بدأت أفغانستان - التي سماها سياسيون آسيويون في عواصم مجاورة لكابول "رجل آسيا المريض" - تقترب من التقسيم، وإن كان كثيرون من خبراء الشأن الافغاني يعتقدون أنه مهما استمر التشرذم والتفتت العرقي في أعقاب الانتصار الذي حققته حركة طالبان، فإنه يبقى غير وارد بسبب الخريطة العرقية المعقدة لهذه البلاد التي لا تفتأ تخوض حرباً منذ 17 عاماً. غير أن الأزمة الافغانية غدت محنة بالنسبة الى السياسة الخارجية الافغانية، وسبباً لقلق كبير لدى القيادة الروسية. ويجمع المراقبون على أن العامل الخارجي بات الأقوى في حسم مستقبل أفغانستان. وفيما بدأت المعارك بين قوات طالبان والقوات الموالية للزعيم الاوزبكي الجنرال عبد الرشيد دوستم، بدأت الاوساط الديبلوماسية المعنية بالشأن الافغاني تتحدث عن تقسيم أفغانستان، خصوصاً أن حركة طالبان باتت تسيطر - إثر اقتحامها كابول - على ثلاثة أرباع أراضي البلاد. ورغم أن الأمن والهدوء يسودان بوجه عام المناطق التي تسيطر عليها هذه الحركة البشتونية، فإنها فشلت في تشكيل حكومة للبلاد. وهو أمر يعزوه المراقبون الى رفض طالبان الرأي الآخر، وربما لذلك حصرت المناصب الحكومية الحساسة كلها بيد "القندهاريين" - نسبة الى قندهار معقل قيادة الحركة. ويعتقد أن فشل أفغانستان في تأييد قيادة بعينها منذ خروج القوات السوفياتية من البلاد في مطلع التسعينات يعود الى افتقار السياسة المحلية الى قيادة يمكنها أن تدعي أنها تمثل كل قوميات البلاد وأعراقها. كما أن التعصب الحزبي يعد أحد أسباب هذا التشرذم. وفي المحصلة النهائية يرى الخبراء أن استمرار المازق العسكري بين قوات طالبان والحكومة السابقة بقيادة الرئيس برهان الدين رباني ورئيس الوزاراء قلب الدين حكمتيار ووزير الدفاع أحمد شاه مسعود من جهة، وبينها وبين الجيش الذي يتزعمه الجنرال دوستم في شمال البلاد، يكرس خيار التقسيم. غير أن خيار التقسيم نفسه يواجه أكثر من مأزق يطيل أمد النزاع ليسقط مزيد من الضحايا في هذه البلاد الفقيرة. أبرز تلك المشكلات التي تواجهها أفغانستان حالياً أن انتصار طالبان الأخير وسيطرتها على العاصمة كابول يعني عملياً أنها باتت تسيطر على الجنوب الأفغاني البشتوني، مما يعني عدم وجود قوة منافسة بوسعها الحد من غلوائها أو اقتسام الحكم معها. ويرى كثيرون أن ذلك يكرس التقسيم عملياً، وإن بقي لا وجود له من ناحية رسمية وسياسية. ويبدو أن هذا التقسيم ظهر واضحاً منذ عهد الرئيس السابق الدكتور نجيب الله 1986-1992. فقد منحت حكومته صلاحيات واسعة لميليشيات كونت على أسس عرقية. وما إن انهار نظام نجيب الله، حتى برزت الميليشيات الاوزبكية، والطاجيكية، والبشتونية وغيرها من القوات التي غضت الحكومة الشيوعية السابقة الطرف عن نشاطها الجهوي. غير أن خبراء غربيين يعتقدون أن مشروع تقسيم أفغانستان ربما بدأ يبرز في بنود السياسيين الغربيين بعد تفتت الاتحاد السوفياتي السابق. وقال ديبلوماسي غربي ل "الوسط" إن الولاياتالمتحدة والبلدان الغربية بوجه عام تسعى الى تفادي احتمال قيام دولة عرقية أخرى في العالم، على غرار البوسنة. ولا يستبعد مراقبون أن تكون قضية مستقبل أفغانستان واردة ضمن البنود التي ينطوي عليها الاقتراح الغربي الرامي الى توسيع نطاق عضوية منظمة حلف شمال الأطلسي ناتو لتشمل عدداً من بلدان أوروبا الشرقية. ولا يتردد عدد من القادة الأفغان من مختلف الاتجاهات السياسية في إبداء شكوك في نيات الغرب تجاه بلادهم، ويشيرون الى أن صحيفة "لوس انجليس تايمز" كانت نشرت في كانون الثاني يناير 1993 خارطة جغرافية أعدها ستة جغرافيين، يعمل اثنان منهم في وزارة الخارجية الاميركية، تصور التوقعات بالنسبة الى مستقبل آسيا الوسطى. وتظهر أفغانستان في تلك الخارطة وقد قسمت الى ثلاث دويلات: إذ تتوقع أن ينضم الطاجيك الأفغان الى طاجكستان، والاوزبك الى أوزبكستان، والجنوب الأفغاني ينضم الى شمال باكستان ليشكل دولة "بشتوستان". غير أن الجنرال حميد غول الرئيس السابق للإستخبارات العسكرية الأفغانية قال ل "الوسط": "لا