اجمع المراقبون على ان زيارة الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران السعودي لصنعاء تشكل مفترقاً حاسماً على طريق تطوير العلاقات السعودية - اليمنية التي شهدت الاسبوع الماضي دفعة جديدة. واعتبروا ان المستوى الرفيع لأعضاء الوفد الذي رافق الأمير سلطان الى اليمن مؤشر قوي الى اهتمام القيادة السعودية بالزيارة ونتائجها. وضم الوفد الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية، والأمير سعود الفيصل وزير الخارجية، وابراهيم العنقري المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، وعدداً من الوزراء المعنيين بالملف اليمني، وهم الدكتور عبدالعزيز الخويطر وزير الدولة عضو مجلس الوزراء، والدكتور مطلب النفيسة وزير الدولة عضو مجلس الوزراء، والدكتور مساعد العيبان وزير الدولة عضو مجلس الوزراء، اضافة الى وزير الصحة الدكتور اسامة شبكشي. واحتفى اليمنيون بالوفد السعودي، وكان الاستقبال الحافل الذي قوبل به الأمير سلطان هناك دليلاً على الاهتمام الكبير الذي ابدته القيادة اليمنية بالزيارة، فكان ذلك من اول المؤشرات الى نجاح المحادثات بين الجانبين التي وصفت بأنها تاريخية وتميزت بالوضوح والصراحة والولوج المباشر الى اعماق القضايا التي تهم الجانبين. وبحث الجانبان، حسبما ذكرت ل "الوسط" مصادر يمنية، في ملفات سبل تطوير العلاقات الثنائية وضرورة ايجاد حل نهائي للقضية الحدودية بينهما من خلال تفعيل اللجان الخاصة بمعالجتها والتعاون الاقتصادي والاستثماري، اضافة الى مسيرة السلام في المنطقة وضرورة تنسيق المواقف العربية لمواجهة التعنت الاسرائيلي. كما بحث الجانبان في ملف النزاع اليمني - الاريتري على جزر حنيش في ضوء الاعتداءات الاريترية الاخيرة على جزيرة حنيش الصغرى، اضافة الى الملف الامني المشترك، خصوصاً بعد توقيع الاتفاقية الامنية بين البلدين في تموز يوليو الماضي في جدة. ووصف مصدر في رئاسة الجمهورية اليمنية في اتصال اجرته معه "الوسط" العلاقات بين البلدين والشعبين بالخصوصية. وقال: "انها تعبر عن اهميتها من خلال الاتصالات المستمرة بين القيادتين السياسيتين". وأشار الى استمرار الاتصالات الهاتفية والرسائل المتبادلة بين الجانبين، اضافة الى الزيارات المتكررة التي يقوم بها كبار المسؤولين اليمنيين للسعودية، وكان آخرها زيارة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رئيس مجلس النواب اليمني لجدة حيث اجرى محادثات مع الملك فهد بن عبدالعزيز والأمير سلطان. والمعروف ان الأحمر، وهو زعيم قبلي بارز شيخ مشايخ قبائل حاشد يعتبر من اهم المسؤولين اليمنيين عن ملف العلاقات مع السعودية. ومعروف عنه على نطاق واسع انه متعاون مع الأمير سلطان للعمل على انهاء الخلافات الحدودية بين البلدين. وذكرت مصادر يمنية اخرى ان زيارة الأمير سلطان لليمن جاءت تتويجاً لتلك الاتصالات وتعبيراً عن عمق العلاقات الثنائية. قضية الحدود واكتسبت الزيارة اهمية خاصة لارتباطها بالقضية الحدودية بين البلدين وهي قضية يوليها المسؤولون السعوديون اهتماماً كبيراً باعتبار ان حسمها يمثل الضمان الوحيد والاساسي لاستقرار الاوضاع في المنطقة وتوفير الارضية الصلبة للتعاون المشترك بين السعودية واليمن في المجالات السياسية والاقتصادية والامنية وغيرها. وأكدت مصادر سعودية ان اي محاولة للقفز فوق المسألة الحدودية من دون حلها نهائياً لن تخدم العلاقة بين البلدين. ووصفت زيارة الأمير سلطان ومرافقيه من كبار المسؤولين السعوديين لليمن بأنها تاريخية، لأنها الاولى منذ شتاء 1989، عندما رأس الأمير سلطان الجانب السعودي في اجتماعات الدورة العاشرة لمجلس التنسيق السعودي - اليمني الذي كان