يبدأ سلاح الجو الأردني في وقت لاحق من هذا العام تسلم مقاتلات "ف - 16 فالكون" التي وافقت الولاياتالمتحدة أخيراً على تزويده بها محققاً بذلك طموحاً أساسياً راوده نحو عقد كامل. وعلى رغم انه لم يتم حتى الآن تحديد الموعد الرسمي لتسليم هذه المقاتلات، فان المعلومات المتوافرة عن طريق المصادر الدفاعية في كل من واشنطنوعمان تؤكد ان هذه العملية ستبدأ قبل نهاية عام 1996 الجاري. ويأمل سلاح الجو الأردني في ان يتمكن من ادخال المقاتلات الجديدة الى الخدمة الفعلية فور حصوله عليها تباعاً، على ان تستكمل عملية تسليم جميع الطائرات المتفق عليها، ويبلغ عددها 16 طائرة، بحلول الربع الأول من العام المقبل لتشكل أول سرب قتالي عامل وكامل التجهيز من طراز "ف - 16 فالكون" في صفوفه. وتحقيقاً لهذا الهدف، يتم حالياً تنفيذ برنامج مكثف لتدريب الطيارين الأردنيين وعناصر الصيانة والخدمات الأرضية على قيادة هذه الطائرات وتشغيلها بالتعاون مع الولاياتالمتحدة، وبالافادة من وجود وحدات قتالية تابعة لسلاح الجو الأميركي وصلت الى الأردن أخيراً للقيام بتدريبات ومناورات مشتركة مع القوات الجوية الأردنية. وفيما تعكس مرابطة هذه الوحدات الجوية الأميركية في الأردن ومناوراتها المشتركة مع سلاحه الجوي طبيعة التعاون العسكري المتنامي الذي بات قائماً بين البلدين، والذي يستند الى التوجهات السياسية والاستراتيجية المشتركة منذ توقيع الأردن معاهدة السلام مع اسرائيل في أواخر عام 1994، فان الثمار العملية الأولى لهذه المعاهدة بالنسبة الى القوات المسلحة الأردنية تمثلت في رفع مستوى المساعدات العسكرية الأميركية المخصصة لها والموافقة على تزويدها أسلحة ومعدات جديدة كانت الولاياتالمتحدة امتنعت في السابق عن تزويد الأردن بها، خصوصاً مقاتلات "ف - 16 فالكون" التي كانت عمان أعربت مراراً منذ أواسط الثمانينات عن رغبتها في الحصول عليها. اهتمام أردني قديم ويعود الاهتمام الأردني بالمقاتلة "ف - 16 فالكون" الى خطط كانت عمان وضعتها لتحديث الوحدات القتالية في قواتها الجوية التي تعتمد في الوقت الحاضر على مقاتلات أميركية من طراز "ف - 5 تايغر" وفرنسية من طراز "ميراج ف - 1" تم الحصول عليها في السبعينات ومطلع الثمانينات. وركزت تلك الخطط على هدف ادخال طراز جديد من الطائرات القتالية الى الخدمة لاحلاله تدريجياً مكان مقاتلات "ف - 5 تايغر" التي شعرت القيادة الأردنية بأنها لن تظل قادرة على تلبية الحاجات القتالية والعملياتية لقواتها الجوية في مواجهة طرازات الجيل العالمي الاكثر حداثة وتقدماً. وكان ذلك الشعور الأردني في محله. فمع ان مقاتلات "ف - 5 تايغر" كانت تشكل سلاحاً لا يستهان بفاعليته في مواجهة الطائرات الموازية لها من الطائرات القتالية التي يعود جيلها الى الستينات والسبعينات مثل "ميغ - 21" السوفياتية و"ف - 4 فانتوم" الاميركية و"ميراج - 3" الفرنسية، فانه كان يصعب وضعها في الخانة نفسها أمام الطائرات