المملكة تجدد إدانتها استهداف إسرائيل ل«الأونروا»    "سلمان للإغاثة" يوزع 1.600 سلة غذائية في إقليم شاري باقرمي بجمهورية تشاد    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمير الرياض يفتتح اليوم منتدى الرياض الاقتصادي    «حزم».. نظام سعودي جديد للتعامل مع التهديدات الجوية والسطحية    «السلطنة» في يومها الوطني.. مسيرة بناء تؤطرها «رؤية 2040»    منطقة العجائب    القصبي يفتتح مؤتمر الجودة في عصر التقنيات المتقدمة    1.7 مليون عقد لسيارات مسجلة بوزارة النقل    9% نموا بصفقات الاستحواذ والاندماج بالشرق الأوسط    وزير الدفاع يستعرض العلاقات الثنائية مع سفير الصين    المملكة ونصرة فلسطين ولبنان    عدوان الاحتلال يواصل حصد الأرواح الفلسطينية    حسابات ال «ثريد»    صبي في ال 14 متهم بإحراق غابات نيوجيرسي    الاحتلال يعيد فصول النازية في غزة    الأخضر يكثف تحضيراته للقاء إندونيسيا في تصفيات المونديال    وزير الإعلام اختتم زيارته لبكين.. السعودية والصين.. شراكة راسخة وتعاون مثمر    الأخضر يرفع استعداده لمواجهة إندونيسيا في التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2026    محافظ جدة يستقبل قنصل كازاخستان    مع انطلاقة الفصل الثاني.. «التعليم» تشدّد على انضباط المدارس    إحباط 3 محاولات لتهريب 645 ألف حبة محظورة وكميات من «الشبو»    الإجازة ونهايتها بالنسبة للطلاب    قتل 4 من أسرته وهرب.. الأسباب مجهولة !    كل الحب    البوابة السحرية لتكنولوجيا المستقبل    استقبال 127 مشاركة من 41 دولة.. إغلاق التسجيل في ملتقى" الفيديو آرت" الدولي    كونان أوبراين.. يقدم حفل الأوسكار لأول مرة في 2025    يا ليتني لم أقل لها أفٍ أبداً    موافقة خادم الحرمين على استضافة 1000 معتمر من 66 دولة    قلق في بريطانيا: إرهاق.. صداع.. وإسهال.. أعراض فايروس جديد    القاتل الصامت يعيش في مطابخكم.. احذروه    5 أعراض لفطريات الأظافر    هيئة الشورى توافق على تقارير الأداء السنوية لعدد من الجهات الحكومية    مكالمة السيتي    الخليج يتغلب على أهلي سداب العماني ويتصدّر مجموعته في "آسيوية اليد"    تبدأ من 35 ريال .. النصر يطرح تذاكر مباراته أمام السد "آسيوياً"    أوربارينا يجهز «سكري القصيم» «محلياً وقارياً»    «سعود الطبية» تستقبل 750 طفلاً خديجاً    الدرعية.. عاصمة الماضي ومدينة المستقبل !    ستة ملايين عملية عبر «أبشر» في أكتوبر    لغز البيتكوين!    الله عليه أخضر عنيد    أعاصير تضرب المركب الألماني    «القمة غير العادية».. المسار الوضيء    المكتشفات الحديثة ما بين التصريح الإعلامي والبحث العلمي    المملكة تقود المواجهة العالمية لمقاومة مضادات الميكروبات    مجمع الملك سلمان يطلق النسخة الرابعة من «تحدي الإلقاء للأطفال»    شراكة إعلامية سعودية صينية واتفاقيات للتعاون الثنائي    انتظام 30 ألف طالب وطالبة في أكثر من 96 مدرسة تابعة لمكتب التعليم ببيش    خامس أيام كأس نادي الصقور السعودي بحفر الباطن يشهد تنافس وإثارة    وزير الدفاع يلتقي سفير جمهورية الصين الشعبية لدى المملكة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل المندوب الدائم لجمهورية تركيا    محافظ الطائف يلتقي مديرة الحماية الأسرية    اللجنة المشتركة تشيد بتقدم «فيلا الحجر» والشراكة مع جامعة «بانتيون سوربون»    أهم باب للسعادة والتوفيق    بيني وبين زوجي قاب قوسين أو أدنى    دخول مكة المكرمة محطة الوحدة الكبرى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأكل لحم البشر وتؤدي الى الموت خلال ساعات . الجرثومة القاتلة
نشر في الحياة يوم 06 - 06 - 1994

ادت حالة الذعر والرعب التي انتشرت في بريطانيا اثر اعلان السلطات الصحية فيها عن اكتشاف جرثومة متوحشة تأكل لحم البشر وتسمم الانسجة بسرعة هائلة تؤدي الى الموت خلال ساعات، الى انتشار الذعر في انحاء العالم اجمع، وبخاصة في العالم العربي حيث اكد الدكتور حلمي وهدان، رئيس قسم الوقاية من الامراض في اقليم شرق البحر المتوسط التابع لمنظمة الصحة العالمية ان حالة من الذعر والارتباك عمت الدول العربية اثر ورود انباء عن الجرثومة القاتلة، وان المكتب الاقليمي تلقى العديد من الاستفسارات والتساؤلات للاطلاع على خطورة الوضع في المنطقة العربية.
