عندما انتهت حرب الخليج في شباط فبراير 1991، ساد انطباع ان نتائجها وأوجه التفوق المطلق للقوات المتحالفة كانت كفيلة بتدمير القوة العسكرية العراقية والقضاء على ما تشكله من تهديدات في المنطقة... ولكن سرعان ما تبين ان هذا الانطباع لم يكن في محله تماماً. صحيح ان بغداد تلقت هزيمة قاسية وان آلتها العسكرية التي كانت بين الافضل تجهيزاً والاضخم حجماً في المنطقة خرجت في وضع أضعف بكثير مما كانت ولكن تبين لاحقاً ان هذه الآلة لا تزال على قدر من الضخامة، وان مقدرتها على التحرك لم تنته. وبالتالي، لم يكن مستغرباً ان تتحول مسألة تقديرها وتقويم الدولي وللامم المتحدة ومراقبيها المكلفين مهمة التحقق من التزام العراق تنفيذ القرارات الدولية الخاصة بقواته وترساناته خصوصاً في مجال اسلحة الدمار الشامل. ولا تزال هذه المسألة تشكل محور الاهتمام في ما يتعلق بأوضاع النظام العراقي وقدرته على البقاء. فالتطورات منذ خروج الفريق حسين كامل حسن المجيد صهر الرئيس العراقي. والذي كان المسؤول الاول في برامج التسلح والانتاج الحربي، وكشفه ان النظام كان يعد لغزو جديد للكويت والسعودية، ومسارعة بغداد الى اعلان استعدادها لتزويد الاممالمتحدة معلومات عن برامج التسلح خصوصاً على صعيد الصواريخ والذخائر الكيماوية والبيولوجية وجهود التطوير النووية ... كانت كلها عناصر ساهمت في بعث الحديث عن القوة العسكرية العراقية وأوضاعها الحالية. لعل الخطوة الاولى في اي محاولة لتقويم القوة العسكرية العراقية وقدراتها هي التمييز بين القوات التقليدية بفروعها البرية والجوية والبحرية من جهة، والمجالات غير التقليدية، اي كل ما له علاقة بأسلحة الدمار الشامل من جهة ثانية. ولا شك في ان اسلحة الدمار الشامل وبرامج العراق في هذا المجال كانت الجانب الاكثر خطورة وتهديداً. ولكن يمكن القول الآن ان القدرات العراقية في هذا المضمار تضاءلت الى حد يسمح باعتبارها منتهية عملياً. وهذا ما اكده قبل ايام رئيس فريق المراقبين الدوليين رولف اكيوس اثر زيارته لبغداد بعد لجوء الفريق المجيد وشقيقه الى الأردن. وفيما شدد اكيوس على ان بغداد لم تسلم حتى الآن "كل المعلومات والوثائق" المطلوبة في مجال اسلحة الدمار الشامل، فانه اعرب في المقابل عن ارتياحه النسبي الى "التغير الملحوظ" الذي ميز طريقة التعامل العراقية مع مهمته هذه المرة بالمقارنة مع المرات السابقة نظراً الى المماطلة التي كانت بغداد تعتمدها حيال تزويده المعلومات التي يريدها. تمكن اكيوس في زيارته الاخيرة لبغداد من الحصول على كميات من الوثائق التي وصف بعضها بأنه "على قدر استثنائي من الاهمية"، ويكشف جوانب تتعلق بالمستوى الذي بلغته جهود العراق الكيماوية والبيولوجية والنووية قبل غزو الكويت، ومصير البرامج والجهود بعد الحرب، ومدى استجابة بغداد الشروط الدولية لوقف كل برامجها. واعتبر ان كشف العراق مزيداً من الوثائق والمعلومات وتعهده المضي قدماً في التعاون مع المحققين الدوليين "لا بد من ان يقربا فرصة رفع العقوبات او تخفيفها". لكن الجانب الاكثر أهمية في "اكتشافات" اكيوس لا يتعلق بالوضع الحالي للبرامج العراقية، بقدر ما يحيط بالمستويات التي كانت البرامج بلغتها بين نهاية حرب الخليج الاولى وغزو الكويت وصولا الى المرحلة التي تلت تحرير الكويت مباشرة. اذ بات هناك ما يشبه الاجماع انها كانت اكثر تقدماً وتكاملاً مما كان يعتقد. واستناداً الى المعلومات المتوافرة لدى