بعد تراجع متواصل منذ ثلاث سنوات للصادرات اليابانية الى دول مجلس التعاون الخليجي بسبب قوة الين، تتوقع اليابان معاودة تلك الصادرات الى الارتفاع خلال العام الحالي بسبب تحسن سعر صرف الدولار الاميركي الذي وصل الى 107.22 ين نهاية كانون الثاني يناير الماضي. ووصف شيغيرو كميورا مدير مكتب منظمة التجارة الخارجية اليابانية في ابو ظبي السعر الذي يتراوح بين 105 الى 110 ينات للدولار بأنه سعر معقول جداً للشركات اليابانية، "ومن شأنه ان يفيد صادراتنا، خصوصاً السلع الاستهلاكية". وكانت حركة التبادل التجاري بين منطقة الخليج واليابان شهدت تطورات مهمة خلال السنوات الأخيرة. وتشير الاحصاءات الى تراجع الصادرات الخليجية بنسبة 16.6 في المئة العام 1991 عما كانت العام 1990، اذ بلغت 19.56 بلين دولار، اما واردات اليابان من مجلس التعاون الخليجي مجتمعة فقد بلغت 7.9 بليون دولار بزيادة 16.4 في المئة. وتمثل الصادرات الخليجية لليابان نحو 25 في المئة من اجمالي صادراتها الى دول العالم في الوقت الذي تشكل فيه الواردات الخليجية من اليابان نحو 13.5 في المئة من اجمالي وارداتها من دول العالم. وفي 1992 ارتفع حجم التبادل التجاري الى 35.2 بليون دولار في مقابل 27.46 بليون العام 1991، وهو تطور جيد، غير انه تراجع العام 1993 الى 32.4 بليون دولار. وشمل التراجع وفقاً لهيئة التجارة الخارجية اليابانية جيترو الصادرات والواردات. ولوحظ ان الصادرات اليابانية الى دول الخليج الست تراجعت بنسبة 8.33 في المئة، من 9.6 بليون دولار العام 1992 الى 8.8 بليون دولار العام 1993. ويعود السبب الى ارتفاع سعر صرف الين الياباني في مقابل الدولار الاميركي بنسبة 18 في المئة، ما جعل البضائع اليابانية اقل قدرة على منافسة البضائع الاوروبية والآسيوية والاميركية. كما تراجعت الواردات اليابانية من الدول الخليجية بنسبة 7.8 في المئة، من 25.6 الى 23.6 بليون دولار، وذلك بسبب تراجع اسعار النفط الخام ومنتجاته الى الاسواق العالمية. وفي العام 1994 استمر ارتفاع سعر صرف الين الياباني في مقابل الدولار الاميركي وتجاوزت نسبته 20 في المئة، الأمر الذي ساهم ايضاً في تراجع حجم الصادرات اليابانية الى دول مجلس التعاون بنسبة بلغت 17.3 في المئة الى 7.27 بليون دولار. ولوحظ ان السيارات التي تشكل وحدها 41.1 في المئة من اجمالي الصادرات تراجعت بنسبة 17.7 في المئة الى 2.99 بليون دولار. افلاس الشركات ولكن كيف كان التبادل التجاري خلال العام 1995؟ لم تتوافر بعد احصاءات مفصلة عن حركة التبادل التجاري بين اليابان والدول الخليجية، غير ان السيد كيمورا مدير مكتب منظمة التجارة الخارجية اليابانية في ابو ظبي وصف العام الماضي بأنه كان صعباً بالنسبة الى الشركات اليابانية، اذ ارتفعت حالات افلاسها بنسبة 8 في المئة لتصل الى 15086 نهاية العام الماضي، مع وصول مديونيتها الى رقم قياسي بلغ 9.33 تريليون ين 88.8 بليون دولار. وهناك اسباب عدة لهذه الافلاسات، منها زلزال كوبي في كانون الثاني يناير 1995 الذي تسبب في افلاس 194 شركة وصلت مديونيتها الى اكثر من 60 بليون ين. اما قوة الين فقد اسفرت عن افلاس 173 شركة، بزيادة 82.1 في المئة عن عدد الشركات التي افلست العام 1994. وتوقع بنك تايكوكودانا، وهو بمثابة وكالة لأبحاث الدين، ان تستمر الزيادة في حالات الافلاس خلال السنة المالية التي تنتهي في 31 آذار مارس المقبل، وذلك مع تضرر الشركات الصغيرة والمتوسطة، خصوصاً انها ستتأثر بصعوبات في جمع الاموال بسبب شطب الديون. جاءت هذه التوقعات، رغم تحسن صرف الدولار في مقابل الين، من 79.75 ين للدولار في نيسان ابريل 1995 الى 107.22 ين نهاية كانون الثاني الماضي، اي بنسبة 34.3 في المئة خلال تسعة أشهر. وساهم تحسن سعر صرف الدولار في مقابل الين في خفض اسعار السيارات في اسواق الخليج، اذ تعرض سيارة هوندا سيفيك موديل 69 بنحو 40 الف ريال في السوق السعودية، في مقابل 46 الف ريال لموديل 95، وهوندا