تعتبر "جامايكا" المقصد الأكثر جاذبية للسياح في منطقة البحر الكاريبي، وقد ذاع صيتها بعدما ضيقت الولاياتالمتحدة على كوبا، وامتنع الأميركيون على أساسها السفر إلى بلاد كاسترو واستبدلولها، كما فعل أهل الغرب، بجزيرة القراصنة قديماً و"جامايكا" حديثاً. استمتعوا في جامايكا المدينة التي لها روح وفيها شعب بروح واضح انكم تستمتعون بالرقص على أنغام الموسيقى. آه، يا جزيرة تستحم في الشمس. هكذا غنى بوب مارلي ابن جامايكا المشهور في أغنيته الشائعة "ابتسمي يا جامايكا". وجامايكا هذه الأيام تعج بذينك الاحساس والجو الفريدين وهي تنشد على أنغام موسيقى الريغي وتنعم بنسيم البحر الكاريبي الذي يطلق عليه سكانها "الدكتور نسيم". اما في الداخل الذي تغطيه الادغال فلا يزعج هدوء "الجبال الزرقاء" سوى تغريد الطيور ولا سيما الببغاوات التي تتراوح ألوان ريشها بين الأصفر والبرتقالي والأخضر. حين زرت جامايكا نسيت بساتين البرتقال فيها والطيور المغرّدة والاشجار الباسقة وجوها الاستوائي الساحر. كذلك نسيت جمال شواطئها البركانية السوداء على الطريق الى ميناء انطونيو ورائحة اشجار الياسمين التي تملأ جنباته، والمزارع بداراتها الجميلة وشرفاتها الرائعة. وحين تجلس العجائز عند المساء في كراسيهن الهزّازة. وفي كل هذا ما يوحي بمدى جمال الجزيرة التي قال عنها الممثل البريطاني الشهير ايرول فلين وقد قضى آخر أيامه فيها: "لم يسبق لي وأن رأيت في حياتي كلها بلاداً بهذا الجمال الساحر". كما انني نسيت حين زرت الجزيرة وسامة سكانها نظراً لما يتمتعون به من مزيج فريد بين السكان الاصليين "الأرواك" والأفارقة والاوروبيين والعرب والصينيين والهنود الشرقيين الحُمر. فمن هذا المزيج ظهر كما يقول الجامايكيون "شعب واحد". موسيقى الريغي منذ عشرين سنة فقط كان سكان الجزيرة معروفين بعدم ترحابهم بالغرباء والزوار. ويومذاك ايضاً كانت الفرص في مختلف مجالات الحياة والأعمال تتاح للذين يميل لونهم الى البياض. وكانت موسيقى الريغي التي يترنم بها السود ذوو الجدائل الطويلة المعقدة بمثابة احتجاج سياسي على الوضع السائد، كما ان طائفة الراستا كانت تُعتبر خارج اطار المجتمع في الجزيرة، لكن الحكومة سرعان ما اعترفت بأن هذا اللون من الموسيقى كان له فضل كبير في المحافظة على حيوية الامة في احلك ايامها. ومعظم زوار الجزيرة يتوجهون الى الشمال، أي الى المنتجعات مثل اوتشوريوس ومدينة مونتيغوبي ونيغريل حيث الشواطئ الفضية. لكن الجزيرة لا تعتمد على الجغرافيا فقط بل هي اغنى في تاريخها من جميع جزر البحر الكاريبي الأخرى. فبعدما "اكتشف" كريستوفر كولومبوس الجزيرة في العام 9441 ووصفها بأنها "أجمل جزيرة يمكن للعين ان تقع عليها" سرعان ما تعرض سكانها الاصليون من الأرواك الى حملة ابادة شبه كاملة. وفي القرون التي تلت اكتشافها تعاقبت موجات من شعوب مختلفة على الجزيرة التي يعني اسمها "ارض الاشجار