في احدث احصاءات اسرائيلية بلغ عدد الفقراء في اسرائيل 671500 مواطن، بزيادة 9،8 في المئة او ما يعادل 55 الف مواطن عن العام 1992 وذلك عشية تولي حكومة حزب العمل مسؤوليتها. وقد وصفت وزيرة العمل والرخاء اورا نمير هذه الصورة بأنها "ليست صورة وضع افاخر بها، لكن لا املك حلولاً سحرية للمشكلة"، وقالت "هذه مشكلة الحكومة كلها". وخط الفقر، هو خط اخصائي تعتمده الدراسات الاقتصادية والاجتماعية، وكلما ارتفع الأجر في الاقتصاد يرتفع معه خط الفقر، وقد بلغت نسبة ارتفاعه 8 في المئة عام 1994. لكن المشكلة الأكثر خطورة هي ان ثلثي الاجراء في الاقتصاد الاسرائيلي يتقاضون اجراً لا يزيد عن متوسط الأجر، وتزداد الخطورة عندما يتبين ان متوسط الأجر ارتفع بنسبة 7،7 في المئة، بينما زادت مخصصات الضمان الاجتماعي بنسبة منخفضة كثيراً بلغت فقط 3،2 في المئة، ما يعني ان الذين يحصلون مخصصات اجتماعية، حصلوا على اقل بكثير مما كان يفترض ان يتقاضوه من الدولة الأمر الذي يساهم في اتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء. في مثل هذا الوضع تستعد الأحزاب في اسرائيل لمعركة انتخابات نيابية ينتظر في الخريف المقبل، الأمر الذي احدث ردود فعل سلبية في الوسط السياسي، وللمرة الأولى منذ اغتيال رابين قدم حزب الليكود مشروعاً بحجب الثقة عن حكومة حزب العمل، وشرح عضو الكنيست بنيامين نتانياهو قائلاً: "ان مئات آلاف المواطنين والأطفال ينظرون بأسى الى كيفية تلاشي وعود الحكومة في مقابل الواقع الاقتصادي والاجتماعي الصعب". ودعت عضو الكنيست تمارغو جنسكي حداش الحكومة الى دعم الضعفاء بدلاً من رجال الأعمال، وحتى في كتلة "العمل" ارتفع نقد لاذع، ودعا عضو الكنيست رافي ايلول الحكومة الى عقد جلسة مستعجلة وانشاء هيئة خاصة لمحاربة الفقر. ولكن على رغم هذه المؤشرات السلبية، لوحظ بروز مؤشر ايجابي بتراجع نسبة البطالة من 2،12 في المئة عام 1992 الى 6 في المئة في الربع الثالث من العام 1995، وهو اقل معدل منذ عام 1988. وقد اشار الى ذلك المكتب المركزي للاحصاءات، وبلغ عدد العاطلين عن العمل اجمالاً 125900 منخفضاً 3 في المئة عن الربع الثاني و1،19 في المئة عن الفترة نفسها من العام 1994، وبلغ عدد الموظفين 99،1 مليون مرتفعاً 2،1 في المئة عن الربع السابق و9،5 في المئة عما كان عليه قبل عام، وبلغ اجمالي الأيدي العاملة في القطاعات المدنية 12،2 مليون في الربع الثالث من العام 1995. التركيبة السكانية حسب احصاءات نهاية 1993، يبلغ مجموع اليهود في اسرائيل نحو 4335200 يهودي بينهم 17 في المئة اي نحو 736300 من اصل آسيوي، في حين بلغت نسبة ذوي الأصل الأفريقي نحو 3،19 في المئة. اي ان هناك 837600 يهودي في اسرائيل من اصول افريقية، وفي المقابل بلغت نسبة اليهود من اصول اميركية واوروبية نحو 9،39 في المئة اي نحو 1730500 يهودي. اما يهود الصابرا الذين تعتبرهم الأدبيات الاسرائيلية من مواليد اسرائيل فقد وصلت نسبتهم الى 8،23 في المئة اي نحو 800،030،1 يهودي. اضافة الى ذلك بات اليهود من الدول العربية يشكلون نحو 28 في المئة من مجموع اليهود في اسرائيل: 8،9 في المئة منهم من اصل عربي آسيوي و7،17 في المئة