لم يكن افراد اسرة الديكتاتور التشيلي السابق اوغستو بينوشيه البالغ من العمر 82 عاماً يدركون ان اندفاعهم لتكذيب نبأ نشرته وكالة انباء تشيلية محلية عن وفاته، والقول ان الجنرال الذي حكم تشيلي لمدة سبعة عشر عاماً امتدت من العام 1973 وحتى العام 1990، موجود في بريطانيا حيث يخضع لعلاج من آلام في الظهر في احد مستشفيات لندن الفخمة منذ اكثر من شهر. ومع ان وزارة الخارجية البريطانية حرصت على تجنب التعليق على زيارة بينوشيه لبريطانيا قبل اعتقاله، حرصاً على المضاعفات التي قد تترتب على ذلك، الا ان التقاط قاض اسباني يحقق في الجرائم التي ارتكبها بينوشيه اثناء فترة حكمه ضد عشرات من المواطنين الاسبان نبأ وجوده في بريطانيا، شجعه على الاتصال بالحكومة البريطانية عبر منظمة الشرطة الدولية انتربول لطلب توقيفه تمهيداً للتحقيق معه في التهم المنسوبة اليه. وخلال ساعات وصل طلب التوقيف عبر الفاكس الى شرطة سكوتلانديارد وسط لندن التي اوفدت مجموعة من ضباطها وعناصرها الى المستشفى الذي يعالج فيه بينوشيه لاحتجازه. وتشكل عملية توقيف بينوشيه احراجاً كبيراً لبريطانيا قبل غيرها باعتبار ان تشيلي وقفت الى جانبها اثناء حرب جزر الفوكلاند، وهو ما اكدته رئيسة الوزراء السابقة مارغريت ثاتشر التي اتضح ان بينوشيه زارها قبل ايام من اعتقاله. وقد أدى ذلك الموقف الى تطوير هذه الصداقة بحيث باتت زيارات بينوشيه في السنوات الماضية الى بريطانيا تتم بشكل دوري. وكلما زار الديكتاتور السابق لندن، كان برنامج زيارته يتضمن الاتصال بمصانع الاسلحة البريطانية والاجتماع برئيسة الوزراء السابقة ثاتشر وارسال الزهور والشوكولاته إليها. وذكرت مصادر بريطانية اخرى ان حكومة طوني بلير العمالية ومعظم الوزراء فيها وان عبروا عن ارتياحهم لاعتقال بينوشيه في بلدهم، لانه كان في السبعينات يشكل بالنسبة اليهم رمز اليمين والتطرف والفاشية، الا ان ذلك الارتياح ظل في الخفاء، باستثناء ما عبّر عنه وزير التجارة والصناعة بيتر ماندلسون الذي سخر من حديث بينوشيه عن التمتع بحصانة ديبلوماسية. واكتفى المسؤولون البريطانيون بالاشارة الى ان الاعتقال امر قضائي بحت، وان لم يخف جاك سترو وزير الداخلية ارتياحه الشخصي لاحتجاز الديكتاتور السابق، لكنه وعد بأن يبقي الامر بيد القضاء. وتقول السلطات التشيلية ان الديكتاتور السابق الذي يحمل لقب سناتور مدى الحياة ابلغ السلطات البريطانية عبر السفارة البريطانية في سانتياغو بأنه ينوي زيارة بريطانيا، واستقبل استقبالاً خاصا لدى وصوله الى مطار هيثرو حيث فتحت له ابواب غرفة كبار الزوار قبل ان ينتقل الى احد فنادق وسط لندن. ورأى خبراء في القانون البريطاني ان تسليم بينوشيه الى اسبانيا لمحاكمته سيكون عملية شائكة ومعقدة وقد تستغرق سنوات. اذ من حق الديكتاتور السابق ان يعترض في كل مرحلة من مراحل التحقيق على عملية تسليمه. ولعل ما سيزيد المسألة تعقيداً اعلان الحكومة التشيلية اخيراً بانه كان مكلفاً بمهمة رسمية، اذ اعتاد بينوشيه شراء الاسلحة لبلاده من مصانع الاسلحة البريطانية. واكد السفير التشيلي في لندن ماريو ارتازا ان بينوشيه كان في مهمة خاصة. ورأى مراقبون ان اعتقال بينوشيه سيترك مضاعفات كبيرة على العلاقات بين اسبانياوبريطانياوتشيلي اذ يوجد انصار ومعارضون لعملية اعتقاله. ولعل الانباء التي اشارت الى تدخل الولاياتالمتحدة سراً للافراج عن بينوشيه كانت الاكثر مفاجأة للجميع، وذلك بسبب مخاوف واشنطن من ان تفتح اي محاكمة للديكتاتور السابق الباب للحديث عن الدور الذي لعبته الاستخبارات الاميركية في التخطيط للانقلاب الذي أطاح حكومة الرئيس التشيلي المنتخب سلفادور الليندي في 1973، الذي اودى بحياته وحياة خمسة آلاف ممن عارضوا الانقلاب اليميني. ولعل أكثر الاطراف اغتباطاً باعتقال بينوشيه منظمات حقوق الانسان التي ترى في احتجازه درساً لكل منتهكي حقوق الانسان في دولهم