السعودية تخصّص 10 مليارات ريال لتفعيل الحوافز المعيارية للقطاع الصناعي    تعددية الأعراق والألوان تتوحد معك    ولي العهد يقدّم الدعوة للرئيس عون لزيارة السعودية    حرائق كاليفورنيا: وفاة 11 شخصا والخسائر تقدر ب 135 مليار دولار    القيادة تهنئ سلطان عُمان بذكرى توليه مقاليد الحكم في بلاده    إسرائيل تخطط للسيطرة على 15 كم داخل سورية    الذوق العام تنظم مسيرة "اسلم وسلّم" لرفع الوعي لسائقي دراجات تطبيقات التوصيل    ضبط (19418) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    وكيل "الشؤون الإسلامية" للمشروعات والصيانة: تدشين الأدلة الفنية للمساجد إنجاز نوعي برؤية شاملة ومعايير عالمية    نادي جازان الأدبي يكرم الزميلة خلود النبهان    السودان.. أكبر أزمة نزوح أطفال في العالم    وصول الطائرة الإغاثية السعودية التاسعة لمساعدة الشعب السوري إلى مطار دمشق الدولي    أكثر من 300 جلسة رئيسية في النسخة الثالثة من قمة المليار متابع    طلبة منطقة "تعليم الرياض" يعودون غداً لمدارسهم لاستكمال الفصل الدراسي الثاني    بندر بن سعود ل"الرياض": الفائزون بجائزة الملك فيصل سفراء المملكة عالميًا    «طائرة كوريا».. «الأسودان» توقفا قبل 4 دقائق من التحطم !    استمرار هطول الأمطار على بعض مناطق المملكة    «الضباب» يحوّل رحلة ليفربول إلى كابوس    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    خالد عبدالرحمن ل«عكاظ»: جمعنا أكثر من 10 قصائد وننوي طرح ألبومين سامريات    البرلمان الألماني يبحث الأربعاء تفشي الحمى القلاعية في البلاد    القائد الذي ألهمنا وأعاد لنا الثقة بأنفسنا    الإعاقة.. في عيون الوطن    ابعد عن الشر وغني له    "النقد الدولي" يتوقع استقرار النمو العالمي في 2025    أمريكا وبريطانيا توسعان عقوبات كاسحة على صناعة النفط الروسية    أمين الطائف هدفنا بالأمانة الانتقال بالمشاركة المجتمعية للاحترافية    فريق جامعة الملك عبدالعزيز يتوّج بلقب بطولة كرة السلة للجامعات    "لوريل ريفر"، "سييرا ليون"، و"رومانتيك واريور" مرشحون لشرف الفوز بلقب السباق الأغلى في العالم    العروبة يتعاقد مع العراقي عدنان حمد لقيادة الفريق فنيّاً    هاو لم يفقد الأمل في بقاء دوبرافكا مع نيوكاسل    ما بين الجمال والأذية.. العدار تزهر بألوانها الوردية    رئيس مصر: بلادنا تعاني من حالة فقر مائي    «الغذاء والدواء» تحذّر من منتج لحم بقري لتلوثه ببكتيريا اللستيريا    القبض على مقيم لترويجه (11,968) قرصًا خاضعًا لتنظيم التداول الطبي بمكة المكرمة    بالشرقية .. جمعية الذوق العام تنظم مسيرة "اسلم وسلّم"    ملتقى الشعر السادس بجازان يختتم فعالياته ب 3 أمسيات شعرية    الشيخ طلال خواجي يحتفل بزواج ابن أخيه النقيب عز    أنشيلوتي يبدي إعجابه بالجماهير.. ومدرب مايوركا يعترف: واجهنا فريقًا كبيرًا    إحباط محاولتي تهريب 6 كلجم «شبو» مخبأة في بطاريات وصناديق    خطيب المسجد النبوي: تجنبوا الأحاديث الموضوعة والبدع المتعلقة بشهر رجب    محافظ الطائف يستأنف جولاته ل«السيل والعطيف» ويطّلع على «التنموي والميقات»    «عباقرة التوحد»..    الصداع مؤشر لحالات مرضية متعددة    الحمار في السياسة والرياضة؟!    سوريا بعد الحرب: سبع خطوات نحو السلام والاستقرار    أسرار الجهاز الهضمي    المقدس البشري    الرياض تستضيف الاجتماع الوزاري الدولي الرابع للوزراء المعنيين بشؤون التعدين    جانب مظلم للعمل الرقمي يربط الموظف بعمله باستمرار    أفضل الوجبات الصحية في 2025    مركز إكثار وصون النمر العربي في العُلا يحصل على اعتماد دولي    إطلاق كائنات مهددة بالانقراض في محمية الإمام تركي بن عبدالله    نائب أمير تبوك يطلع على مؤشرات أداء الخدمات الصحية    أمير القصيم يتسلم التقرير الختامي لفعالية "أطايب الرس"    ولي العهد عنوان المجد    عناية الدولة السعودية واهتمامها بالكِتاب والسُّنَّة    مجموعة (لمسة وفاء) تزور بدر العباسي للإطمئنان عليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حلفاء واشنطن يعترضون ويهددون . كلينتون والارهاب: ايران أولاً
