في هذه الحلقة يتحدث الأخضر الابراهيمي عن الوساطة التي قام بها لإطفاء نار الحرب في اليمن في 1994 وعن المهمة التي كلفته بها الأممالمتحدة للاشراف على انتقال السلطة في جنوب افريقيا. وعاد الابراهيمي بالذاكرة إلى محطات مهمة كالقمة العربية التي عقدت في بغداد في 1990 ومؤتمرات حركة عدم الانحياز التي شارك فيها بعض عمالة القرن. وهنا نص الحلقة الرابعة والأخيرة: ماذا عن الوساطة في حرب اليمن في 1994؟ - كنت في جنوب افريقيا عندما اندلعت هذه الحرب بين الجنوبيين والشماليين الذين كانوا في حكومة الوحدة. اتخذ مجلس الامن قراراً يطالب الطرفين بوقف اطلاق النار والتفاوض. الاخوة في الشمال كانوا مترددين جداً في قبول تدخل مجلس الامن واعتبروه نوعاً من التدخل في الشؤون الداخلية وتدويلاً للقضية ومحاولة لاعادة اليمن الجنوبي الى الوجود وكانوا يتهمون جيرانهم بالضلوع في ذلك. عندما ابلغهم الامين العام للامم المتحدة الدكتور بطرس غالي انني سأكلف بمهمة هناك رحّب الطرفان. ذهبت الى صنعاء حيث التقيت الرئيس علي عبدالله صالح، والى المكلا حيث التقيت نائب الرئيس علي سالم البيض. ماذا قال البيض؟ - كان الاخوة في الجنوب يعتبرون انهم الطرف الذي صنع الوحدة وانهم سلموا رقابهم للشمال وللرئيس اليمني وانهم انطلقوا في ذلك من تطلعاتهم الوحدوية ولم يحصلوا على ضمانات. وقالوا انهم حين توجهوا الى صنعاء وجدوا انفسهم كأشخاص وكحزب مهمشين ومهملين لا يتم اشراكهم بالقدر الكافي في القرار وان منطقتهم لا تحظى بالقدر اللازم من الاهتمام. هذا كان موقفهم. وما كانوا يريدون تحقيقه هو اما الانفصال واما اعادة النظر في ترتيبات الوحدة اي اعادة بناء دولة الوحدة على اسس جديدة. الشماليون كانوا يرون في مطالب الحزب الاشتراكي طموحات شخصية ومحاولة للانفراد مجدداً بالسلطة في الجنوب. لم يكن هناك تكافؤ في الحرب. الشمال كان اقوى بكثير والدولة بمعظمها في يده فضلاً عن ان حجم الشمال البشري اكبر بكثير من الجنوب. ولهذا بدا من اليوم الاول ان الكفة راجحة لمصلحة الشمال. صحيح ان الاخوة في صنعاء كانوا يتحدثون الينا لكن الواضح كان ان هامش المناورة المتروك للوسيط محدود جداً. قبلوا بفكرة اللقاء واعتبرت ذلك خطوة جيدة ونظمنا لقاء في نيويورك بين عبدالكريم الارياني وزير الخارجية عن الشمال وحيدر ابو بكر العطاس رئيس الوزراء عن الجنوب. ثم كانت هناك محاولة لاجتماع في القاهرة تمت ولم تنجح. وفي ذلك الوقت كان النزاع قد حسم. هل كان الرئيس علي عبدالله صالح متشدداً حين التقيته؟ - لم يكن متشدداً في اللقاء لكن الامور ظهرت عبر الممارسة. احتكم الفريقان الى السلاح وهو الذي حسم. هل لعبت دوراً بين صنعاء والدول المجاورة؟ - نعم. هذا الدور كان في بالي منذ البداية. الشماليون كانوا يعتبرون ان ليست لدى الجنوبيين قضية ولا يمثلون شعبهم وانما يقومون بمحاولة لتقسيم اليمن مجدداً بدعم خارجي. شعرت ان من الضروري ان ازور الدول المجاورة وهكذا زرت دولة الامارات والاردن والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان. كان الغرض تخفيف التوتر وإزالة الشكوك، وزرت اليمن اكثر من مرة. في النهاية حسم السلاح الموقف ولم يكن الهامش المتروك للوساطة من النوع الذي يتيح التحرك للتأثير على مجرى الاحداث. تربطك علاقات قديمة بشخصيات يمنية؟ - اعرف كثيرين منذ أواخر الخمسينات ومطلع الستينات. مثلاً محسن العيني رئيس الوزراء والسفير السابق في واشنطن وأحمد محمد النعمان الذي سماه اليمنيون "الاستاذ" من دون اي تعريف آخر وهو رجل عظيم رحمه الله، وابنه محمد الذي قتل في بيروت وهو كان شخصية مرموقة، ومحمد سعيد العطار نائب رئيس الوزراء سابقاً وهو من اليمنيين القلائل الذين درسوا في فرنسا وعمل في الجزائر في صندوق الاممالمتحدة للانماء. عرفت كل القادة اليمنيين الجنوبيين مذ كانوا في حركة القوميين العرب، مثل قحطان الشعبي وعبدالفتاح اسماعيل وعبدالله الاصنج وعبدالقوي مكاوي وعلي الجفري وعبدالرحمن الجفري وسالم ربيع علي وعلي ناصر محمد وكثيرين غيرهم في الجنوب والشمال ايضاً. كانت الوساطة صعبة؟ - كانت مؤلمة، فبالاضافة الى الخسائر في الارواح وتدمير منشآت البلاد، خصوصاً في مدينة عدن، وما تعرض له المواطنون من ظلم وإهانة، لا ادري كم مئة مليون دولار انفقت في ذلك الصيف 1944 في خسارة من دون فائدة لأحد. كأنك جئت بكمية من الدولارات وسكبت عليها البنزين واشعلتها. كان الوضع مؤلماً تماماً. ربطتك علاقة قوية بالدكتور بطرس غالي الأمين العام السابق للأمم المتحدة ما قصة هذه العلاقة؟ - أود بهذه المناسبة ان اعبّر عن شكري وامتناني للأخ الدكتور بطرس غالي على الفرص التي اعطاني اياها لتقديم مساهمات متواضعة في اطار عمل الأممالمتحدة من اجل فضّ النزاعات وحفظ السلام وغيرها من المساعي الحميدة الرامية الى اعادة الوئام بين الدول احياناً وداخل البلد الواحد احياناً اخرى - وأسجل له فضلاً آخر عليّ اقدره تقديراً كبيراً وهو ان الدكتور بطرس غالي كان أول انسان اتصل بي هاتفياً عشية استقالتي من وزارة الخارجية في مطلع شهر شباط فبراير سنة 1993. وقال: "قرأت نبأ استقالتك، فهل الخبر صحيح؟" قلت نعم. فقال: "ان شاء الله خير، وأرجو ان نتقابل قريباً". عرفت الدكتور غالي في القاهرة، في مطلع الستينات، خصوصاً في اطار عمله كصحافي في "الاهرام" وبسبب اهتمامه بالشؤون الافريقية لكن لم تكن تربطني به علاقات قوية في تلك المرحلة. وكان الدكتور غالي عضواً في وفد كبير من الصحافيين والمثقفين المصريين أوفدتهم القاهرة الى الجزائر فوراً بعد الاستقلال، اثناء تلك الأيام الأولى التي اتسمت بما سماه بعضهم "فوضى ثورية" وكان الجو فيها يراوح بين فرحة النصر والخوف من عواقب الخلافات الحادة التي نشبت بين ما كان يسمى جيش الحدود بقيادة هواري بومدين مدعوماً من بعض القادة والسياسيين وفي مقدمتهم احمد بن بلا، وبين الحكومة الموقتة بقيادة يوسف بن خده. وكنا نلتقي اخواننا المصريين وبعض العرب الآخرين في فندق "أليتي ALETTI الذي كان قبل ذلك في أيام الاحتلال الفرنسي" المكان المفضّل لعلية القوم من كبار الملاك المستعمرين وضباط جيش الاحتلال ورموز الادارة الفرنسية. في سنة 1983، عقد مؤتمر قمة لحركة عدم الانحياز في نيودلهي، وكنت ضمن الوفد الجزائري، وكانت علاقات الدول العربية مقطوعة مع مصر فلم يتم اي لقاء رسمي بين وفدي البلدين. والتقيت الدكتور بطرس في اروقة قاعة المؤتمر فقال: "هل نسلم على بعض وإلا بلاش؟" فقلت وكيف لا، وتعانقنا وجلسنا بضع دقائق نتحدث في همومنا المشتركة. وأقرّ بأنني لم أكن مرتاحاً أبداً للجفاء الذي نشب بين مصر وبقية العرب وقد ذكرت لكم كيف لفت نظري بعض الاصدقاء وفي مقدمهم الأخ محمد حسنين هيكل لما كان يُعِدّ له الرئيس انور السادات قبل سنة كاملة او يزيد على رحلة القدس المشؤومة. كنت عميد السفراء العرب في لندن في ذلك الوقت ولما تقرر نقل مقر الجامعة العربية الى تونس كان عليّ ان أتسلم مكتب الجامعة في لندن من الموظفين المصريين. وقد صدرت تعليمات من القاهرة لأولئك الموظفين بعدم تسليم المكتب لنا فاقترح بعض السفراء العرب ان نطلب تدخل الخارجية البريطانية وإذا احتاج الامر ان نستعمل القوة عارضت ذلك الرأي مناشداً زملائي ان لا ننسى ان مصر ستبقى بلداً عربياً وان شعب مصر يشاركنا معارضتنا مشروع الصلح المنفرد مع اسرائيل وان مصر ستعود الى مكانها الطبيعي لا محالة في الحظيرة العربية. ثم اتصلت بالسفير المصري سميح أنور وكان صديقاً عرفته في مصر عندما كان احد وكلاء وزارة الخارجية، وتمنيت عليه ان نعالج موضوع مكتب الجامعة من دون تدخل اية جهة اخرى، وقد توصلنا الى ذلك فعلاً. وكنت حريصاً دائماً على عدم الاساءة الى اي اخ مصري. ولم اجد صعوبة في التعبير عن رأيي الشخصي، ورأي حكومة الجزائر المعارضين لأي صلح منفرد من دون استعمال أية عبارة جارحة تجاه مصر وشعبها ورئيسها. وكان الدكتور بطرس يعلم مدى ارتباطي الشخصي بقيادات المقاومة الفلسطينية وعدم موافقتي على النهج الذي كان يسير فيه هو مع الرئيس السادات، الا انه كان يعلم ايضاً انني لم اكن من المتحاملين على مصر أو على الرئيس السادات