سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني يتذكر . جورج حاوي : لهذه الاسباب قدمت استقالتي ، اعترف بمسؤوليتي والقيادة السيئة تنتج معارضة سيئة الأخيرة - قسم ثاني
شهود تحت الطلب كان اليوم يوم جمعة. طلب مني لحود ان أغيب عن الانظار حتى الاثنين بسبب وجود مذكرة جلب واستنطاق وتوقيف من قائد الجيش. فكرت في الامر. هل اختفي عن الانظار وأبدأ حياة سرية من جديد مع اننا بالأمس لعبنا دوراً في انتخاب سليمان فرنجية مع صائب سلام. قلت لن اختفي وأنا لم اشتم الجيش وسأجيب عن الاسئلة، ثم هناك نصري لحود الذي لن يسخّر ضميره. بعد نصف ساعة جاءت الشرطة العسكرية واخذتني الى النظارة في المحكمة العسكرية. عرف نصري لحود فجاء فوراً. قلت له لم استطع ان اغادر البيت. احضر البوظة والقهوة وأوصى الحراس بي وارتبك كيف سأقضي الصيف في السجن وفي حرّ خانق. بدأ التحقيق معي فنفيت ان اكون شتمت الجيش وأعدته الى ما نشرته مجلة "الطريق" عن المحاضرة وبنصها. قلت انا انتقدت السياسيين الذين لا يربون الجيش تربية قتالية ولا يوجهون الجيش للدفاع عن لبنان بل يضعون امامه مهام اخرى فترى بعض ضباط يتحرقون وطنية ويخشون من ان يصابوا بمرض البواسير من فرط الجلوس على الكراسي بعيداً عن الجبهة. هذا انتقاد سياسي لسياسة الحكم تجاه الجيش وليس للجيش نفسه. سألني اذا كان لديّ شهود فسألت عن الجهة المدعية فقال هناك لائحة شهود ضدك فقلت اكتفي بهم. في اليوم التالي بدأ استجواب الشهود. جاء اربعون شاهداً ممن ظهرت صورهم في الصحف ونفوا جميعاً ان اكون قد شتمت الجيش. وكان نصري لحود يتصل بقائد الجيش العماد جان نجيم خال نصري لحود ويطلعه على النتيجة فيطلب منه الاستماع الى شهود آخرين. وكانت الضجة في البلاد كبيرة ومانشيتات الصحف تتحدث عن الموضوع وبيانات للاحزاب. في اليوم الرابع دخل الى النظارة شخص مرتبك لا اعرفه ولا يعرفني وبعد نصف ساعة دخل شخص آخر. أرسل نصري لحود في طلبي، بدا مرتبكاً وقال: اذا كان لديك شهود يجب ان تأتي بهم. قلت سأتصل بالمحامي فؤاد شبقلو لاستقدام شهود. ولم يكشف لحود لي قصة الرجلين اللذين أُدخلا الى النظارة. جاؤوا لي بالطعام فدعوت الرجلين وبدأنا نأكل واذا بهما يشتمان: الله يلعن جورج حاوي وساعته؟ سألتهما من هو جورج حاوي فقالا: جاؤوا بنا لنشهد ضده. قلت: وهل تعرفانه قالا: لا نعرفه. سألتهما عن القصة فقالا: طلبوا منا ان نقول انه شتم الجيش ونحن لم نكن في المحاضرة. وحكى الاول انه طالب تقدم الى امتحان البكالوريا وقد جاؤوا به الى ثكنة هنري شهاب وقالوا له: انت شقيقك في السجن فإما ان تشهد ضد جورج حاوي واما ان نطرد شقيقك وترسب انت في البكالوريا. وقال الثاني: انا ابني في الجيش وقالوا لي سنضع ابنك في السجن إن لم تشهد ضد جورج حاوي. الطريف ان القاضي طلب منهما ان يصفا جورج حاوي وماذا كان يرتدي فقلنا له كان يلبس الكاكي. اخرج القاضي صورة من جيبه وتبين انه كان يضع كرافات، اتهمنا القاضي بالكذب وادخلنا الى النظارة. فقلت لهما: وماذا لو عرف جورج حاوي؟ ألا تعرفون انه شيوعي؟ فقالا: هل تعتقد انه سيعرف. فقلت لهما انا جورج حاوي. بكى الاثنان وراحا يتوسلان اليّ فقلت لهما انا لا أثير الفزغ. ناديت العريف وقلت له اريد ان أرى المحقق وحين رأيته قلت له ان الرجلين سيدليان بشهادة جديدة. وبالفعل حكى الشخصان القصة وكيف أُرغما على الادلاء بإفادة كاذبة. اخذ رياض طه وملحم كرم القصة وتوجها الى القصر الجمهوري وانفضحت المسألة. لماذا الاستقالة؟ في العام 1993 قدّمت استقالتك من الهيئات القيادية في الحزب؟ - في 1993 كانت المرة الثالثة التي اقدّم فيها استقالتي من الامانة العامة للحزب. وكنت قدّمت استقالتي في 1991 وبعد الانتخابات النيابية في 1992 وكان المكتب السياسي يرفض هذه الاستقالة وكان البعض يعتبرها من قبيل المناورة. كتاب الاستقالة وثيقة فكرية - سياسية - تنظيمية تعبّر عن قناعاتي ليس فقط بالنسبة الى الماضي بل ايضاً بالنسبة الى استشراف المستقبل. انا دخلت الى الحزب بهدف اجراء عملية تغيير ثوري في البلاد يمكن للحزب ان يكون احد ادواتها إن لم يكن اداتها الوحيدة. وبقيت في الحزب لهذا الهدف وارتقيت فيه من اجل هذا الهدف وعملت في الحركة الوطنية ثم في الحياة السياسية. ما قمت به من حسنات كان لهذا الهدف وما ارتكبته من اخطاء وهفوات كان من اجل الهدف نفسه. في المرحلة الاخيرة بدأت اشعر ان الامر عملية التغيير الثوري لم يعد ممكناً ان يحصل من خلال الأطر الراهنة للتنظيم الحزبي على رغم ان حزبنا كان قد تميز عن سائر الاحزاب الشيوعية بمواقف محددة حصّنته من الانهيار وهذه المواقف رسمت في مؤتمره الثاني وطوّرت في مؤتمره الثالث حول النقاط الخمس التي رأيناها موقع الخلل في الفكر والممارسة الماركسيين بدءاً من الوضع الاقتصادي والموقف من التأميم مروراً بالقضية القومية وبقضية الدين وقضية الديموقراطية ووصولاً الى قضية الحزب الواحد الهرمي التنظيم. كنت اشعر ان الاصلاح لا يمكن ان يتم طالما نحن ننتمي الى مدرسة فكرية تنظيمية عامة وطالما ان الناس سيحاسبوننا على ما ارتكبه السوفيات لا على اساس ما حققناه نحن من نجاحات. ثم ان حالة الانهيار في الوضع العربي ورؤيتي ان الحل الاستسلامي سيسير رغم بعض العقبات هنا وهناك وحالة الانهيار في الوضع اللبناني حيث ذهبت هدراً دماء الوف الشباب المقاتلين من كل الاتجاهات والطامحين الى التغيير الديموقراطي لتغرق البلاد في آتون نظام طائفي اكثر سوءاً من النظام السابق. كل ذلك اضافة الى تفاهة الحياة السياسية الحزبية في لبنان جعلني استنتج ان لا بد من تغيير جذري في منهج العمل الثوري وبرنامجه ووسائله وادواته. هل يعني ذلك ان الحزب الشيوعي لم يعد اداة للتغيير؟ الواقع انه لم يعد اداة التغيير الوحيدة ولا بد ان يطور ولا بد ان تخلق اداة للتغيير اكثر اتساعاً من الحزب واكثر شمولية تحتضن الحزب ويحتضنها وتتفاعل معه لخلق ما اسميناه الحركة الثورية اللبنانية الجديدة لبنانياً والحركة الثورية العربية الجديدة عربياً وعلى هذه الحركة ان تستفيد من دروس الماضي وعبره فتصنع نهجاً للتطوير في المستقبل لا يكون جامداً كما كانت برامجنا الفكرية والسياسية ولا عديم الهوية كما يفعل البعض فلا يجدد اسمه فقط بل يلغي هويته الثورية ايضاً. للانصراف الى مثل هذه الحركة قدّمت استقالتي من الامانة العامة للحزب وانصرفت الى فترة مراجعة فكرية سياسية والى فترة عمل اقتصادي علني استطيع الوفاء بعدد من الديون الشخصية والحزبية التي تراكمت باسمي اثناء توليّ مرحلة المسؤولية. فخلافاً لما هو شائع لقد خرجت مثقلاً بالديون واذا لم اوفق في توفير مداخيل لتسديدها لن استطيع متابعة العمل السياسي. ومن خلال هذا العمل الاقتصادي اسعى الى ان أكوّن أسس وموجبات عمل سياسي من نوع جديد فكري واعلامي تعبوي وتنظيمي حركي واسع يكون الحزب جزءاً منه اذا استطاع ان يتأقلم وان يتطور. أكاد أصل الى نهاية هذه المرحلة والى بداية الانطلاق في التوجه مرة اخرى الى الحزب لأعمل معه وخاصة مع امينه العام المتفاني والكفوء فاروق دحروج من اجل التطوير المطلوب الآن في الحزب فإن استطعنا ان ننجح كان الحزب مرة اخرى رافعة لخلق الحركة الثورية الجديدة وإن لم نستطع سأواجه بمسؤولية مهمة انشاء حركة من نوع جديد خارج اطار الحزب، متممة له ومتفاعلة معه. وما يشجعني على ذلك الاجواء التي تصلني عن جو الحوارات التي يعيشها الحزب، وبعضها ينشر وبعضها لا ينشر. فكثير من الرفاق عندهم ما يقولونه، كريم مروة، جورج البطل، سعد الله مزرعاني، سناء ابو شقرا، خالد حدادة، جوزيف ابو عقل، حسين حمدان، اديب نعمة، شفيق شعيب، يوسف مرتضى، خالد المصري… وغيرهم… وغيرهم. استقلت من الهيئات القيادية فقط؟ - وحتى من العمل الحزبي فأنا الآن عضو غير عامل. انها فترة انتقالية سأعود بعدها الى طرح افكار تجديدية في الحزب فإن انتصرت واقتنعت بها او اقتنعت بما هو جديد في الحوار سيكون الأمر جيداً والاّ ففي ذهني ان انطلق الى حركة ثورية جديدة خارج اطار الحزب مع التمني ان ينجح الحزب في ان يلعب دوره الثوري لنتكامل ونتعاون. الى أي حد شعرت بالمرارة يوم انهيار الاتحاد السوفياتي؟ - الى أبعد حد تماما كما شعر أي وطني في هذا العالم. هل شعرت ان عمرك ذهب سدى؟ - لا شك ان بعض العمر قد ذهب سدى. هناك 37 عاما من المعارك ثم ترى ان النموذج الذي دافعت عنه رغم انتقادك له ينهار ولكن لم يذهب سدى التعلق بالاهداف والمثل التي من أجلها انتسبت الى الحزب والتي أنا الآن أكثر ثقة بها من الماضي. توليت مواقع في الحزب والحركة الوطنية والحياة السياسية هل تستطيع ان تجزم انك لم تستفد مالياً من هذه المواقع؟ - لو استفدت لكنت الآن نائباً ووزيراً. في كثير من الأحيان اتساءل إذا كنا كحزب قد اعتمدنا الطريق الصحيح في البقاء نظافا وسط جو موبوء. لم استفد بل دفعت ثمنا غاليا. هدم بيتي في بتغرين واحرق وهدم بيتي في عاليه وهدم بيت كانت اشترته زوجتي في منطقة الاوزاعي وضرب بيتي في بيروت. عملت زوجتي 24 سنة كطبيبة ناجحة وبمداخيل كبيرة لوفرة من كانت تعاينهم وكثرة العمليات لكنني أغرقتها بالديون بعدما استنزفت منها كل ما حصلته. ارهاصات لا تيارات هل نستطيع القول ان الحزب الشيوعي اللبناني يبحث عن هوية جديدة؟ - في هذا القول شيء من الصحة. ربما لا يبحث عن هوية بل كيف يبلور منطلقاته الجديدة وهويته نفسها بصيغة جديدة. هناك حديث عن تيارات ومحاور فهل هذا صحيح؟ - من المؤسف ان هذا الكلام غير صحيح. يا ليت. انا اعتقد ان أحد أسباب فشلنا هو عدم نشوء معارضة فكرية سياسية تنظيمية جدية. هناك ارهاصات تجد تبريراً لها في الواقع السيء للقيادة، وهذا من مسؤوليتي. القيادة السيئة تنتج معارضة سيئة ايضا، القيادة الديموقراطية السليمة تنتج معارضة سليمة. انها أقنية مستطرقة. المعارضة على شكل القيادة. لا يوجد تيارات. هناك تعبيرات عاجزة عن التبلور في خط. أنتم في حالة احباط إذاً؟ - لا شك ان هناك شيئا من الاحباط. الاحزاب الشيوعية بارعة في اختراق الاحزاب الاخرى هل حصل ذلك في لبنان؟ - طبعا هناك أناس يصلون في احزابهم الى قناعة بصحة خط الحزب الشيوعي ويتصلون بالحزب. منهم من لا يستطيع ان يبقى في موقعه ومنهم من يبقى ويعمل مع الحزب. هل كانت هناك اسماء بارزة؟ - حصل ذلك لكنني لن أورد اسماء. الى كم وصل عدد اعضاء الحزب الشيوعي؟ - الى 15 ألف عضو عامل في مرحلة النهوض في "حرب الجبل". من الصعب الآن ان يصير شخص ما شيوعيا؟ - لا هناك من يقدم على هذا الخيار وربما يكونون كثراً. هل يتلقى الحزب الشيوعي اللبناني الآن طلبات انتساب؟ - نعم عرفت أخيراً بوجود انتسابات جديدة. ليست بالكثافة السابقة لكن مجرد انتساب أعضاء جدد يثبت ان شعبنا لا يزال يبحث عن حل لمشاكله. ثم ان الحزب لا يزال القوة الرئيسية بين العمال والنقابيين ولا يزال القوة الرئيسية بين المعلمين ابتدائيين وثانويين وجامعيين وبين المثقفين وفي الأرياف. لا يمكن القضاء على الحزب. المشكلة ان هذه القوة وزنها أقل من حجمها بدلاً من أن يكون وزنها أضعاف حجمها كما كان في السابق وذلك لانعدام اطار العمل الوطني والبرنامج الوطني والرافعة الوطنية. هناك من يتهمك بأنك كنت طرفاً رئيسياً في زعزعة استقرار النظام والبلاد قبيل الحرب؟ - لا شك وأنا يساورني حيال ذلك شعور مزدوج من الفخر والأسف. تفتخر بماذا؟ - كوني لعبت دوراً رئيسياً في زعزعة نظام الاستغلال والتمييز والتسلط واللاوطنية الذي كان قائماً. وآسف لكون هذه الزعزعة ليست بعد في صالح نظام الوطنية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية. لبناء نظام جديد لا بد من انهيار أسس النظام الماضي. نحن في مرحلة انهارت فيها أسس النظام الماضي وتجري محاولة اعادة بناء البلد على أسس قد تعيد الماضي. من هنا القلق. سنتابع المعركة باتجاه أن يوظف هذا الانهيار في حالة بناء جديدة. على ماذا أنت نادم؟ - كوني أنني فوت فرصاً عديدة ربما كان بالامكان الاستفادة منها لتسريع أو لاجراء تغيير ديموقراطي أقل ارتفاعاً في المستوى وأكثر انتشاراً في الأفق وأكثر واقعية. داخل الحزب؟ - لا، من خلال الحزب ولكن داخل الوطن. قد تكون هناك فرص ضاعت. وهواياتك؟ - المطالعة. اذهب الى الصيد أحياناً ولكنني لا ادعي انني صياد ماهر. في أي حال العمل في الحزب لا يترك لك احياناً الا الوقت اللازم لقراءة الصحف. من هم أقرب الناس اليك؟ - ارجو اعفائي من الجواب على هذا السؤال. فمن الأسهل علي ان أجيب عن سؤال من هم اعدائي، وهم قلة، اما اصدقائي فلا حصر لهم. هل وقعت خلال الحرب على قرار باعدام شخص؟ - باستثناء أوامر القتال ضد اسرائيل وعملائها لم أوقع أي امر بالاعدام وكنت ضد مبدأ ان تحاكم الاحزاب الناس وان تضع نفسها مكان القضاء. تردد ان الحزب الشيوعي اعدم أسرى؟ - هذا افتراء لا أساس له من الصحة. الحزب الشيوعي ظل مناقبيا واخلاقيا في كل تصرفاته حتى انني لا أعرف حادثة فردية ارتكبها شيوعي في هذا السياق. قد تكون ارتكبت بعض التجاوزات لكنها بالتأكيد دون مستوى هذه الاتهامات واتحدى أن يعطوني حادثة واحدة. هناك نوع من الافتراق مع الوزير وليد جنبلاط ما قصته؟ - خرج وليد جنبلاط مضطراً من موقعه كقائد للحزب الاشتراكي الى موقعه كزعيم للدروز وأنا خرجت من موقعي كأمين عام للحزب الشيوعي للأسباب التي ذكرت. لا يزال احترامي الشخصي له كما كان واكثر والأمر نفسه بالنسبة الى مودتي لكن لم يعد هناك اساس راهن للقاء. عندما سأعود الى مزاولة مهامي النضالية وعندما سيعود وليد جنبلاط الى ترؤس الحزب الاشتراكي والعمل الوطني سنكون يداً واحدة وقلباً واحداً. وهل هناك افتراق ايضا مع محسن ابراهيم بعد العلاقة الطويلة بينكما؟ - انها علاقة تمتاز بافتراق فلقاء فافتراق فلقاء!! وفي كل مرة نفترق نلتقي بحميمية أكبر. التقينا بعد فراق طويل كان هو في حركة القوميين العرب وأنا في الحزب الشيوعي. التقينا وكنا المبادرين الى الحوار القومي الشيوعي وصولا الى المشاركة في بناء أول جبهة للاحزاب بعد مرحلة الاستقلال. ثم اختلفنا لاندفاعه في ثورية مغالية غيفارية ماوية، وانا أردد هنا ما قيل يومذاك، واتهامي بالانتهازية والتخاذل والاصلاحية والجنبلاطية. وعاد اللقاء حميميا في مرحلة النضال من اجل صون المقاومة الفلسطينية وتحقيق اهداف الاصلاح الديموقراطي في النظام اللبناني وبتنا نعمل وكأننا حزب واحد وشخص واحد. ثم افترقنا بعد الاحتلال الاسرائيلي لخلاف في وجهات النظر حول سبل مواجهة المرحلة الجديدة وابتعدنا سياسياً عن بعضنا في الموقف اللبناني والاقليمي الى ان بدأت تتحسن العلاقة أكثر. وغادرت أنا الموقع النضالي الحزبي. اعتقد ان أسس اللقاء اليوم هي أقرب من الماضي والعلاقة بين الحزب الشيوعي ومنظمة العمل الشيوعي جيدة وبين محسن وبيني طبيعية وحميمة. لا استبعد ان يكون مثل هذا اللقاء جزءا من العمل البنائي المستقبلي. تتحدث وكأن السلام الحالي في لبنان هو خيانة للشهداء؟ - لا، لم أقل خيانة أنا أقول انه ليس على المستوى المطلوب إذا التفتنا الى التضحيات. ما أنجز يشكل خطوة كبيرة لكن التضحيات أكبر بكثير. وهناك القلق من أن لا تتبع هذه الخطوة خطوات أخرى الى الأمام فتعود الحالة الى الوراء. هذا ما يقلقني. ذهاب الشيوعيين الى تشاد ما هي قصة ذهاب الشيوعيين الى تشاد للقتال مع القذافي هناك؟ - هذه من طرائف الوضع. الدنيا أخذ وعطاء. لا يمكنك ان تأخذ دون أن تعطي. أخذنا من ليبيا دعماً سياسياً ومالياً وعسكرياً كبيراً كحركة وطنية وكحزب ودخلت ليبيا في صعوبة فكان لا بد لنا من أن نفي بالتزاماتنا. حصلت انهيارات على الجبهة في اوزو فكنا مبادرين وليد جنبلاط وأنا وعدد من القوى الفلسطينية الصديقة في ارسال متطوعين. من لبنان نحن والحزب التقدمي الاشتراكي والحزب السوري القومي الاجتماعي. ارسلنا نحو ألف شاب وانتشروا فورا على الجبهات وأدى انتشارهم الى رفع معنويات المقاتلين الليبيين وقيادتهم. اثبتت هذه القوى في لبنان انها رغم مشاغلها وقضاياها تبقى قومية الأفق ومستعدة حتى وهي خارج السلطة لتعبئة قواها ونصرة حلفائها. لم يحصل قتال. وشارك من الجانب الفلسطيني "الجبهة الشعبية - القيادة العامة" و"الجبهة الشعبية" و"الجبهة الديموقراطية". وقد زرت مواقع قواتنا في اوزو. اعتقال ودي الطريف في ذلك الوقت انني قمت بمهمة من نوع آخر رغم وجود قواتنا على جبهة القتال. فبعد التباحث مع معمر القذافي طرحت فكرة الحل مع تشاد ووقف النزيف هناك باتجاه توحيد القوى الافريقية وتوجيهها لمعالجة مشاكلها: مشكلة التخلف والفقر والبؤس ومشاكل التحرر ولكي تتفرغ ليبيا لمساندة القوى الفلسطينية. ذهبت والرفيق تيسير قبعة من قيادة الجبهة الشعبية في مهمة وساطة الى تشاد واصطحبنا معنا حارسا وثلاثة مسدسات. أخذنا طائرة خاصة وتوجهنا الى أثيوبيا حيث اجتمعنا بالرئيس منغيستو هايلي مريام وطرحنا عليه الموضوع وكان رئيسا لمنظمة الوحدة الافريقية. رحب منغيستو بالفكرة وانتدب ليرافقنا وزيراً سابقاً للخارجية في اثيوبيا هو الدكتور فلكه. أثناء الذهاب في الطائرة الليبية الخاصة مررنا فوق السودان وبسبب تأخر الوقت قال قائد الطائرة من الأفضل ان ننام في الخرطوم ونتابع غداً الى اثيوبيا. اتصل تيسير قبعة بادريس النبا نائب الرئيس السوداني آنذاك، وهو صديقه، وحطت الطائرة في المطار. جاءت مواكبة كبيرة من ضمنها دراجات رسمية فبدأ قبعة يباهي قائلاً هل رأيت صداقاتنا هنا لقد تحرك نائب الرئيس شخصياً. رافقونا الى صالون الشرف بلطف وأدب وأخذوا جوازاتنا ورحنا ننتظر. سألنا عن التأخير فقال تيسير انهم يعدون لنا استقبالاً. في النهاية جاءت تأشيرات الترانزيت فرافقتنا الدراجات الى فندق هيلتون. وصلنا