أعربت المصادر السياسية والعسكرية في عمان عن ارتياحها البالغ للقرار الأميركي الذي صدر أخيراً وقضى بضم الأردن رسمياً الى قائمة الدول الحليفة للولايات المتحدة في العالم، ووصفته بأنه "انجاز ديبلوماسي مهم، وخطوة استراتيجية تفتح الباب أمام تنفيذ خطط بناء القوات الدفاعية الأردنية وتحديثها بشكل لم يكن متاحاً من قبل". وكان الرئيس بيل كلينتون أعلن في 13 تشرين الثاني نوفمبر الماضي تصنيف الأردن في عداد "الدول الحليفة الرئيسية للولايات المتحدة خارج اطار حلف شمال الاطلسي". وينطبق هذا التصنيف على عدد قليل من الدول التي تحظى بمكانة مميزة في التعامل مع واشنطن على المستويات السياسية والديبلوماسية عموماً، وفي مجالات التعاون الاستراتيجي والدفاعي على وجه الخصوص. وتقتصر هذه الدول حالياً على ابرز حلفاء الولاياتالمتحدة خارج اوروبا، مثل اليابان وكوريا الجنوبية واوستراليا، الى جانب كل من مصر واسرائيل، وهي تلقى معاملة أميركية مشابهة في صورة عامة للمعاملة التي تتمتع بها دول حلف شمال الاطلسي من دون ان تكون منتمية له. وتبرز هذه المعاملة الخاصة من خلال الافضلية التي تكتسبها هذه الدول في الحصول على حاجاتها الدفاعية من الولاياتالمتحدة، وحجم المعونات المالية والتسليحية وبرامج التدريب والتأهيل التي ترصد لقواتها، ومجالات التعاون والتنسيق التي تصبح متاحة أمامها مع القوات الاميركية، بما في ذلك تنفيذ المناورات والتدريبات القتالية المشتركة، وتبادل المعلومات والخبرات، والتخزين المسبق للاسلحة والمعدات الاميركية على أراضيها، وصولا الى الاستخدام المشترك لتلك المعدات عند الضرورة. وفي رسائل بعث بها إلى قادة القوات المسلحة بعد أيام من صدور الاعلان الاميركي، شدد الملك حسين على أهمية هذه الخطوة وآثارها الايجابية، وقال ان قرار الرئيس كلينتون "سيفتح مجالات التطوير والتحديث أمام قواتنا المسلحة، ويتيح لها الحصول على معدات تستجيب لحاجاتها الدفاعية، ويوفر لها الموارد والامكانات لتنفيذ خططها وبرامجها، ولأغراض البحث العلمي ونقل التكنولوجيا المتقدمة". وركز رئيس أركان القوات المسلحة الأردنية المشير عبدالحافظ مرعي الكعابنة بدوره على الفوائد العسكرية التي ستجنيها بلاده من الخطوة الاميركية التي قال انها ستساهم في تمكين الأردن من المضي قدماً في تنفيذ برامج تحديث قدراته الدفاعية، وأضاف ان الأردن "يحتاج الى تحديث معداته بالاعتماد على الخبرات الاميركية"، لافتاً الى "المنافع التي ستوفرها للقوات المسلحة الأردنية المناورات المشتركة التي سيتم تنفيذها مع القوات الاميركية" بموجب القرار، وأوضح ان طلبات الاسلحة ونقل التكنولوجيا سيتم تحديدها والاتفاق عليها بواسطة لجنة عسكرية مشتركة ستجتمع بمعدل مرة واحدة كل عام، على ان تعقد هذه الاجتماعات دورياً في كل من العاصمتين الأردنية والاميركية. ونفى المشير الكعابنة في الوقت نفسه ان يكون الأردن قدم أي التزامات في شأن موضوع التركيز المسبق للقوات، أو التخزين المسبق للمعدات، على أراضيه، قائلاً ان "لا شيء محدداً سلفاً" في هذا المجال، بل ان ذلك يندرج في اطار المشاورات والمناقشات المستمرة التي يجريها الجانبان، وفي ضوء ما قد تستدعيه حاجاتهما المشتركة. وبينما أكد وزير الاعلام الأردني الدكتور مروان المعشّر ان بلاده لم تتقدم حتى الآن بأي طلبات تسليحية محددة لدى واشنطن، مشيراً في المقابل الى "ان القيادة العسكرية الأردنية لا تزال حالياً في معرض دراسة حاجات القوات المسلحة" تمهيداً