استقطبت ميلانو هذه المرة في عروض أزيائها الجاهزة لشتاء 1996 - 1997، نجوم السينما الفرنسية والأميركية، حيث ضاهت في ذلك باريس حيث بلغت حوالي الثلاثين عرضاً، وتحت التأثير الكبير لكل من المصممين برادا وجيل ساندر، توجهت الموضة الايطالية الى ما أطلق عليه بالكلاسيكية الجديدة التي جعلت النساء يتقوقعن في بزة نظامية لكنها أنيقة. شابات بلون رمادي ومعاطف عسكرية وأكتاف ضباط صف، وبخطوات أيها الرفاق الى الأمام، مشت العارضات أمام الحضور بكل أنوثتهن وزخم النضارة التي تفوح منهن. وما عدا دولتشي وكابانا اللذان تسليّا في تعرية بعض الموديلات، وفرساس الذي سكب لمعاناً على أثواب السهرة القصيرة، وتروساردي الذي ركز على البلوزات الحريرية فوق بنطلونات رجالية، فإن الأزياء الشفافة كانت نادرة لما بعد منتصف الليل. والسبعينات استعيدت أناقتها بشكل كلي تقريباً. لا بل كأنها حطت في منتصف التسعينات وزارتها فجأة. كان هناك تغيير بالنسبة الى شهيرات العارضات اللواتي حكم على أجورهن بأنها مرتفعة جداً وبأنهن لم يعدن شابات مناسبات. لقد أرادت ميلانو اختيار المراهقات لعرض موضتها الخريفية والشتائية المقبلة. لذا اشترطت المصممة ألبرتا فيديري ان تكون أصغر العارضات لا تتجاوز الخامسة عشرة. وجعلت المصممة كيريزيا الجمهور يصفق لثلاثين عارضة صينية كن رائعات بملامحهن الشرق أقصوية. ولأن العارضة الشهيرة ناومي كامبل وصلت متأخرة ربع ساعة على عرض لورا بياجوتي فقد طردتها هذه وقدمت أجرها البالغ 27 مليون لير الى مؤسسة أبحاث ضد السيدا. هكذا تتالت عروض ميلانو للأزياء الجاهزة لفصل 1996 الشتائي. وحمل عرض فيرساس كثيراً من السعادة عبر سحر أثوابه المستقيمة والمخصورة وبألوانها المخملية والأزرق الشاحب، ومعاطفه القصيرة. وعند جيورجيو أرماني الذي يتمسك بأسلوبه الخاص في الموضة كما الأمر عند إيف سان لوران الباريسي، فالطاغي كان التايور - البنطلون الأزرق المخصور كثيراً وتحته قميص أسود. وللسهرة اختار أرماني التنورة الأورغنزا السوداء المزهرة فوق بنطلون أبيض ولشرقية جميلة فعلاً. وفي الصف الأول، صفق له كل من صوفيا لورين وكلوديا كاردينالي وفاني أردان الى جانب وودي ألن. ولوحظ ان جيانكو فيري قد صمم هذه المرة للنساء المتسمات بشخصية خاصة وللفتيات والشهيرات والمتطلبات، لكن مع محافظة على كلاسيكية السبعينات في بنطلونات مقلمة وتنانير طويلة وقمصان تحت جاكيتان سوداء. وفي عرض غوتشي لوحظ أن هناك بعض الاصرار على إظهار العلاقة بين الموضة الرجالية والنسائية، وعلى أن المرأة أصبحت مستقبل الرجل. وباختصار فإن قامته الأنيقة في عرضه هي من السبعينات كلياً، وتذكر بتيد لابيدوس الكبير الذي كان يلبس النساء كالأميرالات بأزرارهم الذهبية. وكذلك الأمر عند برادا في موديلات عسكرية جداً، وعند جيل ساندر التي زاوجت بين الفخامة والصرامة لأنيقة تريد أن ترضي نفسها قبل سواها. ولفتت عارضات كريزيا القادمات من بكين الأنظار بالمعاطف المفتوحة