القارة الافريقية اهتمت اسرائيل تاريخياً باقامة علاقات تعاون وثيقة مع دول القارة الافريقية، واعتبرت وجودها في تلك الدول امتداداً استراتيجياً واقتصادياً حيوياً لمصالحها الخارجية ولشبكة علاقاتها وتحالفاتها الاقليمية والدولية. وكان من الطبيعي ان يتضمن الوجود الاسرائيلي في القارة السوداء، ومنذ بداياته الاولى، جانباً عسكرياً وأمنياً اساسياً تمثل في مسارعة الدولة العبرية إلى تزويد الكثير من الدول الافريقية الناشئة حديثاً في مرحلة ما بعد الاستعمار الاوروبي، خصوصاً في الستينات ومطلع السبعينات، بالعون التسليحي ومدها بالخبراء والمستشارين الذين عمل بعضهم على انشاء اجهزة الامن والاستخبارات في عدد من تلك الدول، والاشراف على عملها، إلى جانب استقبال البعثات العسكرية التي كان يتم ارسالها من الدول الافريقية إلى اسرائيل للتدرب والدراسة في معاهدها العسكرية. وعلى رغم تعرض النفوذ الاسرائيلي في افريقيا إلى نكسة مهمة في اعقاب حرب تشرين الاول اكتوبر 1973، حين عمدت غالبية دول القارة إلى قطع علاقاتها الديبلوماسية مع اسرائيل تضامناً مع الموقف العربي، فإن ذلك الوضع لم يدم طويلاً، بل سرعان ما عادت علاقات التعاون بين اسرائيل وهذه الدول إلى سابق عهدها. بل ان الكثير من جوانب التعاون الامني والتسليحي ظل قائماً، وان في صور ضمنية وبعيدة عن العلنية، حتى عندما كانت العلاقات الديبلوماسية مقطوعة. ومن بين أبرز الامثلة على التعاون التسليحي والامني بين اسرائيل والدول الافريقية ذلك الذي يربط منذ سنوات بين الدولة العبرية وزائير، حيث تولى خبراء اسرائيليون مهمة ادارة عمل جهاز الامن الخاص بالرئيس موبوتو سيسي سيكو، وتدريب عناصره وتسليحهم. كما حصلت القوات الزائيرية من اسرائيل في فترات متعاقبة، على كميات من الاسلحة والذخائر المتنوعة، خصوصاً من اصل معدات سوفياتية وصينية الصنع كانت اسرائيل غنمتها في معاركها مع القوات العربية، حيث قدر مجموع حجم التعاون العسكري بين البلدين خلال الثمانينات بما لا يقل عن 200 مليون دولار. وكانت اسرائيل توصلت ايضاً إلى اتفاق مع نيجيريا، في مطلع الثمانينات، بلغت قيمته 150 مليون دولار، ونص على قيامها بتدريب عناصر القوات النيجيرية الخاصة ومدها بالخبراء والمستشارين وخدمات الدعم والتجهيز وانشاء البنى التحتية ووسائل المواصلات والاتصالات الملحقة بها، إلى جانب تزويد القوات النيجيرية اسلحة ومعدات متنوعة كان معظمها بدوره من المعدات الشرقية الصنع التي غنمتها اسرائيل في حروبها مع العرب. وفي اتفاق مماثل ايضاً، حصلت اثيوبيا ابان حكم الكولونيل منغستو هيلا مريام على اسلحة ومعدات وذخائر سوفياتية وصينية الاصل من اسرائيل قدرت قيمتها بما يزيد عن 100 مليون دولار، واشتملت على دبابات "ت - 54/ 55"، ومدافع ميدان من عيار 122 ملم و130 ملم، وراجمات صاروخية من عيار 107 ملم و122 ملم. وهاونات ومدافع مضادة للطائرات ورشاشات وبنادق اضافة إلى حصولها على قنابل عنقودية اسرائيلية الصنع من طراز "تال"، استخدمها الاثيوبيون بكثافة في حربهم ضد اريتريا وفي الصراعات المسلحة الاخرى التي دارت هناك خلال السنوات الماضية. جنوب افريقيا: ربما كان الشريك الاكثر اهمية لاسرائيل في افريقيا، بل وربما في العالم، على امتداد ربع القرن الماضي على صعيد التعاون العسكري جميع جوانبه التسليحية والامنية والانتاجية، النظام العنصري السابق في جنوب افريقيا. ولا يمكن التقليل من الاهمية الاستثنائية التي اتسمت بها علاقات التعاون العسكري بين بريتوريا وتل أبيب بالنسبة إلى الجانبين على حد سواء، بل ان تلك العلاقات شكلت المثال الأوضح خلال السبعينات والثمانينات على الطريقة التي يمكن فيها لدول معينة الالتفاف على جميع قوانين المقاطعة والحظر التي يمكن ان تفرض عليها من جانب المجموعة الدولية، والمضي قدماً في تنفيذ ما تشاء من برامج تسلح وتعزيز لقدراتها العسكرية والصناعية، بما في ذلك على الصعيد النووي وفي مجالات التكنولوجيا المتطورة، من دون اي عوائق حقيقية. وتعود جذور التعاون بين البلدين إلى مطلع السبعينات حين زودت اسرائيل جنوب افريقيا دبابات بريطانية الصنع من طراز "سنتوريون" كانت تعمل لدى الجيش الاسرائيلي، ثم ساعدتها على تطوير هذه الدبابات وادخال تعديلات عليها تشابه تلك التي ادخلت على دبابات "سنتوريون" الاسرائيلية التي يطلق عليها الاسرائيليون اسم "بن غوريون"، بما في ذلك تسليحها بمدافع اكثر قوة من طراز "ل - 7" عيار 105 ملم، توصلاً إلى الطراز المعروف باسم "اوليفانت" الذي يستخدم جيش جنوب افريقيا 250 دبابة منه تشكل عماد وحداته المدرعة حالياً. وتوالت بعد ذلك برامج التعاون بين البلدين، فعملت الصناعات العسكرية في جنوب افريقيا على انتاج 9 زوارق هجومية صاروخية من فئة "ريشيف" الاسرائيلية واطلقت عليها اسم "مينيستر"، كما انتجت تسليح هذه الزوارق المتمثل بصواريخ "غابرئيل" المضادة للسفن، واطلقت عليها اسم "سكوربيون"، إلى جانب تزويد القوات البحرية لجنوب افريقيا 3 زوارق دورية اسرائيلية الصنع من فئة "دبور". واعتمدت جنوب افريقيا ايضاً على الدعم الاسرائيلي لتطوير مدافع الميدان "جي - 5" عيار 155 ملم وطرازها الذاتي الحركة "جي - 6"، التي استندت في انتاجها على تصميم المدفع الاسرائيلي "سولتام م - 71". واعتمدت على تصاميم الصاروخ جو - جو الاسرائيلي "شفرير" لتطوير الصاروخ "كوكري"، وعلى تصاميم الصاروخ جو - جو الاحدث "بايثون" لتطوير صاروخها الجديد "دارتر". وانطبق الامر ذاته على الصاروخ المضاد للدروع "سويفت" الذي اعتمد فيه على تصميم الصاروخ الاسرائيلي "ماباتس". وحصلت قوات جنوب افريقيا من اسرائيل على عربات مدرعة من طراز "رام" وطائرات هليكوبتر استغنى عنها سلاح الجو الاسرائيلي من طراز "بل - 205"، إلى جانب طائرات رصد واستطلاع من دون طيار من طراز "سكاوت" يتم انتاجها في جنوب افريقيا حالياً تحت اسم "سيكر". واعتباراً من اواخر الثمانينات، بدأت الصناعات الجوية في جنوب افريقيا العمل على برنامج لتحويل مقاتلات "ميراج - 3" الموجودة لديها إلى مقاتلات جديدة تحمل اسم "تشيتا"، وهي عملياً نسخة عن المقاتلة الاسرائيلية "كفير"، حيث تشكل 24 مقاتلة من هذا الطراز حالياً جزءاً رئيسياً من السلاح الجوي لجنوب افريقيا الذي حصل ايضاً من الصناعات الجوية الاسرائيلية على 4 طائرات "بوينغ - 707" تم تحويلها إلى مهمات الرصد والاستطلاع والتنصت الالكتروني والتموين الجوي بالوقود، في حين يعتمد التسليح الفردي لقوات جنوب افريقيا اساساً على بنادق "جليل" ورشيشات "عوزي" الاسرائيلية التي يتم انتاجها بدورها في جنوب افريقيا بموجب ترخيص اسرائيلي. لكن الاهم من ذلك كله كان التعاون الوثيق الذي جمع البلدين في مجال تطوير الاسلحة النووية وانتاجها. ومع ان المعلومات المتوافرة عن هذا الموضوع ليست كثيرة، وهي في معظمها من مصادر دولية غير رسمية، فإن من شبه المتفق عليه ان اسرائيل وجنوب افريقيا تعاونتا منذ السبعينات على انتاج رؤوس نووية واختبارها في جنوب المحيط الهندي انطلاقاً من اراضي جنوب افريقيا على متن صواريخ من طرازي "جريكو - 2" أريحا - 2 الذي يصل مداه إلى 650 كلم، و "جريكو - 3" أريحا - 3 الذي يصل مداه إلى 1500 كلم. وليس من المستبعد ان تكون هذه الصواريخ ورؤوسها النووية حالياً عماد قوات الردع الاستراتيجي النووي لكل من اسرائيل وجنوب افريقيا، وهي القوات التي يكاد يكون هناك اجتماع دولي على وجودها على رغم حرص الدولتين على عدم الاعلان عن ذلك رسمياً. وليس واضحاً تماماً بعد ماذا سيكون عليه مصير هذا التعاون العسكري الوثيق بين جنوب افريقيا واسرائيل في مرحلة ما بعد نظام التفرقة العنصرية وقيام الحكم الديموقراطي في بريتوريا بزعامة الرئيس نلسون مانديلا، لكن جميع المؤشرات المتوافرة حتى الآن تدل إلى اهتمام الجانبين على حد سواء باستمراره وتعزيزه مستقبلاً. أوروبا وحلف شمال الأطلسي قد لا يكون من المبالغة القول ان اسرائيل اعتبرت منذ زمن بعيد بمثابة شريك غير معلن في حلف شمال الاطلسي ناتو، "خصوصاً في خضم الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي، حيث نظر الكثيرون من المحللين العسكريين والاستراتيجيين في الغرب إلى الحروب العربية - الاسرائيلية كنوع من الامتداد المنطقي للمواجهة التي كانت دائرة آنئذ بين المعسكرين المذكورين. واذا كانت تلك النظرة، التي يُشارك فيها تاريخياً الكثير من الدول الاوروبية الغربية، إلى جانب الولايات المتحدة الاميركية طبعاً، ساهمت في تعزيز الوضع المتميز الذي تمتعت به اسرائيل في كل ما كان يتعلق بمصالحها الدفاعية والامنية، وفي تمكينها من الحصول على حاجاتها التسليحية من دون أدنى عائق على مدى عقود عدة بما في ذلك تزويد القوات الاسرائيلية اسلحة ومعدات اميركية كانت الولايات المتحدة تمنعها حتى عن حليفاتها الاوروبيات في ناتو، فإنها ساهمت، في المقابل ايضاً، في تسهيل دخول اسرائيل إلى اسواق الدول الغربية والاطلسية وبيع منتجاتها العسكرية والسياسية والتجارية. وقد يكون من الامثلة الواضحة على طريقة التعامل المميزة هذه قرار حلف "الناتو" في السبعينات والثمانينات اعتماد قذيفة مدفع دبابات من عيار 105 ملم. كانت اسرائيل طورتها وانتجتها محلياً، كأساس لتسليح الوحدات المدرعة في قوات الحلف، حيث تمكن الاسرائيليون من بيع مئات الآلاف من تلك القذائف الخارقة للدروع إلى جيوش كل من الولايات المتحدةوالمانيا وايطاليا وهولندا وبلجيكا والنروج واسبانياوكندا والدنمارك واليونان وتركيا. لكن