"محمد الحبيب العقارية" تدخل موسوعة جينيس بأكبر صبَّةٍ خرسانيةٍ في العالم    "دار وإعمار" و"NHC" توقعان اتفاقية لتطوير مراكز تجارية في ضاحية خزام لتعزيز جودة الحياة    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    مصرع 12 شخصاً في حادثة مروعة بمصر    ماجد الجبيلي يحتفل بزفافه في أجواء مبهجة وحضور مميز من الأهل والأصدقاء    رؤساء المجالس التشريعية الخليجية: ندعم سيادة الشعب الفلسطيني على الأراضي المحتلة    قرارات «استثنائية» لقمة غير عادية    «التراث»: تسجيل 198 موقعاً جديداً في السجل الوطني للآثار    رينارد: سنقاتل من أجل المولد.. وغياب الدوسري مؤثر    كيف يدمر التشخيص الطبي في «غوغل» نفسيات المرضى؟    عصابات النسَّابة    «العدل»: رقمنة 200 مليون وثيقة.. وظائف للسعوديين والسعوديات بمشروع «الثروة العقارية»    محترفات التنس عندنا في الرياض!    رقمنة الثقافة    الوطن    فتاة «X» تهز عروش الديمقراطيين!    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    صحة العالم تُناقش في المملكة    المالكي مديرا للحسابات المستقلة    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    أسرة العيسائي تحتفل بزفاف فهد ونوف    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 تصل إلى لبنان    أكبر مبنى على شكل دجاجة.. رقم قياسي جديد    استعادة التنوع الأحيائي    الطائف.. عمارة تقليدية تتجلَّى شكلاً ونوعاً    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    لاعبو الأندية السعودية يهيمنون على الأفضلية القارية    «جان باترسون» رئيسة قطاع الرياضة في نيوم ل(البلاد): فخورة بعودة الفرج للأخضر.. ونسعى للصعود ل «روشن»    تعزيز المهنية بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030.. وزير البلديات يكرم المطورين العقاريين المتميزين    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    أجواء شتوية    المنتخب يخسر الفرج    رينارد: سنقاتل لنضمن التأهل    ترامب يختار مديرة للمخابرات الوطنية ومدعيا عاما    قراءة في نظام الطوارئ الجديد    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    «الشرقية تبدع» و«إثراء» يستطلعان تحديات عصر الرقمنة    «الحصن» تحدي السينمائيين..    الرياض .. قفزات في مشاركة القوى العاملة    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    التقنيات المالية ودورها في تشكيل الاقتصاد الرقمي    السيادة الرقمية وحجب حسابات التواصل    العريفي تشهد اجتماع لجنة رياضة المرأة الخليجية    الذاكرة.. وحاسة الشم    السعودية تواصل جهودها لتنمية قطاع المياه واستدامته محلياً ودولياً    أمير المدينة يتفقد محافظتي ينبع والحناكية    وزير الداخلية يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    محافظ الطائف يرأس إجتماع المجلس المحلي للتنمية والتطوير    نائب أمير جازان يستقبل الرئيس التنفيذي لتجمع جازان الصحي    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رئيس جيبوتي حسن جوليد في حديث الأسرار والصراحة مع "الوسط" : أفورقي ديكتاتور يحارب السودان لحساب آخرين
نشر في الحياة يوم 30 - 11 - 1998

اكتسبت جيبوتي، هذه الدولة العربية الافريقية الصغيرة ذات الصلة الخاصة مع فرنسا، اهمية اقليمية في الآونة الاخيرة بعدما آلت الى الرئيس حسن جوليد رئاسة الدورة الحالية لمنظمة الهيئة الحكومية للتنمية ومكافحة الجفاف ايغاد التي تضم 7 دول من القرن الافريقي وشرق القارة الافريقية التي تعاني ويلات الحروب والمجاعة والكوارث الطبيعية. وهكذا تسنّى للرئيس حسن جوليد ان يقوم بجولات مكوكية ويشارك في مؤتمرات قمة اقليمية وقارية لحل النزاعات الدائرة في الصومال والسودان وبين اثيوبيا وأريتريا. ومع ذلك فوجئ المجتمع الدولي اخيراً بقرار جوليد قطع علاقات بلاده مع اريتريا. وحين استفسرته "الوسط" عن دوافع قراره كشف ملابسات ومواجهات بقيت في الكتمان، خصوصاً الملاسنة بينه وبين الرئيس الاريتري اسياس افورقي، وتطرق الحديث الى الاوضاع السياسية في جيبوتي ومصير وزير خارجيتها السابق مومن فرح بهدون الذي حظرت المحاكم سفره.
