كشفت وثيقتان حصلت عليهما "الوسط" وجود انقسام بين موقف رجال الاعمال المصريين حيال اتفاقات مناطق التجارة الحرة الثنائية التي توقعها مصر مع دول عربية اخرى، خصوصاً مع دول المغرب العربي. وهي الاتفاقات التي توليها القاهرة اهتماماً كبيراً منذ فترة في اطار اللجان الاقتصادية المشتركة مع معظم الدول العربية. وكان الرئيس حسني مبارك بادر أخيراً برفع مستوى رئاسة هذه اللجان مع المغرب وليبيا وسورية الى مستوى قادة الدول، وذلك في اطار اتجاه مصري لاحياء فكرة السوق العربية المشتركة واتخاذ خطوات عملية لتنفيذها تدريجاً. الوثيقة الاولى التي حصلت عليها "الحياة" خطاب ارسله اتحاد الصناعات المصرية أكبر وأقوى تجمع لرجال الصناعة الى وزير التجارة والتموين الدكتور احمد جويلي الشهر الماضي ورد فيه: "يرى اتحاد الصناعات انه لا ضرورة لاتفاقات مناطق تجارة حرة ثنائية بين مصر ودول عربية خاصة مع دول المغرب العربي. ووصف اسواق دول المغرب العربي بأنها "غير واعدة" واشار إلى أن إبرام هذه الاتفاقات خصوصاً مع تونس والمغرب يستند الى "توجيه سياسي" لكنه "يخفي عدداً من المخاطر على الصناعة المصرية". ورصد منها ثلاثة مخاطر. أولهاً: تماثل الانتاج الصناعي في تونس والمغرب مع الانتاج المصري. وخلص الى أن الموقف التنافسي في صالح الاول حيث تقل نسبة الاعباء التي يتحملها عن نظيره في مصر. وثانياً: فروق حجم الاسواق، إذ تعد السوق المصرية "أكبر الاسواق الواعدة في المنطقة العربية من حيث تعداد السكان أو معدلات نمو الداخل الذي يتجه نحو الارتفاع في السنوات المقبلة". أما ثالث المخاطر فيتعلق بالنتائج المترتبة على اتجاه الاتحاد الاوروبي لنقل كثير من الصناعات الى دول المغرب العربي لتستوعب هذه الصناعات التي ستقام باستثمارات اوروبية العمالة المغاربية المهاجرة لاوروبا. وبالتالي فإن تسويق انتاج هذه الصناعات سيتجه الى الاسواق العربية المحيطة. وحذر خطاب اتحاد الصناعات من النتائج التي ستترتب على قيام الاتحاد الاوروبي بنقل التكنولوجيا الى تونس والمغرب. واقترح اتحاد الصناعات شروطاً متشددة لتنفيذ اتفاقات مناطق التجارة الحرة مع هذه الدول "في حال اقتضت الظروف السياسية ذلك". ومن تلك الشروط اعادة النظر في قوائم السلع التي ستتمتع بالاعفاء الكامل، وأن يكون التدرج في الاعفاء لمدة لا تقل عن سبع أو ثمان سنوات. وطالب اتحاد الصناعات وزارة التجارة المصرية بدعم موقفه لمصلحة الصناعات الوطنية. مبرراً ذلك بانها تعاني من اعباء كثيرة تزيد كلفتها الانتاجية، مما يجعلها في موقف غير تنافسي مع السلع المثيلة للانتاج الاجنبي. وقال اتحاد الصناعات انه يؤيد فقط انشاء "منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى" التي وافقت مصر عليها العام 1988 وسيعلن قيامها اول كانون الثاني يناير 1998، بافتراض انه جرى تنفيذ متدرج لخطوات محددة، ومعروف أن هذه الخطوات على النطاق العربي لم تتم. يذكر أن وزارة التجارة والتموين اتهمت اتحاد الصناعات بالتعنت خلال المفاوضات التي جرت العام 1996 لتنفيذ اتفاقية "منطقة التجارة الحرة العربية". ووصفت موقف الاتحاد بأنه حاول العودة بالمفاوضات الى بداياتها الاولى وعرقلة تنفيذها. وكان الاتحاد أصر على رفض الاعفاء الفوري لمجموعة ال 20 سلعة من كل القيود والرسوم الجمركية وغير الجمركية بين الدول العربية الاعضاء في اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري. أما الوثيقة الثانية التي حصلت عليها "الوسط" فتكشف موقفاً مضاداً لموقف اتحاد الصناعات. ففي خطابه الى وزارة التجارة مستهل العام الحالي، أعلن الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية أكبر وأقوى تجمع لرجال الاعمال أنه "يتفق مع السياسة العامة والعليا للدولة في ضرورة العمل على ايجاد آلية مناسبة لقيام تكتل اقتصادي عربي". وأكد اتحاد الغرف التجارية على أهمية "ان تقود مصر فكرة التجمع الاقتصادي العربي ... ويجب الموافقة على البدء بقائمة اعفاء فوري لتحرير كامل التجارة العربية خاصة قائمة العشرين سلعة من مواد مصنعة ونصف مصنعة ... ولا يمكن أن يكون لاعفائها أي آثار سلبية على الصناعة المصرية". وعلى صعيد آخر، أكدت الأزمة التي نشبت أخيراً بين وزارة التجارة والتموين وبعض رجال الاعمال اصحاب الشركات المنتجة لاطارات السيارات وجود ذلك الانقسام. إذ طالب رجال الاعمال وزارتي الصناعة والتجارة بالغاء الاعفاء الجمركي على مادة ثلاثي فوسفات الصوديوم التي تستوردها مصر من تونس باعتبار أن الشركة الدولية للكيماويات شركة مصرية خاصة تنوي اقامة مشروع لانتاج هذه المادة. ورفضت وزارة التجارة هذا الطلب وأوضحت انه "يعرض مفاوضات اقامة منطقة حرة بين البلدين للانهيار"، خصوصاً أن صادرات تونس من هذه المادة تمثل 95 في المئة من اجمالي قيمة الصادرات التونسية الى مصر التي بلغت 3.63 مليون جنيه مصري في 1996. وأوضحت وزارة التجارة في رفضها للطلب أن البلدين كانا اتفقا على مبدأ الابقاء على الاعفاءات السارية حالياً للسلع المتبادلة بينهما، أساساً لاقامة منطقة التجارة الحرة. واعتبرت الوزارة أن طلب رجال الاعمال سيضعف المفاوض المصري، لأن نظيره التونسي سوف يطلب هو الآخر الغاء اعفاء مماثل على سلع مصرية مهمة تُصَدَّر الى تونس. ويشار إلى أن هذه الأزمة بين وزارة التجارة وبين رجال الاعمال لا تزال بلا حل .