغيير الواضح في الموقف الاسرائيلي نشر تفاصيل مبهمة وغامضة احياناً بل وناقصة في بعض الاحيان الاخرى، لثلاث خرائط مترابطة لكنها متميزة عن بعضها في الوقت نفسه، وهي "خريطة المصالح الامنية" التي اعدها الجيش الاسرائيلي، وخريطة نتانياهو نفسه وهي عبارة عن تعديل لخريطة آلون المشهورة، ثم خريطة أرييل شارون. وعلى رغم كل ما سمعناه من حديث عن هذه الخرائط الثلاث، فإن السلطات الاسرائيلية لم تنشر في الواقع أياً منها بصورة رسمية أو مفصلة، مما فتح الباب بالطبع أمام سيل من التكهنات والتوقعات، لا سيما فيما يتعلق بالمستوطنات اليهودية التي تريد اسرائيل ضمها اليها او استثناءها من خريطة التسوية النهائية. ومع هذا فإن النسخ المنقوصة التي نشرتها الصحف لهذه الخرائط تكشف عن بعد مهم جداً وهو اصرار إسرائيل على الاحتفاظ بالسيطرة الاستراتيجية المطلقة على كامل المنطقة الممتدة بين البحر الأبيض المتوسط غرباً ونهر الأردن شرقاً، مثلما تكشف لنا عن مدى المطالب الجغرافية والاقليمية الإسرائيلية وعلاقة المستوطنات والطرق وعناصر البنية التحتية الاساسية الاخرى بهذه المطالب. كذلك تعطي تلك الخرائط دليلاً قاطعاً على التحول الذي يشهده ليكود وعلى بدء قبوله مرغماً حقيقة الدولة الفلسطينية، وحقيقة استحالة الابقاء على "كامل أرض اسرائيل تحت السيادة اليهودية" لأن هذا الهدف السياسي لم يعد ممكناً. كذلك تقدم الخرائط دليلاً أكيداً وواضحاً على بدء ظهور اجماع اسرائيلي يؤيد الاحتفاظ بالقدس الكبرى "الى الأبد" وبنصف الضفة الغربية على الأقل علاوة على الاحتفاظ بالغالبية الساحقة من المستوطنات اليهودية ايضاً. اما بالنسبة الى قطاع غزة حيث لا تزال اسرائيل تسيطر حتى اليوم على نسبة أربعين في المئة من أراضي القطاع فلم تظهر أي معلومات أو تفصيلات عن المطالب الجغرافية الاسرائيلية النهائية هناك. ففي 16 كانون الأول ديسمبر الماضي أصدر مجلس الوزراء الاسرائيلي بياناً رسمياً عقب اجتماعه جاء فيه: "وجد الوزراء بعد درس الخرائط التي طرحت في الاجتماع ان ما يجمع بينهم ويوحدهم اكبر كثيراً مما يفرق بينهم. وقد اتفق الوزراء على ان أي تسوية نهائية مع الفلسطينيين ستضمن لاسرائيل المناطق والمصالح الحيوية وهي: غور الأردن أي المنطقة الأمنية في الشرق، والمناطق الواقعة حول مدينة القدس الكبرى، أي المنطقة الأمنية في الغرب، والتجمعات والمراكز السكانية اليهودية والمناطق المحيطة بها لضمان توسعها وتطورها، والطرق المؤدية اليها ومنها، ومصالح اسرائيل الحيوية في المياه، والمواقع والاماكن ذات الاهمية التاريخية والدينية أو القومية". وفي هذا البيان بحد ذاته ما يكفي للتدليل على ان جميع تلك الخرائط لن تلبي حتى ادنى توقعات القيادة الفلسطينية، دعك عن طموحات الشعب الفلسطيني وأمانيه. فالمشكلة الكبرى هي ان عملية أوسلو لم تعد مفاوضات بين الفلسطينيين واسرائيل بقدر ما اصبحت في الواقع مجرد مفاوضات ومناقشات داخلية بين الاسرائيليين انفسهم، للبحث في مطالبهم الجغرافية وسيادتهم وسلطتهم أولاً ثم لدرس ما يريدون عرضه من سلطة أو سيادة وأرض على الفلسطينيين. ولهذا فان من الخطأ الجسيم