لماذا اختلفتم مع اريتريا الى درجة قطع العلاقات الديبلوماسية؟
من فوجئ بالتطورات الاخيرة وقطع العلاقات مع اريتريا كان بعيداً عن تطورات الاحداث في منطقة القرن الافريقي، فاحتمالات قطع العلاقات مع افورقي كانت موجودة منذ اليوم الأول لتوليه مقاليد الحكم اذ حاول مراراً وبأسلوبه المستفز وبسياساته المعادية لجيبوتي ان يضغط علينا للجوء الى هذا القرار وفضلنا اقامة علاقات معه وعلى مدى ست سنوات على مستوى القائم بالأعمال، وعندما تولينا رئاسة منظمة "ايغاد" رفعنا التمثيل الى درجة سفير.
في الحقيقة كنا نغض الطرف عن تهجمات افورقي على جيبوتي، لكن هذه المرة تجاوز كل الخطوط وإساءته وصلت منظمة "ايغاد" التي أترأس دورتها الحالية، وكان من الممكن ان نتجاوز، لكن تصريحاته غير المسؤولة ضد جيبوتي كلما اختلف مع اثيوبيا او اليمن او السودان امتدت هذه المرة الى منظمة "ايغاد" فلم يكن امامنا سوى قطع العلاقات الديبلوماسية، لأن السكوت على تصرفات افورقي يعتبر تشجيعاً له، لذلك لا يمكن وصف ما قمنا به بأنه قرار متعجل، لأن طاقة التحمل والصبر قد نفدت.
في الحقيقة اساء افورقي فهم سياساتنا الهادئة، ونحن منذ 21 عاماً من استقلال جيبوتي لم يسبق لنا ان قطعنا علاقاتنا الديبلوماسية مع اي دولة، لكن نظام افورقي ارغم 4 دول على قطع علاقاتها معه ولم يمض على حكمه عام واحد، فلقد قطع علاقاته الديبلوماسية مع السودان، ثم اعلن الحرب على اليمن واثيوبيا، والآن على جيبوتي. وكانت هذه الدول اول من اعترف باستقلال اريتريا. ويبدو ان افورقي ينتقم من كل من دعمه وثبت اقدامه.
ولكن هناك من يتهم جيبوتي بأنها تتبع ديبلوماسية المصالح اذ تحالفت مع الرئيس السابق منغيستو هايلي مريام ضد سياد بري، والآن مع اثيوبيا ضد اريتريا...
- اذا كان الحياد يفسر بديبلوماسية المصالح يمكنكم ان تفسروه كما تشاؤون، لكننا منذ استقلالنا، وكدولة صغيرة، رفضنا سياسة المحاور، ولم نتحالف مع منغستو ضد سياد بري، بل التزمنا الحياد في الصراع بين منغستو وبري، وكان موقف الحياد بالنسبة الينا مكلفاً لأن الشارع الجيبوتي كان يتعاطف مع سياد بري نتيجة التركيبة السكانية والعرقية، وانطلاقا من سياستنا استمرت جيبوتي في حيادها على رغم الانتقادات، وكان الهدف من ذلك جرنا الى النزاع المدمر، لكن بفضل حيادنا بقيت جيبوتي سالمة وانهار النظامان المتنازعان.
وحاول افورقي على مدى اعوام ان يجعلنا جزءاً من ملف خلافاته الكثيرة، وعندما تفاقم الخلاف بينه وبين الدول العربية من عام 1992 الى 1994 كانت جيبوتي هي المادة الاعلامية التي يقلل عن طريقها الشأن العربي ويحدد انتماءنا، كان يقلل من عروبة الصومال وجيبوتي ويزايد على ان اريتريا اكثر عروبة منهما، فمثلاً عندما زادت خلافاته مع السودان انعكست هذه الخلافات بآثارها السلبية على جيبوتي، لأننا اعترضنا على موقفه المعادي للسودان لأنه كان يقود حرب وكالات لجهات يعرفها هو شخصياً، وتبنى خيار تفتيت السودان بتمويل الحرب الاهلية في السودان. وأكثر من مرة تدخل لافشال مفاوضات السلام بين السودان والمتمردين. ويجب الا ننسى انه اول رئيس قام بتسليم سفارة دولة لمعارضيها وأعلن تبني اسقاط الحكومة في الخرطوم. واعتراضنا كان احد اسباب التوتر في علاقاتنا.
