في الوقت الذي دعا فيه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو الى استغلال نتائج الازمة المالية في روسيا، والاستعداد لحركة تدفق محتملة للمهاجرين اليهود الروس، من شأنها ان تساهم في انقاذ الاقتصاد الاسرائيلي المتدهور، في الوقت نفسه، اكد البروفسور أناتولي إيغورين مدير معهد الاستشراق في موسكو ان روسيا تقع الآن تحت سيطرة اللوبي الاقتصادي اليهودي، مشيراً الى تذمر قطاعات واسعة من الشعب الروسي ومعتبراً أن الآفاق المستقبلية تبدو مظلمة لدى علماء روسيا. هل تستطيع اسرائيل تحقيق هدفها في انقاذ اقتصادها المتدهور على انقاض الاقتصاد الروسي؟ يقول أناتولي إيغورين: الوضع قاتم جداً، لأن اللوبي اليهودي اصبح يتحكم في الدولة الروسية بأمواله الضخمة، فهو يمتلك أكبر 20 بنكاً في روسيا، ويشتري المصانع والشركات الحكومية الكبيرة ضمن ما يسمى بعملية الخصخصة، بمعنى انه يتحكم في عجلة الاقتصاد الوطني من خلال سيطرته على القطاع المالي والانتاجي. وعلى سبيل المثال فإن اليهودي المعروف بيريزوفسكي اصبح اغنى رجل في روسيا يدير ثروة قيمتها مليار دولار أميركي بعدما كان شيوعياً فقيراً قبل سنوات قليلة، ويرأس حالياً لجنة التعاون الاقتصادي لرابطة دول الكومنولث المستقلة. ولا يستبعد ايغورين ان تعيش روسيا "حقبة حكم يهودية" للمرة الأولى في تاريخها نظراً الى تزايد نشاط اللوبي اليهودي في البنوك والاقتصاد والسياسة. وفي هذا المجال، لفتت مجلة "فوكس" الى ان روسيا تبدو اليوم رهينة حفنة من الاثرياء والمافيات المتحالفة مع البيوتات المالية اليهودية العالمية والمحلية. ولهذا السبب لم يكن اختيار يفغيني بريماكوف لرئاسة الحكومة، واجماع غالبية "الدوما" على تكليفه اعترافاً به كمنقذ محتمل للبلاد من ازماتها، بقدر ما كان محاولة لتحقيق توازن بين المواقع القوية. ويبدو ان بريماكوف تنبه الى هذا الواقع، وأدرك ان هناك خطراً داهماً يهدد روسيا، وهو تجزئة الاتحاد الروسي، وقال في هذا الصدد: "انني سأبذل كل ما في طاقتي من اجل منع تفكك روسيا". وبالفعل، بدأ التشرذم ينتشر في المقاطعات الروسية حيث اعلن عدد من محافظي الاقليم حالات الطوارئ في مقاطعاتهم، وامتنعوا عن تحويل الضرائب الى موسكو، وشككوا في كون موسكو مركزاً روسياً اصلاً. وبدأت تنتشر، ابان الازمة الاخيرة، دعوات الى منح الحكم الذاتي للمقاطعات، وتحويل الاتحاد الروسي الى اتحاد كونفيديرالي، لذلك اشار بريماكوف الى ضرورة دعم السلطة المركزية للضرب بعنف على يد اي من حكام الاقاليم الذين قد يقدمون على انتهاك الدستور. كما ابدى بريماكوف تأييده لإعطاء الاولوية للاستثمارات المباشرة، واحياء الصناعة، وليس لسوق الاسهم الذي يسيطر عليه اللوبي اليهودي، مكرراً ان "الحكومة يجب ان تكون اجتماعية"، كما عين بناء على شرط المعارضة، الشيوعي يوري ماسيلوكوف رجلاً ثانياً في الحكومة، والشيوعي الملقب بپ"المصرفي الاحمر" فيكتور غيراشتشينكو رئيساً للبنك المركزي