اعتبار هذه الخرائط، والاهم من ذلك اعتبار الأهداف الاستراتيجية التي تجسدها، تعبيراً غير واقعي لما يمكن لاتفاق مثل اتفاق أوسلو ان يعطيه. في أواسط العام 1997 نشرت الصحف الاسرائيلية تفاصيل للخريطة التي وضعها نتانياهو نفسه لتسوية الوضعية النهائية. وقد وصف نتانياهو تلك الخريطة بأنها تعديل ايجابي لمشروع آلون. وتلتزم هذه الخريطة عدداً من المبادئ الجغرافية والاستراتيجية الاصلية التي التزمت بها خريطة آلون، وخريطة شارون التي أوردها في كتابه "تصوري لاسرائيل في نهاية القرن" الذي صدر العام 1977، و"خريطة السلام" التي نشرتها حركة "الطريق الثالث" في العام الماضي. وتنص هذه المبادئ على ان احتفاظ اسرائيل بحدود يمكن الدفاع عنها بسهولة، واحتفاظها بالتفوق الاستراتيجي في المنطقة بأكملها يقتضي تلبية الشروط الآتية: 1- احتفاظ اسرائيل بالسيادة على حزام بعرض 15 كيلومتراً يشتمل على غور الأردن وسلسلة جباله الغربية والصحراء الممتدة الى الجنوب من مدينة الخليل حتى البحر الميت باستثناء منطقة صغيرة تقع الى الشمال من عين فشخة. 2- توسيع الجسر الأمني الجغرافي بين القدس وشاطئ البحر الأبيض المتوسط من خلال توسيع نطاق السيادة الاسرائيلية لتشمل المنطقة الواقعة الى الشمال الغربي من المدينة حتى مستوطنة بيت حورون، وتوسيعها جنوباً حتى تشمل مجموعة مستوطنات كفار عصيون. 3- توسيع مدينة القدس نفسها عن طريق ضم الأراضي الواقعة شمالاً حتى مستوطنة غيفات زائيف ومستوطنة بيت إيل، شرقاً حتى مستوطنة معال أدوميم جنوباً حتى مستوطنات كفار عصيون. 4- إلغاء الاستمرارية الجغرافية والاقليمية للكيان الفلسطيني في الضفة الغربية من خلال وضع المستوطنات اليهودية تحت السيادة الاسرائيلية وانشاء أربعة "ممرات" للنقل بعرض لم يتقرر حتى الآن لتربط بين اسرائيل غرباً وغور الأردن شرقاً. 5- الغاء الاستمرارية الجغرافية والاقليمية بين المدن والمراكز السكانية الفلسطينية المطلة على حدود الخط الأخضر بين السفوح الغربية لجبال نابلس ومنطقة كفر قاسم وأم الفحم الاسرائيلية في الجليل. ولا بد من اجل تنفيذ هذا الشرط من توسيع نطاق السيادة الاسرائيلية من الخط الاخضر شرقاً. وتعترف الخرائط المقترحة بأن الغالبية الساحقة من المستعمرات الاسرائيلية التي يصل عددها الى حوالى 150 ويقطنها اكثر من 160 ألف يهودي ستنضم الى اسرائيل، بينما سيجد بعض المستوطنين ان مستوطناتهم الأخيرة أقل من 20 مستوطنة منعزلة ولا يقطنها سوى اعداد قليلة من المستوطنين. ومن المثير للاهتمام ان خريطة نتانياهو تستثني مستوطنة كريات أربع قرب الخليج من السيادة الاسرائيلية، مع ان عدد سكانها يزيد على خمسة آلاف نسمة. قبل حوالى عام قدمت دائرة التخطيط في الجيش الاسرائيلي خريطة "المصالح الحيوية" الي مجلس الوزراء لمناقشتها. وحدد الجيش في خريطته بواعث قلقه في الضفة الغربية. ومن الطريف ان دائرة التخطيط أعدت تلك الخريطة في البداية بناء على طلب من اسحق رابين خلال محادثات طابا قبل التوقيع على اتفاق أوسلو الثاني في ايلول سبتمبر عام 1995. وطبقاً لهذه الخريطة كان من المفروض ان تسيطر السلطة الوطنية الفلسطينية