خبراء الاممالمتحدة والاجهزة الاميركية والاطلسية المعنية فان اوضاع عناصر اسلحة الدمار الشامل وبرامج بغداد على هذا الصعيد حاليا تتلخص كالآتي: الاسلحة الكيماوية تمكن العراق خلال الثمانينات من انشاء صناعة كيماوية متكاملة، ونجح في انتاج الرؤوس الحربية المخصصة لحمل الذخائر الكيماوية وتركيبها على وسائل ايصال متنوعة اشتملت على الصواريخ أرض - أرض الباليستية القصيرة المدى، مثل "فروغ - 7" لونا الذي يصل مداه الى 70 كلم، والصواريخ المتوسطة المدى مثل "سكاد" الذي يصل مداه الى 300 وكذلك نماذجه المعدلة محلياً، مثل "الحسين" مداه 650 كلم، و"العباس" مداه 850 كلم. ونجح ايضاً في انتاج ذخائر كيماوية مخصصة للاطلاق من مدافع الميدان والهاوتزر وراجمات الصواريخ الميدانية، الى جانب الذخائر الكيماوية المعدة للالقاء من الطائرات. والواقع ان البرامج العراقية في المجال الكيماوي كانت معروفة جيداً للعالم الخارجي، لأسباب عدة اهمها عدم تردد بغداد في استخدام ذخائرها الكيماوية خلال الحرب مع ايران والعمليات ضد الاكراد في كردستان. وتقول مصادر دفاعية دولية ان الترسانة الكيماوية العراقية التي اشتملت على ما لا يقل عن 30 ألف طن من المواد الغازية والسائلة السامة، بما في ذلك غاز الخردل، والخردل الفوسفوري، والكبريتي، وغازات الاعصاب، مثل "السارين" و"التابون" و"السومان" وغاز "الهيدروجين - سبانيد"، دمرت كلها باشراف فرق التحقق الدولية. وتضاءلت قدرة بغداد على استئناف انتاج هذه الذخائر محلياً الى ما يقارب الصفر بسبب الرقابة المشددة المفروضة على توريد المواد الكيماوية الاولية التي تحتاج اليها. لكن المصادر تشدد على ان البنية التحتية الصناعية اللازمة لانتاج ذخائر من هذا النوع لا تزال موجودة، اذا توافرت المواد الاولية اللازمة. الذخائر البيولوجية ربما كانت المفاجأة ما كشفته البرامج العراقية لتطوير الاسلحة البيولوجية الجرثومية وانتاجها ونشرها. فبعدما كان الاعتقاد لسنوات انها لم تتجاوز مراحل البحث والاختبار، واحتمال انتاج كميات صغيرة من هذه الذخائر لأغراض تجريبية، تبين الآن ان هذه البرامج كانت اكثر تطوراً وتكاملاً. واستناداً الى المعلومات المتوافرة للدوائر الدولية المعنية، فان البرنامج البيولوجي العراقي كان وصل الي المستوي الذي كان بلغه نظيره الكيماوي. اذ نجحت بغداد فعلاً في انتاج كميات كبيرة من المواد الجرثومية اشتملت على نحو 500 ألف ليتر 130 ألف غالون من مادة "البوتوليمن" الشديدة السمومة، و50 الف ليتر 13 الف غالون من مادة "الجمرة الخبيثة" انتراكس، وهي احدى اشد انواع البكتيريا المسببة للأوبئة خطورة وفتكاً. ليس هذا فحسب، بل نجح العراقيون ايضاً في انتاج الرؤوس الحربية القادرة على حمل هذه الذخائر واطلاقها بما في ذلك الرؤوس الصاروخية وقذائف المدفعية وقنابل الطائرات. لكن اياً منها لم يستخدم لأسباب يبدو انها كانت مشابهة لتلك التي حالت دون استخدام الذخائر الكيماوية خلال حرب تحرير الكويت، اي الخوف من احتمالات خلال حرب تحرير الكويت، اي الخوف من احتمالات الرد عليها نووياً. ولا يزال المحققون الدوليون يعربون عن "عدم الاقتناع تماماً" بأن بغداد عمدت فعلاً الى تدمير كل عناصر برنامجها التسليحي البيولوجي، علي رغم تأكيداتها. وتعتبر هذه النقطة احدى اهم المسائل العالقة حالياً في السجال بين الطرفين. اذ تصر الاممالمتحدة على ضرورة توفير المزيد من الادلة على ان العراق لم يعد