نشر في الحياة يوم 12 - 08 - 1996

ربما لم يكن الرئيس كلينتون يتوقع حجم المعارضة التي سيثيرها قراره فرض عقوبات على الشركات الاجنبية المتعاملة مع ايران وليبيا، خصوصاً من جانب حلفاء واشنطن الاساسيين. لكن هذه المعارضة للقرار والتساؤلات حول جدواه ودوافعه، لا تنفي حقيقة ان التصعيد المتسارع بين الولايات المتحدة وايران دخل مرحلة الخطر، وان الاستعدادات الميدانية المتبادلة بين قوات الجانبين في منطقة الخليج تهدد بانتقال التصعيد من دائرته الديبلوماسية والاعلامية الى المواجهة الفعلية.
وليست هذه المرة الأولى التي يتأزم فيها الموقف بين الولايات المتحدة وايران، كما انه ليس جديداً ان يدخل الجانبان في دوامة متسارعة من حملات التصعيد. فمنذ قيام الجمهورية الاسلامية في ايران على انقاض نظام الشاه ومسلسل العلاقات المضطربة بين البلدين يشهد مثل هذه التأزمات والحملات في صورة دورية، في وقت لم يبدل فيه اي من الطرفين نظرته الى الآخر او يدخل اي تعديل على سياساته المتبعة حياله. فالولايات المتحدة تظل بالنسبة الى طهران "الشيطان الاكبر" وزعيمة "الاستكبار العالمي"، وهي العدو الاول الذي يهدف الى "سحق الشعوب المستضعفة والسيطرة على مواردها". اما ايران فهي لا تزال تشكل في نظر واشنطن "المحرك الاول للارهاب"، الى جانب كونها "مصدر التهديد الأكثر خطورة على مصالح الولايات المتحدة وحلفائها، والعامل الرئيسي لاشاعة التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة ودولها".
هذه النظرة المتبادلة والبالغة السلبية قد تكون كافية لابقاء العلاقات الاميركية - الايرانية في شكل دائم على حافة الانفجار. وكاد هذا الامر ان يحدث اكثر من مرة في الماضي، لكن الجانبين أبديا في تلك المناسبات ما يكفي من الحرص المتبادل على تجنب الوقوع فيه، الى الحد الذي باتت معه سياسة "حافة الهاوية" تشكل سمة دائمة لعلاقات الجانبين. ومن شأن مراجعة سريعة لمجموعة من الاحداث التي شهدتها تلك العلاقات منذ اواخر السبعينات ان تثبت صحة ذلك.
فمنذ اقتحام مقر السفارة الاميركية في طهران، بعد فترة وجيزة من سقوط الشاه وقيام النظام الاسلامي هناك، واحتجاز ديبلوماسييها طوال اشهر عدة تخللتها عملية عسكرية اميركية فاشلة لتحرير الرهائن، تجنب الطرفان الدخول في اي عمل عسكري قد يؤدي الى اندلاع مواجهة مباشرة بينهما، وحتى في اعقاب انتخابات الرئاسة الاميركية عام 1980 التي أدت الى فوز المرشح الجمهوري رونالد ريغان على قاعدة سياسة اميركية اكثر تشدداً وحزماً في العالم، وسقوط الرئيس الديموقراطي جيمي كارتر الذي قيل الكثير منذ ذلك الوقت عن فشله في تلك الانتخابات نتيجة لأزمة الرهائن في طهران والطريقة التي تعامل فيها مع الوضع الايراني والغزو السوفياتي لأفغانستان، فان السياسة الخارجية الاميركية حيال طهران ظلت على حالها عملياً، اي تصعيد سياسي واعلامي، وتهديدات دورية، وتحذيرات موجهة للنظام هناك من مغبة تجاوز "الخطوط الحمر" لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، ومحاولات دؤوبة لاحتواء التهديد الايراني الاستراتيجي والامني، وامتداداته الاصولية والراديكالية، مع التمسك الشديد على الدوام بتجنب الوقوع في خطر المواجهة المباشرة.