او عليه هو، وقد قدرت له خطوته كما قلت عندما تفضل بالاتصال بعد استقالتي ثم خطوته الاخرى بعد بضعة شهور من ذلك عندما عرض عليّ ان أقوم بمهمة للأمم المتحدة في زائير. ولما اعلنت الولايات المتحدة معارضتها اعادة انتخاب الدكتور بطرس اميناً عاماً للأمم المتحدة لولاية ثانية وبدأت إشاعات تدور حول امكانية ترشيحي قلت لكل من تفضل بمفاتحتي في الموضوع اني لن اقبل ابداً أن يدخل اسمي قائمة المرشحين طالما بقي الدكتور بطرس مرشحاً، وتمسكت بهذا الموقف الى آخر يوم على رغم الضغوط والاغراءات التي تزايدت خلال الأسابيع الاخيرة التي سبقت انتخاب السيد كوفي انان اميناً عاماً للأمم المتحدة. هل عرفت سوكارنو؟ - نعم عرفته معرفة جيدة فقد كنت ممثلاً لجبهة التحرير في اندونيسيا وكان في منتهى اللطف ووفّر لنا رعاية شخصية. التقيته كثيراً. شخصية مهمة جداً ومن أكبر خطباء القرن. خطيب ساحر. زعماء ذلك الوقت كانوا مؤمنين برسالتهم. لقد قاد العمل من اجل تحرير اندونيسيا التي تتألف من 13 الف جزيرة. ثمانون في المئة من السكان مسلمون، لكن هناك ادياناً اخرى وأعراقاً وحضارات مختلفة. كان عنصراً اساسياً في توحيد البلد وكانت مهمته شاقة. فشل سوكارنو في الاقتصاد كان ذريعاً. وعلى رغم كونه من آباء حركة عدم الانحياز فقد اتهم في الفترة الاخيرة من عهده بأنه صار لعبة في يد الشيوعيين الموالين للصين الشعبية. انا اعتقد بأن اندونيسيا وسوكارنو كانا أول ضحية للخلاف بين الاتحاد السوفياتي والصين. كما أخذت عليه بعض جوانب حياته الشخصية فقد كان، كما يقول العرب، مزواجاً مطلاقاً، وقصته في ايامه الاخيرة مع عارضة الازياء اليابانية اثّرت على صورته. في النهاية كان شخصية جذابة وهو من اولئك القادة الذين لم يتهموا بتكوين ثروة شخصية ولم توجه التهمة نفسها الى اقاربهم. لم اعرف تيتو معرفة قريبة. اما نهرو فكان عملاقاً. كان غاندي يعتبر الزعيم الروحي للهند ونهرو الزعيم السياسي. حتى غاندي كان يقول عن نهرو "زعيمنا". كان نهرو انساناً مثالياً. مات ولم يكن يملك شيئاً لا هو ولا عائلته. لم يكن يخطر في بال ابناء ذلك الجيل ان يمدوا ايديهم الى المال العام او الى ما ليس لهم. تأثرت كثيراً حين ذهبت الى نيودلهي للمشاركة في جنازته عام 1964 ان أرى انساناً كافح وحارب طوال حياته من اجل اشياء اساسية اهمها لم يتحقق. صحيح أنه حرر الهند، وهذا غير قليل، على ان ثمة أمرين كتب عنهما الكثير وعمل من اجلهما الكثير الأول هو التناحر بين الهندوس والمسلمين وضرورة انهائه. وفي آخر ايامه اندلعت صدامات دموية بين الطرفين. والثاني ضرورة قيام علاقة وثيقة بين الصين والهند اي بين اكبر دولتين في آسيا والعالم. كان نهرو يحلم بالتعاون بين البلدين ووصل الى حد تخيّل جمهورية اتحادية تضمهما وإذ به يرى نفسه قبل وفاته بعامين امام حرب هندية - صينية. كان في ذلك شيء من الهزيمة لأحلام نهرو. اذا تحدثنا عن عمالقة القرن اي الاسماء تحضر الى ذهنك؟ - بكل تأكيد الاسماء التي تحدثت عنها وعرفت بعضها. انا لم اعرف لا غاندي ولا علي جناح لكن العمالقة الآسيويين والأفارقة هم بالتأكيد نهرو وشوان لاي والملك عبدالعزيز آل سعود والملك فيصل وعبدالناصر وبومدين. الملك فيصل حارب بسيفه لكنه ديبلوماسي جلس مع روزفلت في الثلاثينات والاربعينات وكان وزيراً للخارجية في بلده على مدى نصف قرن. كان يعرف بلده وشعبه وتطلعاته وطبائعه وكان يعرف ايضاً العالم ومشاكله. عاصر انشاء الأممالمتحدة وكل احداث المنطقة ما اكسبه خبرة كبيرة. وهو عمل بروية على ادخال المملكة العربية السعودية القرن العشرين في الخدمات الاجتماعية والتعليم. . وفي عهده ايضاً وبعد بدء الفورة النفطية بدأت عمليات انشاء البنية التحتية. مع بومدين في موسكو زرت الاتحاد السوفياتي في ظروف صعبة ماذا تذكر عن تلك الرحلة؟ - زرت الاتحاد السوفياتي في اصعب الظروف بصحبة الرئيس هواري بومدين كان ذلك بعد هزيمة 1967. جاء بومدين الى القاهرة وأمضى اياماً عبّر خلالها عن تضامنه وتأييده وتباحث مع عبدالناصر في ما يمكن عمله للخروج من الوضع الرهيب الذي حلّ بالمنطقة. قدر عبدالناصر كثيراً خطوة بومدين. كان عبدالناصر مكسور الجناح ويعتبر نفسه مسؤولاً عن الكارثة التي حلّت بمصر اولاً وبسائر العرب ثانياً. قدر كثيراً مبادرة بومدين على رغم الجفاء السابق الذي اعقب ازاحة بن بله. عقدت لقاءات عدة شاركت في بعضها بل وفي معظمها. كانت الزيارة بين المواساة والتأييد والبحث في المستقبل. وخلال وجود بومدين في مصر جاء عبدالرحمن عارف ومحمد احمد محجوب ويوسف زعين وابراهيم ماخوس ونورالدين الاتاسي والملك حسين. كان هناك شعور ملحّ بضرورة اعادة بناء الجيش المصري وتسليحه. وكان موقف السوفيات يتسم بالتردد. طلب عبدالناصر من بومدين ان يذهب للتباحث مع القادة السوفيات وكان عبدالرحمن عارف حاضراً فأحب ان يذهب هو الآخر وتوجهنا في طائرة واحدة وكانت اول زيارة لعارف الى موسكو. التقى الرئيسان ليونيد بريجنيف الأمين العام للحزب الشيوعي والكسي كوسجين رئيس الوزراء. فهمنا ان السوفيات كانوا في حيرة كبيرة امام ما حصل بالجيش المصري. وعبدالناصر نفسه كان يقول ان لا شرح لما حصل سوى القول ان الجيش المصري أصيب بسكتة قلبية ومات في لحظات. قال بومدين للزعماء السوفيات: ان المنطقة مهددة بالانهيار اذا لم تقفوا الى جانبنا ولم تساهموا في اعادة بناء الجيش المصري وتسليحه. وفي النهاية تجاوب السوفيات. هل كانت علاقة بومدين مع عبدالرحمن عارف جيدة؟ - لم تكن هناك معرفة فعلية. كان عبدالرحمن عارف رجلاً طيباً لكن معرفته بشؤون العالم ومشاكله كانت محدودة. وبومدين؟ - كان يعرف العالم. تعليمه عربي وأزهري لكنه كان ذكياً جداً ومطلعاً. كان يجيد الاستماع. كان منغلقاً؟ - كان خجولاً ولهذا وصف بالانغلاق. ألم يتورط في مسائل الفساد؟ - أبداً. ألا يتحمل عهده مسؤولية الانهيار اللاحق في الجزائر؟ - يتحمل مسؤولية اذا اعتبرنا ان جذور الاحداث ليست ابنة ساعة فشلها. أليس مسؤولاً عن الفشل الاقتصادي؟ - انا لا اتصور ذلك. في تلك الفترة كان هناك نوع من التبسيط الساذج للفكر الاشتراكي وفي بناء عملية التسيير الذاتي. حصل فشل زراعي حمل البلاد اعباء كبيرة. والتصنيع الثقيل؟ - انا لا اعتقد بأن ذلك كان خطأ في حينه. من هو رجل الأعمال الجزائري او العربي او الاجنبي الذي كان قادراً او مستعداً لتوظيف دولار واحد لبناء صناعة في الجزائر؟ كاسترو التقيت كاسترو مرات عدة ما هو الانطباع الذي خلفه لديك؟ - التقيت كاسترو وغيفارا قبل استقلال الجزائر، فقد مثلت الجزائر في عيد الثورة الكوبية في كانون الثاني يناير 1961. غيفارا شخصية جذابة جداً. شاب جميل وبريء وصادق وانساني الى ابعد الحدود. كان لدى كاسترو وغيفارا اهتمام شخصي كبير باستقلال الجزائر. زارني كاسترو في الفندق في هافانا فجأة في الواحدة بعد منتصف الليل وأمضينا جلسة طويلة. التقيت كاسترو مجدداً حين مثلت الجزائر في 1966 في المؤتمر الشهير للقارات الثلاث في كانون الثاني 1966 في هافانا. كانت بين كاسترو وبن بله علاقة ودية جداً وجاءت الزيارة بعد عام من التغيير الذي حصل في الجزائر. كان كاسترو شديد التحفظ اصلاً ويتساءل في دوائره ما اذا كان الاميركيون وراء اطاحة بن بله. التقيته لاحقاً في مؤتمرات حركة عدم الانحياز ثم في العيد الخمسين للأمم المتحدة في 1995. كاسترو شخصية جذابة وخطيب لامع. لا شك في اخلاصه ووفائه لأفكاره وبلده. لم يكن شيوعياً في الأساس. شقيقه راوول كان شيوعياً وكذلك غيفارا. وأعتقد بأن الموقف المعادي الذي اتخذته واشنطن من الثورة الكوبية ساهم في دفع كاسترو في هذا الاتجاه. شهدت حركة عدم الانحياز لاحقاً تجاذباً بين تيتو وكاسترو؟ - في التحضير لقمة عدم الانحياز التي عقدت في القاهرة في 1964 عقد اجتماع لوزراء الخارجية في كولومبو. خلال التحضير في القاهرة كانت هناك لجنة مصغّرة تضم ممثلاً عن الخارجية المصرية وسفراء يوغوسلافيا والهند وسري لانكا وغينيا والجزائر. وكنت امثلها بطبيعة الحال. اهم نقطة كانت تناقش هي هل نوسّع حركة عدم الانحياز ام نبقيها على ما كانت عليه في القمة الأولى في بلغراد 1961 اي من 26 دولة. بين بلغراد والقاهرة عقدت القمة الافريقية وعقدت القمة العربية في اوائل 1964. منظمة الوحدة الافريقية وجامعة الدول العربية اصدرتا بيانين يؤكدان اعتناق مبادئ عدم الانحياز. اليوغوسلاف دعوا الى توسيع اكبر في اتجاه اميركا اللاتينية: المكسيك والبرازيل وغيرهما. نحن ترددنا لكننا قبلنا في النهاية الرأي اليوغوسلافي وفتح الباب واسعاً وشاسعاً. اليوم حين انظر الى الوراء اعتبر ان ذلك كان خطأ وانه كان يجب ان تركز حركة عدم الانحياز على النوعية وأن تضم الدول الملتزمة التزاماً صارماً مبادئ عدم الانحياز، خصوصاً ان التوسع شمل لاحقاً رومانيا وكوريا الشمالية. وإذا اردنا العودة الى سؤالك عن العمالقة أقول ان نيلسون مانديلا هو بلا شك واحد منهم. تعرفت عليه عندما ذهبت كرئيس لبعثة الأممالمتحدة المكلفة الاشراف على مراقبة الانتخابات التي صار مانديلا بعدها رئيساً للبلاد. موعدان للتاريخ كيف وجدت هذه الشخصية؟ - دخل هذا الانسان السجن شاباً وأمضى فيه 27 عاماً. دخل السجن وهو في مطلع الاربعينات من عمره، وحين افرج عنه رأى العالم رجلاً وقوراً غزا الشيب شعره ويتسم سلوكه بالحكمة. فاجأ سلوكه العالم كله. انا اعتبر ما حصل في جنوب افريقيا من اهم احداث القرن. نهاية نظام التمييز العنصري وتنصيب مانديلا رئيساً موعدان سيحفظهما التاريخ في سجل الاحداث البارزة، مهما كانت التطورات اللاحقة. أتمنى ان ننظر نحن العرب بالذات الى تجربة جنوب افريقيا عن قرب وأن نستخلص منها الدروس المفيدة لنا. من اهم هذه الدروس ان قدرة نظام التمييز العنصري على الصمود أصبحت محدودة عندما بدأ بعض رجال الاعمال البيض يتبرمون من هذا النظام بسبب المقاطعة وذهب بعضهم الى دول مجاورة للالتقاء بممثلي المؤتمر الوطني الافريقي. وأعتقد بأن زعماء جنوب افريقيا البيضاء بدأوا يفكرون في تغيير نظامهم يوم قبلوا مبدأ الحديث الى مانديلا في سجنه. وعندما افرج عن مانديلا اعتقد بأن اركان نظام التمييز العنصريين قبلوا بنهاية نظامهم. غير ان مانديلا ورئيس النظام العنصري دو كليرك ادركا ان خطوة عملاقة مثل التحول من نظام التمييز العنصري الى جمهورية المساواة بين جميع ابناء جنوب افريقيا لن يتم بمجرد بيان ولا حتى بمجرد انتخابات عامة. حدث في جنوب افريقيا شيء مهم جداً. جلس الفريقان الى طاولة المفاوضات للبحث في مستقبل النظام وبصورة أدق في مستقبل البلاد التي يجب ان يبنياها معاً. امضوا اربع سنوات بأيامها ولياليها في التفاوض ثم فتحوا المجال ليس فقط لحزب مانديلا وحزب دو كليرك بل ايضاً لكل الفعاليات. وأعتقد بأن دو كليرك تصرف بدوره تصرف رجل دولة. انه درس كبير جداً. العيش المشترك يتطلب ان تستمع الى الآخر وأن تفهم منه وأن تعرف عنه. في عمليات الانتقال الكبرى لا بد من الصبر والتضحية والرؤية. مانديلا قبل بالاستماع الى آراء المتطرفين البيض والعملاء السود. لم يتصرف بدوافع ثأرية. هذه هي المصالحة الوطنية وروح المصالحة الوطنية. طالب بعض البيض بدولة خاصة بهم فأجابهم مانديلا كيف تتصورون ذلك وأنتم موزعون في البلاد وأقلية في كل مكان. ولكن على رغم ذلك فإنني على استعداد للتباحث معكم في هذا الشأن. وحتى بعد الانتخابات تعالوا الى البرلمان وقولوا رأيكم. كتب مانديلا في سيرة حياته ان اهم ما تعلمه من الجزائر كان في لقاء بينه وبين ممثل جبهة التحرير الجزائرية في المغرب الدكتور شوقي مصطفاي. نقل مانديلا عن مصطفاي انه لا يمكن لحركة تحرر وطني في افريقيا ان تصل الى اهدافها بالكفاح المسلح وحده، يجب ان يترافق الكفاح مع المفاوضات والتفاهم. ويقول مانديلا انه بدأ يفاوض من سجنه مع دعمه لرفاقه الذين كانوا يكافحون، طبعاً بمعرفتهم. نحن يجب ان نتعلم من جنوب افريقيا ومن مانديلا بالذات كيف ينتقل المرء من وضع زعيم حزب مكافح الى رجل دولة. ذهبت الى اندونيسيا بعد انعقاد مؤتمر باندونغ ماذا فعلت هناك؟ - وصلت الى اندونيسيا بعد سنة من انعقاد مؤتمر باندونغ. حضرنا مؤتمر الطلبة لدول افريقيا وآسيا الذي عقد في 1956. اعتقد بأنني كنت على مقربة من الدوائر التي ولدت فيها فكرة عدم الانحياز. بداية حركة عدم الانحياز كانت عملياً في باندونغ حيث التقت الدول المستقلة في افريقيا وآسيا، وهي كانت في الأساس دولاً آسيوية معها بضع دول افريقية، هي مصر وأثيوبيا وليبيريا كما دعي السودان لأنه كان على ابواب الاستقلال اضافة الى ما كان يعرف بساحل الذهب اي غانا لاحقاً. لم تكن هناك دول اخرى. باندونغ كان مؤتمراً يعني قارتين ولم يكن على اساس ايديولوجي لكن الافكار التي طرحت هناك هي افكار التعايش السلمي ورفض الاحلاف ومحاربة الاستعمار. وعلى هذه الافكار بنيت حركة عدم الانحياز لاحقاً. في باندونغ حضر جواهر لال نهرو وجمال عبدالناصر وشوان لاي وسوكارنو. كان حضور شوان لاي مهماً جداً لأن الصين الدولة الشيوعية بدأت تظهر خصوصيتها حتى في ذلك الوقت المبكر، وبعد وقت قصير من باندونغ بدأت تظهر بوادر النزاع الصيني - السوفياتي. ولعل احد الأسباب الرئيسية في اختلاف التجربتين هو ان الشيوعية في الصين لم تقم عن طريق احتلال سوفياتي كما حصل في أوروبا الشرقية وليس غريباً ان الدولة الاخرى التي قام فيها نظام شيوعي عن طريق نضال ابنائها هي يوغوسلافيا التي لم تكن ايضاً على وفاق مع السوفيات. بدأت فكرة عدم الانحياز في الهند التي رفضت بعد استقلالها الانضمام الى المعسكر الغربي على رغم ان نظامها كان ديموقراطياً يقوم على التعددية الحزبية وحرية الصحافة. كانت لدى نهرو تطلعات اشتراكية ليس على الطريقة الشيوعية وكان يرى ان الهند، هذه الدولة الكبيرة، يجب الا تنضم الى طرف ضد آخر في الخلاف الايديولوجي الذي كان قائماً. قابلت نهرو للمرة الأولى في المؤتمر الأول لعدم الانحياز في بلغراد، وفي 1963 كنت أول من زار الهند باسم الجزائر المستقلة وقد التقيته وتحدثنا. وفي 1964 مثلت الجزائر في جنازته. الحقيقة ان علاقتي به لم تكن قوية فاللقاءات كانت في الاطار الرسمي وأنا كنت شاباً صغيراً اما الشخص الذي كنت التقيه فهو بالتأكيد من عمالقة التاريخ. كنت قد قرأت كتبه وتابعت نضال الهند من اجل الاستقلال والحركة الشعبية التي قادها غاندي والعمل السياسي الذي قاده كل من جواهر لال نهرو وعلي جناح. اقول هنا بين قوسين انني أسأل وأتساءل لماذا انقسمت الهند وانفصلت باكستان لتستقل؟ ألم يكن ممكناً ان يبقى المسلمون، كل المسلمين في الهند الموحدة، وهم اقلية لكن حجمهم مئات الملايين، وهل كان من الافضل لهم ولشبه القارة الهندية ان تبقى الهند موحدة؟ انني أتساءل هل كان ذلك افضل ام انه كان من المستحيل الا يحدث ما حدث. وحتى الآن اسمع آراء متضاربة في هذا الموضوع، حتى من مسلمي الهند وباكستان وقد كتب بعضهم عن الموضوع بمناسبة العيد الخمسين لاستقلال كل من الهند وباكستان. هل فوجئت بهذا العالم الذي تغير فجأة: انهار جدار برلين وغاب الاتحاد السوفياتي في حين ان ثقافتك تشكلت في العالم الذي انهار؟ - لا شك. من يقول انه كان يتوقع انهيار الاتحاد السوفياتي يدخل في باب المبالغة كي لا أقول اكثر. انا لا اعرف انساناً كان يتوقع انهيار الاتحاد السوفياتي عندما حصل. عندما كنا في الطائف، ذهب وزير خارجية المغرب معالي الأخ الدكتور عبداللطيف الفيلالي الى نيويورك للمشاركة في اعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. ثم عاد الى الطائف وروى لنا القصة التالية: والكلام لمعالي الدكتور الفيلالي: "قابلت وزير خارجية المانياالشرقية وسألته عما يجري في بلاده، خصوصاً عن تلك الاعداد الهائلة من ابناء بلاده الذين يفرون منها الى المانيا الغربية وقال الوزير الالماني الشرقي مطمئناً: ان هؤلاء شباب تأثروا بالثقافة الغربية المنحطّة، ولن نحزن على مغادرتهم بلادنا... وسترى ان هذه الظاهرة ليست الا سحابة عابرة وان المانياالشرقية باقية، قوية". ونذكر اننا كنا في شهر تشرين الثاني نوفمبر 1984، أي أقل من شهر قبل سقوط حائط برلين ونهاية المانياالشرقية. كيف تنظر الى ميخائيل غورباتشوف؟ - لا أعرف كفاية عنه. انا متحفظ حيال الذين يتربون في بيت ثم يكتشفون بين ليلة وضحاها مساوئ البيت. لديّ شكوك حيال مسار من هذا النوع. اندروبوف الذي كان رئيساً للپ"كي.