التحقيق الآتي يسلط الاضواء على هذه البكتيريا القاتلة التي شغلت العالم وارعبته في الايام القليلة الماضية.
أثارت قضية الجرثومة المتوحشة التي تأكل لحم البشر وتسمم الانسجة ثم تدمرها بسرعة هائلة تؤدي الى الموت خلال ساعات، هلع البريطانيين بعد ان ازداد عدد ضحاياها وتمركز معظمها في مقاطعة غلوسترشاير البريطانية. وكانت هذه المقاطعة تعرضت في منتصف الثمانينات لوباء التهاب السحايا. وها هي اليوم في منتصف التسعينات تتعرض لخطر جديد لا يمكن وصفه بالوباء لكن خطورته وسرعته في قتل ضحاياه بعد نخر لحمهم وافتراسه جعلت منه وحشاً مرعباً لفت اليه كافة وسائل واجهزة الاعلام داخل بريطانيا وخارجها. فقد اصيب 7 اشخاص في محيط 40 كيلومتراً من تلك المنطقة بسلالة من الجراثيم العقدية المعروفة بالمكورات العقدية نوع أ. وهي تعيش عادة بصورة طبيعية في حلق 10 في المئة من البشر حيث تسبب فقط التهاباً بسيطاً في الحنجرة. وقد نجا 4 من المصابين وتوفي 3. وكان معظم حالات الوفاة ناتجاً عن انتشار العدوى داخل غرف العمليات اثر القيام بجراحات مختلفة سواء كانت لازالة فتق أو الدوالي أو بتر ساق أو بعد القيام بعملية ولادة قيصرية أو استئصال رحم أو التعرض للعدوى بعد الاصابة بالتهابات جلدية كالجدري وغيره. ولم ترحم هذه الجراثيم الاطباء والممرضات فقد اصابت طبيباً يدعى ديفيد سومرفيل 64 سنة وممرضة اسكتلندية تدعى روزان ميلر 41 سنة. وكانت الممرضة لاحظت ان الجراثيم قد نهشت لحمها لدرجة أصبح الجلد الذي يغطي معدتها شفافاً وتحول لون الانسجة الموجودة تحته أسود.
وعلى الرغم من اعلان وزارة الصحة عن وجود 15 اصابة فقط ووفاة 11 مريضاً في طول البلاد وعرضها، استمرت موجة الذعر وتملك الوهم أفكار الناس فراحوا ينسبون الأعراض البسيطة كاحتقان الحنجرة وارتفاع درجة الحراراة أو الاسهال العادي الى تلك الجراثيم وامكانية تحولها الى سلالة مفترسة ربما التهمت لحمهم وقضت عليهم. وازدادت موجة الخوف عندما لاحظ الاطباء ان هذه الاصابات لم تكن متمركزة في منطقة غلوسترشاير فقط بل ان بعضها موجود في لندن واسكتلندا وويلز أيضاً. ولعبت الصور المرعبة المنشورة على صدر صفحات الجرائد البريطانية دوراً كبيراً في بث الرعب في قلوب البريطانيين ونشر الذعر في البلدان المجاورة وفي القارتين الاميركية والاوسترالية. فصورة المريض كن كروك الذي نجا من الجرثومة القاتلة بعد ان اجريت له 6 عمليات جراحية لاستئصال الانسجة المخموجة من وجهه وصدره ورقبته وتعرضه ل 400 غرزة نتيجة الجراحة التجميلية. وصورة المريض ليز كريستي وآثار لحمه المأكول مع صورة الطفل روس كوشمان الذي توفي وهو في الثانية من عمره اثر اصابته بالجرثومة القاتلة اثناء معاناته من داء الجدري، أدت الى تضخيم المخاوف واغراق البلاد في حالة من الارتباك والقلق والترقب.