يمكن في الوقت الحالي تقسيم أفغانستان على رغم سيطرة طالبان على الجنوب وسيطرة دوستم على الشمال. لكن بلا شك أن الوضع الحالي يعطي الفرصة للأعداء الراغبين في التقسيم، خصوصاً أن حكومة الرئيس الروسي بوريس يلتسن لا تريد لطالبان أن تسيطر على شمال أفغانستان". وأضاف الجنرال الباكستاني الذي قام بدور كبير في السابق في توحيد الفصائل الافغانية إن مسؤولية استمرار الوحدة الافغانية تقع حالياً على عاتق رجال حركة طالبان. ويبدو واضحاً أن تفاعلات الأزمة الأفغانية ومضاعفاتها باتت تشكل تحدياً خطيراً لباكستان التي يعتقد على نطاق واسع أنها وراء طالبان. ويرى معارضو حكومة رئيسة الوزراء بنازير بوتو أن الدبلوماسية الباكستانية تعاني الآن من "ضآلة الخيارات من جراء وضعها كل البيض في سلة واحدة". وربما لذلك بدأت اسلام أباد تحركات حثيثة لتبديد مخاوف بلدان آسيا الوسطى من استراتيجيتها في المنطقة وهي تدعم جماعة طالبان المتزمتة اسلامياً. وتواجه باكستان احتمال أن تفقد أسواقاً استراتيجية بنت على أساس دخولها توقعات اقتصادية كبيرة. وكانت رئيسة الوزراء الباكستانية التقت وزير خارجية ايران الدكتور علي أكبر ولايتي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة وسعت الى إقناعه بأن بلادها لا تقدم دعماً لحركة طالبان. غير أن ايران واصلت هجومها على السياسة الخارجية الباكستانية واعتبارها اسلام أباد وراء التغيير الذي حدث في كابول. وأوفدت بوتو مبعوثها الخاص جلال حيدر أبادي الى دول آسيا الوسطى وموسكو لطمأنة تلك العواصم الى مرامي سياسة حكومتها. وعندما لم يحقق حيدرأبادي شيئاً أوفدته الى مزار الشريف - مقر قيادة الجنرال دوستم - في محاولة لإقناع الجنرال الشيوعي السابق بعقد هدنة مع طالبان والتحالف معهم لاحقاً لمنع تنفيذ مخطط تقسيم أفغانستان. وفيما كان المبعوث الباكستاني يعقد اجتماعاً تلو اجتماع مع دوستم، كان الاخير يستقبل في الوقت نفسه وفداً من المجاهدين الافغان قاده الرئيس برهان الدين رباني. وجلي أن كلاً من الوفدين كان يسعى الى نتيجة مغايرة تماماً لما يرومه الطرف الآخر. وبدا - إثر ما يتردد عن اندلاع معارك على طريق سالانغ الاستراتيجية التي تتحصن بها قوات دوستم - أن الكفة رجحت لمصلحة وفد رباني. ولوحظ أن الرئيس رباني شن هجوماً حاداً على باكستان واعتبر أن ما حصل في بلاده "غزو باكستاني"، داعياً الى "حرب تحرير شعبية". ويرى المراقبون في شبه القارة الهندية أن التغيير الذي تشهده أفغانستان سيدفع بباكستان صوب عزلة خطيرة في المستقبل، خصوصاً في ظل التوتر الذي تشهده علاقاتها حالياً مع ايران ودول آسيا الوسطى. وفي موسكو، جاء رد الفعل على التطورات الأفغانية "معتدلاً ومنضبطاً نوعاً ما" على حد تعبير خبراء تحدثت اليهم "الوسط" في العاصمة الروسية. ورغم مطالبة عدد من النواب الروس بفرض حصار جوي على أفغانستان وتجميد الارصدة الافغانية في المصارف الأجنبية، فإن الرئيس يلتسن اكتفى بدعوة قادة تركمانستان وكزخستان وأوزبكستان وطاجيكستان الى عقد قمة لبحث الوضع في كابول. ويعتقد أن روسيا تخشى أن تتفاقم الأزمة الأفغانية لتسبب زلزالاً في آسيا الوسطى، خصوصاً أن روسيا ليست لديها حدود محمية مع الجمهوريات السوفياتية السابقة كزخستان وتركمانستان وأوزبكستان. وهي تعتقد بأن أي هزة سياسية أو عسكرية في أي من تلك الجمهوريات ستمثل تهديداً مباشراً لروسيا. الخريطة العرقية لأفغانستان العرق التعداد تقديرات أماكن وجودهم المذهب الديني مليون نسمة البشتون 7 ملايين جنوب وجنوب شرق سنة - أحناف الطاجيك 3.5 مليون شمال وشمال شرق كابول معظمهم سنة الهزارة 1.5 مليون وسط البلاد وكابول شيعة الاوزبك 1.3 مليون شمال أفغانستان سنة - أحناف الايمف 0.8 مليون غرب أفغانستان سنة - أحناف غارسوان 0.6 مليون الغرب والشمال شيعة إمامية التركمان 0.3 مليون الشمال سنة - أحناف بدو براهوي 0.1 مليون جنوب غرب البلاد سنة - أحناف نورستاني 0.1 مليون الشرق سنة - سلفيون البلوش غير معروف الغرب والشمال الغربي سنة - أحناف