حققت السمعة المصرفية العربية في الخارج في السنوات القليلة الماضية، مزيداً من التحسن، وطبقاً للتصنيف الذي اعدته مجلة "بانكر" العالمية حول أكبر 500 مصرف في العالم، ظهرت اسماء 20 مصرفاً عربياً من بينها، كما ظهرت اسماء 3 مصارف عربية على لائحة المصارف ال 200 الاولى في العالم، اثنان سعوديان، هما "البنك الاهلي التجاري" الذي احتل المرتبة 166 عالمياً و"بنك الرياض" في المرتبة 175، فيما صنف "انفستكورب" المسجل في البحرين، من بين المصارف الاستثمارية العشرين الاولى في العالم. ووفق التصنيف الذي اعدته "بانكر"، نجحت المصارف العربية في زيادة مستويات الملاءة المالية لديها الى ما يتجاوز بكثير المستوى الذي سبق لبنك التسويات الدولي ان حدده ب8 في المئة، اذ وصلت نسبة الملاءة في المصارف الاماراتية الى 6.12 في المئة، في مقابل 10 في المئة تقريباً في المصارف السعودية والبحرينيةوالكويتية، وإلى أكثر من 11 في المئة بالنسبة إلى المصارف اللبنانية. الملاءة المالية وبانتظار ان تنجز المصارف المصرية خطط زيادة مستوى الملاءة لديها، الذي قدره تقرير "بانكر" بما يقل عن 8 في المئة، فإنه من المقدر ان تحقق المصارف الخليجية وفي الاردنولبنان وبلدان المغرب العربي، زيادات واضحة في نسب الملاءة المالية لديها في السنوات الثلاث المقبلة، اذا ما أخذت في الاعتبار الاجراءات التي باشرت السلطات النقدية في الدول المعنية تطبيقها لإلزام المصارف رفع رساميلها الخاصة، وزيادة الاعتمادات الخاصة بتغطية المخاطر، الى جانب توجيه قسم من الارباح الدورية لتحسين الملاءة المالية. وحدد المصرفان المركزيان في لبنانوالاردن نهاية العام الحالي مهلة اخيرة لالتزام الحد الادنى للرساميل الخاصة، كما يتجه البنك المركزي الاماراتي الى الزام المصارف، خصوصاً المصارف الاجنبية بحدود دنيا للرساميل لا تقل عن 100 مليون درهم 27 مليون دولار. اما على صعيد مستويات الربحية، فقد اظهرت الارقام شبه الرسمية ان غالبية المصارف العربية نجحت في تحقيق زيادات لافتة، وصلت في الامارات الى 8.15 في المئة العام الماضي، فيما وصلت الى 4.15 في المئة في السعودية، والى نسب قريبة من ذلك في الكويتوالبحرينوالاردن، وأكثر من هذه النسب في لبنان حيث حقق بعض المصارف زيادات قياسية تجاوزت 70 في المئة في النصف الاول من العام الحالي. وترافق ارتفاع مستويات الربحية مع نجاح المؤسسات المصرفية في تقليص اكلاف التشغيل لديها، رغم الاكلاف المرتفعة التي رتبتها خطط مكننة العمليات وتحديثها، واقامة شبكات الربط بين المصارف. وحسب تقديرات "بانكر"، احتلت المصارف في الاماراتوالبحرين المرتبة الاولى على صعيد خفض اكلاف التشغيل مقارنة بمستويات المداخيل، فيما سجلت المصارف السعودية والكويتيةواللبنانية تقدماً، ولو محدوداً في هذا السياق. ومع ذلك، فإن النجاح الذي حققه بعض المصارف العربية، خصوصاً الخليجية، يجب الا يعني ان المصارف العربية اصبحت اكثر اهلية لخوض المنافسة في الاسواق الدولية، كما يجب الا يعني، وفق ما تقوله مؤسسة التصنيف الاميركية "مودي"، ان