بعد مرور الذكرى السادسة للغزو العراقي للكويت الذي برد الآمال التي انتعشت في نهاية العقد الماضي بإمكان تحقيق العرب لحد ادنى من التضامن والعمل السياسي والاقتصادي المشترك، لا يزال ملف هذه الكارثة يحمل بين ثناياه مآسي انسانية نازفة تجعل من الصعب اغلاقه كما يتمنى العرب جميعاً. فما زالت معاناة الشعب العراقي في الشمال والجنوب قائمة، وجرح الكويتيين باحتجاز 620 اسيراً غائراً خصوصاً بعد مرور 6 سنوات من دون اية بارقة امل بإمكان استجابة السلطة في بغداد لحل هذه القضية الانسانية باطلاق سراح الأسرى وتحديد مصير المفقودين من الكويتيين وجنسيات اخرى اثناء فترة الاحتلال. وفي الذكرى السادسة للغزو العراقي سادت قضية الأسرى على ما عداها من القضايا الساحة الكويتية، وإذا كانت الآثار المادية للغزو قد عولجت وبدأت تتلاشى تدريجياً، فإن هذه المشكلة ما زالت ماثلة في نفس كل كويتي، ومعاناة ذوي الأسرى بسبب غياب آبائهم او ابنائهم او أخوتهم او امهاتهم او ازواجهم تجدد يومياً. وعلى رغم اختلاف وجهات النظر بين الحكومة ومجلس الأمة على الطريق الأمثل لمعالجة هذه القضية، فإن الجهد لإنهائها ما زال مستمراً من خلال عمل اللجنة الوطنية للأسرى التي تتضافر كل الجهود من خلالها لإيصال هذه القضية الى المحافل الدولية والتأكيد عليها في القرارات التي تصدر عنها، وحشر الدعم العربي والدولي لحلها. وبعد اجتماعات عدة بين الجانب الكويتي والجانب العراقي بحضور دول التحالف الدولي التي شاركت في تحرير الكويت وبرعاية منظمة الأممالمتحدة والصليب الاحمر الدولي، وكذلك بعد وساطات عربية، فإن العراق لا يزال يماطل في تأكيد البيانات والملفات الموثقة عن الأسرى مما يؤكد انه يريد ان يخلط بين الصفة الانسانية لهذه القضية ومنافع سياسية يسعى لتحقيقها من خلالها. وعلى المستوى السياسي فإن التطورات السياسية التي شهدتها الكويت خلال السنوات الست الماضية كانت متلاحقة وسريعة على الصعيدين الداخلي والخارجي، فمحلياً استطاعت الدولة ان تعيد ترتيب الاوضاع الداخلية الى وضعها الطبيعي في فترة مقبولة وتعيد تفعيل مؤسساتها التنفيذية والتشريعية الدستورية، وها هي البلاد تشهد الاستعدادات للانتخابات البرلمانية الثانية منذ التحرير في تشرين الأول اكتوبر المقبل بأن اثبتت التجربة البرلمانية بعد الغزو ان دعائم العمل الديموقراطي في البلاد اصبحت راسخة بعد ما يزيد على ثلاثين عاماً من صدور دستور البلاد، وان المواجهات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية هي ضمن اطار المصلحة الوطنية ولم تصل الى حد القطيعة او العداء. وعلى صعيد السياسة الخارجية استطاعت الكويت ان تحافظ على اهدافها المشروعة لضمان الاستقرار لها وتحييد التهديدات الخارجية وترسيم حدودها الدولية الشمالية مع العراق وإلزامه تنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بحرب تحرير الكويت، وذلك على المستويين العربي والدولي وأن تعيد كذلك صياغة علاقاتها مع الدول العربية التي ساندت العراق اثناء عدوانه على الكويت، وكذلك ضمان تكاتف موقف دول مجلس التعاون الخليجي تجاه العراق على رغم تباين وجهات النظر بين بعض دول المجلس ازاء سبل التعامل مع النظام العراقي. ولم تتخلّ الكويت عن موقفها ازاء القضايا العربية وشاركت في مؤتمر مدريد من خلال مجلس التعاون الخليجي، وأكدت تأييدها للمفاوض العربي ولم تخرج عن الخط العربي في ما يتعلق بقضايا المقاطعة العربية والتطبيع مع اسرائيل على رغم المستجدات التي طرأت على العلاقات الكويتية مع القوى الكبرى التي نتجت عن الغزو العراقي والتحالف الدولي الذي شارك في تحرير البلاد. وفي الجانب الاقتصادي فإن الاقتصاد الكويتي الذي تعرض لضربة في آب اغسطس 1990 حرمته من موارده وأتت على جانب كبير من احتياطياته بدأ يتعافى على رغم تذبذب اسعار النفط في الاسواق العالمية وتسديد ديون اعادة اعمار البلاد. فقد شرعت الحكومة الكويتية في خطط مبرمجة للخصخصة ومعالجة العجز في الموازنة العامة من خلال خطة تستهدف القضاء على هذه المشاكل المالية في عام 2000، والتي أشاد بها البنك الدولي وأكد على ان تنفيذ هذه الخطة بشكل متكامل سيؤدي الى تعافي الاقتصاد الكويتي في نهاية القرن الحالي.