الاكثر تطوراً التي بدا واضحاً انها تتجه بسرعة لأن تصبح عماد القوات الجوية في الدول المجاورة، مثل المقاتلة الاميركية "ف - 15 إيغل" التي حصلت عليها المملكة العربية السعودية، والمقاتلة "ف - 16 فالكون" التي حصلت عليها مصر واسرائيل وتركيا والبحرين والمغرب، والمقاتلة "ف - 18 هورنت" التي حصلت عليها الكويت، والمقاتلة الفرنسية "ميراج - 2000" التي حصلت عليها مصر ودولة الامارات العربية المتحدة وأوصت قطر عليها أخيراً، والمقاتلة الروسية "ميغ - 29" التي كانت دول عربية، وفي مقدمها سورية والعراق، بدأت في الحصول عليها من الاتحاد السوفياتي في النصف الثاني من الثمانينات. وتتألف الوحدات القتالية في سلاح الجو الأردني منذ مطلع الثمانينات تقريباً من حوالى 100 طائرة مقاتلة موزعة على 5 أسراب رئيسية من بينها 3 أسراب مزودة مقاتلات "ف - 5 تايغر" التي لا يزال يعمل منها حالياً نحو 65 طائرة، فيما يضم السربان الآخران نحو 35 مقاتلة "ميراج ف - 1" تعتزم عمان الاستمرار في استخدامها الى ما بعد مطلع القرن المقبل بعدما تم قبل سنوات تحديثها. الممانعة الاميركية وعندما شرع الأردن في محاولاته تحديث قواته الجوية في أواسط الثمانينات وقع اختياره الأول على المقاتلة الاميركية "ف - 16 فالكون" التي اعتبرها الطراز المثالي للحلول مكان مقاتلات "ف - 5 تايغر" العاملة لديه، ولاعتمادها بالتالي أساساً لتجهيز أسرابه القتالية الى جانب الطراز "ميراج ف - 1". وتضمنت الخطط الأردنية آنذاك الحصول على 24 مقاتلة من طراز "ف - 16 فالكون" كدفعة أولى يتم احلالها مكان عدد مماثل من مقاتلات "ف - 5 تايغر"، على ان يتم الحصول فيما بعد على دفعات لاحقة لاستكمال هذا البرنامج في غضون فترة تصل الى نحو 10 سنوات يكون تم خلالها استبعاد جميع المقاتلات من هذا الطراز من الخدمة الفعلية لتحل مكانها نحو 60 مقاتلة "ف - 16 فالكون" بحلول العام 2000. لكن الطلبات الأردنية المتكررة التي وجهت الى الولاياتالمتحدة للحصول على هذه المقاتلة واجهت باستمرار رفضاً أميركياً كاد ان يتحول الى سمة تقليدية في علاقات البلدين خلال السنوات الماضية. وكان واضحاً ان ذلك الرفض ناجم في الدرجة الأولى عن عدم رضى واشنطن آنذاك عن السياسة الأردنية حيال مساعي التسوية في الشرق الأوسط وامتناع عمان عن توقيع معاهدة سلام مع اسرائيل في الثمانينات على غرار اتفاقات "كامب دافيد" التي وقعتها مصر مع الدولة العبرية عام 1978. ونتيجة لهذا الرفض الاميركي المتكرر لتزويدها مقاتلات "ف - 16 فالكون"، لجأت عمان في أواخر الثمانينات ومطلع التسعينات الى البحث عن مصادر بديلة. وبدا في وقت من الأوقات ان الاختيار الأردني وقع على المقاتلة الفرنسية "ميراج - 2000"، اذ وقع الجانبان عام 1988 اتفاقاً مبدئياً يقضي بشراء الأردن 12 مقاتلة من هذا الطراز بقيمة اجمالية بلغت نحو 300 مليون دولار كان يفترض ان يتولى العراق تمويلها بحكم العلاقة الوثيقة التي كانت تربط