كذلك رفضنا عدوان افورقي على اليمن ويدخل ذلك في اسباب القطيعة مع النظام الاريتري وكان لنا عدد كبير من علامات الاستفهام في شأن علاقاته مع الدول الاجنبية المعادية للعرب، لأننا نعترض على اي سياسة في منطقة القرن الافريقي تكون مرتكزاتها معادية للمصالح العربية والاسلامية وهذا ما كان ينتهجه افورقي، وكذلك امن البحر الاحمر وطبيعة العلاقات بين دول العالم العربي ومنطقة القرن الافريقي ومعالجة النزاعات في المنطقة. والواقع ان افورقي يسعى الى انشاء تكتل بقيادته ويركز على معاداة المصالح الاسلامية والعربية، لكن حلمه انهار قبل ان يولد. والغريب ان افورقي نفسه ساهم في تفتيت ذلك المخطط. اذن الاتهامات القائلة ان جيبوتي متحالفة مع اثيوبيا لا اساس لها من الصحة، فهي وسيلة افورقي للهروب من مشاكله الداخلية، وتدويل خلافاته. ولم يجن من ذلك سوى التسبب في قطع علاقاته مع كل الدول المجاورة له.
هل ستساعدون المعارضة الاريترية؟
- لا. لا. لا. تغير الانظمة ووهم الزعامة وتغليب منطق القوي بعيد عن منطقنا، فنحن دولة صغيرة تحاول دائما حمل الآخرين على ان يحترموا جيرتهم لها. لكننا فشلنا هذه المرة مع افورقي، ومع ذلك لم ندعم اي معارضة في القرن الافريقي بما في ذلك المعارضة الاريترية، ونعتبر تغيير النظام في اريتريا امراً اريترياً خالصاً، وحقيقة نشعر بمرارة شديدة لأوضاع الشعب الاريتري نتيجة السياسة التي يتبعها افورقي ويرغم شعبه الطيب على دفع ثمن اخطائه. كل ما نطلبه من العرب ألا يحاسبوا الشعب الاريتري بأخطاء رئيسه الذي يسعى الى عزل هذا الشعب عن محيطه العربي.
"كذب واحراج"
كيف كانت المواجهة بينكم وبين افورقي؟
- لمعرفتي بشخصية افورقي ولأنني كنت أول من توسط بين اريتريا واثيوبيا فانني اعرف الكثير عن المشكلة من بدايتها حتى نقلها الى قمة بوركينافاسو، وقد التقيت افورقي على انفراد أكثر من ثلاث مرات، وما كنت أسمعه من افورقي لا أريد ان أتحدث عنه وذلك باعتباري رئيس دولة، لكنني بصراحة واجهت صعوبة في تحديد ما يريده افورقي، حتى أنقله الى الجانب الاثيوبي بل كان ينفي ما يقوله في الجلسة الأولى عند لقائي به ثانية. مشكلته تكمن في أنه كثير التقلب وقليل الثبات في آرائه.