صراع سري
وعلى رغم الاحداث المتلاحقة التي شهدتها الثمانينات، والتي كان يمكن لأي منها ان يشكل "ذريعة ملائمة" للدخول في مواجهة كهذه بين البلدين، فان ذلك لم يحدث. وكان من بين أبرز "المحطات" في هذا المجال تفجير مقر مشاة البحرية الاميركية المارينز في بيروت العام 1983، الذي أودى بحياة 250 جندياً اميركياً كانوا يعملون في صفوف القوات المتعددة الجنسية. فالمصادر الاميركية حمّلت طهران ضمنياً مسؤولية هذه العملية وغيرها من عمليات مماثلة تم تنفيذها في تلك الفترة ضد اهداف اميركية في لبنان، الى جانب مسلسل خطف الرهائن الاجانب من اميركيين وغيرهم، وقتل ويليام باكلي احد هؤلاء الرهائن الذي تبين فيما بعد انه كان تسلم لتوه منصب مدير عمليات وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية في بيروت خلفاً لسلفه الذي كان في عداد قتلى عملية تفجير السفارة الاميركية هناك عام 1985، اضافة الى سلسلة اخرى من عمليات او محاولات خطف طائرات مدنية اميركية او تفجيرها خلال الفترة نفسها.
في كل تلك العمليات كانت واشنطن تحمل، رسمياً او ضمنياً، ايران المسؤولية، او "الجماعات الاصولية" المتطرفة التي تتلقى الدعم والمساندة منها. وتزامنت تلك المرحلة من "الصراع السري" بين ايران وأنصارها من جهة والولايات المتحدة وحلفائها من جهة اخرى مع اشتداد وطأة الحرب العراقية - الايرانية واتساع نطاقها ليشمل الخليج وخطوط الملاحة فيه ضمن ما عرف ب "حرب الناقلات" التي طالت اهدافاً عمدت طهران الى مهاجمتها في دول خليجية لم تكن طرفاً مباشراً في الحرب، رداً على قيام العراق بمهاجمة المنشآت والناقلات الايرانية. واستدعى ذلك، للمرة الاولى، تدخل الولايات المتحدة التي عمدت الى تسيير قوافل حراسة ودورية لحماية حركة الملاحة التجارية والنفطية في مياه الخليج وضمان حرية المواصلات البحرية عبر مضائق هرمز الاستراتيجية. لكن ذلك التدخل الاميركي ظل محدوداً جداً وتحكمت به "قواعد مواجهة" صارمة فيما بدا انه رغبة اكيدة من واشنطن في عدم الدخول في صدام عسكري مع القوات الايرانية العاملة في المنطقة. واستمر هذا التدخل سنوات عدة الى حين توقف الحرب بين بغداد وطهران عام 1988 ولم تتخلله سوى مناسبات نادرة لجأت فيها القوات الاميركية الى الاشتباك في صورة مباشرة مع القوات الايرانية، وبشكل محدود جداً، باستثناء حادثة اطلاق الطراد الاميركي "فينسنس" صاروخاً على طائرة مدنية ايرانية من طراز "ايرباص" ما أدى الى سقوطها ومقتل جميع ركابها البالغ عددهم نحو 200 شخص. وسارعت واشنطن في اعقاب تلك الحادثة الى التشديد على انها كانت نتيجة "خطأ"، كما وافقت فيما بعد على دفع تعويضات لذوي الضحايا، لكنها رفضت ان تتبنى رسمياً اعتقاد دوائر استخبارات غربية عدة بأن ايران متورطة في عملية تفجير طائرة "بان اميركان" فوق لوكربي في اسكتلندا عام 1987 انتقاماً لهذه الحادثة، مفضلة في المقابل وضع اللوم فيها على ليبيا.