من اصل عربي - افريقي. اي انه كان هناك نحو 988،194،1 يهودي من اصل عربي في اسرائيل في نهاية العام 1993 يتوزعون بحسب اصولهم على تسع دول عربية هي العراق 256500 واليمن 158000 ولبنان 4078 وسوريا 8708 في حين بلغ مجموع اليهود المغاربة في اسرائيل نحو 800،508، اما اليهود من اصول عربية تونسية وجزائرية فقد بلغ مجموعهم في العام 1993 نحو 126500 ومن ليبيا 700،74، اما اليهود المصريون فبلغ مجموعهم نحو 63000. ومنذ نهاية العام 1989، ازدادت الهجرة اليهودية من الاتحاد السوفياتي السابق فبات هؤلاء يشكلون اكبر نسبة بالمقارنة مع الفئات الأخرى من اوروبا وآسيا وافريقيا. اذ شكلوا ما نسبته 3،16 في المئة من مجموع اليهود في اسرائيل. اي ان مجموعهم بلغ 712.100 في نهاية 9931 بينهم نسبة كبيرة من الأكاديميين والفنيين وحملة الشهادات العليا، وحتى الشهور القليلة الماضية لم يتم استيعابهم في اماكن عمل مناسبة في اسرائيل، الأمر الذي دفع الكثير منهم الى الهجرة المعاكسة. المافيات الروسية ومع انتقال يهود الاتحاد السوفياتي الى اسرائيل بتشجيع من المنظمة الصهيونية العالمية، حمل بعضهم مهنته من البلد الأصلي، كرؤساء للمافيات او للجريمة المنظمة وانشأوا فروعاً لمافياتهم في اسرائيل، وهي متنوعة ومتعددة: روسية، شيشانية، قوقازية، أرمنية، لكنها كلها يهودية. في السنوات الأربع الأخيرة تم تهريب ما قيمته 40 مليار دولار عبر الحدود الروسية، 10 في المئة من هذا المبلغ وصلت كما يبدو الى اسرائيل واستخدمها زعماء المافيا او "جنودهم" في شراء مئات الفلل الضخمة في احياء راقية مثل سبيون وهيرتسليا، وشقق فخمة في ابراج اوفرا وديزيغوف. لكن الجزء الأكبر من هذه الأموال استثمر في الحقيقة في شراء عقارات أو اسهم في شركات اسرائيلية تتاجر في البورصة. وفي منطقة تل ابيب تشير الشرطة الى ابنية في منطقة بورصة الماس، التي يسيطر عليها اعضاء المافيا الروسية بشكل شبه تام. ويعيش زعماء المافيا، الذين وصلوا الى اسرائيل حياة فخمة، لكنهم يقضون معظم الوقت في قبرص وفيينا او في بلدان اوروبا الشرقية، بشكل تصبح فيه اسرائيل محطة انتقال اولية لأموالهم. وتهتم الجريمة الروسية المنظمة باستخدام آلات التدليك وصفقات المواكبة في منطقة تل ابيب. فيما عمد ممثلون للمافيات، التي تعمل بالزنى في موسكو، الى فتح فروع لها في تل ابيب، ونجحوا خلال اربع سنوات في السيطرة على جزء محترم من هذه السوق. أما العمليات الأخرى فهي في مجال التزييف، ومركز الثقل لهذه العمليات انتقل من موسكو الى اسرائيل. وتعمل في الوقت الحاضر في البلد عصابات عدة اكتسبت مهارة في التزييف على مستوى عال. واستخدمت عدداً كبيراً من الروس الذين وصلوا الى البلد فقط للحصول على مخصصات الاستيعاب والعودة الى روسيا. ويقول رئيس قسم الاستخبارات في شرطة اسرائيل العميد حازي ليدر: "ان عمليات المافيا الروسية في اسرائيل هي تهديد استراتيجي للدولة". وفي وصفه لطريقة عمل هذه المافيا قال: "يتسلل رؤساؤها الى القطاعات الاقتصادية في البلاد، واسرائيل هي ارض مريحة للعمل لأنه لا يوجد فيها اي خطر على نقل رؤوس الأموال الى الخارج، فضلاً عن ذلك يوجد اكثر من نصف مليون شخص