لتحديد قائمة بالأولويات الدفاعية التي ترغب في الحصول عليها مستقبلا، فان المعلومات التي كشفتها المصادر الدفاعية في كل من عمانوواشنطن تحدثت عن وجود خطة أردنية أولية تهدف الى تنفيذ "برنامج شامل تقدر تكاليفه الاجمالية بحوالى 10 مليارات دولار" لتحديث القوات المسلحة وتزويدها معدات جديدة في مختلف المجالات على مدى السنوات العشر المقبلة. واستناداً الى هذه المعلومات، فان عمان تنظر الى قرار الرئيس كلينتون باعتبار انه "يوفر الفرصة التي طال انتظارها للبدء في تنفيذ مجموعة من خطط التسلح والتحديث الدفاعي الطموحة التي حالت الظروف المالية والسياسية في الأردن ومنطقة الشرق الأوسط دون تنفيذها خلال السنوات العشر الماضية". وقالت المصادر ان هذه الخطط "لا تقف عند مجرد الحصول على أسلحة جديدة لاحلالها مكان المعدات القديمة التي وجدت القوات الأردنية نفسها مضطرة الى الاستمرار في استخدامها فحسب، بل انها تتضمن ايضاً برامج تهدف الى تحديث هيكلية القوات المسلحة وتطوير بنيتها التنظيمية والتحتية، وبلورة أساليب القيادة والادارة وأنماط التعبئة والتدريب والتأهيل فيها بما يتلاءم مع متطلبات العمل العسكري والمناخ الاستراتيجي في القرن المقبل". وتنص الخطة، التي وضعتها مجموعة من الخبراء العسكريين الأردنيين والبريطانيين واعتمدت من حيث المبدأ العام 1994 كأساس نظري لبرامج التطوير والتحديث التي تأمل عمان في تحقيقها تباعاً خلال فترة قد تتراوح بين خمس وعشر سنوات اعتباراً من تاريخ البدء في تنفيذها، على خفض عدد القوات المسلحة الأردنية من مستواه الحالي البالغ نحو 100 ألف جندي الى نحو 75 ألف جندي، على ان يقترن ذلك بتحسين عام في مستويات تسليح هذه القوات وتدريبها. اما الهدف من هذه الخطوات، كما تحدده المصادر العسكرية الأردنية، فهو التوصل الى جيش صغير الحجم نسبياً، انما على درجة عالية من الاحتراف والكفاءة والتجهيز المتكامل، على ان ترتكز عقيدته القتالية على سرعة الحركة والمناورة، والطاقة النارية الكثيفة، ووسائل المكننة الآلية والمدرعة، والدعم والاسناد المدفعي والجوي، وجوانب العمليات الالكترونية على جميع المستويات. وكانت القيادة الأردنية بدأت منذ مطلع التسعينات ادخال تخفيضات على حجم القوات المسلحة التي تراجع مجموعها العام من حوالى 130 ألف جندي في العام 1990 الى نحو 100 ألف جندي حالياً. لكن معظم الجهود والبرامج التي كانت عمان تحاول تنفيذها منذ النصف الثاني من الثمانينات على صعيد تحديث معدات قواتها، خصوصاً في مجالي الوحدات المدرعة والاسراب الجوية القتالية، ظل من دون تحقيق لاعتبارات مالية أساساً. وعلى رغم اتفاق المصادر العسكرية الدولية على اعتبار القوات المسلحة الأردنية من بين الأفضل في المنطقة على صعيد التدريب والجاهزية والتنظيم والكفاءة، فان هذه التقويمات تقر في المقابل بأن جزءاً لا يستهان به من الترسانة الأردنية أصبح في حاجة الى التحديث والاستعاضة عن المعدات القديمة التي لا تزال تعمل في صفوفها بأسلحة جديدة أكثر فاعلية وتقدماً. ويشتمل تسليح القوات الأردنية حالياً على نحو 1100 دبابة من طراز "تشيفتين" التي يطلق عليها في الخدمة الأردنية اسم "خالد"، و"سنتوريون" طارق، و"م - 60"، و"م - 47/48 باتون". وتضاف اليها نحو 1500 عربة قتال وناقلة جنود مدرعة، و500 قطعة مدفعية ميدانية معظمها ذاتي الحركة، وأكثر من 500 قاذف صواريخ مضادة للدروع من طرازي "تاو" و"دراغون"، و180 منصة اطلاق صواريخ مضادة للطائرات