جي.بي" قبل تولي الزعامة هو الذي اختار غورباتشوف. أوليس غريباً ان يصبح غورباتشوف رمزاً للديموقراطية. الحقيقة انني لست منبهراً بما يسمى النظام العالمي الجديد بل انني لا أعتقد أصلاً بأن هناك شيئاً اسمه النظام العالمي الجديد قائم في الوقت الحاضر. انهار النظام العالمي القديم لكن النظام الجديد لم يتشكل. الخطير هو ان هذا الانبهار الموجود عندنا بفعل الاعتقاد ان الغرب انتصر في المواجهة يقود احياناً الى الاعتقاد بأن كل ما هو غربي ممتاز. انا لا اتصور ان هذا الموقف صحيح، ولا أتصور ان "الفكرة الوحيدة" المتشددة في يمينيتها كالريغانية والثاتشرية التي يتبناها كثيرون في منطقتنا ستأتي بالنتائج التي يتوقعونها. عرفت مارغريت ثاتشر؟ - نعم عرفتها في بداية عهدها. كنا في حفل في قصر باكنغهام وكانت منتخبة حديثاً زعيمة لحزب المحافظين. اقتربت وقالت انا مارغريت ثاتشر زعيمة حزب المحافظين والتقينا لاحقاً في حفلات عشاء وتركت بريطانيا بعد قليل من توليها رئاسة الوزراء. ما هي أول مهمة قمت بها مكلفاً من الأممالمتحدة؟ - كانت المهمة الأولى في زائير. انا شاركت في نشاطات الأممالمتحدة وحضرت الجمعية العمومية الاستثنائية التي دعا اليها بومدين بصفته رئيساً لحركة عدم الانحياز وكان ذلك في 1974 وهي كانت حول ما كنا ندعو له ونسميه النظام العالمي الجديد وهو غير النظام الذي يحكى عنه حالياً. علاقتك بالرئيس ياسر عرفات قديمة؟ - جداً. هل هناك شبه بين مانديلا وعرفات؟ - الاوضاع مختلفة والشخصيات مختلفة والتاريخ مختلف. حسابات العمر في مثل هذا العمر يجري المرء حسابات، واليوم يسألون عما انتج من الاموال وأنت عملت في الديبلوماسية هل انت مرتاح؟ - نعم، اشعر بأنني خدمت بلدي ما يقرب من أربعين سنة. هناك جيل اصغر منا يتطلع الى ممارسة المسؤولية وهذا من حقه. ثم ماذا نستطيع ان نقدم اكثر، قدمنا ما لدينا وما لم نقدمه يعني انه غير موجود عندنا. تقاعدت في 1993. عملت في الديبلوماسية وأنا راض وأعتقد بأن ذلك هو مجالي. لم أعمل في ميدان آخر ولا أتصور انني سأعمل. وإذا نظرت الى الماضي فلا بد من الاعتراف بأننا اخطأنا بكل تأكيد لكننا بذلنا ما كان في وسعنا من جهد ولعلنا استفدنا اكثر مما أفدنا. يجب ان نعترف بذلك. انا عينت سفيراً قبل بلوغي الثلاثين وكان مركزي في القاهرة. الثورة حملتنا على ظهرها اكثر مما حملناها على ظهورنا. اقصد ان الثورة اعطتنا اكثر بكثير مما اعطيناها وشعبنا اعطانا اكثر مما اعطيناه. للديبلوماسية الجزائرية رصيد في عالم الوساطات؟ - نعم قيل ان للجزائر ديبلوماسية نشطة. اعتقد بأننا استفدنا من الهالة التي وفّرتها الثورة الجزائرية. ربما يكون هناك من اعاد بعضاً مما اعطته الثورة. قدم المرء بعض الاشياء على مستوى العالم العربي والعالم الثالث وكذلك على مستوى الأممالمتحدة. ويشعر المرء في الجزء الاخير من حياته، طال ام قصر، انه اكتسب خبرة ويجب ان يكون مستعدا لتقديمها لمن يبدو مستعدا للافادة منها. وهذا مضمون العلاقة مع الأممالمتحدة. لدينا خبرة متواضعة وشيء من الطاقة المتبقية وإذا كان بامكاننا المساعدة فنحن على استعداد. ذهبت الى زائير في 1993 وكان الوضع كئيباً. كان تغيير الموقف مستحيلاً، لكننا حاولنا اعادة اهل البلد الى طاولة المفاوضات وهذا ما حصل، والأمر نفسه في لبنان قبل ذلك. عرفت موبوتو سيسي سيكو؟ - التقيته مرات عدة. ذات يوم قلت له انا معجب بشعبكم كم هو صبور على قادته الى هذه الدرجة. حين يرى المرء ما يجري في البلد يتوقع ان يرمي الناس كل قادتهم للتماسيح في نهر الكونغو. لم يعرف بماذا يجيب وما اذا كان عليه ان يغضب او يضحك. غيّرت الموضوع. للأسف سيحاسب التاريخ كل قادة الكونغو بدءاً بموبوتو ووصولاً الى آخرين. لقد تعرض البلد لعملية نهش غريبة. قمة بغداد حضرت القمة العربية التي عقدت في بغداد في 1990 كمندوب للجنة الثلاثية؟ - قدمنا يومذاك تقريراً عن لبنان باسم اللجنة العربية العليا وصدر قرار باستمرار المتابعة. كانت تلك القمة مهمة وقيل فيها كلام لم يدرك الحاضرون أهميته في حينه. حين ينظر المرء اليه الآن يرى ان القيادة العراقية كانت تفكر في عمل في المنطقة لا يحمد عقباه. هل تعتقد بأنه كانت للقمة علاقة بغزو الكويت؟ - العراق اليوم في محنة ويستحق التأييد والمؤازرة، ولا أريد الخوض في الموضوع. الكلام الذي قيل كان ينبئ بتفكير فيما لا يحمد عقباه. اعتقد ايضاً ان القمة كانت مهمة بالنسبة الى لبنان ومن سوء حظ لبنان ان يحصل بعد القمة ما حصل. هل تعتقد كديبلوماسي انه كان يمكن تفادي العمل العسكري ضد العراق؟ - الجواب صعب على هذا السؤال. ما يحيرني هو التالي: كيف كان يمكن القول ان الاقدام على مثل هذا العمل، احتلال الكويت، لا يحمل معه اخطاراً جسيمة مثل الحرب، وكيف كان يمكن ليس فقط للعراق وأيضاً لآخرين ان يقولوا ان الحل العربي كان ممكناً بعد الاحتلال وإصرار العراق على عدم الانسحاب. الحل العربي كان ممكناً بكل تأكيد قبل الاحتلال، ولعله كان ممكناً لو تجاوب العراق مع بيان وزراء الخارجية العرب الذي صدر يوم 4 آب اغسطس فيما أظن. لو انسحب العراق فوراً عند ذاك وحتى قبل القمة العربية لأمكن تفادي الحرب وما تبعها من ويلات... مجرد حصول احتلال الكويت يعني ان الموضوع لم يعد عربياً. كان الموضوع عربياً حينما كان هناك خلاف ومشادة. هل خرج من يد العرب لأن له علاقة بالنفط؟ - نعم. خلافاً لما يقال انا لم احضر مؤتمر القمة الذي عقد في القاهرة في العاشر من آب 1990. حضرت اجتماع وزراء الخارجية في الثالث من ذلك الشهر. بعد الاجتماع الوزاري ذهبنا الى تونس ورفضت العودة الى القاهرة وقلت ان الموضوع لم يعد يعالج عندنا. يمكن معالجته في مجلس الأمن، هذا في احسن الظروف. الامر الثالث هو انني قابلت مسؤولين عرباً غير عراقيين قبل اقل من 24 ساعة من بدء الحرب في كانون الثاني يناير 1991 وكانوا يقولون ان الحرب لن تقع وهذا غريب. وحتى عندما بدأت الحرب سمعت مسؤولين غير عراقيين يقولون ان العراق سينتصر. هذا غريب ومحيّر. الاصوليون ابناء مجتمعنا هل انت خائف على مستقبل العالم العربي في ضوء هذه المواجهات المفتوحة مع الاصوليين؟ - نعم انا خائف جداً. لا يمكن ان ننسى لحظة واحدة ان الاصوليين هم ابناء مجتمعنا ولم يفدوا الينا من المريخ. لقد كبر الاصوليون وتربوا في مدارسنا وبيوتنا ونحن مسؤولون كآباء وكأنظمة. لقد خرجوا من مدارسنا وجامعاتنا وعائلاتنا. ومهما كانت لهم مواقف بشعة او غير مقبولة علينا ان نعترف انهم يمثلون شيئاً وان لهم اتباعاً. وعلينا ان نعترف بأن الناس ذهبوا اليهم هرباً من أنظمتنا الوطنية القومية الاشتراكية بسبب عجز هذه الانظمة عن تحقيق اهداف الناس وتطلعاتهم... وعلينا ان ندرك ايضاً اننا لن نعيد الناس - والشباب بصورة خاصة - الى مواقعنا بالتملق للزعامات المتطرفة او السكوت على ممارساتها البشعة وأفكارها الظلامية. لو أردنا التحديد هل تعتبر التعليم في الجزائر مسؤولاً عن تنامي الاصولية؟ - لا شك ان التعليم يتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية. وهذه مسألة في غاية الاهمية والخطورة ولا بد ان يولي قادتنا اهتماماً مركزاً لقضية التعليم في جميع مراحله وفي جميع البلاد العربية وقضية تعليم الدين جزء من هذه المعضلة... اعتقد اننا في الجزائر سلمنا التعليم الديني الى أناس تنقصهم الكفاءة والشعور بالمسؤولية. هل لديك خوف من هذا الميل الى عدم التسامح مع الآخر ورفض الاستماع اليه؟ - نحن في العالم العربي نسرع في الادانة وفي تكفير الآخر. اذكر ان اخواننا في سورية كانوا في السابق ينعتون بپ"الجاسوس" من يختلف معهم في الرأي. الخلاف في الرأي يقود سريعاً الى عداء سافر وحكم مبرم وغير قابل للنقاش. لهذا أرى مجددا ان علينا ان نستلهم الدروس من جنوب افريقيا. خلال سجنه كان ممنوعاً على مانديلا ارتداء الثياب الداخلية او القمصان الطويلة الاكمام او سروالاً طويلاً، كان المقصود إهانته. في النهاية خرج مانديلا ومد يده الى سجانيه . ما اسم زوجتك؟ - مليكة. وأولادك؟ - ثلاثة: صالح يعمل في البنك الدولي وريم صحافية وسالم يعمل في مجال التلفزيون والانتاج السينمائي .