يواجه العالم أزمة صحية كبيرة نتيجة فقدان معظم المضادات الحيوية فاعليتها وتداعي قوتها امام صلابة الجراثيم التي كانت تنهزم أمامها بسهولة في السابق. فقد اكتسبت هذه الجراثيم حصانة ضد 10 اصناف من المضادات الحيوية الرئيسية ولم يبق متوافراً للاطباء سوى صنف واحد قبل ان تنفذ امامهم الخيارات الدوائية القادرة على هزم بعض الامراض الخطيرة المعدية كالسل والكوليرا وذات الرئة Pneumonia والاسهال وغيرها. وقد حذرت منظمة الصحة العالمية من ازدياد تفشي الاصابات بالامراض المعدية داخل المستشفيات نتيجة الاستخدام الخاطئ للمضادات الحيوية أو نتيجة استخدام أدوية مغشوشة تحتوي نسباً غير صحية من الجرعات. وأشارت الى ان اكثر من نصف الانتاج الاجمالي للمضادات الحيوية البالغ 150 ألف طن سنوياً يستخدم كعلف لزيادة نمو الحيوانات وتفادي اصابتها بالامراض. وان هذه الممارسة الخطرة تساهم في انتقال الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية الى المستهلك فتسبب له امراضاً يصعب علاجها وتساعد الجراثيم التي تصيب الانسان على اكتساب مقاومة وحصانة ضد المضادات الحيوية. وأكد البروفسور ستيوارت ليفي مدير معهد التأقلم الوراثي ومقاومة الأدوية في بوسطن، ان عدداً متزايداً من المرضى لم يعد يستجيب للمضادات الحيوية الموصوفة لعلاجه، وان قسماً منهم يفقدون حياتهم نتيجة تدهور حالتهم الصحية وفشل علاجهم. وأنحى باللائمة على سوء استخدام المضادات الحيوية من قبل الاطباء والمرضى على السواء واستمرار الممارسات غير الصحية داخل بعض المزارع الحيوانية حيث يتم علاج الحيوانات او تحصينها وعلفها بالمضادات الحيوية بشكل يزوّد الجراثيم بمناعة ضد تلك الادوية. ونبه البروفسور جوليان ديفيز خبير علم الجراثيم في جامعة بريتيش كولومبيا الكندية، الى ان الجراثيم العصرية بدأت تظهر مرونة غير عادية في طريقة اتصالها ببعضها البعض بحيث تتبادل الجينات التي تكسبها القدرة على مقاومة المضادات الحيوية أو الصادات. مقاومة الجراثيم للمضادات الحيوية تطرح في الوقت الحاضر مشكلة كبيرة على اجهزة الصحة العامة في العالم اجمع. اذ ان اللجوء المتواصل والمستمر وبشكل عشوائي غير ملائم الى المضادات الحيوية التي تستخدم ايضاً وبكثافة في علف الحيوانات يؤدي الى زيادة مقاومة الجراثيم في الوقت الذي لا يتوقع ان يتوصل العلماء قريباً الى اكتشاف أدوية جديدة اكثر فاعلية. كما ان الجراثيم اصبحت تتمتع بمرونة تسمح لها بانتاج جينات مورثات تجعلها مقاومة للمضادات الحيوية، وان الادوية عندما تقتل الجراثيم الحساسة تمارس عملاً انتقائياً يتيح نمو جراثيم تحمل جينات مقاومة. وهكذا يؤدي الاستخدام المتواصل للمضادات الحيوية الى انتشار انواع مقاومة من الجراثيم تطرح تحدياً خطيراً امام الاطباء. ولا يمكن في الوقت الحاضر ان يعوّض توسيع دائرة الادوية المتوافرة عن الزيادة الحاصلة في عدد الجراثيم المقاومة لها، اذ يتطلب ذلك تغييراً جذرياً ومراجعة شاملة لاستراتيجية العلاج القائم. وليس بغريب ان يجد الاطباء في انحاء العالم انهم غير قادرين على استخدام بعض المضادات الحيوية