اذا كان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو قد اكد قبل انعقاد مؤتمر الدوحة الاقتصادي زوال "الشرق أوسطية" عندما صرح بقوله: "لا وجود لشيء اسمه الشرق الاوسط الجديد"، وحذر من انه "ينبغي الا يتوقع احد قيام علاقات دافئة ومثمرة بين اسرائيل وكل بلدان الشرق الاوسط"، فإن الولاياتالمتحدة يبدو انها حتى بعد انعقاد المؤتمر بشكل اقل ما يقال فيه انه لا يحقق الطموح الاميركي، مصممة على تحقيق "الشرق الاوسط الجديد". وتعتبر الادارة الاميركية ان المؤتمر الاقتصادي للشرق الاوسط وشمال افريقيا، هو الاطار الصالح لتحقيق هدفها الاستراتيجي في المنطقة، وقد قطعت شوطاً في هذا المجال خلال انعقاد ثلاث دورات للمؤتمر. وفي تأكيدها لوجود مصلحة لدول عدة، اشارت وزيرة الخارجية الاميركية مادلين أولبرايت الى ان "الجهود لزيادة التعاون الاقتصادي الاقليمي ليست خدمة تقدم الى دولة بعينها" في اشارة الى اسرائيل. ولكن مع اعترافها بأن "عملية السلام هي اليوم في خطر"، تجاهلت مسؤولية نتانياهو الذي يقود التعنت الاسرائيلي الذي يسبب التعثر للتسوية السلمية، وربما شملته مع قادة المنطقة، عندما اعادت اسباب التعثر الى "القادة الذين لم يعرفوا كيف يتخذون الاجراءات الضرورية لتحقيق امكانات السلام". وفي تأكيدها توافر امكانات العمل في هذا المجال، قالت أولبرايت: "ما زال هناك الكثير مما يجب القيام به" مؤكدة ان "الولاياتالمتحدة ستستمر في لعب دورها كوسيط نزيه". 3 مستويات ومن الطبيعي ان تكون الولاياتالمتحدة في مقدم الدول المستفيدة من جهود التعاون الاقتصادي الاقليمي في المنطقة، وذلك في اطار نظام اقتصادي للشرق الاوسط الجديد تسعى لتنفيذه عبر ثلاثة مستويات متداخلة: الاول: اقامة تجمع اقتصادي يجمع بين الاردن والكيان الفلسطيني واسرائيل. الثاني: اقامة منطقة للتبادل التجاري الحر تضم كلاً من: مصر واسرائيل والكيان الفلسطيني والأردن وسورية ولبنان، على ان تنتهي الترتيبات الخاصة بها العام 2010. الثالث: اقامة منطقة موسعة للتعاون الاقتصادي تشمل بالاضافة الى منطقة التبادل التجاري الحر بلدان مجلس التعاون الخليجي، التي يتدفق منها المال والتمويل. وفي اطار تنفيذ هذا المشروع، يأتي التوقيع على اتفاقية لإنشاء المنطقة الصناعية الحرة بين الأردن وإسرائيل في منطقة إربد، وقد حضرت الوزيرة أولبرايت حفلة التوقيع التي تمت في الدوحة بين وزير الصناعة والتجارة الاردني هاني الملقي ونظيره الاسرائيلي ناتان شارانسكي. وذكر بيان صدر بعد التوقيع ان قيام المنطقة الصناعية يعني تأمين فرص عمل جديدة وفوائد ومميزات استثمارية بين اسرائيل والأردن. وأكدت أولبرايت بعد التوقيع اهمية مشاريع التعاون في منطقة الشرق الاوسط كخطوة مهمة لتحقيق السلام، مشددة على التزام واشنطن تشجيع هذه المشاريع حتى تحقق اهدافها. وفي اشارة الى تأكيدات الرئيس بيل كلينتون، قال وزير الصناعة والتجارة الاردني هاني الملقي: "ان التفاوض على الاتفاق بدأ منذ اعلن الرئيس الاميركي عن تخصيص مناطق صناعية مشتركة بين الأردن وإسرائيل وبين الأردن والسلطة الفلسطينية، لتكون مؤهلة لإدخال منتجاتها الى الأسواق الأميركية وإعفائها من الضرائب والرسوم". واضافة الى ذلك عقدت صفقات استثمارية خلال انعقاد مؤتمر الدوحة شملت مشاريع في اسرائيل والأردن وقطر بمساهمة عدد من الشركات الاميركية التي تخطط لتكثيف استثماراتها في منطقة الشرق الاوسط. من هنا تبرز اهمية المصالح الاقتصادية الاميركية في منطقة الشرق الاوسط. فقبل مؤتمر الدوحة، حصلت الشركات الاميركية على مشاريع استثمارية عدة، منها: - عقد بقيمة مليار دولار لمشروع يشمل اربع محطات لإنتاج الطاقة الكهربائية في المغرب