على الجانبين. وعرض ماكس مارا كان تجديداً للكلاسيكية في موديلات بحرية بألوان رمادية وسوداء ورملية. ونزل التويد الى الساحة في عرض دولتشي وكابانا. وأكثر من ستين مراهقة عرضن أزياء تروساردي المستوحاة من أناقة الانكليزيات ما قبل الليدي ديانا. ثمانون عرضاً في باريس كانت البنطلونات شبه العسكرية وغياب الألوان والطويل والسبعينات، سمات تجمع بقية العروض الايطالية التي احتل بعض أصحابها جادة مونتينيه الشهيرة في باريس، وبينهم جيني وكريزيا وفيراجامو وفندي. في دوامة ثمانين عرضاً متتالياً وبمعدل عشرة عروض في اليوم الواحد، تتجه الأنظار نحو خطوط الموضة أولاً ونحو أقطابها ثانياً وحيث من الجذور تتفرع جميع الأغصان. ومن هذه الجذور كريستيان ديور الذي تتوزع موديلاته على القارات الخمس. فهو عبر مصممه الايطالي جيانفرانكو فيري قدم مجموعة أنيقة سهل ارتداؤها وأيضاً مبيعها في كل مكان. كريستوف لومير ابتكر طريقة جديدة في عرض أزيائه بشكل صامت. العارضات جلوساً في أوضاع مختلفة على طاولات عرض، كالتماثيل، وأجمل الموديلات على قاماتهن من بنطلونات الى تنانير وبلوزات كلاسيكية. وطبعاً كانت الدعوة الى حضور هذا العرض المختلف محصورة بالبعض فقط. وجينكو شيمادا اليابانية قدمت في عرضها طقم عمل مع معطف ماو. وفي مسرح التريانون قدمت ايزابيل ماران عرضها الذي كانت التايورات بتنانيرها الطويلة سيدته. وكان يوم العروض الثاني مختلفاً وخاصاً مع نينا ريتشي وكلويه وإيسي ميكاي ومارتين سيتبون وكوريج. فمريام شيفر التي ترسم أزياء ريتشي قدمت امرأة مختلفة في بنطلون كلاسيكي واسع وفوقه جاكيت قصيرة تحصر الخصر وتبرز الوركين الى حد ما وبشكل يجعل هذا التايور البنطلوني مقبولاً من جميع الأنيقات تقريباً. هذا اذا علمنا أن دار ريتشي انتهجت للموسم المقبل أسعاراً مقبولة، وللسهرات استعارت جاكيت الفارس الأنيق في قماش الشاتلاند. وكذلك الأمر بالنسبة الى مارتين شيتبون التي عقلنت موضتها وأضفت عليها مسحة تجارية، مع ان بنطلون تايورها كان متسعاً وجاكيتته ضيقة. وكارل لاغرفيلد أيضاً تنازل عن صرعاته في المجموعة الأزيائية التي صممها لكلويه وقدمها في قاعة كافو المسرحية أمام ثلاثمائة وخمسين مدعواً بينهم النجمة الاميركية ليزا مينيللي. وكان عنوان لاغرفيلد هذه المرة هو البساطة والبساطة جداً في المعاطف التي تشبه أثواب الحمام تحت شالات حريرية مجنونة الجمال، وفي الأثواب القمصانية وبحرية كلية لن توجد إلا عند كلويه في شتائه المقبل. بعض المفاجآت كان عرض إيسي ميكاي استعراضاً رياضياً مفرقع الألوان، والسائد فيه هو "الجوكنغ" لكن بقماش جميل وبتحسين خطوط. وجاء عرض كوريج مختصراً وهو الذي اخترع الثوب القصير والملتصق بالجسم سنة 1960. والسبب كما قال هو الخوف من سرقة موديلاته الفعلية قبل انزالها الى السوق في موسمها. تميزت موضة رفعت أوزبك التركي بالثوب القميص والمعطف الفضفاض. وشانتال توماس أصرت بدورها على الأسود، لكن موضتها لم يكن