على رغم عدم اعلان اسرائيل عزمها على توجيه ضربة جوية إجهاضية منفردة للمنشآت النووية الإيرانية، تبرز اجراءاتها الاستفزازية والتصعيدية منذ فترة مدى قلقها من تطور برنامج طهران النووي، كما تنم عن رغبة دفينة وملحة للتعجيل بالضربة بغية الحيلولة دون انتاج طهران قنبلة نووية في غضون عام بحسب ما تزعم الاستخبارات الإسرائيلية، ونظراً الى ما ينطوي عليه هذا العمل العسكري المحتمل من مخاطر ومحاذير وما يحفه من تحديات، عمدت تل أبيب إلى ممارسة ضغوط هائلة على واشنطن لحملها على المضي قدماً في هذا الدرب, في شكل مباشر من خلال الانفراد بتوجيه الضربة العسكرية الإجهاضية للبرنامج النووي الإيراني, أو بالتعاون مع إسرائيل، أو على نحو غير مباشر عبر توفير الغطاء السياسي والدعم الإستراتيجي لأي توجه اضطراري إسرائيلي منفرد في هذا الخصوص. وفيما كان المسؤولون الأميركيون يتجنبون الخوض في احتمال قيام إسرائيل بمثل هذه الخطوة، لم يتورع جون بولتون عن التنبؤ بضربة إسرائيلية وشيكة ضد إيران خلال الفترة بين إجراء الانتخابات الأميركية في تشرين الثاني نوفمبر المقبل وتنصيب الرئيس الأميركي الجديد في كانون الثاني يناير المقبل، إذ يرى تلك الفترة مناسبة كي تقوم إسرائيل بضربتها، لأنها يمكن أن تحظى بدعم الرئيس بوش من دون أن تؤثر في نتائج الانتخابات. وتكتسب تصريحات بولتون أهميتها من كونها تصدر عن الممثل الأميركي السابق لدى الأممالمتحدة والوثيق الصلة بمسؤولين أميركيين وإسرائيليين، إلى جانب صدورها بعد أيام من نشر مجلة"دير شبيغل"الألمانية تقريراً مفصلاً عن دراسة وزراء إسرائيليين خططاً لضربة عسكرية ضد إيران. غير أن الأمر لا يتعلق بنيات إسرائيل حيال إيران بمقدار ما يرتهن بمدى قدرة تل أبيب على تجشم معاناة هذه المهمة الشاقة بمفردها وتوجيه ضربة إجهاضية ناجحة للمنشآت النووية الإيرانية على غرار تلك التي أجهزت من خلالها على المفاعل النووي العراقي"تموز"في حزيران يونيو 1981، لا سيما أن معطيات الواقع تؤكد وجود اختلافات جوهرية بين الحالتين. فمن حيث الظرف السياسي والبيئة الإستراتيجية، كانت الأمور مهيأة تماماً على الأصعدة كافة أمام إسرائيل للقيام بضربتها ضد المفاعل النووي العراقي، فقد كان النظام في بغداد متورطاً في حرب ضروس مع إيران وكانت أجواؤه مغلقة ولم يكن يتوقع ضربات من هذا النوع تحديداً من إسرائيل، التي كانت بدورها تستثمر حالة العزلة العالمية المفروضة عليها للتعاطي في شكل منفرد مع خطر البرنامج النووي العراقي، الذي اعتبره رئيس وزرائها وقتذاك مناحيم بيغن بمثابة"محرقة ثانية"بعدما أدعى أن بمقدوره إنتاج قنابل نووية ومن ثم قام بتدميره في وقت لم يكن العالم منشغلاً بالبرنامج النووي العراقي على نحو ما هو الآن مع نظيره الإيراني. من هنا، يصعب على إسرائيل تكرار السيناريو ذاته مع إيران، التي يدير المجتمع الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة معها عملية تفاوضية مفتوحة لوقف تخصيب اليورانيوم، ولم تصل هذه العملية الى نهايتها أو إلى طريق مسدود في الوقت الذي لم تبد الولاياتالمتحدة أو القوى الكبرى استعداداً للتخلي عن النهج السلمي، الأمر الذي يجعل من الصعب على إسرائيل إقناع العالم بأن