اكورد بنحو 50 الف ريال في مقابل 60 الفاً، وتويوتا كرسيدا بنحو 72 الف ريال في مقابل 80 الفاً. ومن الطبيعي ان يساهم تراجع الاسعار في زيادة مبيعات السيارات اليابانية في الاسواق الخليجية الأمر الذي يساهم بدوره في زيادة حجم الصادرات اليابانية. وتوقع استطلاع رأي اقتصادي اشترك فيه عدد من الخبراء الاقتصاديين ان يتراجع سعر صرف الدولار قليلاً بحيث يكون في مستوى 101.43 ين نهاية العام المالي 1996 - 1997. الين الآسيوي في ظل كل هذه التطورات وتأثيرها على الين، يبدو ان اليابان تشعر بحافز قوي لكي تجعل عملتها اكثر تداولاً في الاسواق الرأسمالية الدولية، منطلقة من ان خسائر المؤسسات المالية اليابانية الرأسمالية من موجودات نقدية اجنبية بلغت 37 الف بليون ين ياباني خلال الفترة من 1985 الى 1995. ومن شأن الفائض الحالي في الحساب الجاري الياباني البالغ 130 بليون دولار ان يواصل التسبب في خروج الرساميل اليابانية من البلاد وتحويلها موجودات اجنبية، لكن المؤسسات اليابانية تبدي حرصها حالياً على تحويل الموجودات او جزء كبير منها الى موجودات بالين. ويقول الدكتور سي ايتش كوان الخبير الاقتصادي لدى مؤسسة "نومورا" للابحاث: لو كنا في عالم مثالي لحاول اليابانيون اقناع حكومة الولاياتالمتحدة باصدار سندات بالين. لكن هذا غير محتمل. الا ان اليابانيين يحاولون تشجيع الدول الآسيوية على اصدار مزيد من السندات بالين. واذا كانت اليابان تستفيد كثيراً من زيادة استخدام الين لا بد من التساؤل عن المنافع التي يقال انها تعود على الدول الآسيوية من جراء ذلك؟ في 1970، كانت الصادرات اليابانية المسعرة بالين اقل من واحد في المئة. لكن بحلول العام 1986 زادت هذه النسبة الى 36.5 في المئة، ثم بدأ مسار التدويل يخطو ببطء نسبي. وفي 1995 ارتفعت النسبة الى 38 في المئة. اما في ما يتعلق بالواردات اليابانية، فقد بدا ان التبادل بالين اكثر وضوحاً وأثراً خلال الاعوام الماضية. ففي 1986 كان اقل من عشرة في المئة من الواردات اليابانية مسعراً بالين الياباني، اما في 1995 فقد شهدت هذه النسبة ارتفاعاً وصل الى 24 في المئة. لكن هذه الارقام كلها لا تعني ضمناً ان ثمة تحركاً دولياً عاماً باتجاه التعامل بالين الياباني، غير ان المدقق في الأرقام يكتشف تبدلات اقليمية ذات اهمية تتمثل في ان الدول الآسيوية يزداد استخدامها للين الياباني. فقد ارتفعت نسبة الصادرات اليابانية المسعرة بالين الى آسيا من 39 في المئة العام 1986 الى 48 في المئة العام الماضي. اما نسبة الواردات منها المسعرة بالين فقد زادت من 9.2 في المئة الى 34 في المئة خلال الفترة نفسها. وشجع ذلك على الحديث عن "كتلة ين" ناشئة بدأت تتبلور في آسيا بشكل يشبه كتلة المارك الالماني في اوروبا، لكن الحكومة اليابانية ما فتئت تعارض تطوراً من هذا القبيل، باعتبار ان تحول الين عملة دولية قد يقيد السياسة المالية اليابانية ويحرمها من مرونتها واستقلاليتها. ورغم ذلك يلاحظ ان الحكومة اليابانية بدأت تقر بأن ايجابيات وجود كتلة للين اكثر من مضارها. ولعل الاغرب من هذا ان الحكومات الآسيوية اعربت ايضاً عن رغبة قوية في توسيع نطاق التعامل بالين الياباني. أدت مشاكل اليابان المتأتية من عملتها الى تدفق استثمارات ضخمة من الشركات اليابانية على دول آسيا. ويفترض ان تخف هذه الظاهرة اذ حل الين محل الدولار في التبادل التجاري الآسيوي. لكن الدول الآسيوية تدرك ايضاً ان هذا الوضع ليس من دون ثمن. وسببه ان معظم العملات الآسيوية المرتبطة بالدولار الاميركي تراجعت قيمتها مع هبوط الدولار إزاء الين الياباني طوال العقد الماضي. وعلى رغم ان هذا التراجع سبب ازدهاراً في صادراتها إلا انه كان وقوداً لنار التضخم المحلي فيها. وفيما يزيد عدد الدول الآسيوية التي تصل الى مرحلة النضج الاقتصادي، تزيد اهمية الجهود الرامية الى لجم التضخم، وقد يؤدي استخدام الين الياباني في التداول التجاري الدولي الى المساهمة في تحقيق هذا الهدف.