فيها ما هو مميز، حتى أنها لم تعرضها على الخشبة. وبرز التايور المقصوص بدقة عند آن ديملومستر. وكان البنطلون الرجالي المحض وحتى بزناره، هو آخر صرعة هلموت لانغ لأناقة انثوية محضة. وعرض كلود مونتانا موديلاته في معهد العالم العربي. وجرت عروض شانيل وكارل لاغرفيلد تحت خيمة كبيرة نصبت عند أقدام برج إيفل. وعرض جيثتشي في قاعة سينما في منطقة بلان سان دني في ضواحي باريس. والجامع لهؤلاء هو فكرة أن المهم يكمن في النوعية وليس في الاطار الخارجي. هكذا أعاد هيرمس الشبوبية الى تايوراته الكلاسيكية في زمان عزها في السبعينات وخضوعاً أيضاً لذوق أنيقاته المحافظات على ارتداء موضته. وكان البارز بين موديلاته التايور الجلدي الأسود الذي احتل البنطلون فيه محل التنورة والياقة العسكرية في الجاكيت محل التقليدية. لوران وشيفر كلوديا شيفر قدمت موديلات إيف سان لوران لأول مرة، كان الأساسي في موديلاته هو البنطلون الواسع الأسود والجاكيت القصيرة الكارو فوقه. وربح جون غاليانو مصمم جيفينتشي الجديد رهانه في الموضة الجاهزة أيضاً التي قربها من الراقية كثيراً عبر أثواب انثوية للغاية تحمل عقد لويس الخامس عشر على الجيوب. وأعطى فالنتيو درساً في البساطة عبر أثوابه وتايوراته التي حصرها بزنار من اللؤلؤ في معظمها. وشوهدت السيدة كلود زوجة الرئيس الفرنسي الراحل جورج بومبيدو والسيدة جوزيت زوجة ادوار بالادور رئيس الوزراء السابق، في عرض غي لاروش، للمرة الأولى. وهذا قدم موضة مشغولة كثيراً لكن بقي التايور - البنطلون بجاكيتته القصيرة هو أساسها. ولفت المعطف - المشلح الأنظار عند كريستوبال بالانسياغا، وعودة روميو جيكلي الى القرن الثامن عشر ليستعير منه الجيليه التافتا المزررة من الأعلى الى الأسفل فوق تنورة طويلة. أما كولونا الذي قدم عرضه على مسرح الاليزيه مونمارتر في باريس، فقد ركز موضته على الثوب المرتفع الخصر والمزموم تحته بمحافظة على ضيق تنورته وصدره. أطلت شانيل كعطرها الجديد الذي أطلقت عليه بما معناه بالعربية "الاطلالة"، بعودة مطلقة الى سنة 1968، مع التايور البنطلون من التويد بلونه الزهري أو المشتق منه، ومعطف عسكري. الجاكيت قصيرة وينحصر خصرها بزنار وكل مشتقات البذلات العسكرية وجدت لها مكاناً تحت مقص لاغرفيلد العتيد. واستغل أونغارو المفارقات في عرضه بعودته الى الأقمشة المزهرة التي هي شغفه الأكبر ومازج أيضاً بين المربعات ورسوم ارجل الدجاجة في تايوره البنطلون، لكن مع تشديد على الثوب القصير جداً الذي يحصر الجسم والخصر بزنار عريض. وأتى عرض لانفان هذه السنة ليحتفل بذكرى جان لانفان في الثلاثينات لكن مع تطور كبير في شبه الثوب الذي يكاد يغطي القامة الملتصق بها مع كثير من النجوم للسهرات. ملامح الكبار الموضوية للأزياء الجاهزة انعكست على بقية العارضين في عددهم الكبير والذين حطوا جميعاً على مسرح السبعينات ولم يتزحزحوا الا في بعض التفاصيل، تماماً كما باكورابان الذي لم يتزحزح عن معدنياته.