متأخرين ونمنا. استيقظنا صباحا وطلبنا من عامل الفندق تاكسي للتوجه الى الطائرة فقال: كله جاهز وسيارات الرئاسة بانتظاركم. ودعنا بالمراسم نفسها. في السوق الحرة أردت شراء بعض الهدايا فرافقني أكثر من عشرة من رجال الأمن وكان تيسير يتحدث عن التكريم. سافرنا وفي اليوم الثاني قرأنا في صحيفة سودانية خبراً يقول: "ما هو سر الطائرة التي كانت تتبع طائرة ياسر عرفات وهل كانت محاولة اغتيال؟" وان في الطائرة "شخصية فلسطينية معارضة وشخصية لبنانية". والحقيقة ان عرفات كان حط بالصدفة في مطار الخرطوم آتياً في طائرة خاصة. وحين عرف الأمن السوداني بوصولنا ارتبك. لم يتخذ موقفاً سلبياً واكتفى باعتقالنا ودياً. وساطة في نجامينا اقتنع منغيستو بالمهمة ووضعنا أسس التحرك وبرنامجه. طلبنا اذن المرور من السودان فرفض فأدخل الاثيوبيون الطائرة الى مرأب ودهنت وكتب عليها انها طائرة اثيوبية. طلبنا الاذن مرة أخرى فجاء الجواب ان اثيوبيا لا تملك هذا النوع من الطائرات. ساعتئذ اعطانا منغيستو طائرة خاصة من طراز "بوينغ 727" اثيوبية. سافرنا الى مطار نجامينا بعد اتصالات بين اثيوبياوالتشاد وذهبنا للقاء حسين حبري. كان الجو شديد التوتر فقد كان مع حبري نحو سبعة من أعضاء مجلس القيادة وثمانية من الوزراء. خضنا حواراً ساخناً استمر 12 ساعة، رفضنا خلاله ان نذوق أي طعام أو شراب تخوفاً من ان لا يكون سليماً. كان حبري جريئاً ووقحا وشرسا قال لي: كيف تجرؤ على المجيء الى هنا وقواتك تقاتل ضدنا. قلنا له جئناك برسالة سلام فهذا القتال خطأ فقواتكم والقوات الليبية وقواتنا يجب أن تنتقل الى أرض المعركة في فلسطين وأن كل الأطراف اخطأت. دخلنا في حوار لوضع أسس مبادرة تقوم على عقد لقاء بين الزعيمين الليبي والتشادي في اديس ابابا للاتفاق على الحل وترك مسألة شريط اوزو لمحكمة العدل الدولية واخراج القوات الفرنسية والاميركية من تشاد وبرنامج تطوير اقتصادي. اتفقنا مع حسين حبري على سبع نقاط عدنا بها الى منغيستو فرحب بها وأخذها تيسير قبعة الى ليبيا وذهبت أنا مع منغيستو في طائرته من اثيوبيا الى موسكو مباشرة. وخلال تلك الرحلة مع منغيستو، كان معنا مترجم اريتري يتقن العربية جيدا، فجرى حوار طويل عن الخلافات حول اريتريا والحل السياسي فيها وحول وحدة اثيوبيا على أسس جديدة وعدم جدوى الحل العسكري وعن العلاقات الاثيوبية - العربية ومسائل أخرى. شاركت في موسكو في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر ال 27 للحزب الشيوعي السوفياتي واضطررت الى العودة الى بيروت بسبب اغتيال رفيقنا سهيل طويلة في بيروت. تلك المبادرة في تشاد تطورت الى فكرة اجتماع خماسي يحضره الرئيس الاوغندي ورئيس الوزراء السوداني والرئيس الاثيوبي فضلا عن القذافي وحبري. استنفرت قوى الغرب ضد المبادرة واحبطتها. هل قتل أحد من شبابكم في ليبيا؟ - لا. وهل كانوا يتقاضون رواتب؟ - كلا، بل كان ذلك عملاً تطوعياً.