يحتفظ بأي عنصر من عناصر ترسانته البيولوجية وأوقف كل برامج تطويرها وانتاجها. البرامج النووية كان معروفاً منذ أوائل الثمانينات ان العراق يبذل جهوداً لتصوير اسلحة نووية، ما دفع اسرائيل عام 1981 الى شن غارة على مفاعل "أزويراك" تموز بالقرب من بغداد وتعطيله وتأخير البرنامج النووي لسنوات على الاقل. الا ان هذا الجهود ظلت مرحلة متقدمة على طريق تفجير اول "جهاز نووي" عراقي، علماً بأن ذلك لا يعني في الضرورة ان بغداد كانت على وشك امتلاك اسلحة نووية عاملة فعلاً. وتستبعد المصادر الدولية صحة المعلومات التي شاعت على لسان الفريق حسين كامل بعد لجوئه الى عمان وغيره ومفادها ان العراق كان يستعد لاجراء اول تفجير اختباري نووي قبل ثلاثة اشهر من غزو الكويت. لكنها لا تستبعد في المقابل ان تكون الجهود بلغت آنئذ مرحلة ربما مكنت هذا البلد من التوصل الى تفجير اختباري في غضون عام. ما يعني انه كان سيتمكن نظرياً من انتاج "قنبلة نووية عاملة" خلال فترة تتراوح بين 3 و5 سنوات. وتعرب هذه المصادر حالياً عن اعتقادها بأن البرنامج النووي العراقي "لم يتوقف تماماً، لكنه اصبح ابعد بكثير من بلوغ اهدافه" بفعل التدمير الذي لحق بمنشآته خلال حرب الخليج، وتشديد الرقابة. وتقول انه يقتصر حالياً على "اعمال بحث واختبار على مستوى مخفوض وعلى نحو لا ينذر باحتمال التوصل الى انتاج اسلحة نووية فعلية قبل سنوات عدة على الأقل. وسائط الايصال ركز العراقيون خلال الثمانينات على انشاء قاعدة صناعية عسكرية عكست الى حد بعيد دروس حربهم مع ايران، خصوصاً من حيث الاهتمام الاستثنائي بتصوير الصواريخ الباليستية أرض - أرض وانتاجها محلياً مع منصات الاطلاق الثابتة والمتحركة. وكان واضحاً ان الهدف هو الحصول على قدرة هجومية على مسافات متوسطة وبعيدة لم تكن متوافرة للقوات العراقية قبل ذلك، وكان يصعب توفيرها بوسائل العمل العسكري المتاحة للعراق في ذلك الوقت مثل القوة الجوية وغيرها. من هنا كان التركيز على بناء قوة الصواريخ التي قامت في بادئ الامر على صواريخ "سكاد" السوفياتية الصنع، ثم اشتملت على طرازات معدلة محلياً كان اهمها "الحسين" و"العباس". بينما كانت "سكاد" معدة لحمل رأس حربي بوزن 1000 كلغ حتى مسافة 300 كلم، فان صواريخ "الحسين" زادت هذا المدى حتى مسافة 650 كلم على حساب وزن الرأس الحربي الذي انخفض الى 500 كلغ. اما صواريخ "العباس" فكان الهدف منها الوصول الى مسافة 850 كلم بوزن حربي يبلغ 300 كلغ. وفي تلك الاثناء، كانت بغداد تخطط ايضاً لاستكمال بناء قدراتها الهجومية الصاروخية عن طريق تطوير صاروخ جديد اطلق عليه اسم "العابد"، وكان الهدف منه الوصول الى مسافة 1500 كلم برأس حربي وزنه 500 كلغ. وكان بين ابرز الجهود في المجال نفسه برنامج كان يفترض ان ينفذ بالتعاون مع مصر والارجنتين لانتاج صاروخ يعرف باسم "بدر" كوندور يصل مداه الي 1000 كلم بحمولة 1000 كلغ، الى جانب البرنامج الآخر الذي كان يهدف الى تطوير ما عرف ب"المدفع العملاق" القادر على اطلاق قذيفة صاوخية من عيار 1000 ملم بوزن 600 كلغ حتى مسافة 1200 كلم. لكن التطورات بين نهاية الحرب مع ايران عام 1988 وغزو الكويت صيف 1990 حالت دون تحقيق الكثير من هذه الطموحات. فقصة "المدفع العملاق" الذي صممه لحساب بغداد في الثمانينات العالم الكندي الأصل جيرالد بول قبل اغتياله على يد الاستخبارات الاسرائيلية حسبما اشيع في حينه، باتت معروفة. اذ توقف العمل على تصوير