الكثيرة الفائدة والمرغوبة. وأكدت منظمة الصحة العالمية في تقريرها السنوي على ان مقاومة الجراثيم للمضادات الحيوية تشكل هاجساً صحياً كبيراً لمعظم دول العالم. وان اللجوء باستمرار وبشكل عشوائي للمضادات الحيوية والاكثار من استخدامها في علف الحيوانات يزيد من مقاومة الجراثيم لها. وحذرت من اضطرار الدول الفقيرة والنامية التي يقع فيها العدد الأكبر من الاصابات والضحايا، الى استخدام الادوية النادرة والباهظة التي لا يمكن لكافة المرضى الحصول عليها. اذ لم يعد بوسع الاطباء معالجة بعض الامراض التناسلية التي تنتقل عبر الاتصال الجنسي بدواء البنيسيلين أو التتراسيكلين في معظم الدول. وفي جنوب شرقي آسيا اصبح نصف انواع الجراثيم المسببة للتيفوئيد مقاوماً لعدد كبير من المضادات الحيوية. كما أدى سوء استخدام تلك الادوية الى عودة امراض وبائية خطيرة كالسل والكوليرا والاسهال التي تتسبب في مقتل ملايين البشر سنوياً لعدم جدوى المضادات الحيوية المستخدمة في علاجها نتيجة مقاومة الجراثيم لها. وطالبت المنظمة في احد مؤتمراتها الطارئة بضرورة اتخاذ اجراءات حاسمة لمواجهة هذه التطورات بخاصة وان البكتيريا آخذة في الانتشار بسرعة بعد ان كونت انظمة دفاعية ضد المضادات الحيوية المتوافرة حالياً. وأشارت الى ان المضادات الحيوية بدأت تفقد فاعليتها مع ازدياد استخدامها، كما حصل اخيراً في زائير حيث عجز الاطباء عن احتواء داء الدوسنطاريا الزحار لفترة تمكنهم من ايجاد دواء فعال ضدها. ويبدو ان مقاومة المضادات الحيوية قد أصبحت منتشرة بصورة وبائية بما يحد من قدرة الاطباء على المناورة لعلاج واحتواء الامراض الآخذة في الازدياد. ولا تلوح في الافق بوادر ظهور مضادات حيوية جديدة قادرة على تخطي مقاومة الجراثيم لها. فقد ساءت المقاومة للمضادات الحيوية بصورة كبيرة خلال العقد الماضي في الوقت الذي تراجعت فيه سرعة التوصل الى أدوية جديدة. مخاوف الخبراء وحذر البروفسور مايكل ليفن رئيس قسم الامراض المعدية للاطفال في مستشفى سانت ماري اللندنية المشهورة بكونها الموقع الذي اكتشف فيه العالم الاسكتلندي الكسندر فلمنغ خصائص البنيسيلين، من ان الجراثيم المتحولة والمتغيرة اصبحت تهدد بظهور أوبئة جديدة. وانه من الصعب تعداد الامراض المعدية الجديدة والوافرة نظراً لضخامتها. الا ان عدداً هاماً منها مثل تسمم الدم والتهاب السحايا وذات الرئة والتهاب الكلى والسل والكوليرا والتيفوئيد والسيلان وأمراض بكتيرية تصيب العظام والمفاصل والجروح آخذ في الازدياد. كما ان امراضاً اخرى غير معروفة بإصابتها للأطفال بدأت في الظهور مثل مرض كواساكي والحمى البرازيلية الفرفرية والتسمم بالمكورات العنقودية، كلها أمراض لم يكن الانسان يحلم بها منذ 15 سنة. ويعتقد الدكتور ليفن ان المتغيرات الوراثية الحاصلة في تركيب هذه الجراثيم ربما حولتها من جراثيم ودودة الى جراثيم قاتلة. وأكد عدد من كبار العلماء والاطباء واصحاب الاختصاص الاميركيين امثال البروفسور توماس أوبريان من جامعة هارفارد، والبروفسور ستيوارت ليفي من جامعة تافت في بوسطن، والبروفسور ستانلي فالكاو من جامعة