على نسبة تتراوح ين 40 و45 في المئة من مساحة الضفة الغربية بحلول نهاية المرحلة الثالثة من مراحل اعادة الانتشار الاسرائيلية. اما قطاع غزة فلم يردد له ذكر في هذه الخريطة مما يعني ان خطة اعادة الانتشار تلك لم تكن تشمل الأراضي التي تسيطر عليها في القطاع. والملاحظ في خريطة الجيش الاسرائيلي ان المناطق التي ستخضع للسيطرة الفلسطينية في الضفة الغربية لم تكن متصلة لأن المستوطنات اليهودية والأراضي الاخرى التي ستظل تحت السيادة الاسرائيلية سيطرة الجيش الاسرائيلي تحول دون أي استمرارية جغرافية بين الأراضي الفلسطينية. على سبيل المثال تنص الخريطة على وجوب بقاء غور الأردن بكامله تحت سيطرة الجيش، كما تشمل الخريطة على تعديلات في الحدود بمحاذاة الخط الأخضر وعلى ضم اجزاء كبيرة من أراضي الضفة لضمان توسيع المستوطنات في المستقبل. كذلك تطرح خريطة الجيش نقل نسبة خمسة في المئة من مساحة المنطقة ب الى المنطقة أ بعد المرحلة الأولى من مراحل اعادة الانتشار. وخلال المرحلة الثانية تتحول بقية المنطقة ب الى المنطقة أ مما يعني ان السلطة الفلسطينية ستتولى السيطرة المدنية والأمنية على نسبة 30 في المئة من مساحة الضفة الغربية. لكن اسرائيل لن تتخلى عن أي جزء من المنطقة أ الا في المرحلة الثالثة من اعادة انتشار قواتها. ويقدر وزراء ليكود ان اسرائيل ستحتفظ بصورة دائمة بنسبة 52 في المئة من الضفة بينما يستعيد الفلسطينيون السيطرة على نسبة 48 في المئة من مساحتها بعد انتهاء المرحلة الثالثة من اعادة الانتشار. وتفيد معلومات ان نتانياهو عرض هذه الخريطة التي اعدها الجيش على الرئيس بيل كلينتون خلال الاجتماع الذي عقد بينهما في شهر شباط فبراير العام 1997، لكن لم يصدر عن كلينتون أي رد فعل ايجابي أو سلبي، مما دفع دوري غولد مستشار نتانياهو للسياسة الخارجية الى التصريح بعد ذلك الاجتماع بأقل من اسبوع واحد ان الولاياتالمتحدة لم تعد تصر على انسحاب اسرائيل الى حدود حزيران يونيو العام 1967. وفي تشرين الأول اكتوبر من العام الماضي أعلن الوزير موشيه كاتزاف ان "الخطوط العامة والمبادئ التي ترد في خريطة الجيش الاسرائيلي التي جاءت بطلب من رابين مقبولة لدى هذه الحكومة... لأنها هي الخرطة الأمنية التي ستحدد في نهاية المطاف خطوط الحدود الدائمة لإسرائيل". وفي 14 كانون الأول ديسمبر الماضي قدم وزير الدفاع اسحق موردخاي خريطتين استناداً الى خريطة الجيش تحت عنوان "مصالحنا الامنية المعدلة". وتقضي هاتان الخريطتان بضم 2.52 في المئة من مساحة الضفة الغربية الى اسرائيل بينما تترك 45 مستوطنة من مجموع المستوطنات اليهودية في الضفة خارج نطاق السيادة الاسرائيلية. وفي الخريطة الثانية تقع جميع المستوطنات اليهودية من دون استثناء تحت السيطرة الاسرائيلية لكن هذا لا يعني انها ستتمتع "بكامل السيادة الاسرائيلية". وأشار موردخاي الى ان المستوطنات التي تقع خارج منطقة السيادة الاسرائيلية، طبقاً لخريطة "المصالح الامنية" ستحصل على ترتيبات واتفاقات خاصة تضمن عدم تفكيكها. ومن بين المستوطنات المستثناة تلك التي اقيمت على سفوح الجبال بين مدينتي رام الله جنوباً