تحرك السلطات الصحية
وفي محاولة يائسة لتبديد مخاوف المواطنين وتكذيب الاشاعات التي كانت تضخم الاحداث بشكل درامي خطير، عقد المسؤولون الصحيون في مقاطعة غلوسترشاير مؤتمراً صحافياً عاجلاً شارك فيه بيتر كولكلوف رئيس الهيئة الصحية والدكتورة سالي بيرسون مديرة الصحة العامة والدكتورة كليوندا ماكنالي استشارية علم الجراثيم، أكدوا فيه على انهم لا يواجهون خطراً وبائياً يهدد الصحة العامة في تلك المقاطعة أو في أي مكان آخر من بريطانيا. وانهم يقومون بكل ما يمكن القيام به لاحتواء العدوى ودراسة كافة العوامل البيئية التي يمكن ان تساعد في التعرف على الاسباب المؤدية لتحول هذه الجرثومة العادية الى جرثومة مفترسة وقاتلة. وكانت الاشاعات المنتشرة بين الناس دفعت البعض للتساؤل عن مدى خطورة القيام برحلات سياحية الى تلك المنطقة.
وأعلنت وزيرة الصحة البريطانية فرجينيا بوتوملي انها لا ترى موجباً للتعميم على المراكز الصحية بضرورة الابلاغ عن الحالات لانه لا يمكن ادراجها تحت لائحة الامراض المعدية الواجب الابلاغ عنها. واشارت الوزيرة بوتوملي الى ان عدد المصابين أو المتوفين من جراء تلك العدوى لا يخرج عن النطاق الطبيعي أو النمط المعهود ولا يرقى الى حجم الوباء. واكدت على ان المسؤولين الصحيين واصحاب الاختصاص قد طمأنوها الى سلامة الوضع السائد وحذروا من ضرورة عدم تضخيم الموضوع بشكل يثير ذعر المواطنين من دون داع.
وكان عدد من اعضاء مجلس العموم البريطاني اتهم الحكومة بالتهاون والتقاعس عن اتخاذ الاجراءات اللازمة لمعرفة مصدر هذه الجرثومة القاتلة التي تلتهم لحم المصابين وتصيب الانسجة بداء الموات أو الغنغرينا.
من جهة اخرى أكد الدكتور كينيث كالمان المدير العام للخدمات الطبية في وزارة الصحة البريطانية عدم وجود أية أدلة تشير الى ازدياد عدد الاصابات بهذا المرض فوق المعدل الطبيعي المعهود. وكشف النقاب عن وجود جهاز آلي يعمل بالكمبيوتر تم تخصيصه لمتابعة انتشار المرض على مستوى الدولة للتعرف على حالات التهاب اللفافة العضلية الناخر Necrotising Fasciitis التي تسببها تلك الجراثيم والتحقق منها ومعالجتها في اسرع وقت ممكن. ويبدو ان هذه الاجراءات والتطمينات لم ترض أهالي بعض المرضى الذين لاقوا حتفهم اذ انهم يطالبون بفتح تحقيق عاجل حول هذا الموضوع ويتدارسون امكانية اللجوء الى القضاء لرفع دعاوى قانونية ضد السلطات الصحية يتهمونها فيها بالاهمال والتقصير.
الاصداء العالمية
بعد ساعات قليلة من تصدر انباء الجرثومة القاتلة صفحات الصحف البريطانية بعناوين مثيرة ومرعبة، باشر معظم الدول باصدار البيانات الصحية المتتالية في محاولات جادة لطمأنة مواطنيها واحتواء خطر الاشاعات المخيفة التي كانت تلمح الى امكانية وجود وباء يأكل لحم البشر.
الولايات المتحدة الاميركية: أعلن المسؤولون الصحيون في مركز مراقبة الأمراض سي. دي. سي. في مدينة اتلنتا ان تقديراتهم السابقة تشير الى وقوع ما بين 10 و15 ألف اصابة بالجراثيم العقدية من نوع أ بين عامي 1989 و1991. وان ما بين 500 و1500 شخص منهم اصيبوا بالنوع الشديد التسمم و كان معدل الوفاة بينهم بحدود 30 في المئة. ما يدل على ان ما بين 150 و450 اميركياً يموتون سنوياً من مرض التهاب اللفافة العضلية الناخر الذي يلتهم الشحم والعضلات بسرعة مذهلة. وأكد خبراء الصحة الاميركيون ان أرقام الاصابات والوفيات الواردة من بريطانيا لا تشكل خروجاً عن المألوف ولا يمكن اعتبارها بداية وباء أو شبه وباء.