واعتباراً من أواخر الثمانينات ومطلع التسعينات بدأت العلاقات تهدأ بين طهران وواشنطن وغيرها من العواصم الغربية وكذلك الدول المجاورة. وساهمت في تشجيع هذه الوجهات تطورات عدة منها ما كان ايرانياً ذاتياً، ومنها ما كان على صلة بالوضع الاقليم والدولي عموماً. فقد اسدل توقف الحرب مع العراق، التي خرجت منها ايران منهكة وشبه مهزومة، الستار على مرحلة كاملة من "الفوران الثوري والعقائدي" الذي كانت الجمهورية الاسلامية بدأت عهدها به قبل ذلك بعقد. وتبع ذلك رحيل آية الله الخميني، والضعف الذي أصاب مواقع التيارات الاكثر راديكالية وتشدداً داخل الحكم وجاء معه وصول علي اكبر هاشمي رفسنجاني الى رئاسة الجمهورية وتحديده أولويات جديدة تركزت على اعادة بناء الاقتصاد الايراني شبه المنهار بفعل الحرب والعزلة الدولية التي فرضت على البلاد على امتداد الثمانينات، وهو ما كان يعني ضرورة الانفتاح على الخارج، ومحاولة اعادة الاستثمارات الاجنبية، واعتماد سياسات اكثر ديبلوماسية واعتدالاً.
هدوء يسبق العاصفة
ونجحت هذه التوجهات الايرانية الجديدة الى حد كبير. وساعدها في ذلك التحول الجذري الذي شهدته السياسة الغربية، من تركيزها السابق على طهران وخطرها الى تركيز جديد على العراق وسياساته الاقليمية وبرامجه التسسليحية المتنامية. واستفادت طهران فعلاً من ذلك التحول الذي تكرّس في أعقاب غزو العراق الكويت وما تبع ذلك من ازمة وحرب في الخليج التزمت السياسة الايرانية خلالها الحياد، بل وكانت اكثر ميلاً على المستوى العملي الى الوقوف الى جانب الائتلاف العربي والاسلامي والدولي الذي قام من اجل تحرير الكويت وإخراج القوات العراقية منها على رغم ان ذلك استدعى قدوم ما يزيد على نصف مليون جندي اميركي ودولي الى المنطقة.
وربما شكل ذلك الموقف، من وجهة النظر الايرانية، مناسبة اخرى لاعادة طهران الى اطار المجتمع الدولي وتثبيت انفتاحها الديبلوماسي والاقتصادي الذي كانت في أمسّ الحاجة الى ثماره بعد سنوات العزلة والمقاطعة والعقوبات الطويلة التي عانت منها. لكنه ايضاً فرصة ذهبية لاعادة بناء قواتها العسكرية والمباشرة في تنفيذ برامج تسليحية كان لا بد ان تؤدي الى اثارة القلق الاقليمي والدولي نفسه الذي اثارته قبلها الجهود العراقية خلال النصف الثاني من الثمانينات.
وفي الوقت ذاته، بدا واضحاً ان الاتجاهات داخل القيادة الايرانية نفسها لم تكن على ذلك القدر من الحسم والوضوح. فالمتشددون والراديكاليون لم يفقدوا مواقعهم تماماً، بل ان نفوذهم ما لبث ان تزايد وهم استفادوا في ذلك من دعم "مرشد الثورة" علي خامنئي وتشجيعه في مقابل الخط "العقلاني" للرئيس رفسنجاني وأنصاره من البراغماتيين. وكان ملاحظاً ان اللهجة الايرانية الرسمية حيال التطورات في الشرق الاوسط لم تتبدل كثيراً. وبرز ذلك في صورة خاصة من خلال موقف طهران السلبي من عملية السلام والمفاوضات العربية - الاسرائيلية، وسياساتها الانتقادية المتصاعدة حيال الولايات المتحدة وحلفائها، خصوصاً في ما يتعلق بالوجود العسكري الاميركي والغربي في الخليج والشرق الاوسط. واستمر كذلك دعم طهران وتأييدها للجماعات الاصولية والمتشددة التي رفعت راية "التصدي للنفوذ الاميركي والاسرئيلي ومقاومة عملية التسوية المدعومة من واشنطن"، وهو الشعار الذي جمع اطرافاً عدة، من "حزب الله" في لبنان الى حركتي "حماس" و "الجهاد الاسلامي" وسواهما من الفصائل الفلسطينية المعارضة لعملية السلام وصولاً الى التنظيمات الدينية المتطرفة.
