اذا كان الاستقرار السياسي من اهم شروط الاستثمار الاقتصادي، فإن اليمن السعيد يؤكد امكان توفير هذا الشرط بعد الانتخابات النيابية الاخيرة، وتشكيل حكومة جديدة. ولتأكيد توفير الاستقرار السياسي في اليمن لجذب الاستثمارات الخارجية ودعم خطة التنمية الخمسية 1996 - 2000 يبرز حدثان دوليان: الاول، انعقاد ندوة في الاسبوع الاول من حزيران يونيو المقبل 1997، ينظمها صندوق النقد الدولي والبرنامج الانمائي للامم المتحدة، وتتناول معدلات النمو في الدول العربية، وقد وجهت الدعوة الى وزراء التخطيط والمال العرب، والامين العام لجامعة الدول العربية والامين العام لمجلس التعاون الخليجي. والثاني، انعقاد مؤتمر دولي في بروكسيل بين 18 - 19 حزيران 1997، لاقرار اجراءات الدعم الاوروبي للاقتصاد اليمني، خصوصاً ان الاتحاد الاوروبي وعد الحكومة اليمنية بدعم كبير لخطواتها في الاصلاح الاقتصادي، واعطى الضوء الاخضر للشركات الاوروبية للتوجه الى اليمن والاستفادة من الفرص والتسهيلات التي تشمل الغاء تراخيص الاستثمار، ووضع ضوابط من خلال التعرفة الجمركية. ويأمل اليمن من كل هذا التحرك الدولي الحصول على حوالي 2.3 مليار دولار من الدول والمنظمات المانحة لتغطية فجوة تمويلية عميقة خلال السنوات الأربع المقبلة، منها مليار دولار على شكل منح وقروض ميسرة من صندوق النقد والبنك الدوليين. الديون والعجز وكان اليمن أكد لصندوق النقد والبنك الدوليين استمراره في تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية لتحقيق الاهداف المرجوة منها في جذب المزيد من القروض والاستثمارات الخارجية. وتشير الاحصاءات الى أن صنعاء تمكنت من تحقيق مؤشرات ايجابية عدة، منها: - انخفاض اعباء الديون الخارجية، نتيجة تراجع قيمة هذه الديون من 3.9 الى 2.8 مليار دولار، بعد دخول اليمن "نادي باريس" واعادة جدولة بعض هذه الديون وشطب جزء منها. - تراجع العجز المالي في الموازنة، حسب تقرير وضعته اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا اسكوا من 6.16 في المئة العام 1994 الى 9.3 في المئة من الناتج المحلي العام 1996. - تراجع معدل التضخم من 120 في المئة الى 10 في المئة خلال الفترة ذاتها، وتتوقع بيانات رسمية ان يصل الى 5.5 في المئة خلال العام 1997. - على صعيد الاستثمار تبين ان اجمالي المشاريع المرخصة منذ تأسيس الهيئة العامة للاستثمار في آذار مارس 1992 حتى نهاية 1996 بلغ 939 مشروعاً بكلفة استثمارية وصلت الى نحو 218 مليار ريال، وقد وفرت 47453 فرصة عمل جديدة. - توقعت موازنة 1997 تحقيق معدل نمو حقيقي في الناتج المحلي الاجمالي بنسبة 5.7 في المئة، وقد وصف هذا الانجاز بأنه كبير جداً، خصوصاً اذا تبين ان معدل النمو كان صفراً في العام 1994، وارتفع الى 5.7 العام 1996 مع العلم ان برنامج التثبيت الاقتصادي يستهدف تحقيق نمو حقيقي في القطاعات غير النفطية نسبته 3.7 في المئة. - زيادة الايرادات العامة بنسبة 2.93 في المئة، عن ايرادات العام 1996، وذلك بمقدار 145 مليار ريال، بحيث قدرت ب 301 مليار ريال 5.2 مليار دولار لعام 1997، وفي الوقت ذاته قدرت النفقات بنحو 314 مليار ريال بزيادة قدرها 133 مليار ريال، ونسبة 1.73 في المئة عن العام 1996. ومن الطبيعي ان تكون عائدات النفط قد ساهمت في زيادة ايرادات الدولة اليمنية. وقد اشارت الاحصاءات الى أن الصادرات النفطية بلغت 4.958 مليون دولار عام 1996 بزيادة نحو 181 مليون