قلب الملاكم الاميركي ايفاندر هوليفيلد كل التوقعات وأحدث مفاجأة لها وقع زلزال بلغت قوته إحدى عشرة درجة بمقياس ريختر عندما اسقط اسطورة الملاكمة مايك تايسون بالضربة القاضية الفنية في الجولة الحادية عشرة واسترد لقبه العالمي في الوزن الثقيل للمرة الثانية وهو إنجاز لم يسبقه اليه في تاريخ الملاكمة سوى محمد علي كلاي. وكانت صحيفة "لاس فيغاس ريفيو" وهي الصحيفة الرئيسية في ولاية نيفادا قد نشرت صبيحة المباراة توقعات 48 صحافياً عالمياً أكّد 47 منهم ان تايسون سيفوز بالضربة القاضية وشذّ عن هؤلاء صحافي واحد يدعى رون بورجس من صحيفة "بوسطن غلوب"، اذ توقع فوز هوليفيلد في الجولة التاسعة. والواقع ان ليلة التاسع من تشرين الثاني 1996 كانت مهرجاناً للملاكمة امتد من لاس فيغاس في الولاياتالمتحدة الى مانشستر في بريطانيا، وقد قدِّر "للفن النبيل" ان يسترد عافيته وان يستعيد وهجه بعد سلسلة من المباريات المهازل جعلت عشاق هذه الرياضة يضيقون ذرعاً بالمنظمين وبالأبطال على حد سواء. ففي هذه الليلة دافع سبعة أبطال عن ألقابهم العالمية وقدموا عروضاً ممتعة لعل أروعها العرض الذي قدَّمه الملاكم البريطاني اليمني الأصل البرنس نسيم حامد وزن الريشة الذي احتفظ بلقبه بعدما هزم متحديه الارجنتيني بالضربة القاضية في الجولة الثانية على حلبة مانشستر. وفشل البريطاني نايجل بن على الحلبة ذاتها في الثأر من غريمه الايرلندي ستيف كولينز بطل العالم لوزن فوق المتوسط وأعلن بن إثر المباراة اعتزاله الملاكمة نهائياً. اما الملاكم الاميركي رونالد رايت بطل العالم لوزن فوق الوسط فقد دافع عن لقبه بنجاح ففاز على البريطاني انسلي بينغهام بالنقاط في مباراة من 12 جولة. وعلى حلبة مترو غولدن ماير في لاس فيغاس شهد الجمهور مباراة حماسية سبقت لقاء تايسون هوليفيلد، بين الاميركي مايكل مورر حامل اللقب العالمي للوزن الثقيل الاتحاد الدولي للملاكمة والجنوب افريقي فرانسوا بوتا، فاز فيها الأول بالضربة القاضية في الجولة التاسعة. وسبق لمورر ان انتزع اللقب قبل سنتين من ايفاندر هوليفيلد. كما شهدت الحلبة ذاتها احتفاظ البريطاني هنري اكينواندي بلقب بطل العالم للوزن الثقيل المنظمة العالمية للملاكمة بعد فوزه على الروسي الكسندر زولكين بالضربة القاضية في الجولة العاشرة. وبدوره احتفظ المكسيكي ريكاردو لوبيز بطل العالم لوزن القشة المجلس العالمي للملاكمة بلقبه بعد فوزه على متحديه الجنوب افريقي مورغان ندومو بالضربة القاضية في الجولة السادسة. اما الفنزويلي انطونيو سرمينو فقد احتفظ ايضاً بلقبه العالمي لوزن فوق الديك الجمعية العالمية للملاكمة اثر فوزه على ايدي ساينز من نيكاراغوا بالضربة القاضية في الجولة الخامسة. وفي عودة الى لقاء القمة بين تايسون وهوليفيلد قدَّم هذا الأخير مباراة اعادت الى الاذهان مباراة جو فرايزر ومحمد علي كلاي ومحت الانطباع السيئ الذي تركه في لقاءاته مع العجوز جورج فورمان والكهل لاري هولمز ومايكل مورر الذي خلعه عن عرش البطولة العالمية في مباراة من 12 جولة قبل ما يزيد على سنتين، وقد أعلن على أثرها اعتزاله الملاكمة نتيجة تقرير طبي أشار الى خلل في بطينه الايسر لأنه لا يضخ كمية كافية من الدم. لكن عودة تايسون الى حلبات الملاكمة بعد خروجه من السجن كانت حافزاً دفعه الى العودة بدوره كما دفعه الى خوض لقاء قمة تأخر خمس سنوات عن موعده الاساسي في 8 تشرين الثاني نوفمبر 1991 بسبب اصابة تايسون وبالتالي لقضائه ثلاث سنوات في السجن. وهذا اللقاء كان يعني الكثير لهوليفيلد، فهو توِّج مرتين بطلاً للعالم في غياب تايسون ولقاء القمة هذا قد يكون فرصته الأخيرة كونه في الرابعة والثلاثين اضافة الى اصابته في القلب، واللعب ضد تايسون ليس نزهة في أي حال من الاحوال، وقد أشار هوليفيلد