الأردن غير راض عن المساعدات الاميركية التي تلقاها حتى الآن مكافأة له على توقيع معاهدة السلام مع اسرائيل، وقد عبر عن هذا الموقف رئيس الوزراء الاردني الشريف زين بن شاكر عندما قال لممثلي الصحافة الاجنبية في عمان "بالطبع نحن غير سعداء بمستوى المساعدات الاميركية للاردن ونتوقع المزيد". ورفض بن شاكر تحديد حجم المساعدات التي تطلبها المملكة، غير ان مسؤولين اردنيين اشاروا الى أن الملك حسين كان طلب مساعدات تزيد على عشرة مليارات دولار على مدى عشر سنوات بمعدل مليار دولار سنوياً، تشمل طائرات مقاتلة ومعدات ثقيلة من اجل تحديث الجيش الاردني. وكان العاهل الاردني يعلق آمالاً كبيرة على المساعدات الاميركية، وعبر عن تفاؤله بذلك في تشرين الأول اكتوبر 1994 بعد ابرام معاهدة السلام مع اسرائيل عندما قال "ان من بين منافع السلام الرئيسية، المعونات الاميركية التي تمس الحاجة اليها لتحديث القوات المسلحة". لكن خيبة الامل الاردنية جاءت كبيرة من الادارة الاميركية التي وافقت اخيراً على تقديم مئة مليون دولار فقط للاردن من اجل تحديث قواته المسلحة، وهذا المبلغ ضئيل جداً ويكاد لا يذكر بالمقارنة مع مبلغ 2،5 مليار دولار التي حصلت عليه اسرائيل ومصر مقابل ابرام اتفاقية سلام بينهما عام 1979. مع العلم ان الاردن لا يطمح الى الحصول على هذا المبلغ، لان الرئيس بن شاكر يعتقد "ان الولاياتالمتحدة في هذا الوقت ليست في وضع اقتصادي ومالي جيد مثلما كانت في السبعينات". الغاء الديون ويبدو ان معظم المساعدات الاميركية للاردن جاءت حتى الآن على شكل الغاء للديون العسكرية، لذلك ستطلب عمان من واشنطن الغاء 7،268 مليون دولار من الديون العسكرية المتوجبة عليه، غير ان تحقيق هذا الطلب يعترضه بعض الصعوبات التي تتعلق بجزء كبير من هذا الدين الذي يعود الى شركات اميركية خاصة، لا تستطيع الحكومة الاميركية الغاءه. وكانت الولاياتالمتحدة وافقت في أواخر العام 1994 واثر توقيع معاهدة السلام بين الاردن واسرائيل على شطب 700 مليون دولار من ديونها على الاردن. ولم تقتصر جهود الحكومة الاردنية على الولاياتالمتحدة، بل شملت بلداناً اوروبية عدة للافادة من فرصة السلام في شطب المزيد من الديون، او على الاقل اعادة جدولة بعضها بشكل يساعد على تحقيق التصحيح الاقتصادي. ومنذ بداية العام 1990 حتى نهاية 1993، سدد الاردن 1611 مليون دولار كأقساط على اتفاقيات القروض الاجنبية، وخلال تلك الفترة تمت اعادة جدولة مبلغ 1387 مليون دولار فقط لدول نادي باريس للدائنين الحكوميين. وفي نهاية العام 1993، ابرم الاردن اتفاقاً مع المصارف التجارية الدائنة في نادي لندن يقضي بإعادة هيكلة القروض التجارية، وتم بموجبه تحويل رصيد القروض البالغة 5،737 مليون دولار الى سندات إسمية وسندات بخصم تسدد دفعة واحدة بعد ثلاثين سنة، ومعالجة رصيد الفوائد المتأخرة بتقديم دفعة نقدية وجدولة الرصيد ليتم سداده بموجب 19 قسطاً نصف سنوي ولفترة سماح مدتها ثلاث سنوات. واضافة الى شطب 700 مليون دولار من الديون الاميركية فقد وافقت بريطانيا في العام 1994 على شطب 90 مليون دولار، وتعهدت المانيا وفرنسا بشطب بعض الاجزاء من ديونهما. وهكذا تمكن الاردن من تخفيض حجم ديونه الخارجية من نحو ثمانية مليارات دولار الى 46،5 مليار دولار، ما ادى الى هبوط نسبته الى الناتج المحلي الاجمالي