هذا المدفع قبل اختباره، ودمر النموذج الوحيد الذي كان بني منه باشراف المحققين الدوليين اثر حرب الخليج. اما برنامج "بدر" فلم يكتمل بعد انسحاب الارجنتين ثم مصر قبيل غزو الكويت نتيجة تصاعد الضجة السياسية والاعلامية الدولية في تلك الفترة حول جهود العراق التسليحية وانطبق الامر نفسه على برنامج الصاروخ "العابد" الذي توق العمل عليه بفعل الظروف الناجمة عن حرب الخليج. وعند اندلاع تلك الحرب، كانت الترسانة العراقية من وسائل الايصال المعدة او القادرة على حمل رؤوس وذخائر ذات طبيعة تدميرية شاملة تشتمل على قوة الصواريخ الباليستية أرض - أرض من طراز "سكاد" و"الحسين" و"العباس"، الى جانب المقاتلات والقاذفات الهجومية وأبرزها قاذفات "توبوليف - 16" و"توبوليف - 22" الاستراتيجية الثقيلة، ومقاتلات "سوخوي - 24" الهجومية الاستراتيجية. هذا على المستوى الاستراتيجي، اما على المستوى التكتيكي فكانت تلك الترسانة تشتمل على صواريخ "فروغ - 7" لونا، وراجمات الصواريخ الميدانية ومدافع الميدان والهاوترز، والمقاتلات القاذفة من طراز "ميغ - 27" و"سوخوي - 22" و"سوخوي - 25" و"ميراج ف - 1". وخلال عمليات حرب تحرير الكويت، تمكن العراق من اطلاق نحو 80 صاروخاً من طراز "سكاد" و"الحسين" و"العباس" على اهداف في المملكة العربية السعودية واسرائيل. ونجحت صواريخ "باتريوت" في اسقاط عدد منها علماً بأن فاعلية هذه الصواريخ لم تكن على النحو الذي تبادر للوهلة الاولى، وهو واقع لم يكشف الا بعد انتهاء الحرب. ويعود الفضل في بقاء الاضرار والخسائر الناجمة عن هذه الهجمات الصاروخية في اطار محدود جداً الى امتناع بغداد عن تزويد الصواريخ ذخائر دمار شامل فضلا عن انخفاض مستوى دقتها في اصابة اهدافها بحكم طبيعتها اصلاً. وعند انتهاء الحرب كان شرط تدمير العراق ترسانته من الصواريخ أرض - أرض التي يزيد مداها على 150 كلم في مقدم البنود الدولية المفروضة عليه في اطار الاتفاق الذي ادى الى وقف اطلاق النار. وتقدر المصادر الدفاعية الدولية انه من اصل نحو 800 صاروخ كان العراق يملكها قبل حرب الخليج من طراز "سكاد" و"الحسين" و"العباس" مع حوالي 100 منصة لاطلاقها معظمها متحرك، فانه لا يزال يملك حالياً نحو 200 صاروخ وما يقارب 30 منصة اطلاق متحركة. ويشكل هذا المجموع الصواريخ والمنصات التي لم تتمكن فرق الخبراء الدوليين من التحقق من تدميرها حتى الآن، وهي تشكل نقطة سجال اساسية في الوقت الحاضر مع بغداد. وباتت الدوائر الدفاعية والأمنية الدولية باتت عموماً مقتنعة بأن العراق فقد منذ حرب الخليج ما يراوح بين 75 و85 في المئة من مجمل طاقته في مجال اسلحة الدمار الشامل وذخائرها ووسائط ايصالها، بالمقارنة مع ما كانت قبل الحرب. لكنها ترى انه لا يزال من الضروري ازالة كل العناصر الباقية من القدرة العراقية في هذا المجال، سواء في ما يتعلق بجهود البحث والتطوير والانتاج او على صعيد امكانات النشر والاستخدام، قبل التفكير في انهاء العقوبات المفروضة على بغداد او حتى تخفيفها. القوة العراقية التقليدية دخل العراق حرب الخليج وهو يمتلك قوات مسلحة كانت تعد من بين الافضل تجهيزاً، الى جانب كونها الاضخم في الشرق الأوسط. وكان تمكن من بناء هذه الآلة خلال سنوات حربه الطويلة مع ايران في الثمانينات، معتمداً على الدروس العملياتية التي افرزتها الحرب، ومستفيداً من مداخيل ثروته النفطية والمساعدات المادية الهائلة التي حصلت عليها من دول