في العامين الماضيين، سجلت التدفقات المالية باتجاه الاسواق الناشئة على اختلافها تراجعاً واضحاً قدره البنك الدولي بحوالي 10 في المئة، بسبب نقص السيولة في الدول الصناعية من جهة، والمخاوف التي احدثتها ازمة المكسيك التي شكلت في النصف الاول من التسعينات احد اهم مراكز الجذب المالي في العالم، من جهة ثانية. لكن الاعتقاد السائد لدى المحللين الاقتصاديين، ان الاسواق الناشئة مرشحة لاستعادة جاذبيتها في السنوات القليلة المقبلة لاعتبارات عدة، ابرزها التقدم الذي احرزته الاصلاحات الهيكلية في هذه الاسواق، ثم المستويات المتوقعة للنمو الاقتصادي بما يصل الى 6.5 في المئة سنوياً، بالمقارنة مع 5،2 و3 في المئة في اسواق الدول الصناعية، وفق افضل التقديرات. صندوق استثماري جديد وينظرالى الاسواق المالية العربية على أنها جزء من الاسواق الناشئة، الاّ أن حصتها من حركة التدفقات الاستثمارية لم تزد في الفترة القليلة الماضية عن مستوى 5،1 و2 في المئة وبما يتراوح بين 6،2 و3 مليارات دولار، من اصل 260 مليار دولار قيمة الاموال التي يقدر ان صناديق الاستثمار العالمية تتولى ادارتها في الدول النامية. لذلك، يأمل معظم المسؤولين الماليين والاقتصاديين بأن تزيد حصة الاسواق العربية من حركة الرساميل الى الاسواق الناشئة، ويبررون تفاؤلهم بالتقدم الذي احرزته برامج الاصلاح الهيكلي التي تطبقها غالبية دول المنطقة، وبالانفتاح الذي تواصل القوانين الخاصة بالضريبة، واعطاء الاجانب حق التملك، وزيادة الضمانات الخاصة بالمخاطر السياسية، وحرية التحويلات. فهل لهذا التفاؤل ما يكفي من المبررات، وهل تستطيع الاسواق المالية العربية زيادة حصتها في خلال السنوات القليلة المقبلة، وهي زيادة تبدو ضرورية واساسية لتمويل مشروعات الانعاش الاقتصادي، في ظل انحسار الاعتماد على صيغ اخرى لتمويل النمو؟ في الواقع لا تنظر الشركات المالية الدولية التي تركز نشاطها في مجال ادارة صناديق الاستثمار العالمية، وهي القناة الاكثر جاذبية لتدفق الرساميل حالياً، الى الاسواق العربية نظرة موحدة، والاصح انها تنظر الى اسواق مختلفة ومتمايزة، ولكل منها خصائصها ومميزاتها، والتوقعات الخاصة بها، الامر الذي من شأنه ان يؤدي الى تقديرات متفاوتة بالنسبة الى كل دولة. وطبقاً للتقديرات التي اعدتها مجموعة "فرملنغتون" الدولية المعروفة بنشاطها في مجال الاستثمار في الاسواق الناشئة، فإن السوق المصرية تبدو سوقاً واعدة، لكن على المديين المتوسط والبعيد لاعتبارات عدة، من بينها حجم مصر كأكبر دولة في الشرق الاوسط، ثم ضخامة برنامج التخصيص واستمرار اسعار الاسهم منخفضة بالمقارنة مع نسبة العوائد المتوقعة. الاّ أن هذا التفاؤل قد لا يكون مبرراً على المدى القصير بسبب ما يعتبره الخبراء الشكوك القائمة حول قدرة الحكومة المصرية على تنفيذ برنامج التخصيص بالسرعة الكافية، وضمن المهل الزمنية المعلن عنها، اضافة الى محدودية الطاقة الاستيعابية للسوق، ما لم يستطع المصريون اجتذاب تدفقات مالية من الخارج للتوظيف في اسهم الشركات المطروحة للبيع، في اشارة غير مباشرة الى المصاعب التي يواجهها تخصيص 100 شركة حكومية هذا العام. ومع انه من المتوقع ان تشهد السوق المصرية اطلاق صندوق استثماري جديد قبل نهاية العام الحالي، الى جانب الصندوق الذي أطلقته احدى المجموعات العالمية اخيراً، الاّ أن ثمة شكوكاً في فرص بيع الاصول المطروحة