الزمن هو العدو الاول للانسان. هذه هي الحقيقة التي لا مراء فيها. كم من اسماء كانت ملء السمع والبصر ذات يوم واخرجتها الحياة من دائرة الاضواء والنجومية الى الخفوت والعزلة وربما النسيان. أين هم الآن؟ وماذا فعلت بهم الحياة؟ وأي قدر بقي لهم من بريق الامس؟ هذا ما تحاول "الوسط" الاجابة عنه في هذا التحقيق. لم تبلغ اي فنانة سينمائية الآن الشهرة والمجد اللذين اصابتهما ماري كويني شيخة ممثلات السينما العربيات بلا منازع، فما قدمته هذه السيدة اللبنانية الاصل - من مواليد قرية "تنورين" العام 1916 - لفن السينما تمثيلاً وانتاجاً ومونتاجاً يجعلها علامة بارزة في هذا المجال، منذ ان شاهد جمهور الشاشة الكبيرة وجهها للمرة الاولى في أيار مايو 1929، حينما شاركت خالتها آسيا داغر تمثيل فيلم "غادة الصحراء" الذي كان ثامن فيلم تنتجه السينما المصرية التي يصل انتاجها حالياً الى نحو ثلاثة آلاف فيلم. حتى العام 1953، حينما قامت ببطولة فيلم "نساء بلا رجال" للمخرج يوسف شاهين، كانت ماري كويني احدى النجمات المعدودات في سماء الفن، لكنها توقفت عن التمثيل منذ ذلك الحين مكتفية برعاية ابنها نادر الذي اضحى اليوم المخرج نادر جلال، وبالإشراف على "ستوديو جلال" الذي انشأته مع زوجها المخرج الراحل احمد جلال في 1947 في حدائق القبة في القاهرة، وعلى رغم ان الدولة أممت الاستوديو في 1961، مع بقية عناصر البنية الاساسية للسينما المصرية، فإن ماري كويني لم تتوقف عن العمل كمنتجة، خصوصاً للافلام التي يخرجها ابنها نادر، منذ ان انتجت له في 1972 فيلم "غداً يعود الحب" وحتى آخر افلامها كمنتجة "أرزاق يا دنيا" 1982 بطولة نور الشريف ويسرا. ومنذ 1982 نأت ماري كويني عن المجتمعات الفنية واختفت عن الانظار تماماً خلال السنتين الماضيتين، مستسلمة للمرض والشيخوخة اللذين حرماها من حضور الكثير من حفلات التكريم التي اقيمت لها، وآخرها الاحتفال بمئوية السينما المصرية العام الماضي. وكان آخر ظهور علني لها في 1995 عندما كرمها مهرجان القاهرة السينمائي الدولي. وتقيم الفنانة الكبيرة حالياً مع ابنها نادر في مصر الجديدة. وحين استفسرتها "الوسط" عن احوالها، قالت بصوت هادئ انها راضية تماماً عن مشوارها وقانعة بما وصلت اليه في هذه الايام، "فتلك هي سنة الحياة". وأبدت سعادتها لأن ابنها نادر وحفيدها احمد يكملان المشوار من بعدها. السنوات العجاف 81 عاماً هو عمر الفنانة عقيلة راتب الآن، قضت 57 سنة منها في دائرة الاضواء والشهرة، وعشر سنوات عجاف انحسر فيها كل شيء عنها: الشهرة والاضواء والنجومية والاصدقاء، حتى نور العين. من كان يتخيل ان كاملة كامل شاكر او عقيلة راتب استاذة المسرح والسينما طوال الثلاثينات والاربعينات وحتى مستهل الخمسينات ستجد نفسها في نهاية مشوارها رهينة المبحسين في بيتها: الشيخوخة وكف البصر؟ هذه الفنانة التي بدأت رحلتها الفنية العام 1930 ثم اضحت بطلة فرقة علي الكسار، ثاني اكبر فرقة مسرحية بعد فرقة الريحاني، استهلت عملها بالسينما العام 1936 بفيلم "اليد السوداء"، ثم اعقبته بمجموعة من اهم الافلام العربية منها: "ألف ليلة وليلة" بطولة علي الكسار، و "سيف الجلاد" بطولة يوسف وهبي، و "السوق السوداء" و "دايماً في قلبي" بطولة عماد حمدي، و "طلاق سعاد هانم" بطولة انور وجدي، و "ايام وليالي" بطولة عبدالحليم حافظ، و "لا تطفئ الشمس" بطولة فاتن حمامة، و "عائلة زيزي" بطولة سعاد حسني و "زقاق المدق" بطولة شادية، و "احنا بتوع الاتوبيس" و "البعض يذهب للمأذون مرتين" بطولة عادل إمام، و "اسكندرية ليه" بطولة نجلاء فتحي. وعقيلة راتب هي بطلة المسلسل التلفزيوني الشهير "عادات وتقاليد"، تعيش الآن مع ابنتها اميمة حامد مرسي في شقتها في شارع الجمهورية وسط القاهرة تستعيد ذكريات الماضي وأيام شبابها السعيد. ومنذ 1987 حينما فقدت بصرها اثناء تمثيل دورها في فيلم "المنحوس" اثر اكثر من جراحة فاشلة في العين، وهي لا تترك بيتها الا للضرورة القصوى، وحتى عندما تذكرتها الدولة اخيراً وكرمتها قبل اشهر في المهرجان القومي الثالث للسينما المصرية، اعتذرت عن عدم حضور الاحتفال وأنابت ابنتها لتتسلم درع المهرجان نيابة عنها. وهذا هو التكريم الوحيد الذي نالته الفنانة القديرة منذ توقفها الاجباري عن التمثيل قبل عشر سنوات. ولأنها ترفض التعامل وجهاً لوجه مع وسائل الاعلام، قالت ل "الوسط" على الهاتف: "لا أريد شيئاً من أحد، انا بخير والحمد لله، فقط اعتب على التلفزيون المصري لعدم عرضه افلامي القديمة التي احن اليها بشدة، انها تذكرني بالماضي الجميل وبالأصدقاء الذين افتقدتهم بالرحيل او تاهوا مني في دوامة الحياة". وحينما تتأمل الفنانة الكبيرة تحية كاريوكا مشوارها الطويل فانها تعود بذاكرتها الى ما اكثر من 62 عاماً، عندما هجرت الفتاة الصغيرة بدوية محمد كريم اسرتها في مدينة الاسماعيلية لتعمل بعد فترة وجيزة في صالات الرقص لحساب الراقصة الاشهر في زمانها بديعة مصابني. وأطلق عليها عشاق فن الرقص "كاريوكا" تشبهاً براقصة برازيلية معروفة اشتهرت في ذلك الوقت، لكن مجدها الكبير لم يتحقق إلا مع نجاحاتها في السينما منذ فيلم "الدكتور فرحات" العام 1935، ثم العمل بالمسرح في الخمسينات مع فرقة اسماعيل يس، ثم في فرقتها الخاصة التي اسستها مع زوجها السابق فايز حلاوة. اما الآن وبعد ان اقعدها المرض والسمنة المفرطة، لم تعد لها علاقة بالفن الا عن طريق المشاهدة، وتقضي وقتها عادة في قراءة المصحف او الاستماع الى اذاعة القرآن الكريم، وهي اما في الاسماعيلية عند اقاربها او في القاهرة في الشقة التي أهدتها اليها السيدة فجر سليمان الصباح احدى افراد الاسرة الحاكمة بالكويت وساهمت في تأثيثها صديقتها الممثلة فاتن حمامة، بعد ان اضطرت كاريوكا لترك شقتها لمطلقها فايز حلاوة وزوجته المذيعة فريال صالح اثر خصومة قضائية استمرت