وجنين شمالاً وبعض المستوطنات الصغيرة المعزولة في جبال الخليل. خريطة شارون تقضي خريطة شارون بضم اسرائيل نسبة تتراوح بين 60 و70 في المئة من أراضي الضفة الغربية. وقد عرضها شارون على كل من أبو مازن وولي العهد الأردني الأمير حسن ومستشار الأمن القومي الأميركي صموئيل بيرغر خلال الاشهر السبعة الماضية. ومع ان الخريطة تقبل الحاجة الى "تلبية واقع السيادة الفلسطينية في جزء من الضفة الغربية لكن في اطار البيئة الاستراتيجية الخاضعة للهيمنة العسكرية الاسرائيلية ومن دون اعاقة نمو المستوطنات وتوسعها، فان شارون لا يعطي في خريطته للفلسطينيين سوى نسبة 29 في المئة من مساحة الضفة. كما ان الخريطة تنص على قيام أربعة كانتونات فلسطينية اذا ما اخذنا اريحا في الحسبان بدلاً من ثلاثة، تفصل بينها المستوطنات اليهودية والطرق الخاضعة للسيطرة الاسرائيلية مما يحرمها من أي استمرارية جغرافية. اما المناطق التي تقترح خريطة شارون الاحتفاظ بها تحت السيطرة الاسرائيلية فهي: 1- شريط بعرض 20 كيلومتراً بمحاذاة الحدود مع الأردن في غور نهر الأردن. 2- شريط يتراوح عرضه بين 7 و9 كيلومترات بمحاذاة حدود الخط الأخضر. 3- ثلاث طرق رئيسية تربط اسرائيل بغور الأردن وباتجاه غرب - شرق عبر الضفة الغربية. 4- الاحتفاظ بالسيطرة الكاملة على القدس الكبرى بما في ذلك مدينة بيت لحم. 5- انشاء منطقة أمنية لكل مستوطنة من دون استثناء، بطريقة تضمن عدم انعزال أي مستوطنة. انتحار؟ "طبقاً للخرائط التي وضعها شارون واسحق موردخاي ستكون خريطة البوسنة والهرسك أشبه بجنات عدنٍ بالمقارنة مع ينتظر اليهود والفلسطينيين في يهودا والسامرة الضفة الغربية. اذ ان خرائط شارون وموردخاي تنطوي على تجزئة المنطقة الى قطاعات من الشمال الى الجنوب وتشتمل على طرق من الشرق الى الغرب وتداخل التجمعات السكانية المتعادية في بعضها البعض مما يجعل هذه الخرائط أشبه بأحجية معقدة لمعاقبة الانسان. وقد كان رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو محقاً ومصيباً حين قال اننا لن نُقدم على الانتحار من اجل ارضاء الولاياتالمتحدة. ولكن ما الذي حصل! ها نحن نقدم على الانتحار من اجل ارضاء انفسنا". جريدة "معاريف" في 18/12/1997 الملامح الأساسية لخريطة المصالح الأمنية المناطق الاتية الخاضعة للسيادة الاسرائيلية ترد في خريطة المصالح الأمنية: - حزام بعرض يتراوح بين 10 و15 كيلومتراً بمحاذاة غور الأردن والحدود مع الأردن. - حزام بعرض يتراوح ما بين 3 و7 كيلومترات بمحاذاة حدود الخط الأخضر. - طريقان رئيسيتان من الشرق الى الغرب عبر الضفة الغربية - واحدة في الشمال والأخرى في الجنوب. ومن الواضح ان خريطة المصالح الأمنية تكاد تكون طبق الأصل عن خريطة نتانياهو آلون المعدلة التي تنص على انشاء ثلاثة كانتونات فلسطينية منعزلة ومفصولة عن بعضها. كانتون الى الجنوب من القدس، وآخر بين رام الله وجنين والثالث حول مدينة أريحا. والفرق بين هاتين الخريطتين وخريطة شارون، ان الأخيرة تقضي بتقليص مساحة أراضي هذه الكانتونات. لكن جميع الخرائط من دون استثناء تحتفظ بسيطرة اسرائيل على جميع مصادر المياه.