لفتت نظري وانا أطالع العدد 352 26/10/1998، من مجلة "الوسط" رسالة القارئ الكريم السيد منذر الموصللي حول رسائل المرحوم الشاعر بلند الحيدري، خاصة تساؤله حول ما يسمّيه "الازدواجية التي يعيشها الاديب بسبب ضعف تلك الرسائل"، وكأن بلند - انطلاقاً من رسائله - ليس هو الشاعر والاديب المتميز. طبعاً، التساؤل مشروع، ويثير نقطة حساسة تتمثل بمشكلة العاميات العربية او "اللهجات" التي ينشب النقاش حولها بين وقت وآخر، ولمّا ينته بعد. نحن العرب نعيش حالة من ازدواج اللغة، لهجاتنا العامية ابتعدت كثيراً عن اللغة العربية الام، واصبحت بالمفهوم الاصطلاحي الدقيق لغاتٍ مستقلة، نحن نفكّر بلغة مختلفة كلياً عن لغة الكتابة، وحينما نكتب كأننا نترجم من لغة الى اخرى، وربما يُعدّ هذا العامل من اهم الاسباب التي جعلت ادبنا العربي في ذيل القائمة الادبية العالمية، على النقيض مثلاً من لغة الشارع الانكليزية التي ليس بينها وبين اللغة الانكليزية هوّة واسعة وفرق كبير. لم يعد الامر اذن تفنناً في تزيين الالفاظ مثلما ذهب اليه القارئ الكريم، هذا من جانب، ومن ناحية اخرى يجب ان نلتفت الى امر مهم آخر يفرضه واقع الحال الادبي هو ان الرسائل فن مستقل بذاته، وبالاخص، الرسائل الادبية، وقد انتبه العرب الى هذه الناحية منذ القدم، وعندما تأسست الدولة العربية الاسلامية زمن الرسول ص وبعده كان الخلفاء، والملوك، والامراء، يعيّنون كتّاباً مختصين بفن الرسائل. وفي العصر العباسي اشتهر الشاعر ابو تمام بأنه على رأس شعراء عصره، وعُرِف الحسن بن وهب صديقه برأس كتاب عصره، والحسن بن وهب - كما يروي التاريخ - عيّن ابا تمام كاتباً عنده لرسائل مدينة الموصل، اي ان فن التخصص واضح في هذه الحالة اذ يمكن ان اكون قاصاً او شاعراً، ولا اجيد كتابة رسالةٍ ما. اما القضية الثانية فتتعلق بعامل الزمن، والجيل. بلند الحيدري حين يكتب الى احد ابناء جيله، فانه يختلف من حيث الاسلوب، عما اذا كان يكتب اليّ رسالة انا الذي ولدتُ في عقد الخمسينات مثلاً. انه في الحالة الاولى يتحرر من قيود كثيرة. يتخيل صديقه الذي زامله، امامه، فيستعيد ذكريات الثلاثينات، والاربعينات. شوارع بغداد، مقاهيها، الهموم المشتركة. في هذه الحالة لا يكتب الشاعر رسالة بل يتحدث بالعامية او يكسر حاجز اللغة. قد تكون المفاجأة هي التي دفعته. صديق يهودي هاجر الى بلد عدو، ثم ظهر فجأة، بعد زمن طويل. الحالة اشبه بالحلم، نحن حين نحلم لا نفكر اثناء الحلم ان ننطق بالعامية او الفصحى. بالتأكيد، لا نبالي بالغلط النحوي قصي الشيخ عسكر كوبنهاغن - الدانمرك