طويلاً. سرقوا الليل ليست الايام وحدها هي التي عاندت المطربة المعروفة شريفة فاضل او فوقية محمود ندا وهو اسمها الحقيقي على شهادة الميلاد، انهم البشر ايضاً الذين سرقوا منها "شقا عمرها" على حد قولها، فمنذ سنوات اعتزلت شريفة فاضل الغناء من دون قرار معلن، واكتفت بادارتها مع زوجها لملهى "الليل" الشهير بشارع الهرم الذي اشترت ارضه في 1970 وافتتحته في 1976، واستمر زوجها اللواء علي زكي قائماً على ادارة الملهى الى ان اقعده المرض في السنوات الاخيرة. وقللت الفنانة المعروفة من نزولها الى الملهى، فقررت تأجيره الى احد الاشخاص لادارته لمدة محدودة، لكن المطربة الذائعة الشهرة في الخمسينات والستينات ومطربة الزعماء والقادة فوجئت بمن يعتبرون انفسهم شركاء في الملهى بموجب اوراق لا تعلم عنها شيئاً حسب قولها ل "الوسط" وبات عليها الدخول في خصومة قضائية طويلة لاثبات حقها، ولا تفكر شريفة فاضل في العودة للغناء مهما كانت الظروف، وقالت انها انشأت ملهى "الليل" في الاساس حتى لا تغني عند احد فهل بعد ذلك تعود "لتتسول بالغناء"؟ وفي شقة باحدى بنايات مصر الجديدة تعيش الآن "مطربة البوسطجية" رجاء عبده، كما يطلقون عليها نسبة الى اغنيتها الشهيرة "البوسطجية اشتكوا" التي لحنها لها محمد عبدالوهاب في عز مجدها الفني، ايام مشاركته لنا بطولة فيلم "ممنوع الحب" العام 1942. وتؤكد الفنانة الكبيرة 77 سنة ان ما اقعدها عن الغناء فقدان الحماسة نتيجة ما طرأ من تغييرات على الحياة الفنية في ربع القرن الاخير. المعروف ان الفنانة الكبيرة التي بدأت مشوارها بفيلم "وراء الستار" العام 1937 توقفت عن التمثيل في 1950، ولم تظهر حتى اليوم الا في دور عابر في فيلم "كباريه الحياة" في 1973. وقد بكت الفنان محمد عبدالوهاب طويلاً عند وفاته العام 1991، اذ كان صديقها الاقرب اليها في الوسط الفني واحد القليلين الذين حرصوا على السؤال عنها. مع ريا وسكينة هل تذكرون الممثلة التي قامت بدور سكينة السفاحة المشهورة في فيلم صلاح ابو سيف المعروف "ريا وسكينة" العام 1953؟ انها نجمة المسرح والسينما الفنانة زوزو حمدي الحكيم، اول خريجة من معهد التمثيل في 1932 وملهمة الشاعر الدكتور ابراهيم ناجي كثيراً من قصائده. من يراها اليوم وقد اعاق مرض الروماتيزم قدرتها على الحركة لا يصدق ان هذه هي التي كانت تملأ خشبة المسرح وشاشات السينما ضجيجاً وحيوية، على رغم ادوارها المحدودة. تعيش الفنانة القديرة التي توقفت عن التمثيل منذ ظهورها في حلقات "سنبل بعد المليون" في عام 1987 في شقتها المطلة على نيل الزمالك بالقرب من الموقع الذي كانت تشغله فيلا ام كلثوم قبل هدمها، وهي ذات الشقة التي تحتفظ بها منذ عهد مجدها الفني. وقالت زوزو حمدي الحكيم ل "الوسط" انها تقضي وقتها مع افراد اسرتها او في اشغال التريكوه والكروشيه وسماع الاذاعة، وايضاً في قراءة القرآن الكريم، وكذلك اجترار ذكرى الايام الخوالي. وأخيراً