وفي آخر زيارة لي لأسمرة في مهمة الوساطة قال لي انه اتصل برئيس وزراء اثيوبيا ملس زيناوي وأن المشكلة قد حسمت، فاذهب إليه لتتأكد من كلامي، وعندما قابلت رئيس الوزراء الاثيوبي وجدت انه ليست لديه أي معلومات عما قاله لي افورقي. رجعت لافورقي وفي المطار قلت له: "لماذا تكذب عليّ وتحرجني مع رئيس الوزراء الاثيوبي؟ ببساطة شديدة قال افورقي : "لاحظت غضبكم وأردت ان أخفف عنكم". وأضاف انه بعد مغادرتي حدثت تغيرات كثيرة ومتلاحقة ولذلك من الصعب جلوسه مع زيناوي في جيبوتي كما سبق ووعدني. لذلك انا من أشد الناس معرفة بشخصية افورقي وأسلوبه في التهجم على الآخرين. وكنت أعرف ان افورقي سيقدم مفاجأة للجنة الوساطة الافريقية التي تطالبه بالانسحاب من الأراضي التي استولى عليها بالقوة كخطوة أولى في مفاوضات لحل المشكلة، وطلب ابعاد جيبوتي كان احد أهداف الرئيس الاريتري لاشغال لجنة الوساطة وتغيير مسارها واخراجها من جدول الأعمال المحدد، وحاول ايجاد ذريعة من جيبوتي للتهرب من النتائج التي توصلت اليها لجنة الوساطة، لكن اللجنة ادركت نيات افورقي ورفضت طلبه وأعلنت النتائج التي قبلتها اثيوبيا ورفضتها اريتريا.
ولكن كيف تمت المواجهة نفسها بينكم وبين افورقي؟
- أنا شخصياً كنت أريد المواجهة والمكاشفة مع افورقي ولكن لجنة الوساطة رفضت طلبي، وطلبوا مني عدم الرد عليه من أجل إنجاح مهمة الوساطة، ومع ذلك استفزني افورقي مرات عدة لكنني تمالكت أعصابي، اذ قال للجنة الوساطة انه لا يمكن أن يتكلم في وجود وفد اثيوبي مشيراً بسبابته نحوي، وكان قبلها قد بدأ باستفزاز آخر، اذ سلّم على رؤساء الوفود وتخطاني وكذلك تخطى سالم أحمد سالم الأمين العام لمنظمة الوحدة الافريقية ولم انزعج، لأنه من قبل لم يسلّم على الرئيس السوداني عمر البشير وزيناوي. أي من اختلف معهما. ولهذا لم أعر هذه الحركة أي اهتمام. واستمر في استفزازه بحديثه معي وكان ردي ان "للجنة رئيساً ويجب أن يتحدث مع رئيس اللجنة وليس مع الأعضاء". كان بامكاني الرد عليه بسهولة داخل قاعة الاجتماعات باللغة العربية التي لا يفهمها غيرنا أنا وافورقي ليفقد اعصابه وكذلك بالتحدث مع رئيس الجلسة بالفرنسية. ولكن باعتباري رئيس دولة ترفعت عن هذه الأشياء. وحدثت أشياء كثيرة لا أريد ان أتحدث عنها، فحتى لو اختلفت مع أفورقي فلقد اختارتني منظمة الوحدة الافريقية لمهمة الوساطة التي لا زالت قائمة وما حدث أتركه للتاريخ.
تحدثتم كثيراً عن الحياد، ولكن ما قولكم في الامدادات العسكرية الاثيوبية التي تمر عبر بلادكم؟
- مرات عدة طلبت منا اريتريا وضع تعريفة جمركية للموانئ الجيبوتية والاريترية المشتركة فرفضنا، لأننا نؤمن بسياسة الاقتصاد الحر ولدينا اتفاقات عدة مع اثيوبيا بموجبها تستخدم الموانئ الجيبوتية وتمرر جميع بضائعها من دون شروط أو قيود. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: ألم يكن افورقي يمرر جميع امدادات اثيوبيا العسكرية عندما كانت اثيوبيا على خلاف مع بعض الدول؟ وكذلك ألم تمثل الموانئ الاريترية جسراً للمعارضة السودانية؟ فمن غير المنطق أن يحرم على الموانئ الجيبوتية ما اباحه للموانئ الاريترية، فنحن في عصر متطور ويمكن لاثيوبيا وعبر طائراتها الضخمة نقل امداداتها من دون استخدام الموانئ الجيبوتية وكذلك هنالك موانئ عدة غير جيبوتية منها السوداني والكيني والصومالي، ونحن ننظر الى اثيوبيا كجارة كبيرة لنا معها مصالح اقتصادية وهذه المصالح هي الباقية والقائمة الى الأبد، ولا ننسى ان هنالك منافسة كبيرة في موانئ البحر الأحمر، ونحن فقط نحاول تلبية طلبات سوق كبيرة، أي ان المسألة عرض وطلب، والمشكلة الحقيقية بيننا وأفورقي انه لماذا تمتلك جيبوتي ميناء، ونقول له انه حكم المولى وارادته.
