بين "العاشقات" الست اللواتي قدمتهن السينمائية المصرية ماريان خوري في فيلم "عاشقات السينما" الذي حققته قبل عامين، كانت امينة رزق وماري كويني الوحيدتين الباقيتين على قيد الحياة. ولئن كان حضور امينة رزق في الفيلم غير مفاجئ لأحد، فإن حضور ماري كويني فاجأ الكثر، خصوصاً حين اكتشفوا ان هذه اللبنانية الأصل والتي ساهمت في تأسيس السينما المصرية منذ طفولتها، كانت لحظة تحقيق الفيلم، لا تزال حية ترزق. فالمعتقد منذ زمن طويل ان ماري كويني رحلت... وكان رحيلها احد مبررات دخولها الأسطورة باكراً، اي منذ الخمسينات حين غابت عن الشاشات تماماً، لتتحول جزءاً من تاريخ السينما المصرية. ولكن ايضاً جزءاً من تاريخ حضور المرأة في الحياة العامة العربية. حين عرض "عاشقات السينما" تجدد الاهتمام بماري كويني وعادت الأسئلة عن دورها في مسار السينما، ولكن ليس لفترة طويلة، ذلك ان السيدة العجوز التي ظهرت في الفيلم وتبين انها ماري كويني، كانت "شيئاً آخر تماماً غير الصورة الأسطورية المعهودة: كانت سيدة موقرة هادئة نسيت الكثير من ماضيها ومن ماضي السينما. وبالكاد تعرف لماذا تركت ذات يوم قريتها، تنورين، في شمال لبنان، لتتوجه الى مصر، حيث عاشت حياة مختلفة تماماً عما كان مقدراً لابنة القرية الوادعة ان تعيش. لا ماري كويني كانت تعرف جواباً على السؤال، ولا الفيلم اجاب. من هنا سيظل الغموض يحيط بذلك المنعطف الأساسي في حياة تلك المراهقة التي كان كل ما تعرفه انها "جاءت الى مصر" مع خالتها آسيا داغر، التي كانت سبقتها في المشاركة في تأسيس السينما المصرية، تمثيلاً وإنتاجاً. اما السؤال الثاني الذي لم تجب عنه ماري كويني ابداً فهو السبب الذي دفعها، قبل خمسين عاماً، الى ترك التمثيل، بعدما بدت رائعة في فيلمها الأخير، كممثلة، "نساء بلا رجال" الذي انتجته بنفسها ليوسف شاهين. امور كثيرة كانت ماري كويني تفضل ان تتركها في الظل... وقد يكون السبب ان "الأساطير" يجب ان تغلّف جوانب من حياتها بالظل. وماري كويني كانت اسطورة سينمائية حقيقية. ولعل هذا اول ما يجب ان نتذكره اليوم. اذ ترحل عن اربعة وثمانين عاماً لنجد انفسنا بغتة امام مرحلة طويلة وذهبية من حياة السينما المصرية ومن حياة نجومها الكبار. وماري كويني، قبل ان تغرق في الصمت، وفي الأرقام - كمنتجة تكمل مسيرة زوجها المخرج الراحل احمد جلال - كانت نجمة حقيقية. مثلت الى جانب فاتن حمامة وعملت الى جانب خالتها آسيا وبديعة مصابني. وأدارها وداد عرفي وحسن الإمام ويوسف شاهين، وأنتجت لعشرات المخرجين، وأسست مع زوجها استوديو جلال، وأنجبت منه ابنهما نادر الذي اصبح من ابرز مخرجي جيله ولا يزال. ولدت ماري كويني في تنورين، اذاً، في العام 1919، وكان اسمها ماري بطرس يونس. اما اسم كويني فقد استعير لها من لقب الملكة كوين ماري - ملكة بريطانيا في ذلك الحين. وهي كانت بالكاد بلغت سن المراهقة حين انضمت الى خالتها، آسيا، والى أمها، وكان اسم الأم ماري هي الأخرى، في القاهرة. وعلى الفور دخلت معترك الفن السينمائي حيث مثلت في "غادة الصحراء" 1929 من اخراج وداد عرفي... وواصلت مسيرتها كممثلة حتى العام 1953، ليبلغ مجموع افلامها عشرين فيلماً. وعند نهاية الثلاثينات تعرفت الى احمد جلال، الذي ستتزوجه وتؤسس معه استوديو جلال 1944، ومثلت تحت إدارته عدداً من الأفلام، من بينها "ام السعد" و"لست ملاكاً" اللذان اكملتهما بعد وفاة زوجها. مثلت ماري كويني كذلك في "السجينة رقم 17" من اخراج عمر الجميعي، ثم "الزوجة السابقة" 1950 و"ضحيت غرامي" 1951 لابراهيم عمارة. وكما أسلفنا، كان "نساء بلا رجال" آخر افلامها كممثلة، هي التي تقاعدت بعده عن التمثيل، وإن كانت واصلت عملها كمنتجة، ومسؤولة عن استوديو جلال، مفضلة ان تعيش في الظل حتى النهاية، غير خارجة من ذلك الظل إلا لمناسبة مشاركتها في "عاشقات السينما" الذي بدا اشبه ب"اغنية البجعة" بالنسبة إليها. وشيع جثمان ماري كويني أول من أمس من الكنيسة المارونية في حي مصر الجديدة في القاهرة. ونظراً الى وجود ابنها المخرج نادر جلال في كندا حيث يزور ابنته مها، تقام مراسم العزاء في الكنيسة نفسها مساء الاثنين المقبل.