البرنامج النووي الإيراني خطر عليها وحدها بما يدعوها الى إجراءات عسكرية منفردة، خصوصاً أن القوى الكبرى ستتخوف من أن تضطر إيران الى معاودة بناء ذلك البرنامج النووي مجدداً على نحو عسكري. وإذا أضفنا إلى ذلك أن العلماء العراقيين كانوا قد تمكنوا عام 1981 بمفردهم من تخصيب اليورانيوم كهرومغناطيسياً من دون مساعدة أجنبية، يؤكد ويليام بيرنز القريب من وزيرة الخارجية الأميركية والمعني مباشرة بالملف الإيراني، أن إيران لم تحقق كثيراً من التقدم في برنامجها النووي وظلت خطواتها متواضعة على هذا الصعيد لأنها لم تتقن بعد بامتياز القدرة على التخصيب بسبب العقوبات الدولية وانسداد أقنية استيراد التكنولوجيا اللازمة لمواصلة تطوير برنامجها النووي، تظل إسرائيل في حاجة إلى مبرر إستراتيجي موضوعي أو غطاء سياسي ملائم يتيح لها الإقدام على ضرب المنشآت النووية الإيرانية. وتبقى ردود الفعل الإقليمية والدولية المتوقعة على أي ضربة إيرانية تشكل إرباكاً للإسرائيليين والأميركيين في آن، ففيما اكتفى المجتمع الدولي في رده على تدمير الإسرائيليين المفاعل النووي العراقي عام 1981 بموجة من الانتقادات لتل أبيب هدأ من روعها وزير الخارجية الأميركي في ذلك الوقت ألكسندر هيغ بمعاونة المندوب الأميركي لدى الأممالمتحدة جان كريك باتريك، كما لم تتجاوز العقوبات الأميركية الشكلية للإسرائيليين مجرد الوقف الموقت لصفقة بيع طائرات"إف 16"الأميركية التي استخدمت في الهجوم، يتخوف الأميركيون بل الغرب برمته من أن تتخطى ردود الفعل الإيرانية والإسلامية المتوقعة جراء أية ضربة إسرائيلية ضد إيران، حدود الدولة والمصالح الإسرائيلية لتطاول الولاياتالمتحدة وحلفاءها الغربيين بجريرة دعمهم السياسي والإستراتيجي للدولة العبرية. وبحسابات إستراتيجية أكثر دقة، يبدو الموقف الإيراني أصعب من سالفه العراقي، ففي حين كان المفاعل النووي العراقي يعاني الانكشاف الإستراتيجي جراء الاختراق الاستخباراتي والتركز الجغرافي في مواقع متجاورة فوق سطح الأرض، تحظى المنشآت النووية الإيرانية بمفاعلاتها ومراكزها البحثية ومبانيها، بإجراءات حماية وتحصين هائلة، كما انها لا تتركز كلها في منطقة واحدة بل تتوزع على مناطق مختلفة ويقبع معظمها تحت الأرض. والأهم من ذلك، أن البرنامج النووي الإيراني يخضع لإجراءات رقابة غاية في الصرامة بما يحول دون اختراقه داخلياً من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية بسبب تقلص عدد الخبراء والفنيين الأجانب إلى أدنى حد ممكن، بعكس نظيره العراقي، الذي كان مخترقاً ما أتاح لإسرائيل توجيه ضربات إجهاضية تكتيكية متوالية له في أكثر من موضع وخلال سني إنشائه المبكرة، فلما انتهت فرنسا من صنع قلب المفاعل وجهز ليُشحن إلى العراق في نيسان أبريل 1979، تسللت عناصر من الموساد الإسرائيلي إلى المستودعات التي خزن فيها قلب المفاعل في ميناء سانت سورمير وزرعوا متفجرات في داخل المستودع وتم تفجيره في 7 نيسان من ذلك العام، كما عمد الموساد إلى إرهاب العاملين على تنفيذ مشروع تموز وتصفيتهم، ومن أبرزهم العالم المصري الدكتور يحيي المشد، الذي عمل في مشروع تموز - 1 منذ عام 1977 وكان موجوداً في فرنسا حينها لتسلم أجزاء من