ينظم العلاقة بين البلدين قبل ازمة الخليج العام 1990. ويعتقد المراقبون بأن اللجان الحدودية المشتركة التي شكلت بموجب مذكرة التفاهم الموقعة بين البلدين في مكةالمكرمة في 26 شباط فبراير 1995، وهي لجنة ترسيم الحدود واللجنة العسكرية ولجنة تحديد العلامات الحدودية القديمة ولجنة الحدود البحرية واللجنة الوزارية المشتركة ستستثمر الانفراج الذي نجم عن لقاء الأمير سلطان والرئيس علي عبدالله صالح وكبار المسؤولين في صنعاء لتحويل طاقة الدفع التي وفّرتها هذه اللقاءات الى وقود للمحادثات وصولاً الى تطبيق كامل للبنود الواردة في مذكرة التفاهم. وكانت اللجنة العليا المشتركة برئاسة الأمير سلطان والشيخ الأحمر عقدت اول اجتماعاتها في الرياض في كانون الاول ديسمبر 1995. ويعتبر اجتماعها الذي عقد في صنعاء الاسبوع الماضي الثاني منذ انشائها. وعقدت اللجان الخمس الاخرى اجتماعات عدة في كل من الرياضوصنعاء على التوالي. وكذلك عقدت اللجنة المشتركة الخاصة بتحديد العلامات الحدودية بين البلدين سبعة اجتماعات كان آخرها في صنعاء الشهر الماضي. وعقدت اللجنة المشتركة لتعيين الحدود البحرية حتى الآن ثلاث جولات كانت آخرها في جدة في حزيران يونيو الماضي، فيما عقدت لجنة ترسيم الحدود التي لم تشملها اتفاقية الطائف للعام 1934 أربعة اجتماعات منذ تأسيسها كان آخرها في صنعاء اواخر ايار مايو الماضي. اما اللجنة العسكرية فعقدت حتى الآن ستة اجتماعات كان آخرها في صنعاء مطلع العام الحالي، وعقدت اللجنة الوزارية المشتركة التي يرأسها وزراء المال والتجارة في البلدين اجتماعاً واحداً في حزيران 1995 في الرياض، اي بعد نحو 19 يوماً من القمة السعودية - اليمنية التي التأمت في الخامس من الشهر نفسه. وتهدف اعمال اللجان الحدودية الى رسم الشريط الحدودي على امتداد المنطقة التي تفصل بين السعودية وما كان يعرف سابقاً باليمن الجنوبي، امتداداً حتى نقطة التقاء الحدود المشتركة بين اليمن والسعودية وعمان، وهي المنطقة التي يؤكد الخبراء انها ليست مشمولة باتفاقية الطائف التي رسمت الحدود بين السعودية والجزء الشمالي من اليمن امتداداً حتى المياه الاقليمية في البحر الاحمر. أحاديث المجالس اليمنية وأتاحت التصريحات السعودية واليمنية عن نتائج زيارة الأمير سلطان لليمن هامشاً واسعاً للحديث عن الزيارة، سواء في الاوساط السياسية اليمنية او من خلال تحليلات الكتاب والمراقبين، او على مستوى رجل الشارع اليمني، اذ كان موضوع الزيارة من اهم المواضيع التي تركزت عليها احاديث المجالس اليمنية. وقال صالح محمد اليافعي ابو عبدالرحمن وهو ديبلوماسي يمني بمرتبة وزير ل "الوسط" في الرياض: "سعدنا كثيراً بالزيارة التي قام بها الأمير سلطان والوفد المرافق لبلادنا ونتطلع الى تحقيق المزيد من التعاون بين بلدينا، خصوصاً بعدما تحققت الوحدة اليمنية، لأن اليمن القوي الموحد في اعتقادي هو العمق الاستراتيجي للمملكة العربية السعودية، كما ان المملكة القوية الآمنة هي العمق الاستراتيجي لليمن". وأضاف: "عانينا كثيراً وما زلنا نعاني من وطأة الاصابع الخفية او اليد الثالثة التي تحاول ان تعبث بمصالح الأمة الاسلامية، لذلك نشعر بضرورة ان ترتقي العلاقات السعودية - اليمنية الى مستوى التحدي الاستراتيجي المشترك، لأننا نأمل كثيراً بالامكانات السعودية في لمّ الشمل العربي مرة اخرى. ان ابواب صنعاء السبعة مفتوحة للاخوة السعوديين تعزيزاً لأواصر الاخوة والتضامن والاتصال المباشر، ونأمل ان يتسع نطاق التعاون ونرى اخواننا السعوديين من مسؤولين وتجار ومواطنين في اليمن". العمالة اليمنية وفي ما يتعلق بملف العمالة اليمنية في السعودية، أبدى المسؤولون اليمنيون رغبتهم