الى غياب تايسون عن حلبات الملاكمة قبل خوضه لقاء القمة بقوله: "ان غياب تايسون اطفأ الى حد ما في نفسي شهوة الملاكمة، فأنت عندما تصعد الى الحلبة لمواجهة تايسون تجد نفسك مضطراً الى اعطاء أفضل ما لديك. فهذا البطل يدفعك الى بذل أقصى طاقاتك". ضحية دون كينغ وفي لاس فيغاس نجح هوليفيلد في تحقيق ما يشبه المعجزة خلافاً لجميع التوقعات فهزم اسطورة الملاكمة مايك تايسون في مباراة لا شك في انه كان الطرف الأفضل فيها لأنه استعد لها الاستعداد الكافي. يقول هوليفيلد: "عادة أتدرب ما بين ستة وثمانية أسابيع قبل المباراة، اما قبل مباراتي مع تايسون فقد تدربت حوالى 16 اسبوعاً". اما تايسون فالأرجح انه سقط ضحية منظم حفلاته دون كينغ من جهة، وضحية استخفافه بهوليفيلد من جهة ثانية. فالمباريات التي خاضها بعد خروجه من السجن كانت مباريات خاطفة باستثناء مباراته مع فرانك برونو، وهي لم تتح له ان يختبر اختباراً جدياً، وما من شك ان مباراته مع هوليفيلد جعلته يتصرف كأن الأمر مجرد نزهة وجاء اجماع الصحافيين والمحللين الرياضيين على حتمية فوزه ليحول ثقته في النفس غروراً وقد علّق تايسون على الهزيمة قائلاً: "عندما هزمني دوغلاس في طوكيو العام 1990، لم أتدرب استعداداً للمباراة فدفعت الثمن. أما هوليفيلد فانه كان الأفضل والأقوى خلال المباراة، ولا تجوز مقارنته بدوغلاس". والواقع ان هوليفيلد كان الأفضل استعداداً وأداء، والأفضل لجهة مدربه دون تيرير، والأفضل لجهة الاستراتيجية التي اعتمد. يقول هوليفيلد: "تايسون ملاكم خطير للغاية ولا سيما عندما يسدد بيسراه اللكمات القصيرة المباشرة، ولذا كان يتوجب عليّ ان اتخطى الجولتين الأولى والثانية بأقل قدر ممكن من الخسائر، وهذا ما قمت به، وكان علي بالتالي ان التصق به ما أمكن لأقلل من خطورته". وهكذا نجح هوليفيلد في احتواء خطورة تايسون في المرحلة الأولى فقاوم بضراوة ولم يتهدده الخطر الا في الجولة الخامسة حيث وجد نفسه في حرج لفترة قصيرة، وفي المرحلة اللاحقة قام باستنزاف تايسون الذي بدأ يفقد توازنه بعد اصابته بجرح فوق جفنه الأيسر، وبدأت كفة المباراة تميل لمصلحة هوليفيلد الذي اسقط البطل ارضاً بلكمة مباشرة من يسراه، وهي المرة الأولى منذ العام 1990 في طوكيو يرى فيها المشاهدون تايسون ملقى أرضاً. وفي الجولة العاشرة كاد هوليفيلد ينهي المباراة بعدما امطر تايسون وابلاً من اللكمات التي شلَّت حركته لكن الجرس انقذه في اللحظة الأخيرة معلناً انتهاء الجولة. وفي الجولة الحادية عشرة اندفع هوليفيلد لانجاز المهمة التي كانت تبدو مستحيلة قبل المباراة فسدد تباعاً الى رأس تايسون اثنتي عشرة لكمة عنيفة جعلت حكم الحلبة يوقف المباراة لأنها اصبحت من طرف واحد. وكان حكام المباراة الثلاثة اعتبروا هوليفيلد فائزاً بالنقاط حتى لحظة وقفها اذ منحه الأميركي جيري روث 96/92 ومنحه الاميركي الآخر دالبي تشيرلي 94/92 في حين منحه الفنزويلي فريديريكو فولمر 100/93. وقد وجه تايسون تحية تقدير وإكبار للفائز في المؤتمر الصحافي الذي عقد بعد المباراة وقال بعدما صافح هوليفيلد مهنئاً: "انني أكن لك احتراماً عميقاً... ألا ترى انه يجب اعادة هذه المباراة؟" ثم خاطب الجمهور قائلاً: "ليس لديّ أي عذر لتبرير الخسارة، وأنا أرفع قبعتي تحية لهوليفيلد لأنه كان الأفضل. لقد خاض معركة عظيمة، وانتصاره فيها لا غبار عليه". والسؤال الذي يطرح نفسه بالحاح هو هل انتهى مايك تايسون الملاكم الاسطورة؟ في اعتقادي ان تايسون رغم هزيمته القاسية لم يزل الأقوى والأفضل شرط ان ينصرف جدياً الى التدريب وان يتخلص من المباريات المشبوهة التي نظمها دون كينغ وأساءت الى سمعته وفي تقديري ان مايك تايسون يجب ان ينتصر على نفسه لاستعادة عرش الملاكمة لأنه وحده قادر على الحاق الهزيمة بنفسه