الجرف الاصفر. - عقد بيع نظام قمر اصطناعي متنقل للامارات بحوالي مليار دولار. وقد قدرت نائبة مساعد وزير التجارة الاميركية لمنطقتي الشرق الاوسط وشمال أفريقيا جوديث بارنيت قيمة المشاريع التي حصلت عليها الشركات الاميركية خلال السنوات الخمس الماضية بنحو 500 مليار دولار، وتشمل اساساً البنى التحتية والاتصالات والتكنولوجيا والسياحة، بالاضافة الى مشاريع نفطية. وتساهم هذه المشاريع التي برزت بشكل خاص منذ انعقاد المؤتمر الاقتصادي الاول في الدار البيضاء، في تعزيز حركة التبادل التجاري بين الولاياتالمتحدة والبلدان العربية. التبادل العربي الأميركي وتشير احصاءات وزارة التجارة الاميركية الى فائض مستمر وبوتائر مرتفعة سنة عن سنة لصالحها، مع حاجتها المتزايدة الى النفط العربي. ففي العام 1996، وعلى رغم ارتفاع اسعار النفط كمعدل وسطي بما لا يقل عن ثلاثة دولارات للبرميل حسب دراسات الوزارة فقد نعم الميزان التجاري الاميركي مع العرب بفائض بلغ 3.2 مليار دولار، ولوحظ ان الصادرات الاميركية الى البلدان العربية ارتفعت بنسبة 15 في المئة عن العام 1995 وبلغت 3.18 مليار دولار، في حين ارتفعت الواردات الاميركية ومعظمها من النفط بنسبة 11 في المئة وبلغت نحو 16 مليار دولار. واذا كان حجم حركة التبادل التجاري الاميركي مع العرب قد بلغ 3.34 مليار دولار العام 1996، فإن ثلاث دول عربية خليجية هي السعودية والاماراتوالكويت، تستأثر بنسبة 5.68 في المئة من الحجم اي حوالي 5.23 مليار دولار، وتبين ان الحركة التجارية بين الولاياتالمتحدة والدول الخليجية الثلاث مجتمعة تقريباً متوازنة، اذ بلغت الصادرات الاميركية اليها 8.11 مليار دولار، والواردات الاميركية منها 738.11 مليار دولار، لكن الميزان التجاري يختلف بين دولة وأخرى. أولاً: السعودية، وتعتبرها الشركات الاميركية اكبر سوق لها في المنطقة، وقد ارتفعت الصادرات الاميركية اليها بنسبة 20 في المئة العام 1996 ووصلت الى 3.7 مليار دولار، في حين زادت الواردات الاميركية من المملكة فقط بنسبة 6.5 في المئة وبلغت 4.9 مليار دولار على رغم انها تعتبر ثالث اكبر مصدر للنفط الى الولاياتالمتحدة حيث تصدر اليها يومياً نحو 4.1 مليون برميل، على رغم ارتفاع اسعار النفط. ثانياً: الامارات العربية المتحدة، وقد زادت الصادرات الاميركية اليها بنسبة 25 في المئة، وذلك من ملياري دولار العام 1995 الى 5.2 مليار دولار العام 1996، اما الواردات الاميركية منها فقد بلغت نحو 538 مليون دولار، فيكون الفائض لمصلحة الولاياتالمتحدة نحو 1962 مليون دولار. ثالثاً: الكويت، وقد زادت الصادرات الاميركية اليها بنسبة 40 في المئة ووصلت الى ملياري دولار العام 1996، وبلغت الواردات الاميركية منها 8.1 مليار دولار، فيكون الفائض لمصلحة الميزان الاميركي نحو 200 مليون دولار. ومن الطبيعي ان تكون الفاتورة الاميركية للنفط المستورد قد ساهمت في العجز التجاري الاميركي بشكل عام، وهذا ما اشارت اليه احصاءات وزارة التجارة الاميركية، حيث ارتفع العجز من 105 مليارات دولار العام 1995 الى 114 مليار دولار العام 1996، اي بنسبة 5.8 في المئة. وتبين من الاحصاءات ان فاتورة النفط المستورد لأكبر دولة مستهلكة في العالم بلغت 7.65 مليار دولار، اي بزيادة 24 في المئة عن فاتورة العام 1995 البالغة 8.52 مليار دولار. من هنا تبرز اهمية النفط كمادة استراتيجية في السياسة الاميركية وعلاقات الولاياتالمتحدة مع دول العالم، وفي اطار التكتلات الاقتصادية القائمة، الامر الذي يبرز اهمية منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، ومدى حماس الادارة الاميركية لتحقيق النظام الاقليمي الجديد للمنطقة .