في اوائل آب اغسطس الماضي وجد وزير الخارجية البريطاني روبن كوك 52 عاماً نفسه مضطراً لإطلاق تصريح مفاجئ لا علاقة له بالهموم الديبلوماسية التي شغلته منذ اختاره طوني بلير ليكون أحد اقطاب الحكومة العمالية الجديدة في اول ايار مايو. فحكاية علاقة رئيس الديبلوماسية البريطانية بسكرتيرته غانيور ريغان 40 عاماً كانت على وشك الظهور على صدر الصفحة الاولى من جريدة "نيوز اوف ذا وورلد" الشعبية، مما دفعه الى استباق الاحداث والاعلان في اقتضاب عن نهاية زواجه من مارغريت كوك 54 عاماً، شريكة حياته على امتداد 28 عاماً. هكذا طوى الوزير الاسكتلندي بسرعة صفحة رئيسية في حياته بدأت في ادنبره، حيث تعرّف طالب الادب الانكليزي الشاب على مارغريت التي كانت تدرس الطب، وغدت في ما بعد استشارية في امراض الدم وانجبت له ولدين: المحامي كريس 24 عاماً ومهندس الالكترونيات بيتر 23 عاماً. وكان روبن يعيش في لندن منذ انتخابه العام 1974 نائباً في مجلس العموم ويكتفي بقضاء عطلة نهاية الاسبوع مع عائلته في ادنبره. لكن حياته المستقلة لفترة طويلة جعلته يحضر مع زوجته واولاده "جسداً لا روحاً"، على حدّ تعبير مارغريت، مما يعني ان الانفصال كان حاصل فعلياً، والطلاق بين زوجين أصاب حياتهما المشتركة شرخ عميق يجب ألا يفاجئ احداً. ومع ذلك فالحدث غير مسبوق على اكثر من صعيد. واذا كانت حكاية "الود" المتبادل بين وزير العدل لورد ايرفين وزوجة وزير اسكتلندا دونالد ديوار، التي انتهت بزواج العاشقين، لم تثر اهتماماً كبيراً، لأن حزب العمال كان لا يزال خارج الحكم، فالارجح ان تكون مغامرة شخص بمستوى ومنصب روبن كوك ذات وقع مختلف يتخطى حدود الدائرة الحزبية. اذ ان انتشار انباء الحكاية الجديدة، ذكّر الكثير من البريطانيين العاديين بأن الفضائح الزوجية لا تقتصر على افراد العائلة المالكة الذين بالغت الصحافة الشعبية احياناً في تسليط الضوء على "هفواتهم" العاطفية. وهي فعلت ذلك في محاولة لإرضاء الذائقة البريطانية المولعة بأخبار الفضائح المثيرة، مما يجعل أبناء هذه البلاد على طرفي نقيض مع جيرانهم الفرنسيين الذين لم يعيروا اي اهتمام لأنباء ترددت قبيل وفاة الرئيس السابق فرانسوا ميتران عن ان له ابنة مراهقة غير شرعية من علاقة عاشها عبر سنوات عدة مع سيدة فرنسية. ولا بد ان المحافظين تنفسوا الصعداء، فقد بدأ خصومهم يخطفون منهم الاضواء في ميدان العلاقات الغرامية. ومعروف ان الصحف البريطانية انشغلت طويلاً بقصص خيانات زوجية ومغامرات كان ابطالها وزراء محافظون. ومن ابرز هؤلاء "العشّاق" رئيس الحزب الحالي سيسيل باركنسون، الذي استقال من حكومة مارغريت ثاتشر اواسط الثمانينات اثر انكشاف امر علاقته بسكرتيرته التي انجبت له طفلة. اما ستيفن نوريس، فلم ينسحب من حكومة جون ميجور على رغم ان الصحف تناقلت انباء علاقاته بست نساء، وكشف آلان كلارك بعد خروجه من الوزارة عن مغامرات مثيرة عاشها مع سيدة وابنتيها. لكن من حسن حظ بلير ان التفاصيل المعروفة عن قصة وزير خارجيته ليست محرجة بل يتسم معظمها بالطرافة، مثل تذرّع كوك كل صباح بإلقاء كيس النفايات كي يضع النقود في عداد وقفت