أوستراليا: أكد البروفسور جون سبايسر استاذ علم الجراثيم والامراض المعدية في مستشفى ألغريد في مدينة ملبورن ان هذا النوع من الجراثيم موجود في اوستراليا منذ سنين عدة وان عدد الحالات الحاصلة سنوياً لا يزيد على 10 أو 15 حالة فقط تصل نسبة الوفاة بينها الى 50 في المئة. وهذا العدد مقارنة بعدد السكان البالغ 18 مليوناً لا يوحي بوجود وباء. كما انه لم يلاحظ وجود ارتفاع في عدد الاصابات هذا العام. من جهة اخرى صرح الدكتور ريتشارد بن رئيس الجمعية الاوسترالية للأمراض المعدية ورئيس قسم علم الجراثيم في المستشفى نفسه انه لم ير سوى 8 حالات من هذا المرض خلال 25 سنة توفي نصفهم.
هولندا: في أمستردام كشفت وكالة حماية البيئة والصحة الوطنية النقاب عن وفاة 21 شخصاً من أصل 132 ممن أصيبوا بجراثيم المكورات العقدية الشديدة التسمم خلال السنة والنصف الماضية. كما اكدت وزارة الصحة الهولندية للمواطنين استقرار الاوضاع الصحية في البلاد وعدم وجود ما يدعو للقلق أو الخوف من انتشار هذا النوع من الجراثيم بصورة وبائية على الرغم من ظهور حالات متفرقة في انحاء مختلفة من البلاد.
الدانمارك: اعلن الدكتور يورغن هانريخزن رئيس معهد الامصال البكتريولوجية في الدانمارك ان 35 مريضاً من المصابين بالجرثومة القاتلة لاقوا حتفهم العام الماضي. واضاف انه لا يوجد ما يشير الى بوادر وباء جديد في الدانمارك او في اي بلد آخر، مؤكداً على ضرورة الاطمئنان وعدم تضخيم الامور أو بث الاشاعات التي تضر ولا تنفع.
النروج: أما في أوسلو فقد صرح الدكتور آرني هويبي الطبيب المسؤول في المعهد الوطني للصحة العامة بأن عدد الاصابات بالمكورات العقدية نوع أ وصل الى 116 مريضاً هذا العام، توفي منهم 30. وان عدد الاصابات في ذات الفترة من العام الماضي وصل الى 50 توفي 13 منهم. وعلى الرغم من اصابة 12 شخصاً في مدينة بيرغن النروجية بمرض تآكل الانسجة ووفاة 3 منهم هذا العام فان حالة الهلع والذعر لم تدب في نفوس النروجيين الا بعد وصول الانباء المبالغ فيها عن المصابين والقتلى في بريطانيا. واذا ما قارنا عدد الحالات في النروج البالغ عدد سكانها 3.4 مليون نسمة بعدد الحالات في بريطانيا البالغ عدد سكانها 58 مليون نسمة لأدركنا ان الوضع في النروج يعتبر أسوأ بكثير. الا ان ذلك لم يسبب حالة الذعر والهلع التي انتشرت في بريطانيا.
تجدر الاشارة الى انه في القرن الماضي توفي ما يقارب 2000 نروجي نتيجة الاصابة بهذه الجراثيم سنوياً.
المانيا: وفي بون اعلنت السلطات الصحية الالمانية ان ما بين 30 و40 شخصاً يصابون بجراثيم المكورات العقدية الشديدة التسمم من نوع أ سنوياً وان 50 في المئة منهم يموتون نتيجة لتدهور حالتهم الصحية. وتعتبر هذه الاعداد مجرد تقديرات تقريبية لأن القانون لا يفرض على الاطباء ضرورة الابلاغ عن مثل تلك الحالات حيث انها ليست مدرجة ضمن لائحة الامراض المعدية الواجب الابلاغ عنها.