الخليج العربية، اضافة الى شبكة واسعة من العلاقات والتحالفات مع دول وشركات عالمية. وانشاء قاعدة تصنيعية عسكرية واسعة كانت قادرة على تزويده حاجات تسليحية يصعب ان يستحيل الحصول عليها من الخارج. وكان من نتائج هذه الجهود ان حصلت القوات العراقية على معدات متطورة من مصادر دولية شتى، من الاتحاد السوفياتي وغيره من دول الكتلة الاشتراكية، الى فرنسا وايطاليا والنمسا وسويسرا واسبانيا، فالصين والكوريتين الشمالية والجنوبية والبرازيل والارجنتين وتشيلي ... وصولاً الى جنوب افريقيا. واشتمل هذا التسلح على جوانب كانت تعتبر حتى ذلك الوقت حكراً على جيوش الدول الكبرى مثل الذخائر الموجهة بدقة، وذخائر المدفعية المقذوفة صاروخياً، وطائرات الرصد الاستراتيجي المبكر، وطائرات التموين الجوي بالوقود، فضلاً عن الجوانب المتعلقة بأسلة الدمار الشامل والصواريخ الباليستية التي سبق ذكرها. القوات العراقية قبل حرب الخليج والمعلومات التي كانت توافرت للمراجع العسكرية العالمية عن القوة العسكرية العراقية، اشارت الى مدى الضخامة التي وصلت اليها تلك القوة. ففي تقرير رسمي رفعه الى الكونغرس رئيس هيئة الاركان العسكرية الاميركية في ذلك الوقت الجنوال كولين باول، قدرت وزارة الدفاع الاميركية حجم القوات العراقية عشية حرب الخليج بما يقارب مليون جندي موزعين على نحو 60 فرقة في 7 فيالق. راجع الجدول الرقم 1 وكما كانت الحال بالنسبة الى القدرات العراقية في مجال الصواريخ أرض - أرض وذخائر الدمار الشامل وبرامج تطويرها، ساد اعتقاد اثر حرب الخليج مباشرة ان القوات العراقية التقليدية تلقت بدورها ما يكفي من الضربات لتعطيلها وشلها. لكن ذلك لم يكن في محله اذ تبين ان هذه القوات ظلت تحتفظ بمستوى لا يستهان به من عناصرها. ولم يكن ذلك ناجماً عن حقيقة ان اهداف التحالف الاستراتيجية والعسكرية لم تتضمن اصلاً القضاء على القوة العراقية العسكرية بشكل كامل فحسب، بل بسبب حرص النظام في بغداد على الاحتفاظ عناصر معينة من قواته المسلحة، وتجنب الزج بها في اي مواجهات مع القوات المتحالفة التفوقة عدة وعدداً. وهو ما ظهر بالنسبة الى وحدات الحرس الجمهوري التي سارع النظام الى سحبها من مسرح العمليات قبل اندلاع المواجهة البرية لتفادي تدميرها، وكذلك بالنسبة الى سلاح الجوب الذي لم يشارك فعلياً في حرب تاركاً المجال للقوات الجوية المتحالفة لتحقيق السيطرة المطلقة على الاجواء. وتفيد الاحصاءات التفصيلية التي تجمعت لدي القيادة العسكرية المتحالفة خلال عمليات حرب الخليج وبعدها ان الحشد العراقي في مسرح العمليات الكويتي الكويت نفسها والمناطق العراقيةالجنوبية المتاخمة للحدود بلغ ذروته قبيل بدء التحالف شن حملته الجوية. واشتمل على نحو 540 ألف جندي موزعين على 42 فرقة، وبينهم نحو 80 الفاً من الحرس الجمهوري موزعين على 6 فرق. اما المعدات فضت 4280 دبابة بينها نحو 1200 مع الحرس، و3870 عربة مدرعة، و3110 قطع مدفعية وراجمات صاروخية ميدانية، ونحو 400 منصة اطلاق صواريخ أرض - جو مضادة للطائرات، و100 منصة اطلاق صواريخ أرض - أرض قصيرة المدى ومتوسطة. والخسائر التي منى بها العراق في الحرب كانت فادحة، لكنها لم تقض قضاء فعلياً على قوته العسكرية وامكانات تحركها، وهذا ما ثبت في قدرتها على التصدي بفاعلية للانتفاضات الشعبية في جنوب البلاد وشمالها اثر توقف الحرب. كما ثبت لاحقاً من خلال تجاح النظام في المحافظة على بقائه وقمع اي