قربه سيارة خليلته. ويذكر ان حكومة ميجور تكبّدت اضراراً فادحة عندما قررت ممثلة الافلام الاباحية انتونيا دي سانشا فضح اسرار علاقتها مع وزير التراث الوطني السابق ديفيد ميللور. وروبن كوك ارفع مسؤول بريطاني معاصر يبدي نشاطاً ملحوظاً في الميدان العاطفي، فالبريطانيون قصّروا عن ابناء عمومتهم الاميركيين الذين دارت شكوك كثيرة حول الحياة الخاصة التي عاشها رئيسهم السابق جون كيندي، والحالي بيل كلينتون. غير ان كوك يأتي في مرتبة متواضعة بين "العشّاق" البريطانيين الرسميين من حيث المدة التي استغرقتها علاقته. ولم يسبق احد حتى الآن في هذا المجال الليدي دوروثي زوجة رئيس وزراء المحافظين السابق هارولد ماكميلان، اذ ارتبطت بقصة غرام عاصف مع بوب بوثي على امتداد 40 عاماً اثمرت عن طفلة ولقب لورد منحه اياها زوجها! ولم تثر قصة وزير الخارجية اي مخاوف امنية، على عكس علاقة قائد سلاح الجو الماريشال بيتر هاردنغ مع زوجة الوزير المحافظ السابق انتوني بك الاسبانية الاصل. ومغامرة الضابط الكبير تعتبر زوبعة في فنجان بالمقارنة مع الفضيحة الناجمة عن ازاحة النقاب العام 1963، في ذروة الحرب الباردة، عن علاقة جون بروفيومو وزير الحرب في حكومة هارولد ماكميلان ببنت الهوى كريستين كيلر "صديقة" احد موظفي السفارة السوفياتية في لندن. ولئن تخلّف عن غيره مرة او مرتين فكوك كان سبّاقاً الى ابتكار اسلوب جديد لانهاء الزواج، والارجح انه اول سياسي بريطاني يطلق رصاصة الرحمة على زواجه في شكل مباغت في المطار! وجاء في رواية الدكتوره مارغريت انهما كانا في الطريق الى هيثرو لركوب طائرة كانت ستقلهما الى مونتانا لقضاء ايام عدة في الاستجمام وركوب الخيل، عندما رنّ جرس هاتفه الخليوي وكان على الطرف الآخر آليستر كامبل السكرتير الصحافي لرئيس الوزراء. وما ان وصلا الى المطار، حتى انفرد بها في احدى صالات الشرف ليزفّ لها النبأ غير السعيد وهو ان زواجهما صار جزءاً من الماضي. وآثرت مارغريت الصمت لأشهر بعدما انتهى زواجها هذه النهاية السوريالية، مع انها بذلت قصارى جهدها للحفاظ عليه، وتكفلت منذ 1974 بمصاريف العائلة وتربية الولدين لوحدها. الا انها قررت اخيراً وضع النقاط على الحروف في مقابلة تلفزيونية حظيت باهتمام واسع، وكشفت فيها انها صبرت على علاقات نسائية اخرى اقامها زوجها في الماضي. وعندما ادركت قبيل الانتخابات وجود امرأة في حياته عضّت على الجرح، متفائلة بعودته الى عشّ الزوجية بعد الانتصار الساحق للعمال، ليكافئها على تضحياتها الكبيرة. واتهمت روبن بأنه كان يخاف شخصيتها القوية ويبحث عن امرأة اصغر سناً سهلة القيادة ومطواعة ترضي غروره. ولم يسلم بلير ولا سكرتيره الصحافي من غضبها، اذ اعتبرت ان الاخير كان مسؤولاً في شكل مباشر عن انهاء زواجها بهذه السرعة المباغتة. اما رئيس الوزراء فقد تعرض لانتقادها اللاذع لأنه لم يعبّر عن اسفه لانفصالها عن روبن. ونصحته ان ينتبه جيداً فقد يصل وزراء آخرون وزوجاتهم الى الطريق المسدود نفسها التي انتهت اليها مع وزير الخارجية بسبب ضغط العمل المضني والحياة الرسمية المتوترة دائماً. واذا كان افراغ المرأة جام غضبها