بلجيكا: وصرح المسؤولون الصحيون في العاصمة البلجيكية بروكسيل ان 17 حالة شبيهة بتلك التي افزعت السلطات الصحية والمواطنين في بريطانيا، قد تم الاعلان عنها في البلاد العام الماضي. ودعت وزارة الصحة البلجيكية المواطنين الى الهدوء والاطمئنان لعدم انتشار المرض بصورة وبائية. كما انه لا توجد أدلة على وفاة أي من المصابين بهذا النوع من الجراثيم السامة. ونوّهت الوزارة بالتحقيقات الجارية منذ العام الماضي حول تلك الجراثيم ومرض التهاب اللفافة الفصلية الناخر الذي تسببه.
فرنسا: وفي فرنسا تناول بعض الصحف موضوع الجرثومة القاتلة بصورة جدية وحذر من عدم التهاون بالأنباء الواردة من بريطانيا، الا انه اشار الى المبالغة في حالة الذعر هناك. وصرح مسؤولون في معهد باستور بأن وقوع مثل هذه الحالات في بريطانيا لا يستدعي حالة الرعب والاثارة التي افتعلتها وسائل الاعلام البريطانية. فهذه الجراثيم موجودة منذ قرون وتعيش في حلق 10 في المئة من الناس بصورة طبيعية ولا تسبب سوى احتقان بسيط في الحلق وارتفاع محدود بدرجة الحرارة. الا انها قابلة للتمحور وراثياً في حالات نادرة بحيث تصبح أكثر "سمية" وأكثر فتكاً بالانسان. أما عن احتمال انتشارها بشكل وبائي فان الدلائل لا تؤيد ذلك بتاتاً. ولم تهتم وزارة الصحة الفرنسية كثيراً بالموضوع والتقارير الواردة من بريطانيا كما انها لم تتخذ اية اجراءات اضافية أو احتياطية حيالها. وهذا ما دفع بعض المسؤولين الصحيين هناك الى التهكم على الضجة التي اثيرت في بريطانيا فأطلقوا على الجراثيم اسم "البكتيريا الانكليزية".
سويسرا: وأحصت منظمة الصحة العالمية في جنيف 19 حالة من هذا المرض انتشرت في سويسرا بين عامي 1989 و1992 توفي 11 منها. وقد أوصى الاطباء السويسريون المرضى بضرورة الموافقة على الخضوع للعمليات الجراحية الجذرية اذا اقتضت حالتهم الصحية ذلك حتى لو أدى القيام بها الى استئصال المنطقة اللحمية المصابة أو بتر العضو المتآكل بما يشبه داء الموات أو الغنغرينا.
نيوزيلاندا: أعلن مسؤولون في وزارة الصحة النيوزيلاندية بأنهم عالجوا حديثاً عدداً من المرضى المصابين بمرض التهاب اللفافة العضلية الناخر الذي تسببه جراثيم ستربتوكوكس أ.
أيسلندا: وفي أيسلندا أكد الباحثون ان البكتريا القاتلة التي انتشرت بشكل محدود في بريطانيا أدت الى مقتل شخصين خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
اسرائيل: اعلنت وزارة الصحة الاسرائيلية ان حوالي 20 اصابة بمرض تآكل الانسجة الناجم عن بكتريا المكورات العقدية يتم احصاؤها في البلاد سنوياً. وأشارت مصادر طبية ان مريضة اسرائيلية توفيت قبل شهرين نتيجة اصابتها بهذه البكتريا في مستشفى العفولة. وان امرأة اخرى اصيبت بهذه البكتريا في ساقها وتم انقاذها بعد اجراء عملية بتر وتلقيها علاج مكثف بالمضادات الحيوية.
الوضع في المنطقة العربية
في اتصال هاتفي اجرته "الوسط" مع مدير قسم الوقاية من الأمراض في اقليم شرق البحر المتوسط التابع لمنظمة الصحة العالمية في مدينة الاسكندرية، تحدث الدكتور حلمي وهدان عن حالة الذعر التي سادت الدول العربية اثر ورود انباء البكتيريا القاتلة وما احدثته للمرضى البريطانيين الذين اصيبوا بها. واختلط الأمر على البعض فاعتقدوا ان هذه الجراثيم هي ذاتها التي تؤدي للاصابة بمرض جنون البقر وان عدواها ربما انتقلت عن طريق أكل اللحوم. وأكد الدكتور وهدان ورود تساؤلات واستفسارات من جهات عدة تطالب بمعرفة المزيد عن هذه الجراثيم وما اذا كان خطرها يهدد المنطقة العربية. وأشار الى ان المكتب الاقليمي اعتمد البيانات الواردة من ادارة الصحة العامة في كولينديل شمال العاصمة البريطانية، التي اكدت عدم انتشار مرض تآكل الانسجة المعروف بالتهاب اللفافة العضلية الناخر بشكل وبائي، وان عدد الاصابات بجراثيم المكورات العقدية نوع أ اقتصر على 15 شخصاً توفي منهم 11 منذ بداية العام الحالي. وبسؤاله عما اذا كان لدى منظمة الصحة العالمية النية لجعل الاصابة بهذه الجراثيم أو التقاط عدواها أمراً يتوجب الابلاغ عنه، أجاب ان بعض الحالات يتم الابلاغ عنه روتينياً في الدول العربية. وأوضح الدكتور وهدان انه لا يوجد زيادة في عدد الاصابات بهذا النوع من الجراثيم في المنطقة العربية وان مثل هذه الاصابات نادراً ما يحدث بعد اجراء العمليات الجراحية. ولا يثير عادة الاهتمام المبالغ فيه والتهويل كما حدث في بريطانيا. لذلك فانه لا يوجد ما يشير الى خروج عدد الاصابات عن المعهود أو ما يوحي بوجود وباء أو شبه وباء في أي من البلدان العربية.