تحركات معارضة له في الداخل من جهة، واستمراره في اظهار قدرته على تحريك قطعات قتالية وحشدها واستخدامها في ارجاء مختلفة من الاراضي العراقية كلما شهد الوضع السياسي او العسكري في المنطقة تصعيداً بين الحين والآخر. خسائر العراق في ا لحرب: راجع الجدول الرقم 2. ويتضح من حجم الخسائر العراقية وطبيعتها، ومن توقيت اصدار التحالف قراره بوقف الحرب في شباط فبراير 1991، ان القوات المتحالفة نفذت الاهداف الاستراتيجية والتكتيكية التي كانت محددة لها، ولم تذهب بعيداً في تدمير القدرة العسكرية العراقية او القضاء عليها. بل اكتفت بتحرير الكويت، واضعاف القوات العراقية فلا تتمكن بغداد من تشكيل مصدر تهديد استراتيجي حقيقي لجيرانها. القوة العراقية حالياً هذه الاهداف تحققت فعلاً. لكن العراق خرج من الحرب وهو يحتفظ بما يكفي من قدراته التقليدية ليظل قوة عسكرية اقليمية رئيسية، وبما يكفي من عناصر برامجه الكيماوية والبيولوجية والنووية والصاروخية لابقاء المجتمع الدولي منشغلاً على امتداد خمس سنوات بمهمة التحقق من اوضاع هذه البرامج والتأكد من حسن سير الخطوات الهادفة الى ازالتها ومنعها من التحول مرة اخرى مصدر تهديد استراتيجي جدي في المنطقة. وتقدر المعلومات الدولية حجم القوات المسلحة العراقية حالياً بنحو 500 ألف عنصر ... راجع الجدول الرقم 3. التهديد والتغيير ومثلما تقدر المصادر الدولية المتخصصة ما بقي حالياً من عناصر القوة العراقية وبرامجها في مجال اسلحة ادمار الشامل ووسائل ايصالها بنحو 15 - 25 في المئة مما كانت عندما بلغت ذروتها في اواخر الثمانينات ومطلع التسعينات، فانها تقدر حجم القوة التقليدية حالياً بنحو 50 في المئة بالمقارنة مع الوضع الذي كانت عليه هذه القوة ابان اوج جهود التسلح وبرامج البناء والتصوير قبل غزو الكويت. بوكلام اخر، لم يتم القضاء على القوة العسكرية العراقية بمجملها، لكن ما حدث في السنوات الخمس الماضية كان كفيلاً بتقليص هذه القوة وتقويض فاعليتها، والحد من مستويات التهديد، وان انخفض انخفاضاً ملموساً، وفقد الكثير من صدقيته الاستراتيجية، فانه لايزال ماثلاً طالما ظل الوضع السياسي في العراق على ما هو، وطالما ظل النظام القائم هناك على حاله وبقي في حوزته ما يكفي من عناصر القوة العسكرية القادرة على التحرك، والمستعدة للدفاع عنه والعمل على تنفيذ اهدافه السياسية والاستراتيجية داخلياً وخارجياً. فالتهديد العسكري العراقي ليس ناجماً في اي حال عن القوات المسلحة بل هو نتيجة مباشرة للقرار السياسي الذي يحكم عمل هذه القوات وتحركها. اما ازالة هذا التهديد فلا يمكن ان تتم عن طريق انهاد القرات العراقية، بل من خلال تغيير النظام السياسي المتحكم بها، وهو التغيير الذي يظل من غير المستبعد، بل ربما المرجع، ان تساهم هذه اقوات بالذات في احداثه لتتحول تالياً من قوة مرتهنة بالنظام القائم الى قوة تحمي العراق ومتسقبله الوطني. الجدول الرقم 1: القوات المسلحة العراقية عشية حرب الخليج 1990 - المجموع العام: حوالي مليون جندي بينهم 150 الفاً من قوات الحر الجمهوري. - التشكيلات الرئيسية: نحو 60 فرقة بينها 10 فرق من الحرس الجمهوري في 7 فياليق. - الدبابات: نحو 6300 بينها نحو 2000 دبابة في الحرس، تتألف من حوالي 1400 من طراز "ت - 72"، والباقي من طراز "ت - 62" و"ت - 54/55" و"تايب - 59/69" و"م - 77"، وعدد قليل من طراز "تشيفتين" و"م-47/48" و"م-60". - العربات المدرعة: نحو 