في تطور جديد وصفه ديبلوماسي مصري بأنه يكشف عن "ان الادارة الاميركية الحالية لا تعرف الخجل" زار وفدان من الكونغرس القاهرة وعواصم عربية اخرى وابلغاها ان "اقلياتها" مدرجة على قائمة اولويات السياسة الاميركية في المنطقة. وكانت الولاياتالمتحدة في الآونة الأخيرة أبدت اهتماماً مفاجئاً بأقباط مصر الى درجة اعتبار ذلك "ضمن اولوياتها في الشرق الاوسط" الامر الذي اثار شكوكا مصرية عميقة. وعلمت "الوسط" ان لقاءات وفدي الكونغرس مع المسؤولين المصريين كشفت عن دور السفارة الاميركية في نقل ما اعتبرته القاهرة "معلومات غير صحيحة" تستند الى "تقارير مضللة لمنظمات ومراكز ابحاث مشبوهة" عن حقيقة وضع الاقباط. واعترف الجانب الاميركي بأن وزارة خارجيته اصدرت توجيهات لسفارتها في مصر في كانون الاول ديسمبر 1996 بان "تعتبر مراقبة الحرية الدينية في مصر اولوية ضمن مهامها. وان تسجل اكثر القضايا المتعلقة بالممارسات الدينية وتحدد هوية الاديان والطائفة التي تتعرض للتمييز وتقترح طريقة معالجة هذه القضايا". ونقل الوفدان الاميركيان "ان وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت تولي الحريات الدينية اهتماما بالغا". واعترفا بقيام السفارة "بالاتصال مع تيارات وجماعات دينية، خصوصا اولئك الذين يمثلون جماعات تعاني من التمييز لطمأنتهم بان الولاياتالمتحدة مهتمة بأمرهم وتنظر في ما يمكن عمله لمساعدتهم". ويشدد المراقبون على اهمية زيارة الوفدين الاميركيين برئاسة عضوي الكونغرس سام برونباك وروبرت تورسلى كونها تمت على خلفية وقائع شهدتها القاهرة وواشنطن اخيراً وهي الحديث عن ما سمي "وجود تمييز ضد الاقباط"، اضافة الى قيام لجنتي الاعتمادات والشؤون الخارجية في الكونغرس بعقد جلستي استماع تناولت احداهما امكانات خفض المعونات الاميركية لمصر 1،2 بليون دولار سنوياً ودانت الثانية للمرة الاولى وعلى لسان نائب مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون حقوق الانسان ستيفن كوني ما اسماه "ممارسات عنصرية وقيود قانونية يتعرض لها المسيحيون في مصر". ولأن المتحدث هو شخصية مسؤولة في الادارة الاميركية ردت القاهرة على مستويين: الاول من خلال احتجاج رسمي على ما ورد على لسان كوني. والثاني بدحض هذه المزاعم سواء خلال اللقاء بين وفدي الكونغرس مع مسؤولين بالخارجية المصرية او خلال جلسات جمعت اعضاء في الكونغرس مع قيادات دينية قبطية واعضاء في مجلس الشعب. ولفت الرد المصري الى ان ما تردد هو "مجرد ردود افعال على ممارسات فردية او جماعية لعناصر وتنظيمات متطرفة تحت ستار الاسلام تطال مسيحيي مصر ومسلميها من دون تمييز". ولوحظ ان القاهرة لم تتعامل مع "الاتهامات" الاميركية في اطار رسمي "حتى لا تسجل محاضر اجتماعات ثنائية ان مصر ناقشت يوما اوضاع مواطنيها المسيحيين في محادثات رسمية". وفي نفس الزيارة الاخيرة، قال الجانب الاميركي بانه لاحظ ما اسماه "قيودا مفروضة على ممارسة الشعائر الدينية وتمايزا واضطهادا على اساس ديني في المنطقة واتساقا مع ذلك تناول اوضاع الاقليات الدينية في "الاردن والمغرب وايران والعراق ولبنان والجزائر ومصر" ولكن الجديد الذي لفت الانتباه ان الجانب الاميركي لا يتحدث عن ممارسات منظمات اسلامية متطرفة بل عن سلوك حكومات ودول مع التركيز على "تحريم تغيير الاديان وتعرض جماعات معينة للاضطهاد وفرض القيود على ممارسة الشعائر وممارسات تمييزية وقيود قانونية ضد النساء ... ومراقبة الشعائر الاسلامية في بعض الاحيان ضمن احكام تنظيمية على الغالبية المسلمة ايضا". وتطرق الى ما اسماه القيود القانونية العثمانية التي لا تزال سارية على الاقباط وتعرضهم كأقلية للتمييز على اساس ديني. ولفت الجانب الاميركى نظر القاهرة الى ان "وزارة الخارجية الاميركية ستعد تقارير منتظمة بدءا من هذا العام ستوزع كوثيقة وتتناول الاضطهادات الدينية في بلدان الشرق الاوسط. بماذا رد المسؤولون المصريون؟ لقد اثار الموقف الاميركي استغراب القاهرة ودهشتها كونه تجاوز مرحلة اهتمام دولة عظمى بقضية ما خارج حدودها الى مرحلة التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى وتقديم نصائح والاعتراف بالاتصالات بجماعات دينية. وقد تبلور الموقف المصري ازاء ذلك في النقاط الآتية: 1- ان الاوضاع التى يتحدث عنها الاميركيون، غير صحيحة. 2- ان لمصر خبرة سابقة بهذا الاسلوب حينما عجزت بريطانيا الاستعمارية عن تفتيت وحدة الامة المصرية فلجأت لهذا الاسلوب لشق الامة الى عنصرين والزعم بحماية الاقلية القبطية. 3- ان اقباط مصر، قبل مسلميها، تصدوا للمحاولات الاستعمارية لنفي التسامح الديني في مصر ورفضوا وصاية الاجنبي الذي ينطلق من نفس معطيات جماعات الارهاب الا وهو التصنيف الديني للمواطنة. 4- من المستحسن ان يطلع من يتحدث عن تمييز ضد اقباط مصر على كلمات البابا شنودة في المحافل الكنسية الاقليمية والدولية عن التسامح الديني في مصر، ورفضه استخدام الاقباط كورقة او غطاء لسياسات دول كبرى، وكذلك كلمات المخرج السينمائي العالمي يوسف شاهين بعد فوزه بجائزة العيد الذهبي لمهرجان كان السينمائي في فرنسا "حينما قابلت الرئيس الفرنسي جاك شيراك قلت له عيب ان تلصقوا كلمة الاسلام بكلمة الارهاب ... فالعالم لم يصف ايغال عامير قاتل رئيس حكومة اسرائيل اسحق رابين بانه ارهابي يهودي ... مصر دولة رائدة في التسامح الديني منذ آلاف السنين ... أسرتي تضم مسيحيين ومسلمين، ومصر كذلك ولا احد يسأل الاخر عن دينه".