من طراز "هوك" و"سام - 8" و"سام - 13"، و800 قاذف صواريخ مضادة للطائرات تحمل على الكتف من طراز "رد آي" و"سام - 14" و"سام - 16". اما معدات القوات الجوية فتضم بصورة رئيسية نحو 100 طائرة قتالية تشتمل على 32 مقاتلة فرنسية متعددة الأغراض من طراز "ميراج ف - 1"، و66 مقاتلة أميركية متعددة الأغراض من طراز "ف - 5 تايغر". وتضاف الى هذه المقاتلات 24 طائرة هليكوبتر هجومية من طراز "كوبرا"، ونحو 40 هليكوبتر مساندة متنوعة، و10 طائرات نقل، و40 طائرة تدريب تضم 15 طائرة نفاثة من طراز "كازا - 101 أفيوجت" يمكن استخدامها ايضاً في مهمات المساندة الهجومية الخفيفة. ومنذ أواسط الثمانينات، تركزت أولويات جهود التسلح الأردنية على تحديث وحدات سلاح الجو القتالية، خصوصاً الحصول على طراز مقاتل جديد متعدد الأغراض لاحلاله مكان مقاتلات "ف - 5 تايغر"، والوحدات المدرعة، لا سيما الاستعاضة عن دبابات "م - 47/48 باتون" بدبابات جديدة أكثر تقدماً. كما ركزت عمان في الوقت نفسه على تعزيز دفاعاتها الجوية والحصول على المزيد من انظمة الصواريخ أرض - جو المتحركة والمحمولة على الكتف والمدافع المضادة للطائرات الذاتية الحركة. وبينما نجحت عمان في الحصول على جزء من هذه الحاجات في أواخر الثمانينات ومطلع التسعينات، خصوصاً من الاتحاد السوفياتي الذي زودها آنذاك عربات قتال مدرعة من طراز "ب. م. ب - 2"، وصواريخ أرض - جو مضادة للطائرات من طرازي "سام 8" و"سام - 13"، وصواريخ مضادة للطائرات تحمل على الكتف من طرازي "سام - 14" و"سام - 16"، فان البرامج الهادفة الى الحصول على مقاتلات ودبابات جديدة لم تبصر النور. فالولاياتالمتحدة ظلت ممتنعة على امتداد سنوات عدة عن الاستجابة لرغبة الأردن في الحصول على مقاتلات "ف - 16 فالكون"، ما دفع عمان الى محاولة شراء طائرات بديلة من مصادر اخرى. وفي وقت من الاوقات جرى التفكير في الحصول على مقاتلات اعتراضية من طراز "تورنادو" من بريطانيا، لكن ذلك لم يتم عقب التوصل الى اقتناع بأن هذا الطراز لا يلائم الحاجات القتالية الأردنية. كما درست عمان احتمال الحصول على مقاتلات "ميغ - 29" من موسكو، لكن ذلك لم يتم بدوره. وفيما بعد وقعت عمان صفقة مع فرنسا للحصول على 12 مقاتلة من طراز "ميراج - 2000"، الا انه سرعان ما تم الغاء هذا العقد لتعذر تمويله. وفي الواقع فان الأردن لم يبرم أي عقود تسليحية رئيسية خلال السنوات الخمس التي أعقبت حرب الخليج نظراً الى الصعوبات المالية المتزايدة التي تفاقمت في أعقاب تلك الحرب وما نتج عنها من تدهور في علاقات عمان بدول الخليج العربية التي كانت تتولى في السابق تمويل الكثير من نفقات التسلح الأردنية، وكذلك بفعل الفتور الذي اعترى علاقات الأردنبالولاياتالمتحدة خلال الفترة نفسها. ولم يتبدل الأمر في صورة جذرية الا في أعقاب توقيع الأردن معاهدة السلام مع اسرائيل، وما تلى ذلك من تحسن مطرد في علاقات عمانوواشنطن. وتوج هذا التوجه عملياً العام الماضي حين وافقت الادارة الأميركية، للمرة الاولى منذ سنوات، على تزويد الأردن معونة عسكرية رئيسية اعتبرت بمثابة "خطوة أولى" نحو اعادة تكريس التعاون الدفاعي والتسليحي بين البلدين، وهي تضمنت شقين أساسيين، فهي نصت من جهة على شطب 637 مليون دولار من الديون الأردنية المترتبة على صفقات سابقة، ومن جهة اخرى على تزويد القوات الأردنية اسلحة ومعدات تقدر قيمتها بحوالى 300 مليون دولار. وستحصل عمان على هذه المعدات بصورة مجانية تقريباً، وهي