دولار عن العام 1995، وهو رقم قياسي جديد تسجله عائدات النفط نتيجة ارتفاع الاسعار، وكانت العائدات قد تذبذبت خلال السنوات الاخيرة على الشكل الآتي: 515 مليون دولار العام 1990، ثم تراجعت الى 454 مليون دولار العام 1991 والى 234 مليون دولار العام 1992 ثم ارتفعت الى 277 مليون دولار العام 1993 والى 588 مليون دولار العام 1994. أزمة البطالة ولكن على رغم كل هذه المؤشرات الايجابية، فإن ازمة البطالة في اليمن تتفاقم سنة بعد سنة، وقد لاحظت اللجنة البرلمانية التي درست موازنة العام 1997 ان الحكومة لم تتمكن من احالة 35 الف موظف الى التقاعد العام 1996، وتبين ان عدد الذين احالتهم فعلياً حتى تشرين الثاني نوفمبر الماضي بلغ فقط 3558 موظفاً بالاضافة الى 2230 موظفاً يجري اعداد ملفاتهم. وكانت الحكومة تعهدت بذلك في العام الماضي نظراً الى وجود فائض كبير في الادارات الحكومية، وضرورة توفير فرص عمل لموظفين جدد. وتشير دراسة حديثة أعدها المجلس الوطني للسكان الى ان حجم قوة العمل في اليمن ينمو بمعدل 9.4 في المئة سنوياً ما يعني أن 120 الى 150 ألف شخص يدخلون سوق العمل كل سنة، ويقدر عدد الداخلين الجدد بين 1996 - 2000 بحوالي 991 ألف شخص اضافة الى 325 الف عاطل عن العمل الامر الذي يفرض تحديات على الحكومة لتوفير مليون فرصة عمل خلال الخطة الخمسية 1996 - 2000. ويبلغ عدد العاملين حسب تعداد العام 1994 حوالي 1.3 مليون شخص يشكلون نسبة 9.90 في المئة من اجمالي قوة العمل في مقابل 1.9 في المئة عاطلين. لكن التقديرات الرسمية والدولية الاخرى تؤكد أن البطالة تتراوح في اليمن بين 20 و30 في المئة. واوضحت دراسة المجلس الوطني للسكان ان سوق العمل اليمنية تتميز بخصائص منها التراجع في نسبة العاملين في الانشطة الزراعية، من 60 في المئة الى 54 في المئة، وتدني مستوى مساهمة المرأة في قوة العمل وارتفاع مستوى البطالة. ويعتبر اليمن بلداً مصدراً ومستورداً للعمالة في آن، اذ يصل عدد المهاجرين اليمنيين الى 700 ألف شخص، فيما قدرت العمالة الوافدة اليه بحوالي 30 ألف شخص. واشارت الدراسة وعنوانها "السكان وتنمية الموارد البشرية" الى أن حجم قوة العمل سيرتفع الى 8،4 مليون شخص في العام 2000 بينما سيصل عدد المشتغلين الى 8،3 مليون شخص والعاطلين الى 942 الف شخص. ولفتت الى أن عدد الوظائف المعروضة والمتاحة سنوياً يبلغ في المتوسط 86 ألف فرصة عمل. وسيصبح نحو 64 ألف شخص سنوياً عمالة فائضة تبحث عن عمل. العرض والطلب وعزت الدراسة ارتفاع معدل البطالة الى الاختلال الواضح في توازن العرض والطلب والزيادة السكانية المقدرة سنوياً بحوالي 775 الف نسمة، بمعدل 7.3 في المئة، وكذلك الى عدم التناسق بين النظام التعليمي والتدريب ومتطلبات سوق العمل وانخفاض الطلب الخارجي على العمالة اليمنية وانكماش حجم الاستثمار. وقالت الدراسة أن الجهاز الاداري للدولة اتاح نحو 150 ألفاً و735 فرصة عمل بمعدل نمو سنوي 7،13 في المئة واستوعب 18274 مشتغلاً من البلدان العربية وغير العربية خلال الفترة من 1990 الى 1995. ويبدو أن اليمن يركز حالياً على دعم الاستثمار بهدف تأمين فرص العمل، فبالاضافة الى 47 ألف فرصة عمل وفرتها المشاريع التي رخصت لها الهيئة العامة للاستثمار، يتوقع ان توفر المنطقة الحرة في عدن 18 ألف فرصة عمل فضلاً عن مشاريع يجري اعدادها في مجالات الطرق والمياه والانشطة الحرفية والصغيرة والتي تستوعب 500 الف شخص على مدى خمس سنوات