وعند سؤاله عن التعليمات التي يعزم المكتب الاقليمي لمنظمة الصحة العالمية تقديمها الى وزارات الصحة العرب بخصوص هذه البكتيريا، أجاب انه بصدد اعداد منشور يتضمن معلومات مفيدة ودقيقة حول هذه الجراثيم والأمراض التي تسببها وبالذات مرض التهاب اللفافة العضلية الناخر الذي يؤدي الى تآكل الشحم والعضلات ويهدد حياة المرضى. وعما اذا كان هنالك نصيحة معينة يود ايصالها الى القراء العرب، شدد الدكتور وهدان على ضرورة عدم اهمال الاصابة بمثل تلك الجراثيم ومحاولة استشارة الاطباء قبل تطور الحالة المرضية. أما عن اتخاذ اجراءات واحتياطات اضافية لمواجهة خطر الكورات العقدية من نوع أ فقد أكد الدكتور وهدان رئيس قسم الوقاية من الأمراض التابع لمنظمة الصحة العالمية، انه لا يوجد ما يستدعي اتخاذ احتياطات تزيد عن تلك الموجودة والمطبقة حالياً.
تجدر الاشارة الى ان اعداداً كبيرة من الاطباء والمراكز الصحية في الدول العربية غالباً ما تسارع الى صرف المضادات الحيوية لعلاج الأمراض السارية كاحتياط وقائي عاجل بعد أخذ عينات من المريض لزرعها في المختبرات والتأكد من المضادات الحيوية المناسبة أو الحساسة ضد الجراثيم المسببة للمرض. وهذا يتناقض مع الممارسة البريطانية التي تعتمد على عدم اعطاء المضادات الحيوية الا في الحالات القصوى التي تظهر فيها أعراض المرض. وعلى الرغم من جدوى الممارسة البريطانية في علاج بعض الأمراض وفي المحافظة على فاعلية المضادات الحيوية، الا انها قد تؤدي الى مضاعفات خطيرة في حالة الاصابة بمثل تلك الجراثيم القاتلة التي تسبب مرض تآكل الانسجة. فاذا انتظر الطبيب ظهور الاعراض الشديدة لاعطاء المضادات الحيوية فان مفعولها سيكون محدوداً جداً آنذاك ولا بديل وقتها من اجراء عملية استئصال للأنسجة المتآكلة أو بتر العضو المصاب مع الخضوع لعلاج مكثف بالمضادات الحيوية.
آراء الخبراء
يقول البروفسور توماس بنينغتون، استاذ علم الجراثيم والباحث المخضرم بالمكورات العقدية في أدنبره باسكتلندا، ان هذه الجراثيم كانت معروفة بسميتها القاتلة منذ القرن التاسع عشر وانها كانت من اوائل الجراثيم التي تم علاجها بنجاح بواسطة الأدوية الكبريتية والبنسيلين. ويعتقد الدكتور بنينغتون كغيره من العلماء بأن سميّة هذه الجراثيم ربما ازدادت عما كانت عليه نتيجة انتقال المادة الوراثية دي. أن. آي من جرثومة لاخرى بأحدى طريقتين. اما عن طريق ملامسة احدى الجراثيم لجرثومة اخرى، أو بواسطة فيروس ينقلها من جرثومة ويحقنها مع مادته الوراثية داخل جرثومة اخرى.