ستانفورد في كاليفورنيا، ان مقاومة بعض الجراثيم للادوية والمضادات الحيوية قد بلغت حداً لا مثيل له في سجلات التاريخ البيولوجي. ويعتقد هؤلاء ان الجراثيم اكتسبت مناعتها ضد الادوية نتيجة اكتسابها جينات قادرة على مقاومة المضادات الحيوية. فكثيراً ما نسمع عن مقاومة جراثيم أم. آر. أس. اي M.R.S.A لمضادات الميثيلين التي تستخدم في علاج الجروح داخل المستشفيات. وقد حذّر رئيس مراكز مراقبة الامراض والوقاية في الولاياتالمتحدة الاميركية ديفيد سانشيز من ازدياد مقاومة الجراثيم لمعظم المضادات الحيوية، بينما أشار الدكتور باري بلوم من كلية البرت اينشتاين في نيويورك الى استمرار خطر الامراض الوبائية المعدية نتيجة استمرار نجاح الجراثيم المسببة لها في تشكيل تركيبات جديدة قادرة على اختراق جهاز المناعة. وكان المدير العام المساعد لمنظمة الصحة العالمية "هوتشنغ لي" قد أكد على ضرورة مواجهة الازمة الصحية البالغة التي تشكلها مقاومة الجراثيم للمضادات الحيوية في الدول النامية بوجه خاص ودول العالم عموماً، وذلك ببذل جهود عالمية لتحقيق بنود الخطة المشتركة التي وضعتها منظمة الصحة العالمية مع الاتحاد الدولي لمصنعي الادوية. ازدياد انتشار "السل" من المذهل فعلاً ان حوالى 33 في المئة من سكان العالم يحتضنون جرثومة "السل" مايكوبكتيريوم تيوبركولوسيس وانهم بالتالي معرضون للأصابة بالمرض اذا تهيأت الظروف المساعدة. وتظهر اعراض السل سنوياً على 8 ملايين شخص يموت منهم قرابة 3 ملايين نسمة. وتتوقع منظمة الصحة العالمية ان يصل عدد القتلى الى 5.3 مليون بحلول عام 2000. كما يخشى المسؤولون ان يؤدي تردي الاحوال الاجتماعية وانحدار مستوى النظافة داخل المدن، وبروز انواع وفصائل جديدة من جرثومة السل تتمتع بحصانة ومناعة ضد الادوية المتوافرة والمتعارف عليها طبياً، الى زيادة عدد الاصابات والضحايا ما لم تتخذ الاجراءات الصحية المناسبة لاحتوائها والحد من انتشارها. ان مقاومة جرثومة السل للمضادات الحيوية ليست بجديدة فهي تعود الى اواخر الاربعينات، اي بعد سنوات قليلة من اكتشاف دواء "ستربتومايسين". اذ لاحظ الاطباء آنذاك ان الجرثومة اصبحت قادرة على مقاومة هذا النوع وآخر غيره من المضادات الحيوية. ولم يخطر ببال أحد ان تصبح هذه الجرثومة مقاومة لثلاثة انواع من الصادات دفعة واحدة. الا ان السنين اثبتت تطور مقاومة جرثومة السل لتصبح منيعة ضد كل ما هو متوافر لعلاج هذا المرض العضال. حتى ان مزيجاً من ثلاثة مضادات حيوية معروفة بقوتها وفعاليتها مثل: ريفامبين، ايزونيازيد، وبيرازينمايد أصبح غير كافٍ لعلاج سلالات الجرثومة المنيعة. ويعزو الاطباء اسباب ذلك الى عدم التزام المرضى باتمام عملية العلاج وعدم تناولهم الجرعات المخصصة لهم في أوقاتها وكمياتها المحددة طوال الفترة الزمنية التي يتطلبها العلاج. فكثيراً ما يتوقف المرضى عن استكمال العلاج لمجرد شعورهم بالتحسن خلال شهرين أو ثلاثة أشهر، بينما يحتاج العلاج الى فترة تقارب سنة ونصف سنة ليتمكن من القضاء على جرثومة السل. وقد حذرت منظمة الصحة العالمية ومراكز مراقبة الأمراض