تذكر التلفزيون المصري المطربة سعاد مكاوي رفيقة شكوكو واسماعيل يس في رحلة النجاح، فقد دعاها قبل اشهر الى المشاركة في احدى حفلات "ليالي التلفزيون"، واستقبلها الجمهور استقبالاً طيباً جعل الدموع تنهمر من عينيها، بما شجعها على العودة للغناء وإعادة توزيع اغنياتها القديمة. وتعرضت في الاسابيع الماضية لشائعة اصابتها بالعمى، لكن المعلومات تؤكد انها اجرت عملية بسيطة في جفن العين. واذا انزوت هؤلاء الفنانات بحكم الزمن، فإن اخريات اختفين بحكم الهجرة بعيداً عن مصر وانقطاع علاقتهن تماماً بالتمثيل، ابرزهن الممثلة اليهودية راقية ابراهيم، بطلة فيلم "رصاصة في القلب" بطولة محمد عبدالوهاب التي بدأت التمثيل في 1937 في فيلم "ليلى بنت الصحراء"، وتوقفت العام 1954 بعد فيلم "جنون الحب". وخرجت في ذلك العام مع يهود مصر لتستقر في الولاياتالمتحدة، وتردد انها عملت في منظمة الأممالمتحدة قبل تقاعدها. والى الولاياتالمتحدة ايضاً هاجرت ممثلة اخرى بعد هزيمة 1967، وهي لبنى عبدالعزيز خريجة الجامعة الاميركية التي اكتشفها المنتج رمسيس نجيب وقدمها العام 1957 في فيلم "الوسادة الخالية" امام عبدالحليم حافظ. اذ قررت الممثلة التي كان يتوقع ان تصبح احدى ابرز الممثلات اعتزال التمثيل بعد 18 فيلماً وتجربة زواج فاشلة مع مكتشفها المنتج رمسيس نجيب، ولم تهاجر لبنى وحدها الى اميركا، اذ غادرت بصحبة زوجها الدكتور اسماعيل برادة. وكان ما توافر من اخبارها طوال هذه الفترة انها حصلت على الدكتوراه، ولم تقم بزيارة مصر سوى مرة واحدة، حسبما نسب الى صديقها القديم سمير صبري الذي كان الفنان الوحيد الذي التقاها اثناء زيارتها الخاطفة الى مصر. وهاجرت الممثلة السمراء ايمان التي غنى لها عبدالحليم اغنيته الشهيرة "أنا لك على طول" في فيلم "أيام وليالي" الى المانيا. ويبدو ان هذه الممثلة التي كانت زوجة لفؤاد الاطرش وقدمها للسينما شقيقه الفنان الراحل فريد الاطرش في فيلم "عهد الهوى" في 155 لم تكن متحمسة للعمل السينمائي، اذ ما لبثت ان اعتزلت بعد ست سنوات قدمت خلالها 12 فيلماً، وسافرت الى المانيا بصحبة زوجها الثاني المليونير الالماني ماكسماتو ماش سيلرت وانجبت هناك ثلاثة ابناء. وفي اعقاب هزيمة 1967 ايضاً هاجرت الممثلة آمال فريد التي تقاسمت بطولة فيلم "ليالي الحب" مع عبدالحليم حافظ، وشجعها على ذلك زواجها من مهندس مصري كان يعمل في موسكو واستمر الزواج سنوات، ويقال انها تزوجت بعده من موسيقي شاب في اوروبا تاركة وراءها ما يقرب من 30 فيلما" عرض اولها في 1954 وعنوانه "موعد مع السعادة" بطولة فاتن حمامة، ويقال ان سبب مغادرتها مصر هو مطاردة صلاح نصر رئيس جهاز المخابرات في حينه لها ورغبته الدائمة في تجنيدها، الا ان هذه المعلومات لم يؤكدها احد من معاصري هذه الفترة. لكن آمال فريد لم تعد الى التمثيل او حتى الاقامة في مصر حتى بعد القبض على صلاح نصر ومحاكمته.