سعد الناس جميعا بالإعلان الأخير لجماعة "الجهاد" اثناء محاكمة بعض اعضائها، باتفاق من في السجن مع من خارجه على إنهاء دوامة العنف بين الحركة الإسلامية والدولة أو النظام السياسي، نظرا إلى وجود خطر أعظم مشترك على القدسوفلسطين من الصهيونية والاستعمار الاميركي. وهو مطلب الوطنيين جميعا حرصاً على الوحدة الوطنية، وحقناً للدماء، فدماء المسلمين واموالهم وممتلكاتهم حرام عليهم. وهو أيضا تطبيق لتوجه القرآن "أشداء على الكفار رحماء بينهم". وهو درس في الوحدة الوطنية. والغاء التناقضات الثانوية في سبيل مواجهة التناقضات الرئيسية، وتأجيل تناقضات الداخل في سبيل معركة التناقضات في الخارج. وهو اقرب الى روح الاسلام والدعوة إلى الحوار والوصول الى فهم مشترك للمصالح العامة مع السماح بالتعددية النظرية. إذ لا يمكن توحيد القلوب والاذهان ولكن يمكن توحيد الافعال والاهداف. وقد تتغير الحركة الإسلامية بعد هذا الاعلان بفعل الممارسة. وتنصهر في باقي الحركات السياسية للنضال المشترك ضد العدو الصهيوني. تتغير فكرا وعملا، فهناك فرق بين نفسية السجين الذي يعمل تحت الأرض، ونفسية المواطن الحر الطليق الذي يعمل في العلن. وتنتهي قصة صراع "الإخوان" مع الثورة التي بدأت في 1954 واستمرت حتى الآن لفتح صفحة جديدة، وطن واحد في الداخل في مواجهة عدو واحد في الخارج. كما قد يتغير النظام السياسي في موقفه من الجماعات، فبدلا من اعتبارها العدو الأول تصبح رصيدا نضاليا له، تدعمه في موقفه الصامد ضد الصهيونية دفاعا عن القدس من التهويد، وعن فلسطين من الاستيطان، بل قد تضطر الدولة اخيرا لاعطائها نوعاً من الشرعية حتى تصبح جزءا من الحركة الوطنية في البلاد. وهو الطريق نفسه الذي اشتقته الجزائر بالافراج عن زعماء جبهة الانقاذ لانهاء الاقتتال الدامي الذي استمر حوالي خمس سنوات، وخسرت فيه الجزائر ما يقرب من ستين الف شهيد، طفلا وشيخا وامرأة. ويعود الدرس القديم الذي اعطاه الرسول بالمؤاخاة بين المهاجرين والانصار، وبين الأوس والخزرج. وهو الدرس الذي صاغه الفقهاء إجابة على سؤال: هل الحق واحد أم متعدد؟ فأجابوا: الحق النظري متعدد، والحق العملي واحد. وبعدها بأيام انزعجت الحركة الوطنية في مصر، بكل فصائلها، من البيان الثاني للجماعة تؤيد فيه القانون الجديد المزمع تطبيقه في تشرين الاول اكتوبر المقبل، والذي يعيد تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، ويعطي المالك الحق في تحديد الايجار طبقا لقانون العرض والطلب. متجاوزا ما استقر عليه العرف والقانون، وهو سبعة امثال الضريبة. وانضمت الجماعة للمالك على حساب المستأجر على رغم الغضب العارم في ريف مصر، والتظاهرات الصاخبة للفلاحين في المنيا والجيزة والمنوفية وسقوط شهداء. وإذا كانت الحركة الإسلامية قد نالت بعض التعاطف من الجماهير تعبيرا عن أزمتها الاقتصادية ورفضها لمظاهر الفساد في الدولة فإنها بذلك تخسر تأييد الجماهير بأخذها صف الدولة ضد الاهالي. مع انها كان يمكن ان تتحول الى مدافع عن حق الفلاحين متضامنة مع كل القوى الوطنية في مصر، الناصريين والقوميين والاشتراكيين، دفاعا عن الفلاحين الذين تحرروا من ربقة الاقطاع منذ قانون الاصلاح الزراعي الاول بعد ثورة 1952، ووقوفا في وجه الخصخصة التي امتدت إلى المصانع والجامعات وتصل الآن الى الحقول، وبالتالي تظهر القوى الوطنية الرئيسية في البلاد، الطلبة والعمال والفلاحون، دفاعا عن حقوقهم التاريخية ونضالهم الوطني قبل 1952 وبعدها. وسيمتد القانون بعد ذلك الى الاسكان، يعطي الحق للمالك على حساب المستأجر في تحديد قيمة الايجار والا فالطرد قوة القانون. مع ان الشرع في صف الفلاح والساكن، فالارض لمن يفلحها عند ابن حزم، والمزارعة والمؤاجرة بابان رئيسيان في الفقه الاسلامي، ولا يجوز امتلاك ما تعم به البلوى ملكية خاصة كالماء والطاقة والارض، وكل ما في باطن الارض، الركاز كما سماه القدماء. فما السبب في هذه الخطوة الى الامام ثم الخطوة الى الوراء؟ لماذا تفقد الحركة الاسلامية فرصة المصالحة الوطنية في الداخل والتعبير عن الحركة الوطنية والدفاع عن حقوق الفلاحين والتضامن مع باقي الفصائل الوطنية تأكيدا على وحدة الجبهة الداخلية؟ هل هو خطأ في التحليل السياسي مثل خطأ تحليل "الإخوان" للحركة الوطنية في 1946 وتكوين لجنة الطلبة والعمال ورفض "الاخوان" الانضمام اليها، وتفضيلهم التعاون مع احزاب الاقلية وربما القصر، منافسة للوفد وللشيوعيين، وبالتالي ايثار السلطة على الوطن؟ هل هو استمرار لرغبة في الثأر من ثورة 23 يوليو تموز 1952، فيما تحتفل مصر والعالم العربي بمرور خمسة واربعين عاما على اندلاعها، في وقت يحن الناس اليها هروبا من الفقر والفساد والتبعية والتجزئة والحصار والضياع للكرامة والوطن؟ لقد ارتبط قانون المالك والمستأجر بقوانين الاصلاح الزراعي وثورة يوليو، فهل تريد الحركة الاسلامية الانتقام من ثورة يوليو في شخص الفلاح؟ هل هو استمرار لفكر "الاخوان" التقليدي الذي ينحو نحو الرأسمالية والقطاع الخاص والتجارة الحرة كعداء قديم للاشتراكية واتهامها بالمادية والالحاد على رغم محاولة سيد قطب في بيان الجوانب الاشتراكية في الاسلام في "العدالة الاجتماعية في الاسلام"، و"معركة الاسلام والرأسمالية"، و"السلام العالمي والاسلام"، وكذلك مصطفى السباعي في "الاشتراكية والاسلام"؟ ام انها صفقة مع الحكومة، تقوم على تأييد الحركة الاسلامية الحكومة في القانون الجديد في مقابل استعمال الحكومة لها ضد القوى الوطنية المعارضة من الناصريين والاسلاميين الاشتراكيين، وكما فعل السادات من قبل في اخراج "الاخوان" من السجن العام 1971 لاستعمالهم لتصفية خصومه السياسيين من الناصريين وهو مقدم على التحول والانقلاب على الثورة الى ثورة مضادة؟.