المفاعل ومطابقتها مع المواصفات المتعاقد عليها بين الطرفين، إذ إغتالته عناصر من الموساد في 13 حزيران يونيو 1980 ذبحاً في غرفته في أحد فنادق باريس، وفي 13 كانون الأول ديسمبر من العام نفسه اغتال الموساد أيضا مهندساً عراقياً يدعي عبد الرحمن رسول كان يعمل في لجنة الطاقة الذرية العراقية. وعقب تدمير المفاعل النووي العراقي بيومين، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها مناحيم بيغن أن عميلاً فرنسياً هو الذي وضع جهاز إرسال داخل المفاعل لإرشاد الطائرات الإسرائيلية المهاجمة. ولئن كانت القدرات الإسرائيلية ملائمة تماماً عام 1981 إذ لم تتعد المسافة التي قطعتها الطائرات الإسرائيلية للوصول إلى المفاعل العراقي 1100 كلم فقط، يبدو الأمر أكثر صعوبة في الحالة الإيرانية التي تقترب المسافة المطلوب عبورها من 1800 كلم ما يخلق مشاكل لوجيستية وجيوإستراتيجية أمام المخطط الإسرائيلي، تحاول تقارير أمنية إسرائيلية التقليل من شأنها عبر تأكيد جاهزية سلاح الجو الإسرائيلي للاضطلاع بهذه المهمة، التي قد لا تستوجب بالضرورة تدميراً كاملاً لكل المنشآت النووية الإيرانية بمقدار ما تتطلب ضربات موجعة تعيده عقوداً الى الوراء لا سيما وأن أي برنامج نووي يعمل عبر سلسلة من المنشآت التي لا بد من أن يكون لديها نقاط ضعف مثل أي سلسلة، كما أن القوة الضخمة قد تكون مفيدة ولكنها ليست بالضرورة مطلوبة في الحالة الإيرانية. ومن زاوية أخرى، لا تزال تل أبيب قلقة في شأن حدود الدعم الأميركي المتوقع لأي هجوم إسرائيلي على إيران. فبينما وفرت واشنطن لإسرائيل مطلع الثمانينات دعماً إستراتيجياً وغطاء سياسياً لضرب المفاعل العراقي، يبدو العون الأميركي المحتمل لإسرائيل اليوم، أياً كان نوعه، غير محسوم. وبينما تعلن واشنطن أنها لا زالت تتمسك بسياسة المسار المزدوج مع طهران?، وأن إجراء الإيرانيين تجارب صاروخية جديدة"وهمية"لم يستفز الأميركيين للصدام معهم، كما أن هدف السياسة الأميركية هو تغيير سياسة الإيرانيين المثيرة للجدل وإقناعهم بالعدول عن طموحاتهم النووية ووقف دعم الإرهاب والمجموعات المسلحة، والتحول إلى شريك بناء في المنطقة وذلك من خلال وسائل ديبلوماسية ربما تصحبها بعض العقوبات الاقتصادية، تؤكد مصادر استخباراتية أميركية من جانب آخر أن واشنطن تسلك طريقاً موازية تخطط من خلالها لتوجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية بما لا يتعارض مع التعثر الأميركي في العراق، خصوصاً أنها ستكون ضربة جوية فقط وليست عملية غزو. وأكد فنسنت كانيسترارو، الذي كان يعمل مع"سي أي ايه"ومجلس الأمن القومي، أن التخطيط يجرى على رغم الإنكار المعلن لوزير الدفاع، وتم تحديد المواقع النووية الإيرانية المستهدفة، ويتم حالياً تجهيز المعدات المطلوبة لهذا الغرض، إذ أمر بوش الشهر الماضي بتحريك مجموعة عسكرية ثانية تقودها حاملة الطائرات"يو اس اس جون ستينيس"إلى الخليج لدعم حاملة الطائرات"يو إس إس ايزنهاور"، وأرسلت صواريخ باتريوت إضافية إلى المنطقة، فضلاً عن كاسحات الألغام، كما تم تخزين احتياطات النفط تحسباً لعمل انتقامي إيراني. وعلى رغم حرص تل أبيب وواشنطن على التقليل من شأن التهديدات الإيرانية لكليهما، يظل رد