التعاون التسليحي بين اسرائيل وهذه الدول لم يظل مقتصراً على ذلك، اذ اشترت بلجيكا من اسرائيل في الثمانينات انظمة رادارية والكترونية ومعدات رؤية واتصال، وتبعتها كندا التي حصلت على معدات مماثلة، وكذلك هولندا التي ابتاعت ايضاً بنادق آلية اسرائيلية من طراز "جليل" ورشيشات من طراز "عوزي". اما المانيا فحصلت على 3 طائرات نقل وارتباط نفاثة من طراز "وست ويند"، وطائرات استطلاع من دون طيار من طراز "سكاوت"، وزودت قواتها الخاصة رشيشات "عوزي". وحصلت سويسرا بدورها على هذه الرشيشات، وعلى طائرات "سكاوت"، واشترت من اسرائيل حقوق انتاج قذائف الدبابات من عيار 105 ملم وقذائف مدفعية الميدان من عيار 155 ملم بموجب ترخيص، إلى جانب معدات الكترونية ميدانية متنوعة. وتعاقدت اسبانيا مع مؤسسة الصناعات الجوية الاسرائيلية لتحويل طائرتي نقل من طراز "بوينغ - 707" إلى مهمات الرصد والاستطلاع والتنصت الالكتروني، و3 طائرات اخرى من الطراز نفسه إلى مهمات التموين الجوي بالوقود، واشتركت مع اسرائيل في برنامج تعاون لتحديث دبابات "م - 47 باتون" العاملة لدى الجيش الاسباني عن طريق تزويدها مدافع اسرائيلية من عيار 105 ملم مع ذخائرها وأنظمة تهديف وقيادة ورؤية ليلية من صنع اسرائيلي. واتفقت تركيا اخيراً مع اسرائيل على تحديث 54 طائرة مقاتلة اميركية من طراز "ف - 4 فانتوم" تعمل لدى سلاح الجو التركي، وتزويدها معدات ادارية رادارية والكترونية وملاحية اسرائيلية الصنع لتحويلها إلى الطراز الذي طورته اسرائيل محلياً من هذه المقاتلة ويعرف باسم "فانتوم - 2000" بكلفة تقدر بنحو 580 مليون دولار. كما قررت تزويد طائراتها المقاتلة صواريخ جو - أرض اسرائيلية بعيدة المدى من طراز "بوبآي" في صفقة اخرى قدرت قيمتها بنحو 100 مليون دولار. واختارت فرنسا الطائرة الاسرائيلية من دون طيار "هنتر" المعدة لمهمات الاستطلاع وقررت انتاجها محلياً بموجب ترخيص لتزويد قواتها بها، بينما تأمل اسرائيل في الفوز بصفقة مهمة مع بريطانيا لتزويد قواتها الجوية طرازاً معدلاً من الصاروخ جو - أرض "بوبآي" الذي يصل مداه إلى 80 كلم، على ان يتم انتاجه في بريطانيا بترخيص اسرائيلي لتوفير حاجة سلاح الجو الملكي البريطاني إلى قدرة هجومية صاروخية بعيدة المدى اعتباراً من مطلع القرن المقبل. أوروبا الشرقية والكتلة الاشتراكية سابقاً اذا كانت علاقات اسرائيل تميزت تقليدياً بمتانتها مع دول اوروبا الغربية والحلف الاطلسي فإن انهيار الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو فتح امامها الآن المجال واسعاً في اتجاه دول اوروبا الشرقية، وغيرها من الدول التي كانت حتى الماضي القريب تنطلق في علاقاتها مع الدولة العبرية من منطلقات الخصومة، بل والعداوة احياناً. والواقع ان الاسرائيليين لم يوفورا وقتاً او جهداً في المسارعة إلى الانفتاح على هذه الدول وأنظمة الحكم الجديدة فيها. بل ان التصميم الاسرائيلي كان جلياً منذ البداية على محاولة اختراق هذه الاسواق واقامة اوثق العلاقات معها وبالذات في المجال العسكري والانتاجي المشترك. والواضح ان ثمار هذا التوجه الاسرائيلي بدأت بالظهور، اذ فازت الصناعات