لماذا الابتعاد عن اريتريا في وقت أحدثت فيه اريتريا تقارباً مع اليمن والسودان؟
- التقارب الاريتري مع اليمن والسودان نعتبره ايجابياً إذا كان يحقق مصلحة شعوب هذه الدول، وأنا لا أريد ان أتحدث عن سياسة هذه الدول ولدي قناعة ثابتة بأن هذا التقارب لن يكون على حساب جيبوتي، لأن ما يربط بين السودان واليمن علاقات لا يمكن أن تسوء بسبب افورقي لأنها روابط أزلية، ولا يمكن ان تنصاع هذه الدول الى مسرحية سيئة الاخراج والسيناريو يقوم بتنفيذها افورقي، لأنه بتقاربه هذا يأمل بتوجيه ضربة ضد جيبوتي واثيوبيا، وأنا شخصياً أفهم دوافع تحسين علاقات كل من الخرطوم وصنعاء مع افورقي الذي شكل مصدر متاعب للسودان واليمن في السنوات الثلاث الماضية. المهم عندي أن يكون أي تقارب في مصلحة الشعب اليمني والسوداني وليس لمصلحة افورقي الذي لا أرى من ورائه أي خير.
لكن التقارب بين أسمرة والخرطوم وصنعاء فاجأ المراقبين في القرن الافريقي...
- كل شيء وارد في عالم السياسة، ولكن هل ينسى اليمنيون ما فعله افورقي بهم حين تحدى مشاعرهم واحتل أرضهم بالقوة ولم يسترجعها اليمن إلا بالتحكيم الدولي. لقد لعب افورقي دوراً خطيراً في تهديد وحدة اليمن وبتحالفه مع طرف ضد آخر، ومحاولته جر اليمنيين الى مستنقعات الحروب.
السودان لا يزال يعاني من تآمرات افورقي، فهو أول من تبنى المعارضة السودانية، ويسعى الى تهديد وحدة السودان، ومن أسباب خلافات جيبوتي مع أفورقي موقفه العدائي ضد الشعبين السوداني واليمني، وإذا حسّن علاقاته معهما فسوف نعتبر ذلك خطوة في الاتجاه الصحيح، وان كنا على قناعة بأنه لا يقيم علاقات مع أي جهة كانت ما لم تكن هنالك أهداف ومصالح معينة يريد الوصول اليها.
العرب واثيوبيا
ولكن هنالك من يعتقد بأن مصلحة العرب استراتيجياً تكمن في الوقوف الى جانب اريتريا...
- هذا الاعتقاد خاطئ، نحن لا نشجع تورط أطراف عربية في مساندة اريتريا أو غيرها، لأن الشعب الاريتري أقرب الى الشعب الاثيوبي من أي شعب آخر والعكس، وفي وقتنا الحالي النظام الموجود في اثيوبيا هادئ وقليل العداء للعالم العربي، وحتى على المستوى المحلي في اثيوبيا فإن النظام انتهج التعددية وبدأت حقوق المسلمين تُراعى، عكس ما كانت عليه في السابق، وأصبح المسلمون في اثيوبيا قوة مؤثرة على مستوى التوازن الديني في شرق افريقيا فهم يشكلون نصف عدد سكان اثيوبيا الذي يتجاوز 60 مليون نسمة، وهنالك روابط اسلامية وتاريخية تربط الاثيوبيين بالعالم العربي اضافة الى أن النظام القائم انتهج سياسة حسن الجوار مع الدول العربية ويلعب دوراً ايجابياً في حل مشكلات عربية مثل السودان والصومال.
وكذلك هناك قضايا الأمن والاستقرار وقضايا المياه وتشكل اثيوبيا مصدراً مائياً لكثير من الدول العربية ومنها السودان ومصر وجيبوتي والصومال، واريتريا نفسها، فالرؤية الاستراتيجية هي أن ينجح العرب في التعامل مع اثيوبيا بعناية فائقة، وهذا لا يعني أنه يجب على العرب أن يقيموا علاقات مع اثيوبيا على حساب اريتريا التي ترتبط بعلاقات مهمة مع العرب وتشكل موقعاً استراتيجياً على البحر الأحمر، لكن من الصعب بناء أي علاقات مع نظام افورقي الذي يضمر العداء السافر لكل ما هو عربي ويهدد الأمن القومي العربي بكل أشكاله. سيكون من الخطأ اقامة تحالف مع افورقي على حساب اثيوبيا التي خطت خطوات ايجابية في تحسين العلاقات مع العالم العربي في وقت اتجهت فيه اريتريا اتجاهاً معاكساً في علاقاتها مع العرب.
أمن البحر الأحمر
ما هو مفهوم جيبوتي لأمن البحر الاحمر وتصوركم للعلاقات المستقبلية للدول المطلة عليه؟
- أمن البحر الاحمر مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالامن الاقليمي والدولي، وبما ان البحر الاحمر يمثل احد الممرات الرئيسية في العالم، فلا يمكن ان تنفرد اي جهة بالسيطرة عليه، واي مشروع امن لهذا الممر يجب ان يكون تحت اشراف الشرعية الدولية، ودور الدول المطلة عليه يجب ان يكون مكملاً لذلك. والحديث عن امن البحر الاحمر يفوق امكانات دول المنطقة ويعتبر قفزاً فوق ارض الواقع واقتراباً من الخطر، هنالك مصالح اقليمية ودولية تلتقي في البحر الاحمر وتتشابك، خصوصاً مصالح الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا التي لا يمكن ان تسمح لأي قوة اقليمية ان تلعب دوراً يؤثر على مصالحها هناك. وبدلاً من الخوض في الحديث الذي لا طائل من ورائه يجب ان تؤمن اي دولة مياهها الاقليمية واعتبر ذلك خطوة اولى في طريق تأمين البحر الاحمر.
تردد اخيراً ان العلاقات الجيبوتية - الفرنسية تشهد فتوراً، فما هي اسبابه؟ وهل قلّصت فرنسا نتيجة لذلك قواتها في جيبوتي وخفضت المساعدات التي كانت تقدمها اليها؟
- لا يوجد اي خلاف بيننا وبين فرنسا، وعلاقتنا معها علاقة قديمة وذات جذور عميقة، ولو نظرنا الى ثقافة المجتمع الجيبوتي نجدها فرنسية متجذرة، اضافة الى ان اللغة الرسمية في جيبوتي هي الفرنسية. وعلاقتنا مع فرنسا تعود الى 115 سنة، ولهذه السنين الطويلة تأثيراتها العميقة في مختلف جوانب الحياة في جيبوتي.
وتقليص حجم القوات الفرنسية المرابطة في جيبوتي شأن فرنسي ولا علاقة له بعلاقاتنا مع فرنسا، وهو يصب في توجهات السياسة الفرنسية الجديدة لتخفيض حجم قواتها في عدد من القواعد الفرنسية المنتشرة في مختلف انحاء العالم.
اما بالنسبة الى المساعدات فان اطرافاً عدة ايضاً كانت تقدم الى جيبوتي المساعدات، الا انها الآن توقفت وما اريد ان اؤكده هنا للأمانة والتاريخ،ان فرنسا هي الدولة الوحيدة التي لا تزال تقدم المساعدات السخية الى جيبوتي. والحكومة الجيبوتية والشعب الجيبوتي يتفهمان المصاعب الاقتصادية التي يواجهها العالم وان خفض فرنسا لمساعداتها التي تقدمها الينا ناتج عن الركود الاقتصادي الذي يعاني منه العالم اجمع، مقارنة الدعم الفرنسي لجيبوتي بمساعدات الدول الاخرى الينا.
لا استطيع ان انكر ان قطاعات عريضة من المجتمع الجيبوتي تضررت من خفض تلك المساعدات ونقص نشاط الخدمات الملاحية على الموانئ الجيبوتية. وهناك بعض الدول العربية وبصفة خاصة الدول الخليجية التي كانت تقدم بعض المساعدات لجيبوتي الا انها توقفت ما عدا المملكة العربية السعودية ونحن دولة عربية تربطنا بالدول العربية روابط تاريخية خاصة لذلك نطالبها بعدم التخلي عن جيبوتي خصوصاً في هذه المرحلة الحرجة. والذي اريد ان اوضحه ان الدولة الجيبوتية قائمة، سواء قدمت اليها الدول مساعدات ام لا، وهي الآن باقية منذ 4 سنوات من دون مساعدات تذكر.