الفعل الإيراني المتوقع على أي هجوم على المنشآت النووية الإيرانية يشكل قلقاً للأميركيين والإسرائيليين بل والعالم أجمع. فإذا سلمنا أن بمقدور إسرائيل الإقدام، سواء بمفردها أو بمعاونة الولاياتالمتحدة، على عمل عسكري ضد إيران، تظل أمامها مشكلة حقيقية في ما يخص رد الفعل الإيراني المتوقع، فعلى عكس الصمت العراقي الرهيب على ضرب مفاعل"تموز- ا"، لا يمكن لإيران أن تترك الأمر يمر مرور الكرام، خصوصاً أنها لا تكف عن إظهار استعدادها للتعاطي مع أي اعتداء وامتصاص الضربة الأولى وتوجيه ضربات مضادة بآلاف الصواريخ الباليستية أرض - أرض متوسطة المدى من طراز شهاب -3، التي يتجاوز مداها 2000 كم وتحمل رأساً تفجيرياً يزن 1000كلغ كما بوسعها أن تطاول المصالح الأميركية في الخليج والعراق وبقاعاً مختلفة من العالم إلى جانب العمق الإسرائيلي وكذلك القوات الأميركية في دول آسيا الوسطى المجاورة لإيران وفي أفغانستانوالعراق حيث تقيم واشنطن قواعد عسكرية تقع في مرمى الصواريخ الإيرانية التقليدية القصيرة المدى. كذلك أعلنت طهران عن تشكيل 600 فوج لتعزيز القوة الدفاعية ووحدات قوات التعبئة الشعبية فضلاً عن تشكيل الفيالق التي تعتمد على قدراتها وكفاءاتها الذاتية ما يرفع مستوى الجاهزية القتالية للقوات البرية، إلى جانب الخلايا الإيرانية النائمة والمنتشرة في أفغانستانوالعراق وحول العالم. كما أعلن مسؤولون إيرانيون أن طهران اختبرت صواريخ قادرة على ضرب السفن الحربية الأميركية في الخليج. وبحوزة إيران أيضاً أوراق أخرى، فعلاوة على وقف إنتاج النفط الإيراني، يمكن وقف الملاحة في مضيق هرمز الذي يعد الشريان الحيوي لتدفق النفط عالمياً إذ يمر عبره 40 في المئة من النفط العالمي بواقع 20 مليون برميل يومياً وذلك بإغراق إحدى ناقلات النفط الإيرانية فيه، في الوقت الذي يتطلب إعادة فتحه في ظروف هادئة عامين على الأقل بحسب التقديرات الأميركية. وقد تحسبت إيران لظروف الحرب والحصار وقامت بتأمين احتياجاتها من مصادر الطاقة، حيث عملت على تكديس ثروة كبيرة لم تكن في الحسبان، بعدما بلغت صادراتها النفطية في العام الماضي قرابة خمسين بليون دولار عندما كان سعر برميل النفط لا يزال دون مئة دولار. ولم تتردد طهران في التهديد بأن تدمير منشآتها النووية يولد لديها رغبة في إعادة بناء وتطوير برنامجها النووي للأغراض العسكرية على غرار ما فعل صدام حسين عقب تدمير إسرائيل لمفاعله النووي عام 1981. وعلى رغم كل ذلك تبقى فاعلية قوة الردع الإيرانية رهن مدى صدقيتها، بمعنى تأكد الخصم، المتمثل في إسرائيل والولاياتالمتحدة من جديتها وثقتهم في قدرة إيران على استخدامها وإلحاق أكبر أضرار ممكنة بهذا الخصم وبمصالحه. وفي هذا السياق، تلوح في أفق إستراتيجية إيران الردعية تحديات أهمها، أن الركن الرئيس في تلك الإستراتيجية والمتمثل في صواريخ شهاب يعاني مشاكل أهمها احتياج إيران الشديد لعدد ضخم من تلك الصواريخ حتى تستطيع تنفيذ إستراتيجية الإغراق الصاروخي التي تخولها إصابة أكبر عدد ممكن من الأهداف الأميركية والإسرائيلية بعد تعويض الفاقد منها بسبب الدفاعات الصاروخية الإسرائيلية والأميركية المتطورة، فضلاً عن أن هذه الصواريخ لا زالت تعاني عيوباً