كود.. مفتاح الفرص    السعودية و«النقد الدولي» يطلقان مؤتمر العُلا لاقتصادات الأسواق الناشئة    احتمالات اصطدام الكويكب 2024 YR4    السعودية تحتضن لقاء ترامب وبوتين    إسرائيل.. الفكر الاستعماري من التهجير إلى محاولات تصفية القضية    سوريا.. الانتقال الصعب..!    وزير الرياضة يتوّج «أوليفر رولاند» بطلاً ل«فورمولا إي بري»    «ليلة الحسم» تشعل بطولة البادل بموسم الرياض    جوليانو هداف بني قادس التاريخي    بينالي الفنون الإسلامية    عيد الحب: احتفاء بالمعنى الأزلي للحب    قصة نجاة في الصحراء !    الحيوانات تمرض نفسيا وعقليا    الحدود الشمالية تضع المملكة ضمن أكبر الدول المنتجة للفوسفات عالميًا    الاتحاد يقسو على الوحدة برباعية ويتربع على صدارة دوري روشن للمحترفين    جازان: القبض على 4 مخالفين لتهريبهم (67) كيلوجراماً من نبات القات    القيم مشرفاً على مشيخة الإقراء بالمسجد النبوي    الأمير عبدالإله بن عبدالرحمن يزور جمعية كسوة الكاسي في جازان ويتسلم العضوية الشرفية    جمعية إماطة تطلق حملة لتنظيف منتزه شعيب حريملاء مع بنك البلاد    أمانة القصيم توقّع عقداً لتشغيل وصيانة شبكات ومباشرة مواقع تجمعات السيول    " 140 " مستفيد وحالة مستكشفه من أركان يشفين الصحية بقلوة    أمطار وسيول على 8 مناطق    «الأرصاد» في «إنذار أحمر»: أمطار غزيرة على القصيم حتى ال 3 صباحاً    الجيش اللبناني يطلق الغاز المسيل للدموع لتفريق احتجاج مناصري حزب الله    التدريب التقني يطلق مسابقة التميز الكشفي والإبداع    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    زيلينسكي: رفضت اتفاقا مع واشنطن حول «معادن» أوكرانيا    مرموش: شعرت أنني لاعب في سيتي بعد الهدف الأول أمام نيوكاسل    مجمع الملك سلمان العالمي يفتح باب التسجيل في النسخة الثالثة من (مركز أبجد)    منصة التوقيع.. تجربة فريدة بمعرض جازان للكتاب    السعودية والسلام العالمي    ما موعد فرض ترمب رسوماً إضافية على السيارات المستوردة ؟    تهنئة صربيا بذكرى اليوم الوطني    «سلمان للإغاثة» يدشّن المرحلة الثالثة من مشروع دعم الأمن الغذائي في الخرطوم    «Big 5 Construct Saudi» ينطلق اليوم ويستمر لأسبوعين    غضب في الهلال من تقنية الفيديو    أمير جازان يزور معرض جازان للكتاب 2025 " جازان تقرأ " ويطلع على فعاليات المعرض    سعود بن نهار يستأنف جولاته التفقدية للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    مفتاح حل المشاكل    الشام وخطوة الاتصال اللحظي أو الآني    الذوق العام تطلق مبادرة "ضبط أسلوبك" بالتزامن مع تسوق شهر رمضان المبارك    وزير الداخلية يزور وكالة الحماية المدنية الإيطالية    "البيئة" ترصد هطول أمطار في (8) مناطق عبر (95) محطة    أمير الباحة يعزّي الزهراني بوفاة ابنه    عبدالعزيز بن سعود يزور وحدة العمليات الأمنية المركزية الإيطالية    «الداخلية»: ضبط 22,663 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    فريق سومي لي يتوج بلقب بطولة صندوق الاستثمارات العامة للسيدات وجينوثيتيكول تتصدر الفردي    سهرة حجازيّة مميزة في دار فرنسا بجدة    رابطة العالم الإسلامي تُدين جريمة الدهس بميونخ    زراعة عسير تطلق فعالية خيرات الشتاء    الأمير عبدالإله بن عبدالرحمن آل سعود يزور معالي الشيخ علي بن شيبان العامري    إمام وخطيب المسجد الحرام: اتركوا أثراً جميلاً في وسائل التواصل.. لتبقى لكم بعد مماتكم    «سلمان للإغاثة» يختتم 3 مشاريع طبية تطوعية في دمشق    جودة الحياة في ماء الثلج    في يوم النمر العربي    محمد بن فهد.. ترحل الأجساد وتبقى الذكرى    أيهما أسبق العقل أم التفكير؟    سعود بن خالد رجل من كِرَام الأسلاف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تسخير البشر أم تسخير الطبيعة ؟
نشر في الحياة يوم 18 - 08 - 1997

تسود بعض اجهزة الاعلام وبعض الدوائر الدينية الرسمية ان الله سخر البشر لنا، يقومون بالجهد عنا، ويكتشفون ويخترعون ويعطوننا النتائج، وان نتمتع بها لما حبانا الله من نعمة الايمان وما وعدنا به من الفوز في الدار الاخرة!
لقد سخر الله الغرب لنا، هو يبدع ونحن نستهلك. هو يتعلم ويؤسس العلوم ونحن نأخذها منه جاهزة مجهزة. فالغرب يشقى ونحن ننعم. الغرب يعرق ونحن على الارائك فاكهين. نشتري سلاحهم بأموالنا التي اتت من اكتشافهم لمواردنا. ونستورد الغذاء من اراضيهم، وهي ارض الله، يخططون مدننا، ويبنون طرقنا، ويسهلون لنا وسائل المواصلات بالطائرات والقطارات والعربات ليساعدنا ذلك على الذهاب اليهم للتمتع بما انتجته ايديهم.