معالم الخطر
من هنا، لم تستمر فترة الهدوء على "الجبهة الايرانية" طويلاً، أقله على الصعيدين الديبلوماسي والاعلامي. بل ان الضجة الاقليمية والدولية التي اثارتها السياسة الايرانية وتوجهاتها اخذت مناحي اكثر وضوحاً وحدة اعتباراً من اواخر العام الماضي ومطلع هذا العام، وكان من أبرز معالمها:
1- التركيز بشكل جدي على "التهديد المتعاظم" الذي تشكله القوة العسكرية الايرانية التي اعيد بناؤها في مختلف المجالات، خصوصاً تعزيز قدراتها الهجومية الجوية والبحرية والصاروخية. وتتفق المصادر الدفاعية الاميركية والاوروبية والاسرائيلية على ان ايران باتت تملك "امكانات تتيح لها تنفيذ عمليات هجومية بعيدة المدى" بواسطة قواتها الجوية والصاروخية ارض - ارض، كما انها أصبحت قادرة على "مد قوتها البحرية بعيداً عن سواحلها ومياهها الاقليمية" بفضل الجهود التي بذلتها لتطوير اسطولها الحربي واسلحته. وتحذر هذه المصادر ايضاً مما تصفه ب "التركيز الايراني اللافت على الجانب المتعلق بعرقلة خطوط الملاحة" في مياه الخليج ومضائق هرمز عن طريق استخدام اعداد متزايدة وطرازات متطورة من الصواريخ المضادفة للسفن، وتركيزها في مواقع استراتيجية مؤثرة على امتداد السواحل الايرانية المطلة على الخليج وفي الجزر الكثيرة المنتشرة في مياهه. وتجمع هذه المصادر على القول ان "القوة العسكرية الايرانية المتنامية باستمرار تشكل مصدر التهديد الاستراتيجي الاكثر خطورة على دول المنطقة والمصالح الغربية الحيوية فيها"، وتضيف ان هذا التهديد "مرشح للتصاعد".
2- التحذير بصفة خاصة من خطورة البرامج التي تنفذها طهران على صعيد تطوير قدراتها في مجال اسلحة الدمار الشامل النووية والبيولوجية والكيماوية.
كيماويات وخردل وأعصاب
وتجمع هذه المصادر على ان ايران تمتلك مخزوناً يقدر بآلاف عدة من الاطنان من الذخائر الكيماوية، كغازات الخردل والسيانيد والاعصاب، التي تمكنت من انتاجها محلياً خلال السنوات الماضية لاستخدامها في الرؤوس الحربية لصواريخها ارض - ارض، وكقنابل طائرات وقذائف مدفعية. كما كشف تقرير اميركي صدر عن ال "سي. اي. ايه" الاسبوع الماضي "امتلاك ايران ذخائر بيولوجية جرثومية واستمرارها في تنفيذ برامج لتطوير هذه الذخائر وانتاج المزيد منها".
3- السياسة الايرانية في ما يتعلق بالارهاب. ولعل هذا الجانب هو الاكثر خطورة وإثارة للجدل، في كل ما يتعلق بالموقف الاقليمي والدولي الحالي من طهران والتوتر المتصاعد معها. واذا كانت الحكومة الايرانية نفسها لا تخفي تأييدها للقوى والفصائل اللبنانية والفلسطينية، مثل "حزب الله" و "حماس" و "الجهاد الاسلامي" وغيرها، التي تنفذ عمليات مسلحة ضد القوات والاهداف الاسرائيلية في جنوب لبنان والاراضي الفلسطينية وداخل اسرائيل، من منطلق ان هذه العمليات هي تعبير مشروع عن حق الشعوب في مقاومة الاحتلال وتحرير اراضيها، فان المسألة تصبح اكثر تعقيداً عندما تصبح متعلقة بنشاطات تفجيرية وارهابية لا علاقة مباشرة لها بالاحتلال الاسرائيلي للأراضي العربية.