والتي بلغت 8،91 في المئة بنهاية العام الماضي، مقابل 9،108 في المئة عام 1993. غير ان الملفت في الأمر ان افادة الاردن من البلدان الاوروبية كانت اكبر بكثير من افادته من الولاياتالمتحدة على رغم انها الراعية الكبرى لمحادثات السلام في الشرق الاوسط. تمويل مشاريع السلام ويراهن الاردن على الافادة من "توجهاته السياسية الجديدة" في تمويل مشاريع السلام وسد العجز المالي في موازنته. واذا كانت موازنة العام 1995، هي الاولى منذ توقيع معاهدة السلام مع اسرائيل في 26 تشرين الأول اكتوبر 1994، فهي في الواقع تعكس بأرقامها مدى اعتماد الاردن على المساعدات الخارجية من اجل تحقيق اهدافه في برنامج التصحيح الاقتصادي. لقد بلغت الموازنة 1674 مليون دينار 34،2 مليار دولار للنفقات مقابل 1624 مليون دينار 27،2 مليار دولار للواردات، فيكون العجز 50 مليون دينار اي ما يوازي حوالي 3 في المئة، وهو عجز ضئيل جداً، ويكاد لا يذكر بالمقارنة مع دول اخرى تعاني من عجز كبير في موازناتها، ولكن لوحظ ان عجز الموازنة الاردنية سيرتفع الى 459 مليون دينار او ما نسبته 4،27 في المئة، في حال فشل الاردن في الحصول على منح ومساعدات خارجية، خصوصاً وان الموازنة تضمنت باباً خاصاً بمبلغ 390 مليون دينار رصد للمشاريع التي تمولها جهات خارجية، مع العلم ان الاردن زاد الانفاق الاستثماري لعام 1995 بنسبة 39 في المئة ليتمكن من مجابهة تحديات السلام. وتعكف الحكومة الاردنية حالياً على وضع قانون جديد للاستثمار يكون اكثر ليبرالية من القانون المطبق منذ العام 1987 ويهدف الى تقديم الاردن كدولة حديثة جذابة للاستثمار عن طريق توفير حوافز عدة منها: تسهيل المعاملات الادارية وتخفيف رسوم الجمارك والضرائب على الرساميل الاجنبية، وتشجيع نقل التكنولوجيا الى مختلف قطاعات الاقتصاد الاردني، بما يحقق حرية نظام الاستثمارات لتمويل مشاريع السلام. وتبرز في هذا المجال الاستثمارات النفطية، حيث تتخذ الترتيبات اللازمة لدعوة الشركات الاجنبية للمساهمة في هذه الاستثمارات، سواء لجهة التنقيب عن النفط في الاراضي الاردنية، ام لجهة انشاء مصفاة لتكرير المنتجات النفطية بهدف تأمين حاجة الاستهلاك المحلي وتصدير الفائض الى الاسواق الخارجية. وتجرى حالياً انجاز اجراءات تأسيس شركة وطنية برأسمال 28 مليون دولار، تعمل مع الشركات العالمية في مجالات المسح الجيولوجي والتنقيب عن النفط، من خلال تقاسم الارباح في استثمار اي حقل بعد اكتشافه بمعدل 50 في المئة، مع العلم ان شركات عدة ابدت استعدادها للقيام بعمليات التنقيب. وستتولى الشركة الجديدة فور بدء عملها، مهمات الانتاج بدل السلطة الوطنية للمصادر الطبيعية التي تأسست عام 1968، والتي سينحصر نشاطها بصفتها مديرية للنفط في مجالات "التسويق وابرام العقود مع الشركات الاجنبية". اضافة الى الاستثمار في عمليات التنقيب عن النفط، تدرس الحكومة الاردنية حالياً عروضاً تقدمت بها بعض الشركات الاجنبية لانشاء مصفاة في منطقة قريبة من ميناء العقبة المطل على البحر الاحمر، بطاقة 140 ألف برميل يومياً، وبكلفة تصل الى مليار دولار. ويتوقع المراقبون ان يشارك في استثمار هذا المشروع ثلاث مجموعات، الاولى تمثل شركات اميركية، والثانية شركات يابانية، والثالثة مجموعة من المستثمرين الاردنيين في القطاع الخاص. القمة الاقتصادية وستعمل المصفاة