11 الف عربة بينها نحو 2500 في الحرس، تشتمل على طرازات عدة من عربات المشاة القتالية وناقلات الجنود وعربات القتال والاستطلاع والمركبات الميدانية المنتوعة. - قطع المدفعية والراجمات: نحو 5 الاف تشمل على مئات من المدافع الذاتية الحركة، والاف المدافع المتطورة ومئات الراجمات الصاروخية حتى عيار 300 ملم. - منصات الصواريخ م/ط: اكثر من الف منصة لصواريخ "سام - 2/3/6/8/9/13" و"رولاند" والاف الصواريخ المحمولة على الكتف"سام - 7/13/16". - منصات الصواريخ أرض - أرض: نحو 150 - 200 منصة، بينها حوالي 50 - 750 منصة لصواريخ قصيرة المدى "فروغ - 7" 70 كلم مع حوالي 200 صاروخ، والباقي لصواريخ متوسطة المدى "سكاد" 300 كلم و"الحسين" 650 كلم و"العباس" 850 كلم، مع حوالي 800 صاروخ. - ذخائر الدمار الشامل: نحو 30 ألف طن من المواد الكيماوية، واكثر من 140 الف غالون من المواد البيولوجية الجرثومية، على شكل رؤوس صاروخية وقنابل طائرات وقذائف مدفعية وراجمات. يذكر ان العراق كشف لفرق لتحقيق الدولية عن 32 رأساً صاروخياً كيماوياً، كما تمكنت هذه الفرق من اكتشاف 11 رأساً آخر كانت لا تزال مخبأة، وهي لا تزال تعتقد بوجود عدد مماثل من هذه الرؤوس. لكن غالبية هذه الذخائر كشفت ودمرت. - الطائرات القتالية: 809 طائرات مقاتلة وقاذفة، بما في ذلك 10 قاذفات استراتيجية "توبوليف - 22" و8 قاذفات استراتيجية "توبوليف - 16"، و24 مقاتلة هجومية استراتيجية "سوخوي - 24"، و48 مقاتلة متعدد الاغراض "ميغ - 29"، و120 مقاتلة متعددة الاغراض "ميراج ف - 1"، والباقي من طراز "ميغ - 21" و"ميغ - 23" و"ميغ - 25" و"ميغ - 27" و"سوخوي - 7" و"سوخوي - 20/22" و"سوخوي - 25" و"جيان - 6" ميغ - 19 و"جيان - 7" ميغ - 21. - طائرات الهليكوبتر: نحو 550 طائرة بينها نحو 300 هجومية من طراز "ميل - 24" و"بو - 105" و"غازيل" و"سوبر فريلون" و"ألويت - 3"، ونحو 250 مساندة من طرازات عدة. - طائرات اخرى: 4 طائرات رصد وانذار استراتيجي مبكر من طراز "عدنان" "اليوشن - 76" تم تحويلها في العراق، و6 طائرات رصد وانذار استراتيجي مبكر من طراز اليوشن - 76" و"انطونوف - 12" تم تحويلها محلياً، ونحو 75 طائرة نقل بينها 20 استراتيجية ثقيلة من طراز "اليوشن - 76"، وما يقارب 300 طائرة تدريب ومساندة هجومية خفيفة. - ذخائر جوية خاصة: صواريخ جو - ارض بعيدة المدى من طراز "أ.س - 4 كيتشن" و"أ.س - 5 كيلت"، وصواريخ جو - سطح مضادة للسفن من طراز "اكزوسيت" و"سي - 601"، وصواريخ جو - أرض موجهة للرادار من طراز "أ.س - 9" وأزمات"، و"أرمات"، وذخائر اخرى موجهة بدقة من انواع عدة، وقنابل كمياوية وبيولوجية من أوزان متنوعة. الجدول الرقم 2 : خسائر القوات العراقية في حرب الخليج - الخسائر البشرية: نحو 20 ألف قتيل، وعدد مماثل من الجرحى، ونحو 63 الف اسير، ونحو 120 ألف فار ومفقود. - الخسائر في المعدات: 3700 دبابة. 2400 عربة مدرعة. 2600 قطعة مدفعية وراجمة صاروخية ميدانية. 300 منصة اطلاق صواريخ م/ط. 50 منصة اطلاق صواريخ أرض - أرض. * خسائر القوات الجوية: - في اشتبكات جوية: 38 طائرة مقاتلة وقاذفة، و6 طائرات هليكوبتر، وطائرة نقل واحدة. - على الارض: 56 طائرة مقاتلة وقاذفة، و5 طائرات هليكوبتر، و4 طائرات نقل. - في ايران: 121 طائرة مقاتلة وقاذفة، و24 طائرة نقل وتموين جوي بالوقود، وطائرتا رصد وانذار مبكر، و4 طائرات هليكوبتر. * خسائر الطائرات العراقية في الجو: 9 "ميراج ف - 1" 8 "ميغ - 29" 2 "ميغ - 25" 9 "ميغ - 23" 2 "ميغ - 21". 