الاسرائيلية اخيراً بعقد مع رومانيا بلغت قيمته حوالى 450 مليون دولار لتحديث 100 مقاتلة سوفياتية الصنع من طراز "ميغ - 21" تعمل حالياً لدى سلاح الجو الروماني، وتزويدها انظمة رادارية والكترونية وملاحية جديدة وصواريخ جو - جو من طراز "بايثون"، بينما اطلق عليه اسم "ميغ - 21/ 2000". وتحاول اسرائيل ايضاً اقناع دول اوروبية شرقية اخرى بتنفيذ برامج تحديث مماثلة لمقاتلاتها السوفياتية، من طرازي "ميغ - 21" و "ميغ - 23"، بما فيها المجر التي يبدو انها اقتربت من الاتفاق مع اسرائيل على عقد كهذا، والجمهورية التشيكية التي توصلت فعلاً الى اتفاق تقوم بموجبه الصناعات الجوية الاسرائيلية بالمشاركة في تطوير طائرة التدريب والمساندة النفاثة "ل - 59 الباتروس" التي يتم انتاجها في تشيكيا حالياً وتزويدها انظمة متنوعة من صنع اسرائيلي، ومن ثم تسويقها في العالم بشكل مشترك بين الجانبين، إلى جانب احتمالات التوصل إلى اتفاق لتحديث مقاتلات "ميغ - 21" و "ميغ - 23" التشيكية. وتبرز من بين الاقطار الناشئة حديثاً عما كان يعرف بالكتلة الاشتراكية سابقاً، والتي نجح الاسرائيليون خلال الفترة الماضية في اقامة علاقات تعاون عسكري وتسليحي معها حتى الآن، كل من سلوفينيا التي انشقت عن يوغوسلافيا، والتي تدرس حالياً امكان شراء 12 طائرة مقاتلة اسرائيلية الصنع من طراز "كفير"، وسط معلومات عن احتمال قيامها بتلزيم مهمة بناء قواتها المسلحة وتجهيزها بشكل كامل تقريباً لاسرائيل. كما تفيد معلومات غير مؤكدة ان كرواتيا تمكنت من الحصول على كميات لا يستهان بها من الاسلحة والمعدات السوفياتية الصنع عن طريق اسرائيل، وعبر اطراف ثالثة في معظم الاحيان، في الوقت الذي تشير فيه معلومات مماثلة إلى قيام اسرائيل بدعم القوات الحكومية في جورجيا في الصراع الاهلي الدائر هناك بين الرئيس ادوارد شيفاردنادزه وخصومه. وأيضاً على صعيد برامج تحديث الاسلحة السوفياتية العاملة في العالم حالياً، تبرز في صورة خاصة المحاولات الاسرائيلية المتكررة لقيام تعاون عسكري مع الهند، التي لم يسبق ان قبلت في الماضي الدخول في تعاون من هذا القبيل مع الدولة العبرية. اذ تتنافس الصناعات الجوية الاسرائيلية والروسية حالياً على الفوز بصفقة ضخمة تعتزم الهند عقدها لتنفيذ برنامج شامل يهدف إلى تحديث ترسانتها من المقاتلات السوفياتية الاصل من طراز "ميغ - 21" و "ميغ - 23" و "ميغ - 27"، بقيمة اجمالية تزيد على بليون دولار. ومع ان الجانب الهندي لا يزال يحرص حتى الآن على نفي ان يكون لديه اي توجه نحو منح اسرائيل هذه الصفقة، وهو ما يؤكده ايضاً الجانب الروسي الذي يصر على الفوز فيها، فإن مصادر الصناعات الجدية الاسرائيلية لا تزال تعرب عن أملها في امكان فوزها بها، الامر الذي سيشكل في حال حدوثه سابقة مهمة على صعيد توسيع شبكة علاقات التعاون العسكري والانتاجي بين اسرائيل والعالم. الولايات المتحدة اذا كانت الولايات المتحدة شكلت على مدى اكثر من ربع قرن المصدر الرئيسي لتزويد اسرائيل حاجاتها التسليحية كافة ومن دون اي انقطاع او تردد، فإن التعاون الوثيق، بل والعضوي، بين الجانبين في مجالات التسلح والامن