وكان البروفسور بنينغتون قام بأبحاث على جراثيم المكورات العقدية من نوع أ بعد انتشار حالات عدوى خطيرة في الولايات المتحدة الاميركية. وعلى الرغم من انه لم يواجه حالات عدوى شبيهة بتلك الحاصلة في مقاطعة غلوسترشاير البريطانية، الا انه لا يعتقد بأن هذه العدوى أمر جديد. فقد حدثت طفرات منها على مدى السنين والمعروف ان البروفسور بنينغتون هو تلميذ للبروفسور رونالد هير الذي أصيب بهذا المرض اثناء عمله مع الدكتور الكسندر فلمنغ مكتشف البنسيلين.
وصرح البروفسور جوناثان كوهين من كلية طب رويال بوستغراديويت في لندن ان الاطباء عرفوا هذا المرض منذ القرن الماضي حيث كان منتشراً حتى مطلع العشرينات. ثم تغيرت الاوضاع وأصبحت بكتيريا المكورات العقدية نوع أ المسؤولة عن هذا المرض غير ضارة طوال الخمسينات والستينات. ولاحظ الخبراء الصحيون ظهور طفرة جديدة من هذه الجراثيم الأكثر سميّة في الثمانينات مع وقوع مزيد من الضحايا. ثم اختفت سلالة الجراثيم الشديدة السمية من دول العالم لفترة عاودت بعدها الظهور في منتصف الثمانينات وانتشرت عدواها في مختلف انحاء العالم. ويبدو ان سلالة جديدة من البكتيريا قد بدأت في الظهور مرة اخرى في اوائل التسعينات.
وتتفق آراء الخبراء على الآتي:
- ان البكتيريا القاتلة هي واحدة من الأنواع العديدة لجراثيم ستربتوكوكس أ أو المكورات العقدية التي يطرأ عليها تحوّل وراثي اثر التحامها بجرثومة أو بفيروس آخر يجعلها أكثر سميّة وأشد عدوى.
- هذه البكتيريا ليست جديدة وليست مقصورة على بريطانيا فقد ظهرت حالات متنوعة منها في انحاء مختلفة من العالم منذ 100 عام تقريباً.
- علاجها ممكن بواسطة المضادات الحيوية اذا تم اكتشافها باكراً. أما في حالة ظهور مرض تآكل الانسجة فلا بد من استئصال المناطق المصابة أو بترها جراحياً.
- اذا استحكمت هذه البكتيريا بالمريض فانها قادرة على قتله خلال 24 ساعة.
- ان مرض تآكل الانسجة أو التهاب اللفافة العضلية الناخر مرض نادر جداً.
- تسببت المكورات العقدية من نوع أ بحالات وفاة متنوعة منذ قرون نتيجة تسببها بأمراض مختلفة كالحمى الروماتيزمية والحمى القرمزية وتسمم الدم.
- أعراضها المبكرة: احتقان الحلق، آلام حادة في الجسم، ارتفاع درجة الحرارة، التهاب الجلد وظهور بثور فوقه، الشعور بالغثيان، التقيؤ والاسهال. ولا يعني وجود احد هذه الاعراض أو بعضها بالضرورة احتمال الاصابة بالبكتيريا القاتلة أو مرض تآكل الانسجة ولكنه يدل على ان مراجعة الطبيب تبقى خياراً وقائياً جيداً.
- تنتقل العدوى في حالات نادرة عبر الهواء بواسطة السعال من شخص مصاب باحتقان في حلقه سببه المكورات العقدية. وتصيب العدوى الجروح المكشوفة كالبثور والتقرحات والالتهابات الجلدية. وقد تنتقل داخل غرف العمليات اثناء أو بعد القيام بالعمليات الجراحية وعمليات الولادة وغيرها.
- ان مرض تآكل الانسجة يختلف عن مرض الغنغرينا أو الموات. فالأول ينهش لحم ضحيته من تحت الجلد. والثاني يصيب العضو أو المنطقة المريضة بالعفن والاهتراء.