ومنذ مطلع العام الحالي كان مثيراً للاهتمام التركيز المتميز الذي لجأ اليه رئيس الحكومة الاسرائيلية السابق شمعون بيريز في تحميله ايران مسؤولية "تقويض عملية السلام"، واعتمادها نهجاً "يهدد الامن والاستقرار في المنطقة"، وصولاً الى حد اتهامها بأنها "وراء الانفجارات الانتحارية" التي نفذتها حركة الانفجارات الانتحارية" التي نفذتها حركة "حماس" في المدن الاسرائيلية عشية الحملة الانتخابية الاخيرة، وكذلك الانحاء باللائمة على طهران في التصعيد العسكري الذي شهده جنوب لبنان خلال تلك الحملة وتمخض عن عملية "عناقيد الغضب".
ولم تكن الادارة الاميركية بدورها بعيدة عن هذا التوجه الاسرائيلي في تحميل ايران مسؤولية النكسات التي تعرضت لها المفاوضات العربية - الاسرائيلية. بل ان ايران كانت الدولة التي ركز عليها المشاركون في قمة "صانعي السلام" التي انعقدت في شرم الشيخ تحت شعار "مكافحة الارهاب ودفع العملية السلمية الى الأمام".
ولم تقتصر مسألة الارهاب وعلاقة طهران المفترضة بها على الساحة العربية - الاسرائيلية، بل انها كانت مدار جدل ايضاً على صعيد العلاقات العربية - العربية خلال فترة التحضير لقمة القاهرة في حزيران يونيو الماضي، وخلال مداولات تلك القمة التي اعربت فيها دول عربية عدة عن مواقف مماثلة واتهامات وجهتها الى طهران في هذا المجال، خصوصاً في ما يتعلق بدعمها لنشاط التنظيمات الاصولية والمعارضة التي تعمل حالياً ضد حكومات هذه الدول كالبحرين والجزائر والأردن وغيرها، ومساهمتها في اشاعة عدم الاستقرار وتهديد أمن هذه الدول ومصالحها.
لكن التحول البارز في هذه المسألة طرأ في اعقاب عملية التفجير التي استهدفت المجمع السكني للجنود الاميركيين في مدينة الخبر في المملكة العربية السعودية، وبعد ذلك سقوط طائرة تي. دبليو. ايه. الاميركية بعد وقت قصير من اقلاعها من مطار نيويورك في ظروف مشابهة جداً لانفجار طائرة "بان اميركان" فوق لوكربي. وعلى رغم ان احداً لم يوجه بعد الاتهام مباشرة الى طهران او غيرها، بل ان سقوط الطائرة لم يتأكد حتى الآن كنتيجة لعملية تخريبية، فان الواضح ان الشبهات الاساسية تركزت على ايران، أقله في واشنطن. ولم يتردد وزير الدفاع الاميركي ويليام بيري في تأكيد هذه الشبهات، على رغم انه لم يذهب الى حد اتهام ايران رسمياً بالمسؤولية عن تفجير الخبر، في الوقت الذي أعلن فيه وضع القوات الاميركية في الخليج في "اقصى حالات التأهب" تحسباً لهجوم ارهابي جديد وشيك عليها، لتقابل طهران ذلك باعلان "التعبئة العامة" والتحذير بالرد على اي ضربة عسكرية اميركية قد توجه اليها، وشروعها في تعزيز قواتها المرابطة في المنطقة.
التصعيد والتحفظات
وسط هذا التصعيد المتبادل، جاء قرار الرئيس كلينتون بفرض عقوبات على الشركات الاجنبية التي تتعامل مع ايران وليبيا مثيراً اعتراضات شديدة من جانب حلفاء اميركا الاوروبيين واليابان وروسيا، وتحفظات قوية من دول خليجية عدة رأت فيه تطوراً سلبياً يهدد بمواجهة.