القطاع المصرفي العربي بات يلعب دوره كاملاً، سواء في الاسواق الوطنية، ام في الاسواق الدولية. الدفاع عن النفس ويتفق هذا التقييم مع تقديرات مصرفية اخرى تشير الى ان المصارف العربية اهتمت في السنوات الماضية باتخاذ مواقع يغلب عليها طابع الدفاع عن النفس، في مواجهة المصارف الاجنبية التي سعت الى زيادة حصتها في اسواق المنطقة، لذا ركزت المؤسسات الوطنية، في الدرجة الاولى، على تكريس حصتها وتوسيعها في الاسواق المحلية، على حساب التوجه نحو الخارج. وقد حققت المصارف الوطنية في معظم الدول العربية نجاحات كبيرة على هذا الصعيد، خصوصاً في الامارات، حيث باتت حصة المؤسسات الوطنية تزيد عن 70 في المئة، فيما وصلت النسبة في لبنان الى اكثر من 75 في المئة، فيما تتجاوز حصة المصارف الوطنية في مصر 80 في المئة، علماً ان القوانين المعمول بها في كل من السعودية والكويت لا زالت تمنع المصارف الاجنبية من ممارسة نشاطها في الاسواق المحلية للدولتين وان كانتا تسمحان للرأسمال الاجنبي بالمساهمة في المصارف الوطنية. وعلى رغم النجاح الذي حققته في زيادة حصتها من سوق الودائع المحلية، إلا أن المصارف الوطنية لم تسجل سوى نجاحات محدودة لجذب الرساميل العربية في الخارج، التي تقدر بين 600 و800 مليار دولار، بالنسبة إلى الرساميل الخليجية، والألف مليار دولار، اذا ما احتسب الرساميل التي تعود ملكيتها لمستثمرين عرب من جنسيات اخرى ايضاً، من لبنان وسورية ومصر والسودان واليمن وغيرها من الدول العربية. محدودية النشاطات ومن أبرز الاسباب ما يتصل بمحدودية الخدمات التي توفرها المصارف العربية في الاسواق الخارجية، خصوصاً محدودية النشاطات ذات الطابع الاستثماري التي تتولاها المصارف الاجنبية في الغالب، لتوظيف الفوائض المالية لديها في مشاريع ذات ربحية اعلى، الى جانب محدودية المنتجات الاستثمارية التي تعرضها سواء على مستوى المستثمرين الافراد، ام على مستوى الاستثمارات الحكومية. ومن وجهة النظر المصرفية، فإن ثمة فرصاً كبيرة امام المصارف الوطنية لجذب الرساميل من الاسواق الخارجية، وفي طليعتها الرساميل العربية لتوظيفها في تمويل المشاريع التي يتوقع اطلاقها في السنوات المقبلة، ويمكن ان تتجاوز قيمتها 300 مليار دولار، من بينها مشاريع تخصيص الشركات الحكومية، والمشاريع الخاصة بقطاعي النفط والغاز والصناعات المرتبطة بهما. وطبقاً للملاحظات التي اعدتها "مودي"، فإن خدمات التمويل التي تقدمها المصارف العربية لا زالت تقليدية في معظمها، وفي مجال تمويل النشاطات التجارية، في الوقت الذي تعاني فيه الجهات المصدرة في المنطقة من النقص على صعيد تمويل الصادرات، من قبل المصارف، ما يدفعها الى الاتكال بالدرجة الاولى على بعض المؤسسات الاقليمية، مثل صندوق النقد العربي، والبنك الاسلامي للتنمية، ومؤسسة ضمان الصادرات العربية، على خلاف ما هي عليه الامور في الدول المتقدمة. كما تعاني المشاريع الانتاجية الجديدة، من اضطرارها الى البحث عن مصادر تمويل خارجي، في الوقت الذي تبحث فيه الفوائض العربية عن فرص جدية للتوظيف .