ظهور أمراض جديدة وعودة أمراض قديمة
شهد القرن العشرين ظهور أمراض جديدة لم تكن في الحسبان، ولم تكن مألوفة طبياً. كمرض جنون البقر الذي برز فجأة نتيجة لاطعام البقر، وهي من الحيوانات النباتية، أغذية تحتوي على لحوم الأدمغة. وظهرت مشكلة السالمونيلا في بيض الدجاج نتيجة لتربية الدواجن داخل اقفاص حديدية. وأدى انهيار الاتحاد السوفياتي الى تدهور الخدمات والرعاية الصحية هناك ما يهدد بانتقال وباء الدفتيريا أو الخناق الى اوروبا. ولعبت المكيفات الهوائية دوراً في انتشار مرض ليجونير أو المرض الفيلقي الذي راح ضحيته عديد البشر. وجراثيم كريبتوسبوريديوم التي لم تكن معدية للانسان في السابق ولكنها اصابت مصادر المياه في مدينة ميلووكي الأميركية العام الماضي وأصيب اكثر من نصف مليون اميركي باسهال حاد استمر اكثر من اسبوع، ادخل على اثره 400 شخص المستشفيات وتوفي منهم 60.
وفي السنة الماضية أيضاً تحول فيروس هانتا الذي يتسبب بأمراض الكلى الى سلالة جديدة تصيب الرئة. ولا ننسى بالطبع فيروس الأيدز الذي ما زال يحيّر العلماء ولا يوجد علاج له حتى الآن.
من جهة أخرى عاودت بعض الأمراض الوبائية ظهورها بعد ان اعتقد العالم انه نظف منها. فها هو وباء الانفلونزا الذي قتل من البشر عام 1919 عدداً يفوق قتلى الحرب العالمية الأولى، يعود الى الظهور بأشكال وطفرات مختلفة لدرجة أصبح فيها العلماء مضطرين لتصنيع لقاح جديد ضده سنوياً.
وها هو مرض السل ذلك القاتل الأكبر الذي راح ضحيته ربع سكان أوروبا منذ 600 سنة واعتقد العلماء انهم سيطروا عليه نهائياً، بدأ يعاود انتشاره تدريجاً في القارة الافريقية وفي اوروبا واميركا. وتتوقع منظمة الصحة العالمية ان يصل ضحاياه الى 30 مليون نسمة خلال العقد الحالي. هذا اضافة الى داء الكوليرا الذي اعتبره الأطباء مرضاً منقرضاً تقريباً، عاد الى الهند وبنغلادش العام الماضي وقتل عشرات الآلاف من السكان نتيجة تحوّل البكتيريا التي تسببه الى سلالة أشد سميّة وأسرع انتشاراً.
أما الجراثيم المسببة لأمراض الملاريا والديزنطاريا وبعض الأمراض الجنسية والتناسلية فانها أصبحت أكثر مقاومة للمضادات الحيوية نتيجة تحولها الى سلالات جديدة أيضاً.
كيفية مهاجمة المكورات العقدية القاتلة نوع أ لخلايا الجسم
تتسبب سلالة شديدة السمية من هذه الجراثيم بمرض خطير يعرف بالتهاب اللفافة العضلية الناخر الذي يؤدي الى الموت ان لم يتم علاجه جراحياً في الوقت المناسب. والمعروف ان هذه الجراثيم تعيش بصورة طبيعية في حلق 10 في المئة من الناس وتسبب احياناً احتقاناً في الحنجرة او الاصابة بالحمى القرمزية وتسمم الدم وظهور أخماج جلدية متنوعة.
1 - تلتصق سلسلة من المكورات العقدية بالخلايا الموجودة تحت الجلد
2 - ثم تتكاثر هذه الجراثيم وتبدأ بإفراز السموم فوق سطح الخلايا
3 - تبدأ السموم بالتهام سطح الخلايا
4 - ثم تنتقل الى داخل الخلايا وتحطم نواتها
5 - تتفكك الخلية المصابة وتفرز مواد مغذية تأكلها الجراثيم الغازية
انتشار ستربتوكوكس أ او المكورات العقدية القاتلة في العالم
تزامن اكتشاف سلالة شديدة السمية من المكورات العقدية نوع أ في منتصف الثمانينات اثر انتشار العدوى بهذا النوع من الجراثيم في دول عدة من العالم. ويعود تاريخ هذه الجراثيم الى اكثر من 100 سنة.
الولايات المتحدة
200 - 300 حالة وفاة سنوياً
ألمانيا
30 - 40 إصابة سنوياً بينها
15 - 20 حالة وفاة
سويسرا
11 حالة وفاة بين عامي
1989 و1992
المملكة المتحدة
15 اصابة و11 حالة وفاة
عام 1994. 10 حالات وفاة
سنوياً.
هولندا
135 اصابة و21 حالة
وفاة بين عامي 1992 و1994
النرويج
20 اصابة عام 9941
بينها 4 حالات وفاة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.