يقال ان هناك ضغوطاً من دول المنطقة تطالب جيبوتي باجلاء القواعد الاجنبية من اراضيها…
- انا شخصياً اعتبر كلمة ضغوط خطيرة جداً، ولم اسمع بها حتى في اطار حديث المجاملات. مسألة وجود القواعد الاجنبية في الاراضي الجيبوتية قرار سيادي يخص جيبوتي وحدها.
وبالعكس ان بعض قادة دول المنطقة يعتبرون وجود القواعد الفرنسية في المنطقة من عوامل الاستقرار، ووجودها ينسجم مع التوجهات الجيبوتية ولا يلحق ضرراً بمصالح احد في المنطقة.
ما هو مصير جبهة "الفرود" المعارضة؟ وكيف أزيل الخلاف معها؟
- قمنا بحل اسباب الخلاف مع جبهة "الفرود" وكان شرطنا الوحيد القاء السلاح، وكلهم عادوا وشاركوا في الانتخابات الاخيرة وحدثت خلافات بينهم نتيجة توزيع المقاعد والمناصب، وهذا الموضوع لا يعنينا كثيراً، فهو خلاف في اطار المجموعة نفسها.
ولكن هناك من يتهمكم بالسيطرة على الحكم وابعاد قومية العفر التي تمثل شريحة رئيسية ومهمة من سكان جيبوتي…
- الشعب الجيبوتي شعب واحد، فالمسميات عفر وعيسى من وسائل اعداء جيبوتي لاضعافها. وسكان جيبوتي الذين لا يتجاوز عددهم 600 الف نسمة يمكن ان يعيشوا في امن واستقرار. وللعفر 28 مقعداً من مقاعد البرلمان البالغ عددها 65 مقعداً وهناك 18 مقعداً لجبهة اعادة الديموقراطية وهي تنتمي الى العفر، اضافة الى حقائب وزارية واخرى سيادية وسفراء في مناطق مؤثرة، انا شخصياً لا اتعامل مع ابنائي بانتمائهم القبلي، فحتى الذين حملوا السلاح ضد بلادهم لم تقطع رواتبهم ولم تصادر ممتلكاتهم، وذلك من التسامح الذي نعرف به، ولم نتعد على حرماتهم كما يحدث في كثير من دول المنطقة،
ما هو سبب اعتقال مؤمن بهدون وزير خارجيتكم السابق الذي يعتبر احد رفقائك اثناء سنوات الكفاح وبعد الاستقلال؟
- كانت ثقتي في مؤمن بهدون كبيرة وعندما سافرت للعلاج الى فرنسا ومكثت هناك شهوراً روج وزير خارجيتي اشاعة بأنني مت، وأثار بذلك حالة من الفوضى، وقال ان فرنسا لا تود ان تعلن للعالم وفاتي لكي لا يؤثر ذلك على موقفها. ولكنني عدت الى جيوبتي والكلام الذي سمعته عن مؤمن تعجز الاذن عن تصديقه.
قضيت 3 اشهر في جيبوتي في موقف المتفرج، لكنني كنت انا مع الموقف بدقة، ودعوت الى اجتماع للحزب الحاكم تمت فيه مواجهة مع بهدون الذي ادين بالاجماع بمحاولة التخريب ونسف الاستقرار الذي نعيشه انطلاقاً من مصالحه الشخصية واعفي من كل مناصبه. وكما تعرف ان مشكلتنا في افريقيا ان اي شخص يعفى من السلطة يركبه العفريت، اذ جنّد مجموعة من المرتزقة لزرع الالغام في بعض مناطق الحدود الجيبوتية مع الصومال، وقبض على 16 مخرباً متلبسين. وكان بهدون الممول الرئيسي لتلك العناصر. وهناك اتهامات عدة ضد بهدون امام المحكمة منها تهمة استغلال النفوذ، اذ قام بمصادرة بعض البضائع المهربة، منها العاج، لحسابه الخاص. والمحكمة هي التي منعته من مغادرة البلاد بقرار منها، لكنه يتمتع بكل حقوقه على رغم انه ليس لديه حزب ولا صفة سياسية ومع ذلك يصدر صحيفة ويتهجم علينا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.