6 "سوخوي - 20/22" 2 "سوخوي - 25" 1 طائرة نقل "اليوشن - 76". 1 طائرة هليكوبتر "بو - 105" 1 طائرة هليكوبتر "ميل - 8". 4 طائرات هليكوبتر غير محددة الطراز. * الطائرات العراقية التي لجأت الى ايران: 24 "ميراج ف - 1" 24 "سوخوي - 24". 24 "سوخوي - 20/22". 7 "سوخوي - 25". 4 "ميغ - 29" 4 "ميغ - 25" 12 "ميغ - 23/27" 25 طائرة مقاتلة من طرازات متنوعة. 2 طائرة رصد وانذار مبكر "عدنان" اليوشن - 76" تم تعديلها محلياً. 24 طائرة نقل من طرازات متنوعة، بما فيها عدد من طائرات التموين الجوي بالوقود، وعدد من طائرات النقل المدنية. 4 طائرات هليكوبتر من طرازات غير محددة. تحطم عدد من هذه الطائرات او تعطل عند وصولها الى ايرن، فيما ادخل بعضها الى خدمة سلاح الجو الايراني حيث لت تزال موجودة. الجدول الرقم 3: تقدير القوات العسكرية العراقية حالياً 1995 - المجموع العام: حوالي 50 ألف جندي بينهم نحو 100 الف في قوات الحرس الجمهوري، يضاف اليهم نحو 100 ألف من عناصر "الأمن الخاص" و"الحرس الرئاسي" وميليشيا "فدائيو صدام". - التشكيلات الرئيسية: 27 فرقة بينها 8 فرق من الحرس وحوالي 10 ألوية خاصة، موزعة على 6 فيالق. - الدبابات: نحو 3200 دبابة بينها 2500 قابلة للتشغيل تضم نحو 800 "ت - 72"، والباقي من طراز "ت - 62" و"ت - 54/55" و"تايب - 59/69" و"م - 77". - العربات المدرعة: نحو 6 آلاف بينها نحو 4500 عربة قابلة للتشغيل من طرازات عدة، بما في ذلك حوالي 2500 تابعة للحرس. - قطع المدفعية والراجمات: أكثر من 2500 ميدان وهاوتزر وراجمة صاروخية متنوعة العيارات. - منصات الصواريخ م/ط: يقدر عددها بمئات لكن معظمها غير قابل للتشغيل عملياً. - منصات الصواريخ أرض - أرض: نحو 60 منصة نصفها تقريباً لصواريخ قصيرة المدى "فروغ - 7" 70كلم مع حوالي 100 صاروخ، والباقي لصواريخ متوسطة المدى "سكاد" 300كلم و"الحسين" 650كلم و"العباس" 850 كلم. ويقول العراق انه لم يعد لديه اي صواريخ من هذه الانواع، لكن المراجع الدولية تعتقد بأنه ما زال يحتفظ بنحو 200 صاروخ متوسط المدى في مخابئ سرية. - دخائر الدمار الشامل: تتفق المصادر الدولية على ان العراق تخلص من الغالبية العظمى مما كان في حوزته من هذه الذخائر. لكنها لا تستبعد احتمال احتفاظه بعدد قليل من الرؤوس الصاروخية الكيماوية حوالي 10 - 12 وربما عدد مماثل من الرؤوس البيولوجية. - الطائرات القتالية: حوالي 450 مقاتلة وقاذفة من بينها نحو 300 قابلة للتشغيل عملياً تضم نحو 10 قاذفات استراتيجية "توبوليف - 22" و"توبوليف - 16، و60 مقاتلة "ميراج ف - 1"، و20 مقاتلة "ميغ - 29"، والباقي من طرازات متنوعة. - طائرات الهليكوبتر: نحو 500 طائرة يقدر العامل منها فعلا بحوالي 300، من بينها نحو 150 هليكوبتر هجومية، والباقي من طرازات ناقلة ومساندة متنوعة. - طائرات اخرى: طائرة رصد وانذار استراتيجي واحدة من طراز "عدنان" اليوشن - 76" معدلة محلياً، ولكن لا يعتقد نها في وضع قابل للتشغيل، وطائرتا تموين جوي بالوقود "اليوشن - 76" معدلة محلياً، ولا يعتقد انها عاملاً فعلاً، ونحو 30 طائرة نقل من طرازات متنوعة، وما يقارب 300 طائرة تدريب يعتقد ان نصفها تقريباً قابل للتشغيل عملياً. - ذخائر جوية خاصة: يعتقد ان العراق لا يزال يحتفظ بغالبية ترسانته من هذه الاسلحة لكنه من غير الواضح تماماً كم منها قابل للتشغيل عملياً.