تشتمل على 16 مقاتلة من طراز "ف - 16 فالكون"، و50 دبابة من طراز "م - 60"، و18 طائرة هليكوبتر متوسطة من طراز "بل - 205"، وطائرة نقل ثقيلة واحدة من طراز "سي - 130 هيركوليس"، الى جانب معدات ثانوية اخرى متنوعة. لكن الأوساط الحكومية الأردنية لا تخفي، في المقابل، حقيقة انها تعتبر هذه الخطوات "غير كافية"، وان التعاون التسليحي والدفاعي مع الولاياتالمتحدة "لا يزال في بداياته الأولى". بل ان رئيس الوزراء الأردني السيد عبدالكريم الكباريتي ذهب الى وصف المساعدات الاميركية التي حصلت عمان عليها حتى الآن بأنها "لا تُذكر"، مضيفاً بأن هذه المساعدات يجب ان تنطلق من مبدأ "ان الولاياتالمتحدة عندما تساعد الأردن فانها تدعم بذلك مصالحها الاستراتيجية الحيوية المتمثلة في تكريس السلام والاستقرار في المنطقة". والواضح الآن ان الجانب الأردني يعتزم الاستفادة حتى أقصى الحدود من "الفرصة الاستراتيجية" التي لا بد ان يوفرها له الارتقاء الحيوي في مستوى علاقاته السياسية والدفاعية مع واشنطن بفضل انضمامه الى قائمة الدول الحليفة للولايات المتحدة في العالم. وتقول مصادر "الوسط" ان عمان ستركز في بادئ الأمر على وضع الاجراءات العملية التي يشتمل عليها اطار التعاون الدفاعي والاستراتيجي بين البلدين موضع التطبيق، خصوصاً في ما يتعلق باقرار مبادئ التدريبات والمناورات المشتركة وتبادل الخبرات ونقل التكنولوجيا، وهي جوانب بدأ تنفيذها فعلا عندما نفذت وحدات جوية وبرية أردنية وأميركية سلسلة من المناورات القتالية المشتركة في وقت سابق من هذا العام. وتضمنت تلك المناورات تدريب الطيارين والفنيين الأردنيين على مقاتلات "ف - 16 فالكون"، كما ترك الجانب الاميركي قسماً من المعدات واجهزة التدريب والصيانة المتعلقة بهذا الجانب في الأردن للاستفادة منها عندما يبدأ سلاح الجو الأردني تسلم مقاتلاته من هذا الطراز في أواسط العام المقبل. أما الأولوية الأردنية التالية فستكون اعداد الجداول الخاصة بالحاجات التسليحية المستقبلية التي سيتم التقدم بطلبها من الولاياتالمتحدة. وأهم الخطوات المرتقبة تتعلق بالحصول على دفعات لاحقة من مقاتلات "ف - 16 فالكون" لاستكمال عملية الاستغناء عن مقاتلات "ف - 5 تايغر" العاملة حالياً، ليصل مجموع عدد مقاتلات "ف - 16" الأردنية بحلول أواخر هذا القرن ومطلع القرن المقبل الى نحو 60 طائرة. كما يأمل الجيش الأردني في الحصول على ما يتراوح بين 250 و300 دبابة أميركية جديدة من طراز "م - 1 أبرامس" لاحلالها مكان عدد مماثل من دبابات "م - 47/48 باتون" العاملة لديه. وربما تبع ذلك في مرحلة لاحقة احلال دبابات "أبرامس" مكان دبابات "سنتوريون" طارق و"م - 60" عن طريق الحصول على دفعات اضافية منها قد تصل في مجموعها الى نحو 500 دبابة خلال السنوات الخمس الأولى من القرن المقبل. وهناك خطط أردنية أخرى تهدف ايضاً الى تعزيز الدفاعات الجوية من خلال الحصول على صواريخ مضادة للطائرات وللصواريخ من طراز "باتريوت"، وصواريخ مضادة للطائرات محمولة على الكتف من طراز "ستنغر"، وتزويد القوات الجوية طائرات هليكوبتر هجومية من طراز "أباتشي" مسلحة بصواريخ مضادة للدروع موجهة بالليزر من طراز "هل فاير"، واستكمال مكننة وحدات المشاة من خلال تزويدها عربات قتال مدرعة من طراز "م - 2 برادلي"، وتحقيق الامنية التي كانت تراود الأردنيين منذ فترة طويلة بالحصول على طائرات رصد واستطلاع وانذار استراتيجي مبكر لادارة عمليات قواتهم ودفاعاتهم الجوية مستقبلا