بغدادوعمان في ذلك الوقت. لكن تلك الصفقة لم تتم، بل سرعان ما اضطر الأردن الى الغائها نتيجة سحب بغداد عرضها بتمويلها لأسباب لم تتضح تماماً لكن يرجح انها كانت تتعلق بتدهور قدرات العراق المالية عقب حرب الخليج. وتضمنت المحاولات التي بذلتها عمان في السياق نفسه أيضاً تفاهماً مبدئياً مماثلاً تم التوصل اليه مع بريطانيا للحصول منها على 12 مقاتلة من طراز "تورنادو". لكن هذا الاتفاق لم يبصر النور بدوره نتيجة عجز الجانب الأردني عن العثور على مصادر التمويل اللازم لتنفيذه. وتلت ذلك مرحلة تركز فيها الاهتمام الأردني على المقاتلة "ميغ - 29" التي أبدى سلاح الجو الأردني رغبة شديدة في الحصول عليها وقابلها استعداد سوفياتي مماثل. وبالفعل أجرى سلاح الجو الأردني اختبارات على هذه الطائرة خلال الفترة 1989 - 1990 أعرب الطيارون الأردنيون على أثرها عن اعجابهم الشديد بقدراتها وملاءمتها للمتطلبات العملياتية والقتالية الأردنية. وساد اعتقاد لفترة بأن عمانوموسكو على وشك التوصل الى اتفاق في شأن تزويد سلاح الجو الأردني عدداً من هذه المقاتلات قدّرته المصادر الدفاعية الدولية بما يتراوح بين 24 و36 طائرة في صفقة كان يفترض ان تصل قيمتها الى حوالى 500 - 600 مليون دولار. لكن الاعتبارات المالية حالت مرة أخرى دون اتمام هذا العقد الذي كان سيجعل المقاتلة "ميغ - 29" أول طراز سوفياتي يدخل خدمة سلاح الجو الأردني في تاريخه، علماً ان عمان تعاقدت في تلك الفترة مع موسكو على أنواع أخرى من الاسلحة والمعدات العسكرية مثل صواريخ أرض - جو مضادة للطائرات من طراز "سام - 8" و"سام - 13" و"سام - 14" و"سام - 16"، ومدافع ذاتية الحركة مضادة للطائرات من طراز "ز. س. يو - 23 شيلكا"، وعربات قتال مدرعة من طراز "ب. م. ب - 2"، وهي جميعها تخدم حالياً في صفوف القوات المسلحة الأردنية. عودة التعاون مع واشنطن وخلال الفترة التي أعقبت حرب الخليج شهدت جهود عمان لتحديث قواتها الجوية جموداً ملحوظاً أملته الاعتبارات السياسية التي نشأت عن تلك الحرب وآثارها على علاقات الأردن العربية والدولية من جهة، واستمرار الصعوبات المالية. واستمر هذا الوضع الى حين عودة التحسن الى العلاقات بين واشنطنوعمان خلال النصف الأول من التسعينات، ومن ثم توصل الأردن في اواخر العام 1994 الى معاهدة السلام مع اسرائيل، والتي كان واضحاً ان من بين أولى نتائجها ستكون الموافقة الاميركية على اعادة تزويده مساعدات مالية وعسكرية. وخطت واشنطن خطوة أساسية في هذا الاتجاه عندما قررت العام 1995 شطب 700 مليون دولار من ديون أردنية مترتبة للخزينة الاميركية. وتلا ذلك الاعلان في أواخر العام نفسه عن توصل الجانبين الى اتفاق تخصص الولاياتالمتحدة بموجبه مساعدات عسكرية للقوات المسلحة الأردنية بقيمة 300 مليون دولار تشتمل على 16 طائرة مقاتلة من طراز "ف - 16 فالكون"، و200 دبابة قتال رئيسية من طراز "م - 60"، الى جانب خدمات تدريب وتأهيل ومعونات