على هذه الشاكلة سلوكاً متوقعاً فتوقيت بث المقابلة ونشر مقتطفات منها في معظم الصحف البريطانية جاء اثناء تراجع التأييد الشعبي لبلير، وربما كان خروج مارغريت عن صمتها اكثر ايذاءً لانه تم اثناء انشغال الوزارة بمعالجة ازمات عدة، دفعت احداها عدداً من النواب العماليين الى التصويت للمرة الاولى ضد مشروع الحكومة لفرض رسوم دراسية على الطلاب الجامعيين البريطانيين. وعندما ذاعت تصريحات زوجة وزير الخارجية كانت الحكومة تسعى جاهدة لتطويق آثار ازمة اخرى احدثها كشف صحيفة "ديلي ميرور" عن تعاطي ابن وزير الداخلية جاك سترو الحشيش واشارتها الى ان المراهق ربما كان يتاجر بالعقار المحظر قانونياً في بريطانيا. الديبلوماسية الأخلاقية وكأن هذه المتاعب كلها لا تكفي بلير حتى يجد نفسه ازاء مشكلة جديدة اثر صدور السيرة الذاتية لوزير المال غوردون براون. اذ ان الكتاب الذي وقّعه الصحافي بول روتلديج يؤكد توتر علاقة رئيس الوزراء بحليفه القديم، ويتهمه بعدم التزام اتفاق عقده مع براون نصّ على تخليه له عن قيادة الحزب. ويتابع روتلديج نشر غسيل حزب العمال، فيشير الى ان العلاقة بين كوك ومواطنه الاسكوتلندي مقطوعة تماماً. ولا يُستبعد ان يلحق هذا "العداء" ضرراً بالحكومة، فالخصمان ابرز اعضائها. لكن هل يكون كوك الخاسر الاكبر في معاركه ضد وزير المال بسبب مغامرته مع سكرتيرته؟ وهل تؤدي "الحكاية" الى خفض اسهمه لا سيما انه اعلن عند تسلّمه المنصب عن نيّته بناء الديبلوماسية البريطانية على أسس اخلاقية بحتة؟ للوهلة الاولى لا يبدو ان افتضاح الحكاية سيدفع بلير الى التخلي عن وزير خارجيته، اذ دافع عنه بحماس واشاد ببراعته الديبلوماسية و"نجوميته" في المحافل الدولية. ومع ان ذكاء كوك، المحدّث البارع، موضع احترام الاصدقاء والخصوم على حدّ سواء، فاجتهاده لا ينال ثناء كبيراً، خصوصاً في اوساط موظفي الخارجية. ويُنسب الى كثير من هؤلاء الموظفين اتهام وزيرهم ب "الكسل" لانه اعتاد الايجاز في مراسلاته وتعليقاته ودأب على تمديد اجازاته واستراحاته. ويوجه المختصون برعاية علاقات بريطانيا مع المنطقة العربية اقسى الانتقادات للوزير لأنه ألغى زيارتين كان سيقوم بهما لعاصمتين عربيتين، ولم يزر المنطقة حتى الآن على رغم وجوده في المنصب منذ حوالي 7 اشهر. وفيما يصعب تأكيد ان "الفضحية" ستُضعف موقعه ضمن الحكومة، وامام غوردون براون بالتحديد، لأن شخصاً له طاقات كوك وخبرته لا يستسلم بسهولة، لا بد انها جعلته غير مؤهل لخوض اي منافسة مقبلة على زعامة الحزب والحكومة اذا برزت الحاجة لذلك. غير ان أثر المغامرة على مستقبله السياسي سيكون اعمق بكثير، اذ ثبت انها من العلامات التي تدلّ الى ضيقه بالمنصب وتبرمه من حجم العمل الضخم الذي يترتب عليه. فهي عندها ستكون مقدمة ل "هفوات" مهنية سيقوده اليها الملل. ولا ننسى ان كوك كان يطمح الى منصب يسلّط الضوء على طاقاته محلياً، وليس على صعيد دولي. واذا قرر عدم السعي لاحتلال منصب اول حاكم لاسكوتلندا، لا يستبعد مراقبون احتفاظه بحلمه القديم لتسلّم حقيبة المال. لكن كيف يمكنه ذلك اذا كان المؤتمن عليها رجلاً عازباً حسن السيرة؟.