ولا تعني هذه الاعتراضات والتحفظات عدم وجود اجماع اقليمي ودولي على مكافحة الارهاب والأطراف التي تعمل على تنفيذه. بل على العكس، فان مقررات قمة الدول الصناعية التي انعقدت في ليون قبل اسابيع، واجتماع المتابعة الذي عقده وزراء خارجية وداخلية هذه الدول في باريس اخيراً، كانت واضحة من حيث ابداء تصميم هذه الدول على اتخاذ اجراءات امنية ومالية واسعة لمكافحة الارهاب. كما ان الدول الخليجية والعربية نفسها ليست أقل معاناة من تبعات الارهاب وأخطار التهديدات التي تحدق بأمنها واستقرارها. لكن الخلاف، على ما يبدو، بين واشنطن وهذه الدول هو على الوسائل الكفيلة بالتوصل الى هذا الهدف، والأدلة المتوافرة عن علاقة طهران بهذه النشاطات او عدمها. فحتى الآن، ليس هناك ما يبرهن ان ايران متورطة، بشكل مباشر او غير مباشر، في انفجار الخبر او الاطراف التي نفذته. كما انه ليس هناك اي اثبات على علاقتها بسقوط طائرة تي. دبليو ايه... وينطبق الأمر نفسه على ليبيا التي لا تزال عرضة اصلاً لعقوبات مفروضة عليها منذ اتهامها بالتورط في تفجير طائرة بان اميركان. بل ان المصادر الديبلوماسية الاميركية نفسها تقر ضمناً بأن علاقة طرابلس بأي من النشاطات الارهابية التي تمت اخيراً تبدو "بعيدة الاحتمال".
واضافة الى كل هذا فان التحفظ الاكثر حدة الذي يساور الدوائر الديبلوماسية في اكثر من عاصمة عربية وأوروبية حول القرار الاميركي ينطلق من "التشكيك العميق بمبدأ العقوبات الاقتصادية وجدواه، خصوصاً ضد بلد ذي موارد ضخمة مثل ايران". ولخّص ديبلوماسي بريطاني وثيق الصلة بالشرق الاوسط هذا الرأي قائلاً: "لقد سبق للمجتمع الدولي ان جرب العقوبات الاقتصادية ضد ايران في الثمانينات، فأثبتت فشلاً ذريعاً. والتجارب الحالية المماثلة مع دول مثل العراق وليبيا والسودان، وحتى كوبا، لا تدل بدورها على كثير من النجاح. وما ستسفر عنه هذه العقوبات في نظرنا لن يتجاوز مجرد اثبات النقاط، واشاعة اجواء الفوضى وعدم الاستقرار، وتشجيع التيارات الاصولية والمتطرفة، من دون ان يكون لها اي تأثير فعلي على السياسة الايرانية. ونحن نتفق مع الشعور السائد في الولايات المتحدة حالياً بأن هناك حملة ارهابية منسقة، قد تكون ايران متورطة فيها وقد لا تكون، ضد الاهداف الاميركية من عسكرية ومدنية في الشرق الاوسط وداخل الولايات المتحدة نفسها. لكننا نعتقد بشدة بأنه يتوجب اولاً العثور على الأدلة الدامغة التي تثبت تورط طهران في هذه الحملة... وعندئذ لن يعارض احد منا معاقبة الايرانيين على سياستهم بشتى الوسائل الممكنة. اما اتخاذ المواقف الرمزية تحت وطأة الضغوط الانتخابية فهو سيؤدي في نظرنا الى زيادة الامور سوءاً".
وقد يكون هذا التحليل مغالياً في تشكيكه بجدوى الخطوة الاميركية والدوافع الكامنة وراء التصعيد الراهن. لكن المخاوف الفعلية تتزايد من احتمال عدم اقتصار التصعيد على النواحي السياسية واللفظية والاقتصادية الرمزية، وتجاوزه الى مستويات عملية في حال خروجه عن نطاق السيطرة. عندها تكون هذه المرة الاولى التي تفشل فيها سياسة "حافة الهاوية" التي طالما نجحت في الماضي وحالت دون دخول واشنطن وطهران في حيز الاصطدام المباشر. وربما صحت في حال حدوث ذلك التكهنات التي سادت بشدة منذ مطلع هذا العام في شأن اقتراب موعد الضربة العسكرية التي سيتم توجيهها الى ايران، سواء عن طريق اسرائيل او الولايات المتحدة، او بواسطة قوات الجانبين معاً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.