لوجستية متنوعة. وتتضمن الطائرات التي وافقت واشنطن على تزويد الأردن بها 12 طائرة من طراز "ف - 16 أ" القتالي الاساسي ذي المقعد الواحد، و4 من طراز "ف - 16 ب" ذي المقعدين والمعد لأغراض التدريب والتأهيل العملي مع احتفاظه بكامل القدرات القتالية. وتكفي هذه الطائرات لتشكيل سرب قتالي كامل واحد يرجح انه سيكون الأول من أصل ثلاثة أسراب يرغب سلاح الجو الأردني في امتلاكها من هذا الطراز في نهاية الأمر. وتفيد المعلومات المتوافرة في هذا المجال ان الاتفاق الأردني - الاميركي أبقى الباب مفتوحاً أمام حصول الأردن في وقت لاحق يرجح ا ن يكون خلال العامين القادمين على 24 طائرة اضافية، مع افتراض ان يعقبها بعد ذلك بعامين ايضاً الحصول على دفعة ثالثة تضم عدداً مماثلاً، ما سيرفع مجموع المقاتلات الأردنية من هذا الطراز بحلول نهاية القرن الى 64 طائرة، وهو المجموع الذي تنص عليه خطط تحديث سلاح الجو الأردني الموضوعة حالياً. ويشكل حصول الأردن على مقاتلات "ف - 16 فالكون" قفزة نوعية، وستعمل هذه الطائرات في الأردن، كما هو الحال في الدول الأخرى التي تستخدمها، كمقاتلات متعددة الأغراض في مهمات الاعتراض والمطاردة والقتال الجوي والقصف والهجوم الأرضي. وستحل تدريجياً مكان مقاتلات "ف - 5 تايغر" التي سيتم الاستغناء عنها تباعاً أو تحويلها الى مهمات قتالية وتدريبية ثانوية. وتجدر الاشارة الى ان بدء تسليم هذه المقاتلات الجديدة، التي سيحصل عليها سلاح الجو الأردني في صورة مجانية عملياً، من مخزونات سلاح الجو الأميركي بعد ان يتم اجراء ممرات كاملة عليها وتحديثات وتحسينات متنوعة في الولاياتالمتحدة، سيتزامن مع مرابطة وحدات جوية قتالية أميركية في الأردن تشتمل على 18 مقاتلة "ف - 16 فالكون" و12 مقاتلة "ف - 15 إيغل" و4 طائرات تموين جوي بالوقود من طراز "بوينغ ك. سي - 135". وستعمل هذه الوحدات خلال وجودها هناك على تنفيذ مناورات وتدريبات قتالية مشتركة مع الوحدات الجوية الأردنية، الى جانب قيامها بطلعات استطلاعية مكثفة فوق الأراضي العراقية وهي الطلعات التي أعلن الأردن ان طائراته لن تشارك فيها. كما سيكون من بين أهداف وجود هذه الوحدات في الأردن المساهمة في تدريب عناصر سلاح الجو الأردني من طيارين وأطقم صيانة ومساندة أرضية على تشغيل مقاتلات "ف - 16 فالكون" وادامتها تمهيداً للبدء في عملية تسليمها خلال الأسابيع المقبلة. واذا ما سارت الخطط الأردنية الموضوعة في هذا المجال كما ينبغي، وتمكنت عمان من استكمال تنفيذ برامج تحديث قواتها الجوية بالتعاون مع الولاياتالمتحدة، ستكون الوحدات القتالية الرئيسية في سلاح الجو الأردني مؤلفة بحلول أواخر هذا العقد، من خمسة أسراب تشتمل على نحو 100 طائرة قتالية متقدمة من بينها 64 مقاتلة "ف - 16 فالكون" والباقي من طراز "ميراج ف - 1"، وهو المستوى الذي تعتقد عمان انه سيكون كفيلاً بتأمين متطلباتها الدفاعية في مجال القوة الجوية حتى ما بعد مطلع القرن المقبل.