والوقاية في الولاياتالمتحدة الاميركية من ان مشكلة مرض السل الآخذة في التعاظم اصبحت تهدد بمقتل 30 مليون شخص خلال العقد المقبل نتيجة انتشار مرض الايدز الذي يحطم مناعة الانسان وتمكن سلالات من الجراثيم المسببة للمرض من مقاومة المضادات الحيوية المخصصة لعلاجه. ومن الملفت ان 95 في المئة من حالات السل تصيب سكان الدول النامية أو دول العالم الثالث الفقيرة. ويتوقع ان يرتفع عدد الاصابات بهذا المرض الى 90 مليون بنهاية القرن الحالي. المستشفيات مرتع للعدوى!! من سخرية القدر ان المستشفيات التي يفترض ان تكون مراكز مخصصة للعلاج والاستشفاء، اصبحت البيئة الافضل لنمو وانتشار الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية. فالمرضى الذين يدخلون المستشفى يحملون معهم غالباً سلالات من الجراثيم المقاومة لنوع أو أكثر من المضادات الحيوية التي تنتشر عبر أيدي العاملين في المستشفى وفوق رفوف وسطوح الاثاث والاجهزة والمعدات. ومن أكثر انواع الجراثيم انتشاراً في المستشفيات سلالة "بسودوموناس يروجينوسا" التي تسبب الامراض التنفسية وأمراض المسالك البولية ويتمتع غلافها بحصانة تمنع المضادات الحيوية من اختراقه للدخول اليها. ونظراً للاستخدام المكثف للمضادات الحيوية داخل المستشفيات تكتسب سلالات الجراثيم الموجودة فيها مقاومة ضد الادوية والمطهرات بسرعة تفوق السرعة التي تستغرقها سلالات الجراثيم الموجودة خارج المستشفيات. لذا فإن المستشفيات لا تحتوي على سلالات من الجراثيم الاكثر مقاومة للمضادات الحيوية من الجراثيم الموجودة في البيئات الاخرى فحسب، بل انها تحتوي على سلالات مقاومة لعدد من المضادات الحيوية دفعة واحدة. فسلالات الجراثيم من نوع "كليبسيلا" و"سيريشيا" و"بروتيوس" و"انتيروبكتر" التي كان يسهل علاجها في الماضي، اصبحت اكثر تسبباً بالأمراض والعدوى نتيجة مقاومتها لمجموعة من المضادات الحيوية. المضادات الحيوية والمزارع الحيوانية تستخدم المضادات الحيوية بكثرة داخل المزارع الحيوانية المنتشرة في العالم لأربعة أسباب. أولها، علاج الحيوانات من الامراض الجرثومية وذلك باعطائها جرعات محددة من قبل طبيب بيطري. غير ان الممارسة اثبتت ان المزارعين يقومون بإعطاء الحيوانات جرعات كبيرة من المضادات الحيوية لضمان شفائها بسرعة. وهذه من الممارسات الخاطئة. ويستخدم المزارعون المضادات الحيوية ايضاً لعلاج الحيوانات التي يشكون في اعتلالها رغم عدم ظهور أعراض مرضية عليها. كما تستخدم المضادات الحيوية لتحصين الحيوانات السليمة ضد الامراض الجرثومية خشية اصابتها بها مستقبلاً. اما السبب الرابع والاخطر فهو لجوء المزارعين لاستخدام المضادات الحيوية من اجل تحفيز نمو الحيوانات وتسمينها عن طريق خلطها ضمن الاعلاف. وكان الدكتور توماس جوكس اكتشف هذه الظاهرة الطبية الفريدة للمضادات الحيوية عام 1949 ولم تعرف أسبابها حتى اليوم. وقد راجت هذه الممارسة داخل المزارع الحيوانية لأنها تجلب الربح الوفير لاصحابها. ان استخدام المضادات الحيوية بانتظام لتسمين الماشية والدواجن والخنازير وتحفيز نموها أو علاجها أو تحصينها يولد