والمياه"، بمن في ذلك الاسبان العام 1509. وهؤلاء هم الذين ادخلوا العبودية الى جامايكا حين جلبوا الافارقة من غربي القارة السمراء للعمل في مزارع قصب السكر. في منزل "كاوارد" وفي العام 1655 استولى البريطانيون على جامايكا لكنهم لم يلغوا نظام العبودية والرقّ الا بعد قرنين تقريباً اي في العام 1834. ومن أوجه تاريخ الجزيرة الاخرى موجات من الزوار والسياح قرروا إثر زيارتها الاستيطان فيها لأنها كانت كما قال الممثل البريطاني نول كاوارد في الأربعينات من هذا القرن "توفر لك السعادة والهدوء والأمن والوقت اللازم للعمل". وحين زرت الجزيرة توجهت مباشرة الى منزله الذي يرتفع اكثر من ثلاثمائة وخمسين متراً عن سطح البحر فوق "الميناء الأزرق" حيث ترقد عظامه. وقد كان دليلي حين زرت المنزل خادمه الذي حدثني عن مدى اعجابه باتساع نظر كاوارد الذي ألّف كتابه "حياة خاصة" أثناء اقامته هناك بعدما هجر مونت كارلو من أجل جامايكا. وهناك استضاف الممثل اصدقاءه من امثال ديفيد نيفن وايرول فلين وإيان فليمنغ، كما استضاف الملكة الأم البريطانية. واوتشوريوس، حيث منزل كاوارد تقوم شهرتها على لجوء القراصنة اليها من امثال جون ديقز. فقد عاث في المنطقة فساداً ولجأ الى النهب والاغتصاب. وفي وسعك هذه الأيام ان تزور المزارع التي يقال ان اصحابها موّلوا نزوات ديقز آنذاك. وقد تحول بعضها الآن الى مطاعم مثل "مطعم الوئام" والبعض الآخر الى متاحف. وحين تزور هذه المنتجات مثل اوتشوريوس ومونتيغوبي ونيغريل تجد ان الحرف الطاغية هي تلك التي يمكن تسميتها بحرف "المطار" وفنونه مثل الأدوات الخشبية المنقوشة التي تخلو من صفات الفن الحقيقي لأن السكان ينتجونها بالجملة للبيع. وهناك ايضاً ما يمكن وصفه بالفن "البدائي" و"الساذج". ومعظم الفنانين الذين يعرضون بضاعتهم على الزوار يأتون من الاحياء الفقيرة في مدن مثل كينغستون العاصمة. واذا ما زرت مطاعم الجزيرة وحاناتها بشكل عام ستجد لوحات تزين جدرانها وجدران معظم الاماكن العامة. ويطلق السكان عليها اسم فن "يارد". وهذا الفن في بعض جوانبه لا يتجاوز مجرد تسجيل للاحتجاجات السياسية مع انه دليل على مدى اصرار الجامايكيين على التعبير بحرية عن أنفسهم وعن مشاعرهم. وعلاوة على هذه الاشغال الفنية بامكان الزائر ان يشتري البضائع الجلدية المزخرفة والقمصان التي طبعت عليها صور بوب مارلي. اما الشواطئ التي تحيط بالمنتجعات السياحية الرئيسية الثلاثة فمعظمها شواطئ خاصة تملكها الفنادق. واذا ما نظرت من تلك الشواطئ الى الداخل ستدرك فوراً سحر الجبال التي تتساقط منها شلالات رائعة. ففي حدائق كارينوسا يمكنك مشاهدة اربعة عشر شلالاً من المياه الصافية تتساقط على سفوح الجبال لتصب على أرض غنية بالقمح والازهار التي تستحم في ضوء الشمس. ونظراً الى جمال هذه المناطق ولروعة شلالاتها فان الغالبية الساحقة من سكان الجزيرة والزوار يقررون اقامة حفلات زواجهم