"ليلة الخطأ" عنوان رواية الطاهر بن جلون الصادرة أخيراً عن منشورات "سوي" في باريس، وهي من أجمل ما كتب الروائي المغربي المعروف، منذ "ليلة القدر" التي حازت جائزة "غونكور" الأدبيّة 1987. وفي عمله الجديد يطرح العديد من القضايا الساخنة التي تشغل الحياة المغاربية، كثنائيات التراث والحداثة، وصراع الشرق والغرب، وعلاقات التنافر والتجاذب بين التقاليد والعصرنة. والتوازن الصعب بين ضرورات الانفتاح على الآخر والحفاظ على الهوية... إضافة طبعاً إلى موضوع العلاقات بين الرجال والنساء في مجتمعاتنا التقليدية، وهو الشاغل المركزي في كتابات بن جلون منذ روايته الأولى "حرودة" 1973، مروراً ب "موحا المعتوه.. موحا الحكيم" 1978، "صلاة الغائب" 1981، "الكاتب العمومي" 1983 و"طفل الرمال" 1985، الجزء الأول من "ليلة القدر التي حملت لصاحبها شهرة عالمية. تتناول "ليلة الخطأ" قصة زينة التي ولدت في فاس، يوم وفاة جدها لأمها، فاعتبر الجميع أنها ولدت خطأ، في "ليلة شؤم لم يكن يجب أن تشهد مجيء أي شخص إلى الوجود، والا كان شخصاً تلازمه اللعنة من المهد إلى اللحد". وهكذا تنشأ مرفوضة وممقوتة ممن حولها، حيث ينظر اليها بارتياب، وتثار الأقاويل حول الأجنة والعفاريت التي "تسكنها"، وتعطيها قدرات غير طبيعية في الاساءة إلى كل من يثير غضبها. وفي الهامش الذي زجّت فيه، تتعلّم زينة التمرّد على الأعراف والتقاليد. وتصبح "امرأة بلا قلب"، تلجأ إلى الفظاظة والقسوة. ويستعير بن جلون لتقديم حياة بطلته بغرائبها وتمردها، التقنية التي اعتمدها كاتب ياسين في روايته الشهيرة "نجمة". حيث يروي لنا قصة زينة، بخمسة أشكال مختلفة، ترد على لسان خمسة رواة، هم رجال عرفوها عن قرب: بشار، بلال، عابد، سليم، ومحمد المدعو "كارلوس". يحكي هؤلاء عنها متحلّقين حول احدى طاولات مقهى "كريستال"، في مدينة طنجة التي تنتمي إليها زينة وتعشقها، مع أنّها فاسية المولد. فعائلتها اضطرت إلى مغادرة فاس، بسبب حالة غريبة من العمى أصابت والدها بعد أن غدر به شريكه في التجارة. ويفشل الأطباء في ايجاد تفسير لهذا العمى، ثمّ يستعيد البصر حين يغادر فاس الظالمة. كلّ من الرواة، يحكي عن زينة تبعاً لعلاقته بها، فنكتشف جانباً جديداً من شخصيّتها. وهذه الجلسة في مقهى "كريستال"، حيث تتداخل الروايات، وتتناقض أحياناً وتتقاطع أحياناً أخرى، تذكّر بلقاء لخضر إثر فراره من السجن برفاقه الأربعة في رواية كاتب ياسين، إذ تدور أحاديثهم حول "امرأة واحدة، كلنا نعشقها. غيابها يوحّد بيننا وحضورها يفرّقنا. إنها نجمة، إنها الجزائر!". وإذا كان الأديب الراحل عبّر في روايته عن المخاض الجزائري خلال الخمسينات، فإن نظرة متفحّصة ل "ليلة الخطأ"، تكشف لنا أن طنجة تحتل مكانة مركزية لدى بن جلون. حتى أنها تصبح شخصية مهمة في الرواية. فخلف صورة زينة وتمزقها النفسي والاجتماعي، تتراءى لنا ملامح طنجة التي يعشقها الكاتب، ويبدي أسفه الشديد على ما يلحق بها يومياً من تحولات.