لرياضة الملاكمة عشاق كثيرون لما تخلقه من جو حماس خصوصاً بفعل المراهنات، ومنتقدون بالمئات لما تخلفه احياناً كثيرة من اصابات بعضها قاتل. وسيلعب المنتقدون دوراً هامشياً عندما يلتقي البريطاني فرانك برونو حامل اللقب العالمي للوزن الثقيل حسب المجلس العالمي للملاكمة، ضد الاميركي مايك تايسون في لاس فيغاس في 16 آذار مارس الجاري. ولا يبالغ النقاد عندما يطلقون لقب "مباراة العقد" على اللقاء لان رياضة الملاكمة تمرّ منذ حوالى الثلاث سنوات في فترة اعادتها الى الحضيض لاسباب كثيرة لعل ابرزها تعدد الهيئات التي تمنح الالقاب الاتحاد الدولي للملاكمة والجمعية العالمية للملاكمة والمجلس العالمي للملاكمة.... فبعدما كان اللقب موحداً مع تايسون ثم مواطنه ايفاندر هوليفيلد اختار الاميركي الاخر ريديك بو التخلي عن احد الالقاب لمصلحة البريطاني لينوكس لويس قبل ثلاثة اعوام فتعدد ايضاً ابطال الوزن الثقيل حتى باتوا اليوم اربعة. وغاب الابطال الذين يسيطرون سنوات على اللقب ويتركون بصماتهم على السجل الذهبي لهذه الرياضة "النبيلة" مثلما كان يفعل محمد علي كلاي وجون فريزر وروكي مارتشيانو... برونو وسعى برونو منذ منتصف الثمانينات الى ان يصبح اول بريطاني يحرز لقب الوزن الثقيل هذا القرن لكنه سقط ثلاث مرات عند الحاجز الاخير. وحصل برونو على فرصته الاولى لاحراز لقب عالمي عندما واجه الاميركي تيم ويثرسبون في العام 1986 من دون ان يوفق. ثم تلقى درساً في فنون الملاكمة امام تايسون العام 1989. وتوقع كثيرون ان يضايق برونو تايسون في تلك المباراة لكنه لم يصبه الا مرتين في وجهه. وكانت الكلمة الفصل لقبضتي تايسون وحسمتا الموقف نهائياً في الجولة الخامسة بعدما ارتأى الحكم وقف المباراة لان برونو غير قادر على انهاء المباراة. واعتزل برونو لفترة وسحبت منه رخصة الملاكمة بعدما تبين انه مصاب في شبكة العين ونصحه الاطباء بالابتعاد عن الحلبة. لكنه عاد وحقق انتصارات جيدة فحصل على حقّ مواجهة مواطنه لينوكس لويس الذي كان يحمل احد الالقاب العالمية. وفي هذه المباراة التي اقيمت في كارديف اقترب برونو كثيراً من تحقيق حلمه عندما "حشر" خصمه في زاوية الحلبة في الجولة الثامنة وانهال عليه باللكمات، لكن لويس تمكن من اصابة برونو بلكمة قوية افقدته توازنه وانقض عليه لينهي المباراة في صالحه وسط دهشة الجمهور. ولم يرم برونو المنشفة رغم هذه الخسارة ورغم تقدمه في السن، بل تابع مواجهة ابطال من الصف الثاني حتى صيف العام الماضي عندما واجه اوليفر ماكول حامل اللقب العالمي حسب المجلس العالمي للملاكمة فهزمه بالنقاط باجماع الحكام، ليصعد الى اعلى منصات التتويج بعد طول انتظار. وعلى الرغم من وصول لينوكس لويس الى اللقب العالمي قبله، الا ان انتصار برونو كان له طعم آخر في بريطانيا لان الاخير يتمتع بشعبية كبيرة بخلاف لويس الذي ولد في انكلترا قبل ان يترعرع في كندا ويحرز لها الميدالية الذهبية في اولمبياد سيول العام 1988. ثم استعاد جنسيته الانكليزية ليمثل البلاد كمحترف. وبعد احتفال برونو باللقب في شوارع لندن راح يبحث عن ملاكم ينازله للدفاع عن لقبه وكانت امامه خيارات كثيرة منها مواجهة لاعب مغمور يضمن له الاحتفاظ باللقب او مواجهة "اسم كبير" في مباراة تدر اموالاً لا تحصى. واختار برونو الخيار الثاني، وقرر مواجهة تايسون في لاس فيغاس. ومن الصعب ان يحدد المرء المبلغ الصحيح الذي سيتقاضاه اي من الملاكمين رغم تداول بعض الارقام في وسائل الاعلام. ويبدو اختيار مواجهة تايسون مجاذفة مدروسة من قبل برونو، لان "معسكره" يدرك ان اسم تايسون سيدر اموالا لا تحصى وفي الوقت نفسه لم يصل بعد الى قمة مستواه منذ خروجه من السجن قبل نحو عام. تايسون وفي مقابل الثبات والهدوء الذي يلف حياة برونو، عرفت حياة تايسون الحضيض والقمة مرات عدة. فهو نشأ وسط عصابات السطو في نيويورك وارسل مراراً الى سجون الاحداث، قبل ان يدخل عالم الملاكمة ويصل الى القمة. ثم عاد الى الحضيض عندما قضى 35 شهراً وراء قضبان سجن انديانابوليس لاتهامه باغتصاب ديزيريه واشنطن. وهو الآن على طريق العودة الى القمة بعد خروجه قبل عام تقريباً من السجن. وخاض مباراتين فاز بهما. وعضّ تايسون على الجرح في السجن وقبل الذل من دون ان يظهر اي ضعف خلف القضبان. ولعل الساحة الابرز لاثبات وجوده هي حلبة الملاكمة امام ملاكم كبير واستعادة اللقب العالمي، وهذا بالتمام ما توفره له المواجهة مع برونو. ففي حال فوزه سيستعيد لقبه حقه ويبقى عليه توحيد اللقب ليصل الى "هدفه الكبير". دخل تايسون عالم الاحتراف العام 1985 ثم حقق في سنتين 19 فوزاً منها 14 بالضربة القاضية قبل انتهاء الجولة الثانية فاطلق عليه لقب "الاعصار". وسمح له سجله بمنازلة الاميركي تريفور بيربيك وهزمه في 29 تشرين الثاني نوفمبر 1987 ليصبح بالتالي اصغر بطل للعالم. ووصل تايسون الى القمة في فترة انحسرت فيها شعبية الملاكمة بسبب تتويج ابطال يفتقدون الى شخصيات قوية مثل روكي مارتشيانو ومحمد علي كلاي وجو فرايزر في حين كان مارفين هاغلر في "خريف" حياته الرياضية. ودافع تايسون عن اللقب اكثر من مرة منها دفاع ناجح ضد برونو العام 1989 قبل ان يخسر بشكل مفاجئ امام جيمس باستر دوغلاس. وكان مقرراً ان ينازل ايفاندر هوليفيلد العام 1991 لكن عقوبة السجن داهمته. مقارنة ويتفوق برونو على تايسون في مجالات كثيرة منها الوزن 122 كلغ لبرونو مقابل 99 كلغ لتايسون والطول 92،1م مقابل 80،1م... لكن الاميركي يتفوق في مجالين مهمين هما السرعة في توجيه اللكمات وفي حجم العنق 48 سنتيمتراً لتايسون مقابل 46 لبرونو ما يعني ان الاميركي قادر على تحمل اللكمات اكثر من خصمه. وعموماً ستكون المواجهة بين قوة برونو وسرعة تايسون، علماً ان اللقاء الاول بينهما حسمه تايسون بفضل سرعته رغم تلقيه لكمتين قويتين من برونو. وتركت عقوبة السجن بصمات واضحة على تايسون الانسان الذي اعتنق الدين الاسلامي وانكب على قراءة الكتب وهو الذي هجر المدرسة باكراً، لكن يبقى ان نعرف اذا كانت تركت اثاراً سلبية على تايسون الملاكم بدا بطيئاً في المباراتين اللتين لعبهما منذ خروجه. اما برونو فجهد طوال 16 عاماً للوصول الى اللقب العالمي ولن يتخلى عنده من دون مقاومة وهو المكتفي مالياً منذ زمن طويل. اسئلة كثيرة مطروحة ولن نحصل على الاجوبة الا في السادس عشر من الشهر الجاري، فهل يبقى برونو على القمة بفضل قوته ام يستعيد تايسون حقه بفضل سرعته؟