فيها. واكثر تلك البقع شعبية هي "حدائق متنزه شو". اوتشوريوس وعالم النجوم واذا كان الجو في اوتشوريوس هادئاً، رغم وفرة السياح. واذا كنت ممن يعشقون الاجواء الصاخبة، فما عليك الا ان تزور ميناء انطونيو الذي كان في الماضي مهد السياحة في جامايكا حين تدفق نجوم هوليوود على المكان. اما المدينة نفسها فقد ظلت على حالها منذ ذلك الحين. وحين تزور المدينة يحكي لك سكانها المتقدمون في السن قصصاً كثيرة عن الحفلات الصاخبة التي كان يقيمها أولئك النجوم. اما اليوم فقد أصبح ميناء انطونيو ملاذاً للمفرطين في تراثهم الى درجة انه لم يعد في وسع الاغنياء العاديين الاقامة فيها والاستمتاع ببحيرتها الزرقاء. لكن هذا لا يمنع اناساً عاديين من الاستمتاع بالصيد في القرى الصغيرة المجاورة للاطلاع على جامايكا الحقيقية. فالى الغرب تجد ريو غراند اكبر انهار جامايكا حيث يمكنك ركوب زوارق الخيزران. وفي مونتيغوبي تقام مسابقات موسيقى الريغي وتشهد الحياة الليلية الصاخبة كل انواع الموسيقى والألحان المحلية مثل "سوكا" و"لامبادا" والكاليبسو وما الى ذلك. وفي مونتيغوبي، ثاني اكبر مدن البلاد، والعاصمة السياحية حالياً تجد أفخر الفنادق وأرقاها. فهي تشتمل على كل ما يحلم به الزائر من ملاعب غولف وتنس وغير ذلك من رياضات. وتعود بعض مبانيها الى القرن الثامن عشر، وهناك تجد ايضاً الوجه الآخر لتاريخ جامايكا: في ميدان "سام شارب" نسبة الى الافريقي الذي قاد اقرانه في ثورة على العبودية. وفي الشوارع المحيطة بالميدان يمكنك ان تقرأ تاريخ الجزيرة وتاريخ الهندسة المعمارية فيها. كما ان في وسع الزائر ان يتوجه الى السوق الجامايكية التقليدية. وعلى عادة المنتجعات البحرية تقدم مدن جامايكا الساحلية وجبات رائعة من مختلف انواع السمك. وهي تشترك في ذلك مع جزر الكاريبي الأخرى. لكن اطباق جامايكا تتميز بتوابلها وباضافة الموز الى بعض الاطباق. ومن المأكولات الشهية الأخرى: الفاصوليا الحمراء والدجاج المحمّر وما الى ذلك، علاوة على اطباق الحلويات الخاصة. اما المشروبات فحدث عنها ولا حرج. وتقع مونتيغوبي قرب صخرة مطلة على "خليج الساحرة البيضاء" ويروي السكان في اساطيرهم ان آني بالْمر تخطر على الشاطئ ليلاً. وآني بالمر انكليزية تعلمت فن السحر من أحد السحرة المحليين ثم قتلت ثلاثة من ازواجها وبعد ذلك لجأت الى اختيار عشاقها ثم قتلتهم الى ان تمرد عليها العبيد العام 1833 وقتلوها. وللاساطير مكانتها المهمة في جامايكا بشكل عام. ففي العام 1720 وقع القرصان كاليشيو جاك ورفيقته في الأسر في نيغريل. وحول هذه القصة يبني السكان المحليون الكثير من الاساطير. لكن هذه المدينة المشهورة بشاطئها الذي يترامى على امتداد 12 كيلومتراً بدأت تجتذب آلاف الشباب الذين يحبّون رياضة القفز الى مياه البحر من علوّ يزيد عن ثلاثين متراً، ويعشقون مشاهدة الشمس الملتهبة وهي تلقي برأسها فوق وسادة مائية زرقاء .