ولما كان الغرب كافرا فإن الله جعل علومه نقمة عليه، ومدنيته وبالاً وشراً على شعوبه، فانتابتها الامراض المستعصية، السرطان وفقدان المناعة. ووقعت بينها الحروب، وعمت لديها الجرائم. فالغرب لديه الدنيا دون الاخرة، والعلم دون الايمان، والعقل دون النبوة.
ولما كان الله كرمنا بالايمان، وحبانا بالنبوة، ووعدنا بالفوز في الاخرة وفي الوقت نفسه ننقل علومنا من الغرب ونأخذ منافعنا منه نكون بذلك قد حصلنا على المفازتين والنعيمين والحسنيين في الدنيا والاخرة. ويكون الغرب قد خسر كل شيء. فلا علم بلا ايمان، ولا عقل بلا نبوة، ولا دنيا بلا آخرة.
والحقيقة ان هذا وهم كبير يدل على العجز والكسل والبطالة والجهل، فلا ايمان بلا علم، ولا نقل بلا عقل، ولا اخرة بلا دنيا. وقد استطاع القدماء ابتداء من الوحي توجيه الفعل نحو الطبيعة واكتشاف قوانين الطبيعة والمخترعات الحديثة في وقتهم، من امصال للامراض وعناصر للكيمياء ومناظر للافلاك وسواقي للزراعة وساعات لضبط الاوقات مازال الغرب حتى الآن يدرسها في مراكز ابحاث خاصة عن تاريخ العلوم عند العرب ونحن نفخر بها ودون اقتفاء اثرها.
هو تقليص للدين في العقائد والشعائر، في الخطب والمظاهر، في الادعاء والغرور، وفي طلب المناصب والتقرب الى السلاطين والتسلط على رقاب الناس. والدين اكثر من هذا بكثير، الدين عمران وعلم ومدنية وحضارة وتاريخ. وقد اخرج الاسلام العرب من شبه الجزيرة العربية يطوفون العالم فاتحين، بالعلم والمدنية، ومعطين للعالم اثار الحضارة الاسلامية وعلومها.
والحقيقة ان لفظ "التسخير" لفظ قرآني يعني خلق الله الطبيعة لمصلحة الانسان وسيطرته على قوانينها بعد اكتشافها وتوجيهها لمصلحته. سخرَّ الله له الشمس والقمر ليستفيد منهما دفئا ونورا. وسخر له الانهار والبحار والفلك فيها لينتقل من قارة الى قارة فاتحاً ومكتشفاً ربوع العالم. وسخر له الليل والنهار حتى ينظم حياته ومعاشه. وسخر له البحر كي يصطاد فيه السمك الطري، والارض كي يستخرج منها المعادن، وسخر له الريح ليستفيد من قواها.
ويتم هذا التسخير بالتأمل والتدبير في الكون بالعقل والنظر حتى يمكن اكتشاف القوانين الطبيعية التي يتم التسخير من خلالها. فالانسان سيد الطبيعة التي خلقها الله له ليخلفه فيها. ولا اسرار في الطبيعة تستعصى على الفهم. ولا تظهر معجزات تقوم بتسخير الطبيعة للانسان بدلا من فعله وجهده.
فأيهما افضل لنا اليوم: تسخير البشر أم تسخير الطبيعة؟.
تسخير الله الغرب لنا ليقوم بالعلم والمدنية بدلا عنا ام تسخير الله الطبيعة لنا حتى نكتشف قوانينها ونسيطر عليها لمصلحة الناس؟ واذا كان عيب العرب اليوم هو الاعتماد على الخارج في الغذاء والسلاح والعلم والعمران فلماذا لا يتم الاعتماد على انفسهم إعمالا للعقل في الطبيعة وهو ما يتطلبه الوحي، بندائه المستمر للبرهان، والتأمل في مخلوقات الله؟.
لم يعتمد القدماء على علم اليونان والرومان وفارس والهند، بل نقلوا ما تركوه واضافوا عليه، ونقدوا ما لم يتفق منه مع العقل والتجربة. ونقل الغرب في العصر الوسيط علمه من العرب اولا قبل ان ينهض في العصر الحديث ويزيد عليه وينقده.
فلماذا نتوقف نحن اليوم ونكتفي بالايمان بنقلية العلم عن الغرب ومشرعين لجهلنا وعجزنا بمفهوم التسخير، مع انه في القرآن الكريم لا يعني تسخير البشر بل تسخير الطبيعة؟ والغرب باعتماده على العقل والعلم لاكتشاف قوانين الطبيعة قد يكون اقرب الى المعنى القرآني للفظ التسخير وبالتالي اقرب الى الايمان.
عيب الغرب ليس في علمه بل في اخلاقه وقيمه ومبادئه التي يعطي بها لنفسه كل الحق ويسلب عن الاخرين كل حق، ويضع على الاخرين كل الواجبات ويسقط عن نفسه كل واجب. العيب في الغرب ليس علمه وعمرانه بل ازدواجية قيمه، ورغبته في الهيمنة والسيطرة ليس فقط على الطبيعة بل على الشعوب، والتحول من تسخير الطبيعة الى سخرة الشعوب.
وميزتنا ليست في الايمان والاسلام والحق والهداية والفوز في الدار الاخرة، فهذه الميزة مشروطة بالعلم والعقل والعمل في الدنيا، واننا لسنا خير امة اخرجت للناس بلا ثمن. بل شرط ذلك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ونبذ الخوف من الناس وعدم تملق الحكام والسلاطين. الله سخر لنا الطبيعة ولم يخسر لنا البشر، فتركنا الطبيعية يسخرها الغير ووقعنا نحن في السخرة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.