على أساس "بناء وتشغيل وتحويل ملكية" بحيث يقوم المستثمرون بتوفير رأس المال وتشغيلها سنوات عدة، ثم تحويل ملكيتها الى الحكومة الاردنية التي تبيعها في حينها الى القطاع الخاص. ويقوم حالياً بعض الشركات الاجنبية الذي تقدم بعروض الاستثمار باعداد دراسات الجدوى الاقتصادية للمصفاة، تمهيداً للبت بها قبل نهاية العام الحالي ولتأسيس الشركة والبدء بالخطوات الجدية لتنفيذ المشروع. وينتظر ان يستغل الاردن انعقاد القمة الاقتصادية في تشرين الأول اكتوبر المقبل في عمان تنفيذاً لمقررات مؤتمر الدار البيضاء لدول الشرق الاوسط، ويقوم بعرض مشروع المصفاة على الممولين الاجانب لدراسته من كافة جوانبه وتوسيع قاعدة المستثمرين، تمهيداً للحصول على افضل العروض. ويأتي هذا المشروع بين 30 مشروعاً استثمارياً بقيمة اربعة مليارات دولار، سيطرحها الاردن على القمة. ووصف المهندس علي أبو الراغب وزير الصناعة والتجارة الاردني هذه المشاريع بأنها ملائمة للمستثمر الاردني والعربي والاجنبي على السواء مشيراً الى أنها تشمل مشاريع سياحية قرب البحر الميت والبحر الاحمر والعقبة، واخرى صناعية مع شركتي مناجم الفوسفات الاردنية والبوتاس العربية، فضلاً عن مشاريع في مجالات النقل والاتصالات والمياه والري وغيرها. وأوضح الوزير الاردني: "ان هناك دراسات اخرى لنحو مئة مشروع تقوم بها دائرة تشجيع الاستثمارات في وزارة الصناعة والتجارة تهم المستثمر الاردني والعربي بالدرجة الاولى". ودعا القطاع الخاص الاردني الى التعاون مع الحكومة واللجان التحضيرية للاعداد للقمة على أساس ان القطاع الخاص الاردني سيدخل خلالها في منافسة شديدة لاجتذاب الاستثمارات الاجنبية والاوروبية خصوصاً الى الاردن. هل يستطيع الاردن تحقيق اهدافه من مشروعات السلام؟... قبيل تصديق مجلس النواب الاردني على موازنة 1995، حذر الملك حسين الاردنيين من تعليق آمال كبيرة على تحسن سريع للوضع الاقتصادي في الاردن بعد توقيع اتفاقية السلام مع اسرائيل، واعرب عن أمله في "تحسن الاوضاع بعد فترة معقولة يشعر خلالها المواطن بايجابيات مرحلة السلام والامن والاستقرار الذي يتيح الفرص للتنمية والعمل لكل من ينشده". ويلتقي الملك حسين في هذا التحذير مع موقف البنك الدولي الذي يرى أن الوقت لا زال مبكراً لافادة الاردن من اقتصاد الضفة الغربية وقطاع غزة، مع تأكيده على الافادة من فرص التوسع المتاحة في المناطق الفلسطينية وفرصة تقديم الخدمات المالية الى اقتصاد يتوسع بسرعة. واشار البنك الدولي الى "ظهور بعض الفوائد الفورية. التي يرتبط تبلورها بحدوث ازدهار اقتصادي في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث التزمت الدول المانحة تقديم ما قيمته مليار دولار من المساعدات في السنوات الثلاث الاولى، ما يعني تدفق سيولة قد لا يكون له نظير، بالنسبة الى حجم اقتصاد المنطقتين في التاريخ الاقتصادي، وتدفقاً من المحتمل ان يؤثر ايجاباً على الاردن. لكن البنك الدولي اوضح في تقرير من 92 صفحة سبق ان اعده واصدره بالتزامن مع توقيع معاهدة السلام الاردنية - الاسرائيلية، "ان الاقتصاد الاردني ربما تعرض لمخاطر لا يستهان بها في السنوات الاولى التي تلي توقيع معاهدة السلام. وبين هذه المخاطر المحتملة في المدى القريب ارتفاع معدلات التضخم بسبب التوسع الاقتصادي السريع في الضفة الغربية وقطاع غزة".