الروسي، لكنه في المقابل سعى الى طمأنة انصار "اقتصاد السوق" بأن ذلك كله لا يعني ان حكومته الجديدة شيوعية، او "ستدمر عناصر الاقتصاد الحر"، كما وصفها رئيس الوزراء الاسبق إيغور غيدار الذي كان اول من طبق سياسات الانفتاح وما يسمى الاصلاحات الاقتصادية في روسيا. ومع اتساع الازمة المالية في روسيا، ازداد رهان اسرائيل على تجدد موجات هجرة اليهود الروس التي يمكن ان تدعم الاقتصاد الاسرائيلي الضعيف. وأكد وزير الهجرة والاستيعاب يولي الدشتاين ان "هذا الاحتمال وارد، وهو يعتمد على التطورات الاقتصادية في روسيا". وأضاف: "نعرف جميعاً انه مع تزايد اعداد المهاجرين الجدد تكون هناك زيادة في النمو الاقتصادي ومستوى المعيشة. انه شيء يحدث آلياً تقريباً". وقال كبير الاقتصاديين في مؤسسة "أوفيك" الاسرائيلية للاوراق المالية فيكتور شوهت انه حتى الزيادة المتواضعة في الهجرة يمكن ان تفيد الاقتصاد الاسرائيلي الذي يعاني للعام الثالث من ركود يعزوه الاقتصاديون جزئياً الى تراجع معدلات الهجرة عن اعلى مستوياتها في اوائل التسعينات. وكان قد دخل اسرائيل منذ العام 1989 اثر انهيار الاتحاد السوفياتي نحو 750 ألف يهودي روسي بحيث وصل عدد سكانها الى نحو 9.5 مليون نسمة، وينتظر ان يتجاوز الستة ملايين مع نهاية العام 1998. لكن معدل الهجرة تراجع في السنوات الاخيرة، ففي العام 1990 وصل عدد المهاجرين الروس الى 200 ألف، ثم تراجع تدريجياً الى 67 ألفاً في العام 1997. وتتوقع وزارة الهجرة والاستيعاب ان يستمر العدد في التراجع الى اقل من 50 ألفاً في العام المقبل، اذا لم تؤد الازمات المالية والاقتصادية في روسيا الى موجة جديدة. لكن يبدو ان حسابات "الحقل الروسي" قد لا تطابق حسابات "البيدر الاسرائيلي". ففي الوقت الذي اعلنت فيه السفارة الاسرائيلية في موسكو عن ازدياد عدد اليهود الراغبين في الهجرة من روسيا، نقلت وكالة "انترفاكس" عن مسؤول فرع الوكالة اليهودية في المقاطعة اليهودية "بيروبيجان" في اقصى شرق روسيا، ان الازمة المالية لم تؤد حتى الآن الى زيادة حادة في عدد المهاجرين. وأوضح ان الدوائر المختصة تسلمت 104 طلبات للهجرة منها 87 الى اسرائيل وهو رقم لا يختلف عن المعدلات السابقة. وتعليقاً على تصريح رئيس الوزراء الاسرائيلي في شأن الاستعداد لاستقبال 90 ألف مهاجر من روسيا، قال ليف توتيمان رئيس الجمعية الدينية اليهودية في بيروبيجان: "انا شخصياً لا انوي الرحيل الى اي مكان". ولوحظ ازدياد الهجرة المعاكسة من اسرائيل الى مختلف بلدان العالم، وافاد استطلاع للرأي نشرته جريدة "معاريف" ان واحداً من كل اربعة يهود فكر في السنوات الاخيرة بالهجرة من اسرائيل، وتبين ان 25 في المئة من الاشخاص الذي شملهم الاستطلاع "فكروا في الهجرة من البلاد"، بينما قال 75 في المئة عكس ذلك. والسبب الرئيسي للتفكير في الهجرة هو تدهور الوضع الاقتصادي بعد ارتفاع نسبة البطالة، وأشار 28 في المئة الى هذا السبب، بينما تحدث 18 في المئة