يتحدثون الروسية بما يساعد على عقد الصفقات". الدولار السري في هذه التركيبة الفسيسائية للمجتمع الاسرائيلي، يبرز الدولار الأميركي، وهو العملة التي تحظى بالمكان البارز في السوق السوداء ولكن لوحظ انه لا يزال "خجولاً" جداً من حيث صلته بالسوق الاسرائيلية وتداوله فيها. وهذه ظاهرة تكاد تكون فريدة من نوعها في العالم المالي، وهذا الدولار لا يعيش تزاوجاً وطنياً كما هي الحال بالنسبة الى دولار هونغ كونغ، او انه لا يحمل اسماً محلياً مثل فروع الشركات المتعددة الجنسيات التي تعمل خارج نطاقها لكنه "النقد السري" الواسع في التداول داخل اسرائيل، وهو يتحرك في الخفاء ويخجل من الظهور الى النور. وحسب التقارير الصادرة عن بنك اسرائيل فان كمية الدولارات المتداولة تقدر بحوالي مئة مليار دولار. وتشير جميع التقديرات الى ان الأموال الموجودة في ايدي الناس العاديين في اسرائيل تبلغ حوالي خمسين مليار دولار، في حين ان مجموع الدخل الاسرائيلي يقدر بحوالي 25 مليار دولار، ما يعني ان كل اسرائيلي يوفر شهرياً من دخله الصافي ما يعادل 30 في المئة، خارج نطاق رقابة البنك الاسرائيلي. يضاف الى ذلك الامكانات غير المشروعة للادخار، مثل تحويل المبالغ المالية الى أرقام حسابات مصرفية - سرية في بنوك سويسرا. ويبدو انه لا يمكن تأطير حياة المستوطنين في اسرائيل، اذ هم ينفقون اكثر مما ينتجون. ومن خلال نظرة اتحاد البنوك السويسرية يتبين ان مستوى تكاليف المعيشة في تل ابيب، وسلة تكاليف الخدمات الأخرى يصل الى مستوى المعيشة في زوريخ، لكن مستوى الدخل في تل ابيب لا يتعدى ثلث ما هو عليه في زيوريخ. عصابة مفككة ويلاحظ في هذا المجال ان نصيب سكان تل ابيب من السيارات الحديثة يزيد بكثير عما هو عليه الحال في جميع مدن اوروبا الغربية. وهذا الأمر مثير للدهشة، لأن السيارة من السلع الاستهلاكية الباهظة الثمن بشكل عام. ولا يتردد اسرائيليون في القول ان بلادهم تشبه عصابة مفككة، يأكل فيها الغني مال الفقير، ويزداد الغني غنى، والفقير فقراً. والشيء البارز في هذ المجال تهرب الغني من موجباته المالية بينما لا فرصة للتهرب امام ذوي الدخل المحدود. وفي هذا الاطار تبرز اهمية المساعدة الأميركية في دعم الاقتصاد الاسرائيلي الذي ثبت انه بحاجة ماسة اليها ولسنوات طويلة، وهي لا تقتصر على اربعة مليارات دولار سنوياً ولا تنتهي بضمانات القروض لعشرة مليارات دولار. وعلى رغم ان واشنطن لا تربط دائماً بين المساعدة الاقتصادية والمسائل السياسية، وان كان الرئيس بيل كلينتون يميل الى تلبية كافة مطالب اسرائيل، فإن كل ذلك لا يمنع حقيقة راهنة بأن الدولة العبرية سيظل معرضاً لانتكاسات اقتصادية قوية. لكن ما هو تأثير افرازات المجتمع الاسرائيلي على العالم العربي؟ لا شك في ان العرب يتخوفون من ان يقدم اليهود على نقل افضل التكنولوجيات للجريمة المنظمة مع المبالغ المالية الكبيرة للاستثمارات في المشاريع الشرق اوسطية، خصوصاً ان الحدود المفتوحة التي ينادي بها شمعون بيريز رئيس الوزراء الاسرائيلي في "الشرق الأوسط الجديد" ستؤدي الى انكشاف الدول العربية امام المافيات اليهودية التي ربما تجد ارضاً عربية خصبة لانشاء فروع لها.