"لم أكن أريد لها ان تنتظر وقتاً طويلاً قبل ان تصور أول مشهد في الفيلم، وكان قصدي من ذلك الا تتمكن العصبية منها فتجمد حركتها. لذلك استدعيتها وقلت لها: ارجو منك أن تذهبي الى مكان التصوير لكي نلتقي وأعودك على جو العمل هناك، على ان نبدأ التصوير في يوم آخر. أتت بالفعل، ولكنها ما ان وصلت حتى قلت لها: سيبدأ التصوير خلال ربع ساعة! وهكذا وقعت في الفخ، ولم يكن لديها حتى الوقت الكافي للشعور بالخوف. اما النتيجة فإنها واضحة على الشاشة". قائل هذا الكلام هو آبيل فيرارا المخرج الأميركي الذي حقق فيلم "التعتيم" الذي كان واحدة من مفاجآت مهرجان "كان" الأخير، ليس بسبب قوته الفنية بالطبع، فهو لم يكن من أفضل أفلام فيرارا على أي حال، بل لأنه تمكن من ان يجمع نجمتين من نجمات الاثارة، احداهما في السينما: بياتريس دال، والثانية في عالم عارضات الأزياء: كلوديا شيفر. وكلوديا هي من يتحدث عنها فيرارا مفتخراً بأنه قد أوقعها في فخه الايجابي لكي تتمكن من تأدية دورها من دون وجل. منذ عرض "التعتيم" في مهرجان "كان" والصحافة لا تكف عن الحديث عنه. ومحور الحديث هو دائماً كلوديا شيفر التي أثار حضورها في الفيلم دهشة واستغراب الكثيرين، من ناحية لأنهم اكتشفوا في نجمة عارضات الأزياء خامة ممثلة جيدة، ومن ناحية ثانية لأن ظهورها على الشاشة لا يتعدى، زمنياً، الدقائق الثلاث. وكانت تلك الدقائق، بكل المعاني، هي التي شغلت الصحافة. اما الدور الذي تلعبه كلوديا فهو دور سوزان، الخطيبة الثانية لماتي، بطل الفيلم الغارق في جحيم المخدرات والكحول والضائع بين امرأتين هما خطيبته القديمة بياتريس دال، وخطيبته الجديدة كلوديا شيفر. صحيح انها ليست المرة الأولى التي تظهر فيها كلوديا شيفر على شاشة السينما اذ سبق لها ان ظهرت، ظهوراً قصيراً هو الآخر في فيلم "اليكسي ريتش" الى جانب الفتى ماكولاي كالكين "لكني هناك، تقول كلوديا، كنت أتسلى لا أكثر. اما في الفيلم الجديد فانني، على قصر دوري، وجدتني مجبرة على ان انظر الى الأمر نظرة جدية. ساعدتني على ذلك شخصية المخرج آبيل فيرارا وحرصه على عمله" فهل كانت شخصية فيرارا هي التي اقنعتها بقبول الدور ولو كان قصيراً؟ تجيب كلوديا: "انا، في الحقيقة كنت أريد ان أقوم بلعب دور قصير، وكان من حظي ان يأتيني هذا الدور عن طريق مخرج قدير ذي موهبة مثل آبيل. مخرج يعرف جيداً كيف يتعامل مع ممثليه. فمثلاً حين كان علي ان أمثل المشهد الذي ينتحر فيه خطيبي، أصر آبيل على الا أتمرن على المشهد من قبل. قال سنصور مباشرة، فشعرت بالخوف وعزلت نفسي في عربتي، ورحت استعيد في ذهني اللحظات البائسة التي عرفتها في حياتي. وهكذا اديت المشهد وأنا في مناخ بائس". بالنسبة الى كلوديا شيفر تبدو تجربة التمثيل السينمائي ناجحة، وتقول انها ربما ستجعل من التمثيل، "احتياطها الاستراتيجي" بمعنى انها حين يحدث لها ان تتوقف عن العمل كعارضة، ستتحول الى ممثلة. وهي ترى ان ردود فعل النقاد الذين تحدثوا عن فيلم "التعتيم" هي التي تشجعها على ذلك، اذ انهم جميعاً تقريباً اثنوا على ادائها في الفيلم معتبرين ذلك الاداء موازياً لاداء فنانات كبيرات محترفات. ومع هذا، منذ الآن بدأت العروض تنهال عليها، ويبدو انها ميالة فعلاً للقبول بعرضين منها أحدهما يتعلق بفيلم بوليسي كبير على النمط الأميركي عرض عليها ان تقوم بالدور الرئيسي فيه فقبلت على ان يصور الفيلم بدءاً من نهاية الصيف الحالي. فاذا كانت كلوديا لا ترى ان بإمكان مهنتها كعارضة ازياء ان تعلمها أموراً كثيرة، فإنها ترى في المقابل ان بإمكان السينما ان تعلمها الكثير وتساعدها على اكتشاف العديد من الأمور. هل معنى ذلك انها باتت تفضل السينما على عرض الأزياء؟ "من ناحية فنية بحتة، أجل، وسأكون كاذبة ان لم اجد ان هذا صحيح. غير ان هذا لا يعني انني سوف أتخلى عن عرض الأزياء بين ليلة وضحاها، لكي أتحول الى ممثلة سينمائية فالحال ان ما يمكن ان أربحه في السينما، سوف لن يصل بأي حال من الأحوال الى عُشر ما أربحه من عرض الأزياء، ومن الأمور المتعلقة به، مثل الاعلانات وما شابه. لذلك سوف أترك السينما تداعبني بعض الشيء الآن، في الوقت الذي أضع في ذهني انها ستكون مهنتي المقبلة". - متى يكون ذلك مثلاً؟ تُسأل كلوديا فتجيب: "ان مهنة عارضة الأزياء هي على الدوام مهنة موقتة وعابرة. اذ ذات صباح يحدث للواحدة منا ان تفيق من نومها فتجد وجهها مليئاً بالتجاعيد، وجسدها وقد بدأ يترهل. عند ذلك تكون اشارة الخطر دقت. سيحدث لي ذلك كما حدث للكثيرات من قبلي، وكما سيحدث للكثيرات من بعدي. عندئذ ستكون السينما أمامي، هوايةً ومهنةً ومخرجاً من المأزق! أرباحها خيالية في انتظار ذلك، تبقى كلوديا شيفر، بعد سيندي كراوفورد، الرقم اثنين في سلم عارضات الأزياء، وتعتبر أرباحها المالية من أعلى الأرباح التي يمكن لعارضة أزياء ان تحققها. ففي ملف خاص نشرته مجلة "لو نوفيل أوبسرفاتور" الفرنسية في عددها الأخير، يفيدنا محرر المجلة بأن كلوديا تعتبر امرأة ثرية حقاً، وسيدة أعمال ناجحة، كل هذا اذا لم نأخذ في الاعتبار الأرباح الهائلة التي يحققها شريك حياتها ديفيد كوبرفيلد أشهر ساحر في العالم وتضعه في المكانة العاشرة بين أكثر نجوم الاستعراض الأميركيين تحقيقاً للأرباح. فنقلاً عن مجلة "فورتشن" الأميركية يقدر ملف "لونوفيل أوبسرفاتور" مداخيل كلوديا للعام 1994، مثلاً، بأكثر من 5.3 مليون دولار. يومها كانت تشغل المكانة الثانية بعد سيندي كراوفورد، أما آخر التقديرات فتدفعها الى المكانة الأولى عبر مداخيل سنوية تراوح بين 8 و14 مليون دولار سنوياً. وليس هذا بالقليل، طبعاً، بالنسبة الى صبية لا تزال في السادسة والعشرين من عمرها. ولكن كيف حققت كلوديا شيفر كل هذه الأرباح؟ ببساطة تقبض كلوديا نحو 40 الف دولار مقابل كل يوم عمل في عرض الأزياء. اما الساعة الواحدة فتقبض عنها نحو 22 الف دولار. والشركات التي تبدو مستعدة لدفع هذا المبلغ لكلوديا شيفر كثيرة من "شانيل" حيث اختارها مصمم الشركة كارل لاغرفيلد، كنجمة العارضات عنده الى شركة مستحضرات التجميل "اوريال"، الى شركة "ريفلون" التي تعاقدت معها على ثلاث سنوات مقابل 16 مليون دولار. غير ان هذا ليس كل شيء فالواقع ان كلوديا شيفر لا ترفض عرضاً، سواء اجاءها من مرطبات "فانتا" أم من شركات يابانية نصف مجهولة. المهم بالنسبة اليها ان تبقى في الميدان وان تحقق أكبر قدر ممكن من الأرباح. ولكن أين تذهب هذه الأرباح؟ هناك المصاريف الكثيرة، بالطبع، لكن كلوديا كفتاة علمتها الحياة الكثير من الدروس، لا تنفق كل ما تكسبه كيفما اتفق، بل انها توظف أموالها في العديد من المشاريع والأعمال الناجحة، فهي مثلاً تملك عدداً كبيراً من الأسهم في شبكة مطاعم، من شريكاتها فيها زميلتاها ناومي كامبل وسيندي كراوفورد. وهذا كله جعل المطلعين على الأمور يقدرون اجمالي ثروتها بنحو 50 مليون دولار. لا شيء على الاطلاق. فهي مقابل الدقائق الثلاث التي ظهرت خلالها في فيلم آبيل فيرارا تقاضت أقل مما تتقاضى عن يوم عمل واحد كعارضة للأزياء. "قلت لكم، تؤكد كلوديا شيفر باسمة، ان الأمر لم يكن بالنسبة الي أكثر من تمرين فني مع أصدقاء". ولكن منذ متى تهتم كلوديا بالسينما وبفن التمثيل؟ "أحب السينما، تقول كلوديا، منذ طفولتي، وانا كنت أمضي معظم وقتي أشاهد كل ما يمكنني مشاهدته من أفلام. ثم، الا تعتقدون معي ان في لعبة عروض الأزياء قدراً كبيراً من التمثيل والاداء الفني؟ مهما يكن، أنا أشعر دائماً انني أعيش وبشكل يومي كوميديا من الصعب على المرء ان يتصورها بشكل مسبق. وأنا أنمو وأتطور يومياً وسط المظاهر الخادعة، حيث التقي بكل أصناف البشر واضطر للتعامل معهم ان شئت هذا أم أبيت واعتقد ان كل هذا قد ساعدني كثيراً على ان أعيش داخل الدور الذي أديته. مهما يكن فإن هذا الدور يبدو لي أكثر صدقية وحقيقية من كل ما أعيش على خشبة عرض الأزياء". - اذن ما حقيقة ما يقال من انك تلقيت، في السر، دروساً في التمثيل، قبل بدء العمل مع آبيل فيرارا؟ "صحيح. لكني لم أتلقاها في السر. فأنا في الواقع تابعت دروساً في فن الدراما في نيويورك، لكني لم أجد ضرورة لاعلان ذلك على الملأ. كل اصدقائي المقربين كانوا يعرفون ذلك ويتابعونه معي يومياً. لكني لم أتمكن من متابعة الفصل كله، لو فعلت لاحتاج مني ذلك الى أشهر طويلة اعجز عن التفرغ خلالها في الوقت الحاضر. ولكني أعدكم بأنني لو تحولت فعلاً الى ممثلة في مستقبل قريب، سوف أحاول ان أتابع فصلاً درامياً كاملاً". في جميع الأحوال يبدو واضحاً ان فن التمثيل يروق اليوم لكلوديا شيفر بشكل جدي فهو يساعدها على الكشف عن مزاجيتها الخاصة، وكذلك على اخراج العواطف والمشاعر التي تعتمل داخلها. وهي تحب ان تفعل ذلك دون ان تسلم وجهها قبلاً، للماكياج، تماماً كما عملت في فيلم "التعتيم" حيث تمثل المشاهد الرئيسية من دون ماكياج ببشرتها الطبيعية. الحقيقة في الداخل ولكن ما الذي يحكيه هذا الفيلم الذي بدا وكأن الجميع قد نسوه لكثرة ما تحدثوا عن دور كلوديا شيفر فيه؟ بكل بساطة يروي حكاية ماني، وهو ممثل مزقته الكحول كما مزقه الادمان على المخدرات ويعيش لحظة هبوط الى الجحيم، ويتقاسم العيش في فلوريدا مع خطيبته الفرنسية بياتريس دال آني، لكنه في لحظة من اللحظات يقرر التخلي عن المخدرات والكحول فيفعل لنلتقيه بعد سنة ونصف في نيويورك وقد تخلص من مصائبه وبات خطيباً لفتاة جديدة هي سوزان، الطيبة البسيطة التي تحب الطبيعة. وهذا هو الدور الذي تقوم به كلوديا في الفيلم. حول هذا الدور تقول كلوديا اليوم "حين عرض علي آبيل فيرارا الدور لألعبه وطلب مني ان أقرأ السيناريو، فكرنا معاً بطبيعة سوزان ودوافعها، ثم بنينا الشخصية بشكل يظهرها كثيرة الثبات والهدوء لا تحب الافراط في الاناقة وتكره الماكياج. في النهاية، بنينا شخصية لا تشبهني ابداً". تقول كلوديا هذه العبارة الأخيرة وتبتسم بمكر. لماذا؟ لأن العديد من الذين كتبوا عن الفيلم قالوا ان شخصية سوزان لا تبدو في ظاهرها شبيهة بشخصية كلوديا، لكنها في الأعماق تكاد تكون اختها التوأم. فكلوديا شيفر، لمن يعرف كيف يسبر غور شخصيتها، وينظر اليها في حقيقتها لا عبر اقنعة الماكياج وثياب العارضات، هي فتاة بسيطة تحب الطبيعة بالفعل وتكره الماكياج. ومن هنا احساسها انها في هذا الدور البسيط والقصير تمكنت من ان تكشف، أخيراً، عن حقيقة خبيثة في أعماقها. حقيقة فتاة في السادسة والعشرين من عمرها، حققت ثروة طائلة بفعل الاعلان وعرض لأزياء، أي بفضل تقديم صورة شائعة تختلف عن صورتها في الحياة، وباتت على استعداد، في مرحلة مقبلة من حياتها لأن تخوض غمار لعبة جديدة تعتقد ان بإمكانها ان تقدمها من دون أي زيف، هي لعبة السينما. وبالمعنى العريض للكلمة .