عن الوضع السياسي بعد توقف عملية السلام و11 في المئة بسبب التوتر الاجتماعي بين المتشددين والعلمانيين. وذكر 39 في المئة من الاشخاص الاسباب الثلاثة معاً، بينما ذكر 4 في المئة اسباباً اخرى للتفكير في الهجرة. البطالة والفقر ومن خلال الركود الاقتصادي، تبرز بحدة هذه المرة ازمة البطالة في اسرائيل، وقد اعلنت دائرة الاحصاء المركزية الاسرائيلية عن ازدياد عدد العاطلين عن العمل ليصل الى 198 ألفاً خلال شهر آذار مارس الماضي، وقالت ان هذا الرقم يعني ان نسبة البطالة وصلت الى4.8 في المئة من طاقات العمل المدنية في المرافق الاقتصادية، ثم ارتفعت في حزيران يونيو الماضي الى نحو 3.9 في المئة. وتوقعت جمعية الصناعيين الاسرائيليين في احصاءات نشرتها للمناسبة ان يصل عدد العاطلين عن العمل في اسرائيل في العام 1999 الى 240 ألف شخص، اي 10 في المئة من السكان القادرين على العمل. وكان عدد زائري مكاتب الاستخدام ارتفع في نهاية العام الماضي بنسبة 30 في المئة، مقارنة بنهاية العام 1996. وتوقعت وزارة العمل والرفاه الاجتماعي ان يزداد مجموع عدد الحاصلين على تعويض بطالة وضمانات دخل من العاطلين بنسبة 7.17 في المئة بحث يصل عددهم الى 120 ألف شخص، كذلك سيرتفع مجموع المبالغ التي تدفعها الدولة العبرية الى مستحقي تعويضات البطالة من 4.2 مليار شاقل العام 1997 الى 8.2 مليار شاقل العام 1998. اما بالنسبة الى تقسيم عبء البطالة بين شرائح المجتمع الاسرائيلي، فأشار تقرير مصلحة تخطيط القوى البشرية في وزارة العمل الى ان "الزيادة العامة في نسبة البطالة في الاقتصاد ستؤذي النساء والمهاجرين الجدد وسكان بلدات التطوير". وتوقع التقرير زيادة البطالة بنسبة 5.7 في المئة لدى المهاجرين الجدد في العام 1998، مقابل فقط زيادة 5.8 في المئة في صفوف القدامى وسكان المدن الكبيرة. واذا كانت الهجرة اليهودية قد ساهمت نسبياً في زيادة عدد الاغنياء حسب مصادر هجرتهم وكفاءاتهم، فإن نسبة كبيرة من هؤلاء المهاجرين ساهمت بزيادة عدد الفقراء داخل اسرائيل. وللتدليل على مدى مساهمة الهجرة في زيادة عدد الفقراء اشارت جريدة "يديعوت أحرونوت" الى ان كل خامس عائلة في اسرائيل وما يقارب الربع من العجزة والمهاجرين الجدد هم فقراء. وخط الفقر، هو خط احصائي تعتمده الدراسات الاقتصادية والاجتماعية، فكلما ارتفع الاجر في الاقتصاد يرتفع معه خط الفقر، ومن بين اسباب زيادة عدد الفقراء في اسرائيل، هو خط الفقر الذي ارتفع بنسبة 8 في المئة خلال 1995 لدخل من 1516 شاقلاً لزوجين و0200 شاقل للزوجين مع ولد واحد. لكن المشكلة الاكثر خطورة في اسرائيل، ان متوسط الاجر ارتفع بنسبة 7.7 في المئة، بينما ازدادت مخصصات الضمان الاجتماعي بنسبة منخفضة كثيراً، 3.2 في المئة، ما يعني ان الذين يحصلون على مخصصات اجتماعية، حصلوا على اقل بكثير مما كان يفترض ان يتقاضوه من الدولة الامر الذي يساهم في اتساع الفجوة بين الفقراء والاغنياء. وفي ظل هذه الاجواء السلبية