جراثيم مقاومة لتلك المضادات ويساهم في انتقال هذه الجراثيم الى الانسان. اذ ان كل من يتعاطى المضادات الحيوية بكثرة يصبح مصنعاً لتوالد سلالات من تلك الجراثيم المنيعة. ونظراً لضخامة عدد الحيوانات وما تتركه من كميات هائلة من الفضلات كالبراز وغيره، مقارنة بالانسان، يميل بعض الخبراء الى اعتبار المزارع الحيوانية بؤرة رئيسية لتوالد سلالات الجراثيم المقاومة للأدوية. تجدر الاشارة الى ان بعض الجراثيم أصبح قادراً على مقاومة عدد من المضادات الحيوية في آن، مما يزيد من صعوبة علاج الامراض التي تسببها ويجعل مهمة وصف الادوية المضادة لها صعبة للغاية أو شبه مستحيلة. ويبدو ان عدد تلك الجراثيم آخذ في الازدياد وكذلك عدد الحالات المرضية التي يفشل علاجها وينتهي الامر بوفاة اصحابها. من جهة اخرى، تخشى المنظمات والهيئات الرسمية وغير الرسمية المهتمة بصحة المواطنين ومصالحهم العامة من الاضرار والاخطار الصحية المترتبة عن استخدام المضادات الحيوية في الاعلاف الحيوانية واحتمال وجود ترسبات منها في لحوم الماشية وحليبها. خاصة وان الابقار الحلوبة تعالج بالمضادات الحيوية كالبنيسيلين لحمايتها من التهاب الثدي الذي يتعرض له ثلث تلك الابقار. غير انه لا توجد أدلة كافية عن تأثر البشر من شرب حليب الابقار المعالجة بالبنيسيلين، ما عدا الاشخاص الذين يعانون أساساً من حساسية ضد هذا الدواء. مقاومة المضادات الحيوية وكيفية مواجهتها تقاوم الجراثيم المضادات الحيوية المختلفة بطرق عدة أهمها انتاج مواد كيماوية أو انزيمات بروتينية تبطل مفعول الأدوية وتدمرها. أو القيام بتطوير مضخات جزيئية تطرد الادوية خارج خلاياها. ويعود بروز الانزيمات البروتينية الى تغيرات تصيب الجينات المورثات الموجودة فوق كروموسومات الجراثيم أو بلزميداتها Plasmids التي تتميز بقدرتها على الانتقال بين الجراثيم المتشابهة أو المختلفة وتبادلها للجينات في ما بينها بحيث تنقل مناعتها أو مقاومتها للمضادات الحيوية الى انواع الجراثيم الاخرى. وقد دفع ذلك العلماء الى ابتكار فكرة رائدة تعتمد على استخدام حرس شخصي يرافق المضادات الحيوية في مهمتها الهادفة للقضاء على الجراثيم فيشغلها عن مقاومة المضادات الحيوية ويعرقل خططها الدفاعية كي لا تنجح لاحقاً في تعطيل المضادات الحيوية أو التأثير عليها. ومن الامثلة الناجحة على تلك المضادات دواء أوغمانتين Augmentin الذي يحوي المضاد الحيوي أموكسيسيلين Amoxycillin المستخدم في علاج أمراض ذات الرئة Pneumonia والمسالك البولية والتهابات الفم والاسنان. ويدخل في تركيب أموكسيسيلين ومجموعة الادوية الحاوية للبنيسيلين حلقة كيماوية تعرف ب "بيتا لاكتام" تضعف غلاف الجراثيم وتفككه أو تفجره. الا ان هنالك انواعاً من الجراثيم قادرة على انتاج مواد كيماوية تفكك تلك الحلقة وتفشل مفعول المضادات الحيوية التي تحويها. لذا أدخل العلماء مادة "حامض كلافيولانك" الكيماوية التي يدخل في تركيبها حلقة مشابهة ل "بيتالاكتام" لتكون حرساً خاصاً يحمي المضاد الحيوي، وذلك باستدراج الجراثيم والهائها عنه كي لا تعطل مهمته لاضطرارها مهاجمة