خطيرة في التوجيه إلى جانب تواضع قدرتها التدميرية بما يقلل من فاعليتها ودقتها وينال من قدرتها على الإفلات من المنظومة الإسرائيلية - الأميركية المضادة للصواريخ. والأدهى من كل ذلك، أن كلاً من تل أبيب وواشنطن لا زالتا تشككان في قدرة الردع الإيرانية المحتملة، التي تعتمد إمكانات ذاتية إيرانية إلى جانب دعم روسي وصيني محدود في مواجهة التقنية العسكرية الأميركية المتطورة لدى خصومها، ففيما يظل تعويل طهران على أي دعم عسكري من روسيا أو الصين محض أمنيات على رغم تأكيد رجب صافاروف، وهو أبرز الخبراء في العلاقات الروسية - الإيرانية، أن روسيا ستعزز تعاونها العسكري مع طهران ولن تكرر خطأ العراق وتتخلى عنه في وقت الأزمة، تنوي الولاياتالمتحدة نشر نظام"ايغيس"قبالة السواحل الإسرائيلية من أجل تأمين خطوط دفاعية ثانية ضد الصواريخ البالستية الإيرانية، وهو نظام دفاعي جوي متكامل ذو مدى متوسط ومجهز برادار يصل مداه إلى 450 كم ويمكن أن يستهدف أكثر من 250 هدفاً مختلفاً، ويتلقى النظام معلوماته آلياً من البواخر أو الطائرات أو الأقمار الاصطناعية، مع مراعاة أن إسرائيل ما برحت تحتفظ بحقها في الدعم الديبلوماسي الأميركي بينما تصطدم أي محاولة من موسكو أو بكين لتقديم دعم عسكري أو سياسي مماثل لطهران بالإجماع الغربي على محاصرة الأخيرة وعزلها. وبناء عليه، يمكن القول أن الحسابات النظرية في المقارنة بين الحالتين العراقيةوالإيرانية تشي بصعوبة نجاح إسرائيل في تكرار السيناريو العراقي في الحالة الإيرانية الراهنة، غير أنها لا يمكن أن تضمن بالضرورة كبح جماح تل أبيب عن خوض المغامرة استناداً إلى عاملين، أولهما، تفكير رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت في قبول التحدي وخوض المغامرة واضعاً الأميركيين والعالم أمام الأمر الواقع، متوخياً بذلك عرقلة مساعي طهران لامتلاك السلاح النووي على نحو يمكن استثماره داخلياً للخروج من مستنقع الأزمات السياسية والقانونية التي تحاصره، وثانيهما، تنامي شكوك الأميركيين والإسرائيليين في صدقية الردع الإيراني المعلن، خصوصاً الركن الأساسي فيه والمتمثل في الصواريخ الباليستية، التي تبارت مصادر استخباراتية وعسكرية أوروبية وأميركية في التأكيد أن الصورة التي بثتها إيران لتلك الصواريخ وتصدرت كبريات الصحف العالمية كانت محض خداع. غير أن صحيفة"التايمز"البريطانية تذهب إلى عكس ذلك، إذ ترى من جانبها أن وضعاً كهذا من شأنه أن يقلص احتمالات حدوث تصعيد عسكري بين تل أبيب وطهران ويحصر الأمر في دائرة الاستفزازات والحرب الكلامية، طالما أن إسرائيل لن تستطيع بمفردها توجيه ضربة عسكرية ناجحة وآمنة للمنشآت النووية الإيرانية في وقت لا يبدو الأميركيون مستعدين للتورط عسكرياً ضد إيران بأي صورة، من خلال مشاطرة تل أبيب مثل هذا الأمر، أو حتى دعم أي تحرك إسرائيلي منفرد في هذا الصدد، على الأقل في الأمد المنظور. ومن ثم يظل التصعيد الراهن بين طرفي الصراع مجرد خداع وابتزاز إستراتيجيين يتوخى كل طرف بواسطته ممارسة الضغوط على الطرف الآخر بغية حمله على التراجع وتقديم أكبر قدر ممكن من التنازلات من دون الانجرار إلى أي نشاطات عسكرية لا يبدو أي طرف راغباً فيها. پ * كاتب مصري