والتكنولوجيا والأبحاث والتطوير والانتاج وتبادل الخبرات والمعلومات لم يكن من جانب واحد، بل انه تضمن في مناسبات عدة حصول القوات الاميركية في المقابل على انواع من الاسلحة والمعدات الاسرائيلية الصنع. فالقوات الاميركية الخاصة تستخدم منذ سنوات رشيشات "عوزي" الاسرائيلية كتسليح فردي رئيسي لعناصرها، وهي حصلت ايضاً على بنادق "جليل" بطرازيها الاقتحامي والقناص. واعتمد الجيش الاميركي منذ الثمانينات مدافع الهاون الاسرائيلية من عيار 120 ملم كسلاح ميداني، وكذلك القواذف الصاروخية المضادة للدروع "ب - 300" عيار 82 ملم التي حلت في صفوفه مكان قواذف "البازوكا" الاميركية الشهيرة. ويستخدم سلاح الجو الاميركي صواريخ جو - أرض اسرائيلية الصنع من طراز "بوبآي"، اطلقت عليها اسم "أ. جي. م - 142"، وكانت من بين الاسلحة التي اطلقت على نطاق واسع في حرب الخليج من المقاتلات والقاذفات الاميركية على اهداف عراقية ذات طابع استراتيجي. كما سبق للولايات المتحدة ان "استأجرت" من اسرائيل خلال الثمانينات 24 طائرة مقاتلة من طراز "كفير" لتدريب الطيارين الاميركيين على خوض المعارك الجوية ضد المقاتلات السوفياتية الصنع، وخصوصاً مقاتلات "ميغ - 23" التي يفترض انها تتشابه إلى حد كبير في قدراتها وخصائصها القتالية مع الطائرة الاسرائيلية. والى جانب مجموعة كبيرة من انظمة الرصد والاستطلاع ومعدات الرؤية والتهديف وأجهزة الاتصال، وغيرها من المعدات الالكترونية التي حصلت عليها القوات المسلحة الاميركية من اسرائيل، فإن الجانب الاكثر اهمية على الاطلاق من جوانب التعاون العسكري المشترك بين البلدين حالياً هو برنامج تطوير نظام الدفاع الصاروخي المضاد للصواريخ "هتز" السهم، او "أرو" كما يطلق عليه بالانكليزية. ويهدف هذا البرنامج، الذي قارب الآن على مراحل تطويره النهائية تمهيداً للبدء في انتاجه فعلياً، إلى تزويد القوات الاميركية والاسرائيلية بالقدرة على مقاومة الصواريخ الباليستية التكتيكية مثل صواريخ "سكاد" وغيرها اعتباراً من اواخر العقد الحالي ومطلع القرن المقبل. وكان العمل عليه بدأ في اسرائيل في اواخر الثمانينات، ثم انضمت الولايات المتحدة إلى الجهود الهادفة إلى تنفيذه على اثر توقيع الجانبين اتفاقاً في هذا الصدد عام 1990 نص على ان تتولى الخزينة الاميركية تمويل تكاليفه التي تصل إلى حوالى 2 بليون دولار في مراحل تطويره واختباره، والى حوالى 3 - 4 بلايين دولار لانتاجه ونشره عملياً في الوحدات العسكرية الاميركية والاسرائيلية. ويتوقع الآن ان يبدأ العمل على انتاج هذا النظام في غضون العامين المقبلين، على ان يدخل الخدمة الفعلية في اواخر التسعينات ليصبح عندئذ اول نظام صاروخي في العالم معداً من الاساس لمهمات مقاومة الصواريخ الباليستية التكتيكية، ولتكون القوات المسلحة الاميركية والاسرائيلية بالتالي مالكة لهذه القدرة بشكل عملي اعتباراً من عام 2000. وذلك في الوقت الذي يتعاون فيه الجانبان ايضاً على تطوير نظام "نوتيلوس" المضاد لقذائف "الكاتيوشا" الصاروخية، والذي يعمل بأشعة "ليزر" على امل وضعه في الخدمة بدوره اعتباراً من اواخر هذا العقد او مطلع القرن المقبل.