جاءت زيارة العقيد معمر القذافي لتونس تلبية لدعوة كان الرئيس زين العابدين بن علي وجهها له عندما زاره بعد العملية الجراحية التي اجريت له، واعتبرت زيارة نقاهة، ولم يتسرب شيء عن المحادثات التي جرت بين الزعيمين التونسي والليبي. وصادف وصول العقيد القذافي الى تونس موعد انطلاق أشغال لجنة المتابعة لمرحلة الانجاز الفعلي للمشاريع المتفق عليها في مجالات الصناعة والبنية التحتية وتنشيط المؤسسات والهياكل واعطاء دفعة جديدة للمبادلات التجارية. واللافت ان الزيارة جاءت في وقت تتخذ فيه طرابلس قرارات تبرز عزوفاً عن العالم العربي، غير ان ذلك لا يبدو انه كان ذو تأثير على العلاقات الثنائية لا مع تونس ولا مع مصر الجارتين الفعليتين للجماهيرية. وتمشياً مع سياسة التحفظ المتبعة إزاء القرارات التي تعتبر داخلية فلا يبدو ان تونس أو القاهرة كذلك قد عقبتا رسمياً على قرارات إلغاء وزارة الوحدة أو استبدال نشيد "الوطن الأكبر" أو وضع خريطة افريقيا بدل خريطة الوطن العربي في صدر استوديو البث التلفزيوني الليبي، أو أخيراً تسمية البعثة الدائمة الليبية لدى الجامعة العربية، بتسمية البعثة الليبية المقيمة. وبكل المقاييس فتلك قرارات اعتبرت رسمياً قرارات داخلية تهم السيادة الوطنية الليبية ولا تحتاج الى تعليق رسمي. غير ان ذلك لا يمنع من أنها كانت حديث المجالس في تونس حيث يجري تتبع الشؤون الليبية بكل اهتمام. والرأي السائد يقوم على تفهم كبير للسأم الليبي الواضح، رسمياً وشعبياً، من تواصل الحظر الجوي المفروض على ليبيا كل هذه السنوات، غير ان هناك قناعة سائدة أيضاً بأن الموقف التونسي كان مصيباً. ويعتقد كثيرون بأن المسعى الذي قامت به كل من تونس ومصر وأطراف أخرى أعضاء في اتحاد المغرب العربي وفي العالم العربي كان أكثر جدوى من تحركات بسيطة بخرق الحظر الجوي من قبل عدد من الدول الافريقية. ويتساءل المراقبون في تونس عما إذا كانت هذه الزيارة للعقيد القذافي تستهدف قضاء فترة من النقاهة أم ان هناك احتمالات لمشاورات مكثفة في شأن احتمالات المستقبل في ظل ما يتردد بإلحاح عن نية ليبيا تسليم المتهمين في حادث اسقاط طائرة "البانام" فوق لوكربي، بعد توفير ضمانات مهمة للمتهمين وللسلطات الليبية في مقابل رفع الحظر الذي تقدر جهات عدة في المنطقة أنه بات الى حد ما هدفاً اميركياً. كذلك للتمكن من تسيير مشروع تنشيط اتحاد المغرب العربي واقامة علاقات حميمة معه ككل، ضمن جهود واشنطن لتوسيع مناطق نفوذها في جهات كثيرة من العالم خصوصاً في افريقيا والعالم العربي وسحب البساط الى حد ما من تحت أرجل جهات اخرى مثل فرنسا. والملاحظ في هذا الصدد ان الولاياتالمتحدة تنوي عقد اجتماع في واشنطن لوزراء الخارجية في كل من المغرب والجزائر وتونس في كانون الأول ديسمبر المقبل مع وزيرة الخارجية الاميركية مادلين أولبرايت بعدما زار نائب لها العواصم الثلاث مطلع الصيف الماضي. ويعتقد ان واشنطن ستسعى لضم كل من ليبيا وموريتانيا وكلاهما عضو في اتحاد المغرب العربي لمثل هذا التوجه إن لم يكن في الاجتماع المقبل في واشنطن ففي فرص لاحقة، لذلك فإن المراقبين لا يستبعدون ان تقدم واشنطن على خطوات للتطبيع مع الجماهيرية، لكن دون "إراقة ماء الوجه".