في اتاحة المزيد من الفرص لتدفق العمالة اليمنية الى السعودية، إلا ان ذلك، كما ذكر خبير اقتصادي سعودي ل "الوسط"، يعتمد على مدى حاجة السوق السعودية الى العمالة الاجنبية. ويبلغ عدد اليمنيين العاملين في السعودية حالياً 424 ألفاً و298 عاملاً، يمثلون نسبة 6.8 في المئة من جملة العمالة الاجنبية في المملكة، حسب احصاءات وزارة الداخلية السعودية العام الماضي. ويعمل معظمهم في التجارة والخدمات. وتحتل العمالة اليمنية في السعودية المرتبة الثانية عربياً بعد العمالة المصرية، وتحظى بعدد من الامتيازات في مجال حرية التنقل، وتميزت هجرتها الحديثة الى السعودية بطابع تاريخي، اذ بدأت منذ الخمسينات وتضاعفت مع الطفرة النفطية خلال السبعينات وتواصلت في الثمانينات حتى بلغ عددها اكثر من 1.5 مليون يمني في السعودية. غير انها اخذت تتقلص عامي 1990 و1991 اثر حرب الخليج نتيجة للموقف اليمني المساند للعراق، مما أدى الى عودة اكثر من 671 ألف يمني الى بلادهم وهو ما كان يعادل نسبة 91.8 في المئة من اجمالي المغتربين اليمنيين العائدين في تلك الفترة من بقية دول الخليج. وتقلصت تبعاً لذلك التحويلات المالية الكبيرة من العملات الصعبة التي كان اليمنيون العاملون في السعودية يحولونها الى بلادهم مما اثر سلباً في الاداء الاقتصادي العام في اليمن. وقال خبراء اقتصاديون ل "الوسط" ان العلاقات الاقتصادية بين السعودية واليمن تأثرت كثيراً بسبب حرب الخليج، فقد انخفض حجم التبادل التجاري بشكل حاد من 232 مليون دولار العام 1990 الى 95 مليوناً خلال السنة الاولى من الازمة عام 1991، وحافظ على هذا المعدل في الاعوام 1992 و1993، اذ بلغ 94 و91 مليوناً على التوالي. وبدأ الانفراج في العلاقات التجارية منذ توجه الدولتين الى التطبيع التدريجي لعلاقاتهما السياسية في ذلك العام. وعكس ذلك تحسناً طفيفاً على تجارتهما البينية التي ارتفعت قليلاً العام 1994 لتصل الى 100 مليون دولار. وجاءت الزيارة الرئيسية في الصادرات اليمنية الى السعودية التي ارتفعت من 12 مليون دولار العام 1992 الى 25 مليوناً في 1993 و32 مليوناً في 1994، وحافظت السعودية على كفتها الراجحة في ميزان التبادل التجاري الذي بلغ في اوجه العام 1990 نحو 182 مليون دولار لمصلحة المملكة، وتراجع الى 36 مليوناً العام 1994 وفق ارقام صندوق النقد الدولي. ولا يدع اليمنيون عادة مناسبة سياسية بين بلادهم والسعودية تمر من دون الاشارة والتذكير بالدعم السعودي الذي ساهم في انشاء الكثير من المشاريع الاقتصادية ومرافق البنية التحتية. وقال طه الحميري رئيس الجالية اليمنية في الرياض ل "الوسط" ان السعودية دعمت الكثير من المشاريع التنموية والحيوية في اليمن كمرافق المياه والري وانشاء الطرق والمستشفيات والمدارس. ولفت الى وجود روابط اسرية بين الشعبين السعودي واليمني، وقال ان زيارة الأمير سلطان بن عبدالعزيز لبلاده تمثل صفعة قوية للمشككين في متانة العلاقات الثنائية. ويجمع المسؤولون السعوديون واليمنيون على ان المحادثات التي اجراها الأمير سلطان بن عبدالعزيز والوفد المرافق له مع القيادة اليمنية نجحت في تكريس اسلوب جديد اكثر فاعلية لتطوير العلاقات الثنائية في إطار مذكرة التفاهم. حجم التبادل التجاري بين السعودية واليمن 1989 - 1994 مليون دولار السنوات صادرات المملكة واردات المملكة الميزان حجم التبادل الى اليمن من اليمن التجاري التجاري 1989 177 30.70 146.3 207.70 1990 207 25.00 182.0 232.00 1991 83 12.00 71.0 95 1992 82 12.00 70.0 94 1993 66 25.00 41.0 91 1994 68 32.00 36.0 100 المصدر: بيانات صندوق النقد الدولي باستثناء عام 1989 من بيانات صندوق النقد العربي.