افاد تقرير للشرطة الاسرائيلية ان معدل الاجرام زاد بشكل ملحوظ في اسرائيل خلال النصف الاول من العام الحالي، بسبب ارتفاع البطالة. وأفادت احصاءات الشرطة ان الاعتداءات العنيفة زادت 10 في المئة بين شهري كانون الثاني يناير وحزيران يونيو الماضيين في حين ارتفعت جرائم السرقة والابتزاز واختلاس الاموال والفساد الى 4492 حالة، في مقابل 3604 خلال الفترة ذاتها من العام 1997. وان انتهاكات الملكية الخاصة زادت بمعدل 5.13 في المئة وعمليات السطو مع تحطيم الابواب والنوافذ 5.14 في المئة وحوادث السير 3.11 في المئة. وهكذا توفر اسرائيل ارضاً خصبة ومناخاً جيداً لأعمال العنف الاجتماعي، وسبق للمافيات الروسية ان استغلت ذلك ولا تزال، منذ العام 1990، ولوحظ انه مع انتقال يهود الاتحاد السوفياتي السابق الى اسرائيل، حمل بعضهم مهنته من البلد الاصلي، كرؤساء للمافيات او للجريمة المنظمة وأنشأوا فروعاً في اسرائيل، وهي متنوعة ومتعددة: روسية، شيشانية، قوقازية، أرمنية، لكنها كلها يهودية. وفي تلك السنوات، تم تهريب اربعين مليار دولار من روسيا ووصل من هذا المبلغ الى اسرائيل نحو 10 في المئة منه أي ما يعادل اربعة مليارات دولار، استخدمها زعماء المافيا او "جنودهم" في شراء الفلل والشقق الفخمة في احياء راقية مثل سبيون وهيرتسليا، وفي ابراج اوفرا وديزنغوف. ويعيش زعماء المافيا، الذين وصلوا الى اسرائيل، حياة مرفهة، ويركبون سيارات فارهة، لكنهم يقضون معظم أوقاتهم في قبرص وفيينا او في دول شرق أوروبا، ومعظمه يرى في اسرائيل محطة انتقال اولية لأمواله. والجريمة الروسية المنظمة تهتم باستخدام آلات التدليك وصفقات المواكبة في منطقة تل أبيب، والتقدير هو ان ممثلين للمافيات، فتحوا فروعاً في تل أبيب، ونجحوا في السيطرة على جزء محترم من سوق البغاء. والعمليات الاخرى هي في مجال التزييف، ومركز الثقل لهذه العمليات نقل من موسكو الى اسرائيل. وتعمل في الوقت الحاضر في البلد عصابات اكتسبت مهارة في التزييف على مستوى عال. وقد استخدمت عدداً كبيراً من الروس الذين وصلوا الى اسرائيل فقط للفوز بسلة الاستيعاب والعودة الى روسيا. ويقول رئيس قسم الاستخبارات في شرطة اسرائيل العميد حازي ليدر: "ان عمليات المافيا الروسية في اسرائيل هي تهديد استراتيجي للدولة". وفي وصفه لطريقة عمل المافيا الروسية، قال: "يتسلل رؤساؤها الى المجال الاقتصادي في البلد، واسرائيل هي ارض مريحة للعمل لأنه لا يوجد فيها اي حظر على نقل رؤوس الاموال الى الخارج، فضلاً عن ذلك يوجد اكثر من نصف مليون شخص يتحدثون الروسية بما يساعد على عقد الصفقات". ويستدل من كل ذلك، انه اذا كانت اسرائيل تهدف الى استغلال الازمات المالية في روسيا وتدمير الاقتصاد الروسي، حتى تزداد موجات هجرة اليهود الروس التي من شأنها ان تساهم على حد اعتقادها في انقاذ الاقتصاد الاسرائيلي المتدهور، فهل تستطيع مواجهة "المافيات الروسية" وتجنب اضرارها التي تهدد المجتمع الاسرائيلي؟