يمر القطاع المصرفي العربي بمرحلة تحول حاسمة في تاريخه. فعدد الدول الآخذة في تحرير انظمتها والتي تسمح للمصارف الاجنبية بالعمل بحرية ومنافسة المصارف المحلية آخذ في الازدياد. كما ترسخت قناعة لدى دول كثيرة بأن تخصيص المصارف الحكومية، وتجميع المصارف الصغيرة او المتعثرة، وزيادة ملاءتها المالية ربما اعلى مما نصت عليه قواعد بنك التسويات الدولية في بال، وتنويع خدمات المصارف، قد يوقف هجرة الرساميل، ويعزز الثقة في هذه المنطقة من العالم التي كانت تودع اموالها، في الوقت الذي استقبلت فيه الدول الاخرى في الاسواق الناشئة استثمارات من شتى بقاع العالم. مشاكل المصارف العربية الاساسية كانت حتى وقت قريب ناجمة عن جمود المصارف المركزية المتحكمة بالرخص الممنوحة، والمكبلة للمنافسة. وكانت النتيجة ان العميل المصرفي العربي لم يتمتع بالتسهيلات الرخيصة التي توفرهاة عادة المصارف الحرة، واضطر لأن يقبل الوجبة الوحيدة المتاحة في السوق المحلية بأية كلفة كانت. وكانت المصارف العربية حتى الفترة الاخيرة تعتمد على استقبال الودائع والمدخرات الشخصية عبر شبكات من الفروع الكثيرة المنتشرة في الدول، واعادة تسليفها الى الشركات والافراد واحياناً الحكومات. وظهر بعض المصارف في دول مثل مصر تتعامل على مستوى الجملة من خلال شبكات صغيرة لتمويل المشاريع، واتسمت بهوامش فائدة ضيقة. والى جانب المصارف التقليدية المحلية، عرف القطاع المصرفي العربي عدداً من المصارف ذات التوجه العالمي، التي نشطت في استثمارات خارجية، ونوّعت محافظ استثماراتها، غير مكتفية بالأطر المتوافرة محلياً، واستطاعت هذه المصارف ان تؤثر في اسواق السندات والاستثمارات المباشرة، خصوصاً في اعادة توظيف الرساميل التي تراكمت من الطفرة النفطية في السبعينات وبعدها. واكتسبت من خلال حركتها على مر السنين، خبرات اعادة تشغيلها في مناخ الانفتاح الاقتصادي الجديد. وهذا النوع من المصارف الذي تصاهر مع الخبرات الخارجية، اقدر في مناخ الانفتاح على التكيف مع المنافسة الاجنبية ويستطيع ان يلعب دوراً في مشاريع التنمية وجذب الاستثمارات الاجنبية واعادة توطين الرساميل العربية المهاجرة. المصارف العربية تمتعت في السابق بمناخ عمل ضعيف المخاطرة، ولم تبرز مشاكل مديونية كبيرة الا في مناسبات قليلة، مثل ازمة بنك انترا اللبناني في الستينات، وازمة المديونية الناجمة عن ازمة سوق المناخ الكويتية في الثمانينات، وازمات خليجية متفرقة في التسعينات ناجمة عن حرب الكويت ونفقاتها والتي تزامنت مع انهيار بنك الاعتماد والتجارة الدولي. اما اليوم فمعظم المصارف العربية لا يتوقع مشاكل ديون متعثرة كبيرة، ولا تتجاوز مخصصات الحالات الطارئة في معظمها نسبة واحد في المئة. المخاطر الرئيسية للمصارف العربية تكمن حالياً في الديون العقارية التي تتأثر عادة بدورات النمو والانكماش التي تصاحب فورات اسعار النفط، او هبوطها. كما ان عدم الوضوح في القوانين المتعلقة بالتمويل الاسلامي جعل المحاكم غير قادرة على حجز الرهونات لمصلحة المصارف الاسلامية عندما اخفق المدينون في السداد، خصوصاً في الدول التي ضربتها الازمة الآسيوية مثل اندونيسيا وبنغلادش وماليزيا وغيرها، بما في ذلك الدول الخليجية نفسها. وعليه فإن المصارف الاسلامية ربما تحتاج الى اعادة النظر في طرق تمويلها على ضوء هذه التجارب الجديدة. اما في الاسواق المالية العربية المدولرة، مثل لبنان، فيصعب على المصارف تفادي ازمات في حال هبطت قيمة العملة المحلية الى حد يصعب معه على الدائنين خدمة الدين بالدولار. وهو ما نشهده حالياً في الارجنتين. والملاحظ من خلال دراسة اعدها مصرف نومورا انترناشونال في لندن اخيراً ان نمو المديونية في مصر وعُمان ولبنانوالكويت وبعض الدول العربية الاخرى، ارتفعت خلال الاعوام الخمسة الماضية بنسبة 20 الى 30 في المئة سنوياً. الامر الذي يثير القلق حول تصنيف المصارف الدائنة.