لم تتحقق الآمال التي علقتها أوساط عدة، داخل اسرائيل وخارجها، على احتمال سقوط بنيامين نتانياهو أو انهيار حكومته تحت وطأة فضيحة "بار - عون"، ونجح رئيس الوزراء الاسرائيلي، أقله الى حين، في الإفلات من قبضة القضاء التي كان سيقع فيها لو وافقت سلطات الإدعاء على توصية الشرطة بإحالته الى المحاكمة بتهمة "الفساد وانتهاك الثقة". لكن إعلان المدعي العام الياكيم روبنشتاين والمدعية الحكومية إدنا أربيل أنهما "لم يجدا أدلة كافية" في تقرير الشرطة المكون من 995 صفحة لتوجيه التهمة رسمياً الى نتانياهو لا يعني نهاية هذه القضية، خصوصاً على الصعيد السياسي. فالهزة التي أصابت المؤسسة السياسية الاسرائيلية بفعل هذه الفضيحة أشد من ان تتلاشى بمجرد عدم إحالة رئيس الوزراء الى المحاكمة. كما أن وصول الانعكاسات السلبية الى مركز رئاسة الحكومة بالذات أقوى من ان يؤدي قرار الادعاء بحجب المحاكمة الى إعادة الثقة بنتانياهو وبنهجه في الحكم. ويعرب العديد من المراقبين السياسيين الاسرائيليين حالياً عن الاعتقاد بأن النتيجة التي آلت إليها التحقيقات في هذه القضية كانت "الاسوأ على الإطلاق" بالنسبة الى الوضع السياسي الاسرائيلي ومستقبل الائتلاف اليميني الحاكم. ويشرحون نظرتهم هذه بالقول: "لم يصل الادعاء الى حد تبرئة رئيس الحكومة من التهم الموجهة اليه، بل اكتفى باستخدام تعبير عدم وجود أدلة كافية. وبكلام آخر، فإن ظل هذه التهم يبقى مخيماً على تصرفات نتانياهو والقرارات التي اتخذها في الماضي وقد يتخذها مستقبلاً. وكان الأفضل كثيراً إما أن يتم الاعلان صراحة عن براءة كاملة لرئيس الحكومة وإزالة الشكوك المحيطة بموقعه على رأس السلطة، أو اتهامه وإحالته الى المحاكمة حيث تصبح الفرصة متاحة لإثبات براءته أو إدانته. أما الوضع الحالي فهو أشبه بالمشكلة المعلقة التي لن تؤدي إلا الى مزيد من الشلل والفوضى وإنعدام الثقة العامة بالحكومة ورئيسها". وإذا كان نتانياهو سارع فور الاعلان عن قرار عدم إحالته الى المحاكمة الى التصرف وكأنه حقق "انتصاراً"، معتبراً ان القضية "انتهت" فإن هذا التصرف لا يخرج عن الطريقة التي يتسم بها تعامل رئيس الوزراء الاسرائيلي عادة مع القضايا والأزمات التي تبرز في مواجهته، أي اعتماد مزيج من المناورة والتملص والحرص على الظهور بمظهر المنتصر الواثق من نفسه ومن قدرته على تجاوز المشاكل. لكن هذه الطريقة كانت هي نفسها السبب الذي وضع نتانياهو في المأزق القانوني والسياسي الذي وجد نفسه فيه بفعل فضيحة "بار - عون"، وزادت من عدد خصومه وأعدائه. ولا تتردد أوساط سياسية اسرائيلية بعضها داخل الائتلاف الحاكم، في وصف اساليب نتانياهو بپ"الغرور" كما أنها باتت تعرب عن الاقتناع بأن هذه الأساليب ستؤدي عاجلاً أم آجلاً الى وضع رئيس الحكومة أمام مآزق مماثلة وربما أكثر خطورة. وثمة اعتقاد تكاد المصادر السياسية والصحافية الاسرائيلية تجمع عليه، وهو ان "الائتلاف اليميني الحاكم بات في حكم المشلول عملياً، وهو عاجز عن اتخاذ أي قرار أساسي أو مصيري، سواء على الصعيد الداخلي أو في مجال السياسة الخارجية". وينطبق هذا طبعاً على عملية السلام. التي أصبحت "مجمدة حتى إشعار آخر". ويبدو ان هذا الاعتقاد تعزز عملياً في أعقاب الزيارة التي قام بها أخيراً الى المنطقة منسق عملية السلام الاميركي دنيس روس . أما على صعيد السياسة الداخلية والوضع الحكومي فإن "الشلل والفوضى باتا سمة الموسم"، على حد تعبير معلق اسرائيلي بارز. وفيما دعا زعيم المعارضة العمالية شمعون بيريز الى استقالة رئيس الحكومة واجراء انتخابات مبكرة، معتبراً ان خطوة كهذه تشكل "الحد الأدنى من الالتزام الاخلاقي المطلوب من الحكومة ورئيسها تجاه الناخبين والرأي العام الاسرائيلي من أجل إعادة الثقة بالسلطة التنفيذية"، فإن نتانياهو ليس في وارد اتخاذها، أقله حتى الآن. كما انه لا توجد مؤشرات تكفي للافتراض بأنه سيواجه في المستقبل المنظور ضغوطاً سياسية ترغمه على ذلك. وفي الوقت نفسه، فإنه من المستبعد كثيراً ان تنجح المحاولة القضائية التي قام بها كل من النائب العمالي يوسي بيلين وزعيم حزب ميريتس اليساري يوسي ساريد ومجموعة غير حكومية تطلق على نفسها اسم "المنظمة من أجل جودة الحكم في اسرائيل" برفع القضية الى المحكمة العليا على أمل الحصول منها على قرار بإحالة رئيس الوزراء الى المحاكمة. وفي مقابل ذلك، تمكن نتانياهو من تجاوز الأزمة التي هددت بتفجير حكومته عندما نجح في إقناع كل من الوزير دان مريدور، منافسه التقليدي على زعامة تكتل "ليكود"، والوزير ناتان شارانسكي زعيم حزب "الهجرة الى اسرائيل" المشارك في الائتلاف الحكومي، بالبقاء في الحكومة من خلال تعيينهما في لجنة وزارية تعنى بمسألة التعيينات الادارية والقضائية الى جانب المدعي العام الياكيم روبنشتاين. كما نجح في امتصاص جزء من نقمة حزب "شاس" الديني المتشدد المشارك بدوره في الحكومة والذي كانت تهم الفساد الموجهة الى زعيمه آرييه درعي السبب الأساسي في انفجار فضيحة "بار - عون" من أساسها. لكن كل ذلك يبقى من باب "الانجازات الموقتة والقصيرة الأجل"، على حد تعبير المصادر الاسرائيلية التي تضيف: "لقد فقد رئيس الحكومة صدقيته، وأصبح أكثر من أي وقت مضى تحت رحمة المتشددين والتكتلات والاحزاب الصغيرة ذات المصالح المتضاربة. ولا يبدو ان هناك فرصة لخروج الوضع السياسي الاسرائيلي من دائرة الفراغ هذه إلا بخروج الائتلاف الحاكم ورئيسه من السلطة" أما في انتظار ذلك، فإن اسرائيل ستعاني من اسوأ أزمة سياسية وحكومية تعيشها منذ قيامها