الحلقة الكيماوية المشابهة للحلقة الموجودة في المضادات الحيوية عادة. ومن المتوقع ان تساهم هذه الجهود التي يبذلها العلماء والشركات المصنعة للأدوية في دعم المضادات الحيوية المتوافرة وفي تمكينها من استعادة قوتها وحيويتها بشكل يسمح للاطباء باستخدامها الى ما لا نهاية. فالأسلوب العلاجي المزدوج سيتيح فرصة هامة لابطاء وايقاف تزايد مقاومة الجراثيم للمضادات الحيوية ويؤدي بالتالي الى عدم الاضطرار للتخلي أو الاستعاضة عنها ببدائل علاجية جديدة. الدول العربية تدرك الخطر منذ عام 1988 والمكتب الاقليمي لشرق البحر المتوسط التابع لمنظمة الصحة العالمية في مدينة الاسكندرية، يتابع كل ما يتعلق بالمضادات الحيوية وطرق استخدامها في البلاد العربية. فقد تأسست لجنة استشارية من الخبراء بدعوة من مدير المكتب الاقليمي الدكتور حسين عبدالرزاق الجزائري، وهو وزير سابق للصحة السعودية، تشرفت ان أكون أحد اعضائها حتى عام 1990، غايتها العمل على تطبيق الاستخدام الرشيد للمضادات الحيوية أو الصادات في المنطقة، وذلك عن طريق التثقيف والدراسات الميدانية والابحاث. ومن ثم رسم التصورات واقتراح الاجراءات الكفيلة بالحد من سوء استخدام الصادات داخل وخارج المستشفيات. ولم يتوان المسؤولون في المكتب الاقليمي عن الاشارة في أكثر من مناسبة الى أهمية التزام الاطباء بقيود صارمة اثناء صرفهم للوصفات الطبية الخاصة بالمضادات الحيوية، وضرورة التزام الصيادلة بعدم صرف تلك الادوية دون وصفة طبية رسمية، والتزام المرضى تناول الجرعات المحددة طوال فترة العلاج والامتناع عن استخدام المضادات الحيوية التي يسهل الحصول عليها بدون وصفة طبية أو عن طريق الاصدقاء والاقارب. لأن جراثيم الامراض تختلف ولكل نوع منها مضاد أو مضادات مناسبة لا يمكن التعرف عليها الا باجراء الفحوصات الطبية والتحاليل المخبرية اللازمة بعض انواع المضادات الحيوية والجراثيم المقاومة لها مايكوبكتيريوم تيوبركولوسيس: تتسبب هذه الجراثيم باصابة 8 ملايين شخص سنوياً يموت منهم 3 ملايين. وقد اصبحت قادرة على مقاومة عدد من المضادات الحيوية. اهمها ريفامبين ايزونيازيد، بيرازينمايد. عقديات ذات الرئة Streptococcus Pneumoniae: تتسبب في ملايين الحالات من تشمع الاذن والتهابات ذات الرئة وآلاف الحالات من التهاب السحايا الدماغية سنوياً. اكتسبت مناعة ضد البنيسيلين واريثرومايسين. وكانت تلك الجراثيم قد اكتسبت قدرة على مقاومة ادوية سلفونمايدز المستخدمة في علاج الامراض التنفسية وأمراض المسالك البولية. السلمونيلا Salmonella: تتسبب في ملايين الحالات من الاسهال. وقد اكتسبت مقاومة ضد عدد كبير من المضادات الحيوية مثل: كلورامفينيكول، ستربتومايسين، تتراسيكلين، سلفونمايدز، امبيسيلين وكنمايسين خلال العقدين الماضيين. سيريشيا مرسيسينز Serratia Marcescens: تتسبب في الامراض التنفسية والبولية المنتشرة داخل المستشفيات والمستوصفات. وقد اكتسبت هذه الجراثيم مناعة ضد مضادات حيوية عدة مثل: أمبيسيلين، تتراسيكلين، جنتمايسين، اميكاسين، ترايميثوبريم وغيرها. ستافيلوكوكس أوريس Staphylococcus aureus: تتسبب في انتشار الامراض التنفسية والبولية داخل المستشفيات. وقد اكتسبت مقاومة ضد البنيسيلين والمثيسيلين والامينوغلايكوسايدز. انتيروكوكس فيكاليس: Enterococcus Faecalis, Faecium: تسبب الاسهال واكتسبت مقاومة ضد أدوية فانكومايسين، امبيسيلين، جنتمايسين وستربتومايسين. معلومات مهمة عن المضادات الحيوية والجراثيم المضادات الحيوية: مركبات كيماوية تستخدم لقتل الجراثيم المعدية وايقاف نموها. - يوجد أكثر من 100 نوع من المضادات الحيوية مقسمة الى 12 مجموعة. اكثرها مبيعاً واستخداماً 6 مجموعات هي: البنيسيلين، سيفالوسبورين، اريثرومايسين، تتراسيكلين، سلفونمايدز، وكوينولونز. - المضادات الحيوية مفيدة جداً وضرورية للحد من انتشار عدوى الجراثيم الخطيرة التي تصيب اعضاء الجسم الاساسية، بخاصة اذا احسن استخدامها. - من الضروري استخدام المضادات الحيوية بسرعة لعلاج حالات تسمم الدم والتهاب السحايا الدماغية وأغشية القلب والرئتين والكلى والاعضاء التناسلية المصابة بالسفلس أو السيلان. - تسبب المضادات الحيوية بعض الاعراض المرضية عند متعاطيها الذين يعانون من حساسية ضدها، كالطفح الجلدي، الدوخة، الصداع، التشنجات والاسهال. - يستحسن عدم استخدام المضادات الحيوية لعلاج الاعراض المرضية البسيطة أو العادية مثل الصداع والزكام والسعال والاسهال الخفيف والتهاب الحلق والاذن والمثانة الا في حالات الضرورة القصوى. - يستحسن الاقتصاد في استخدام المضادات الحيوية في علاج التهابات المسالك البولية والمثانة المتكررة عند النساء وفي علاج التهاب اللوزتين والاذنين عند الاطفال لأن سوء استخدامها يؤدي الى الحد من فاعليتها ويوّلد مقاومة لدى الجراثيم المفترض ان تعالجها. - من الضروري الامتناع عن تناول المضادات الحيوية لعلاج الامراض الفيروسية لانها لا تجدي نفعاً ضدها. - لا بد من تشخيص نوع الجرثومة المسببة للمرض عن طريق التحليل المخبري قبل وصف المضاد الحيوي المناسب. باستثناء الحالات التي تتطلب اجراءات طبية عاجلة كاحتمال الاصابة بالتهاب السحايا الدماغية أو تسمم الدم وذات الرئة والسل. الجراثيم: بالاضافة الى الادوار الخطيرة للجراثيم التي سبق ذكرها، لا بد من التذكير بأن بعض هذه الجراثيم يعيش داخل جسم الانسان بصورة ودودة معايشة أو متكافلة. اذ تعيش جراثيم المكورات العنقودية البشروية Staph. epidermidis فوق جلد الانسان، وتعيش العصيات اللاهوائية: Anaerobic bacilli داخل احشاء الانسان. بينما تعيش جراثيم العصيات اللبنية الحمضة Lactobacillus acidophilus في المسالك التناسلية للمرأة فتحميها من الجراثيم التي تستخدم في عملية تخمير الالبان. وتمتاز هذه الجراثيم في انها تقي الجسم اخطار الجراثيم الضارة عندما تتواجد في بيئتها الطبيعية. اما الجراثيم المعايشة الاخرى التي تتواجد داخل الجسم بصورة طبيعية مثل الجراثيم العصوية او الاشريكيات E.Coli والمجزآت المغزلية Clostridium فإنها تحول الى جراثيم ضارة عند تكاثرها بصورة غير عادية لا يمكن السيطرة عليها نتيجة قيام المضادات الحيوية بقتل الجراثيم الودودة المتكافلة داخل الاحشاء.