للتخصيص الامر الذي من شأنه ان يدفع الحكومة الى مراجعة برنامج التنفيذ، والى تأخر المراحل المتبقية منه. واضافة الى ذلك، يرى معظم الخبراء أن دخول الاقتصاد المصري مرحلة النمو المستقر قد يكون أحد الشروط غير المعلنة التي تضعها الشركات المالية العالمية للتوظيف في بلد ما، في اشارة غير مباشرة الى حاجة الاقتصاد المصري الى جهود اضافية من مواصلة النمو، وتجاوز المشاكل التي لا يزال برنامج الاصلاح الهيكلي يثيرها، في مجال تحرير الأسعار، والتبادل التجاري مع الخارج. وعلى خلاف ما هو عليه الوضع في مصر، فإن السوق المالية اللبنانية تبدو سوقاً واعدة، لكن بعد النجاح في تجاوز المخاوف التي يثيرها تعثر مفاوضات السلام في الشرق الاوسط، وترسيخ الاستقرار السياسي، واقفال ملف النتائج الاجتماعية والمعيشية التي افرزتها الحرب. ومع ان السوق اللبنانية هي سوق صغيرة من حيث عدد الشركات المطروحة للتداول، ومن حيث عدد سكان البلاد، وحجم الاقتصاد الوطني، الاّ أن شركة "فورين اند كولونيال" في لندن تبرر تفاؤلها بمستقبل الاستثمار في لبنان بما تعتقده قدرة بيروت على استعادة مركزها كواحد من اهم المراكز المالية في الشرق الاوسط. الاعتماد على المشاريع اما في الاردن، وعلى خلاف ما كان متوقعاً بعد ابرام اتفاقية السلام مع اسرائيل، فإن اسعار الاسهم واصلت تراجعها الذي بلغت نسبته 5 في المئة حتى نهاية أيار مايو الماضي في 5 أشهر، وحسب التقديرات المتداولة فإن السوق المالية الاردنية مرشحة لمزيد من التراجع، ما لم يحصل تعديل جذري في سياسة الفوائد التي يطبقها البنك المركزي لحماية الدينار من مخاطر المضاربات ضده، في مرحلة أولى، ورفع الاحتياط من العملات الاجنبية الى حوالي مليار دولار حداً أدنى في مرحلة لاحقة. ومع ان مثل هذا التعديل مستبعد، اقله في الاشهر القليلة المقبلة، الاّ أن بعض المحللين يرى ان تراجع اسعار الاسهم الى مستويات معينة قد يتحول الى حافز للشراء، الامر الذي من شأنه ان يرفع مستوى الطلب، وتالياً اعادة الانتعاش الى السوق. وباستثناء البحرين وسلطنة عمان اللتين تبذلان جهوداً واسعة لزيادة الجاذبية الاستثمارية للتوظيف في اسواقهما المالية، من خلال رفع القيود المفروضة على تملك الاجانب، والسماح لهم بالتوظيف في الصناديق المحلية، فإن الدول الخليجية الاخرى لا زالت تفضل منحى آخر يتمثل في تفضيل الاعتماد على المشاريع المشتركة، وهي صيغة تعتقد هذه الدول انها تتلاءم بصورة افضل مع حاجتها الى تطوير قطاعاتها الصناعية، خصوصاً لجهة المساهمة في نقل التكنولوجيا المتطورة. اما في تونس وعلى رغم النمو القياسي الذي حققته السوق المالية التونسية العام الماضي، لا تزال حصة الاستثمار الاجنبي فيها محدودة جداً. وتشير الدراسة التي اعدتها "فرمنلغتون" الى أن من الاعتبارات التي تحد من تدفق الرساميل الى السوق التونسية محدودية حجم هذه السوق، وارتفاع اسعار الاسهم بالمقارنة مع مستويات العوائد المقدرة لها. في المقابل فإن السوق المغربية مرشحة هذا العام لان تكون الافضل جاذبية لاعتبارات عدة، أبرزها النمو الاقتصادي الذي يتوقع ان يصل الى 9 في المئة بفضل غزارة الامطار وتحسن ايرادات القطاع الزراعي، والنجاح الذي حققه برنامج التخصيص الذي شمل في الاشهر الماضية بيع الحكومة لحصتها في مصفاة "لاسمير"، وفي الطلب المحلي القوى على الاسهم المطروحة، واستمرار تدني الأسعار مقارنة بعوائدها.