ترجح الاوساط السياسية والشعبية اللبنانية تجزم بأن مجلس النواب سيمدد ولاية رئيس الجمهورية الياس الهراوي ثلاث سنوات اضافية، بعد تعديل الفقرة الاولى من المادة 49 من الدستور ويعود لاعتبارات عدة منها: 1 - قول نائب الرئيس السوري السيد عبدالحليم خدام "لمسنا لدى الرئيسين بري ورفيق الحريري توافقاً على التمديد للرئيس الهراوي الذي يقدر الجميع في لبنان وسورية مواقفه وتضحياته. وقد لمست دمشق هذا التوافق في ايار مايو الماضي. الاّ أنها فضلت ان تترك القرار الاخير في شأنه الى توافق اللبنانيين والى مجلس النواب الذي هو صاحب الكلمة الفصل في هذا المجال". وتعرف الاوساط المذكورة ان بري والحريري لم يكونا متوافقين على التمديد لا في شهر أيار الماضي ولا في الاشهر التي سبقته ولا قطعاً في الاشهر التي تلته. لا بل ان التمديد كان، اضافة الى قانون الانتخاب احد ابرز اسباب احتدام الصراع بينهما وتعرف ايضاً ان الكلمة الاساسية لا بل الاولى والوحيدة في استحقاق الانتخابات الرئاسية هي لسورية، على الاقل في هذه المرحلة. وهي تعرف اخيراً ان خدام يعرف انها تعرف كل هذه الحقائق. ولذلك تعتقد بأن الهدف الاساسي الذي رمي المسؤول السوري الرفيع الى تحقيقه كان وضع الرئيسين المختلفين بري والحريري امام امر واقع هو التمديد، وربطهما بتوافقهما عليه الذي تحدث عنه. كما تعتقد بأنه وهو البارع في تنفيذ سياسة الرئيس حافظ الاسد منذ سنوات طويلة لا يرتكب خطأ بهذا الحجم من دون ضوء اخضر من رئيسه واذا لم يكن متأكداً من أن أشرعة التمديد بدأت في الابحار. 2 - الكلام الذي قاله نائب الرئيس السوري لقيادات سياسية لبنانية معارضة للتمديد، وخرجت هذه القيادات بانطباع واحد هو ان التمديد سيكون قريباً حقيقة قائمة وان دمشق ستعمل لكي يتم في جو من الاجماع الوطني او على الاقل في جو اجماعي لحلفائها، خصوصاً بعدما ظهر للناس ان رفض اكثريتهم له هو اكثر عنفاً وربما صدقاً من رفض اخصامها على الساحة اللبنانية. وفي هذا المجال تشير المعلومات المتوافرة عن محادثات الرئيس عمر كرامي في دمشق الى أنه اراد ان يفهم مباشرة من نائب الرئيس خدام اذا كانت سورية قررت التمديد للهراوي ام لا فسأله: "هل يمكن اعتبار هذا الكلام نهائي وهل هناك قرار نهائي في هذا الشأن؟". فأجابه خدام بالايجاب وعندما لم يسر كرامي كثيراً بذلك قال له خدام بجد ومداعبة في آن وهو المشهور باعتماد هذا الاسلوب: "يا دولة الرئيس انت انسان مؤمن. الست كذلك؟ اذا إذهب وصلِّ علّ الله تعالى يستجيب صلاتك؟" وطبيعي ان الهدف هو الخلاص من كابوس التمديد. 3 - الطريقة التي يتصرف بها المعارضون للتمديد من حلفاء سورية، حيث يتسرب من حلقاتهم الضيقة كلام يشير الى أنه اذا كان التمديد ضرراً محتوماً فلا بد من ثمن له يخفف سلبياته. ومن هنا يسعى البعض الى الا يكون الحريري رئيس حكومة الولاية الممدة للرئيس الهراوي. ويعمل هؤلاء على اشاعة مناخ من السلبية على علاقة الرئيسين تمهيداً لانتزاع موقف او قرار من الاخير "بالطلاق" من الحريري. كما يسعى البعض الآخر الى أن تكون الحكومة الجديدة متوازنة اذا قضت الظروف الداخلية والخارجية بأن يكون الحريري على رأسها. والتوازن هنا هو غير التوازن الوطني الذي يطالب به المعارضون من خارج النظام ومن خارج تركيبة الطائف. ذلك ان المقصود به التوازن بين اخصام الحريري ومؤيديه وكلهم حلفاء لدمشق. الاوساط السياسية التي تعتبر نفسها قريبة من دمشق لها رأيان متناقضان في هذا الموضوع. فبعضها لا يظن ان التمديد نهائي، لأن في الطريقة التي اعلن فيها ذلك نوعاً من الأذى ليس للبنان فقط وانما لسورية ايضاً. وهو يعتقد بأن الكلمة الاخيرة في هذا الموضوع هي للرئيس الاسد وهو لم يقلها بعد. ولا بد قبل قولها من توفير ظروف معينة. وهذا ما يجري عمله الآن من خلال الترويج لنهائية التمديد عند سورية. وهذه الكلمة ليست في مصلحة التمديد على الاطلاق لان المسؤول السوري الاول يعرف انعكاساته السلبية، ويعرف ايضاً ان "التمديديين" سواء كانوا لبنانيين ام سوريين، انما ينطلقون في موقفهم من رغبة في تأمين استمراريتهم في مواقعهم. ولانه يعرف ثالثاً ان مواجهة التغييرات الحاصلة والاخرى المرتقبة في المنطقة لا تكون ب "الستاتيكو" الذي هو التمديد وانما تكون بالمساهمة في قيام وضع جديد داخل البلد يعزز المناعة التي تكاد ان تنتهي. ولانه يعرف اخيراً ان التمديد هو الغاء فعلي للحالة الدستورية في لبنان بمعناها التقليدي. ولا أحد يعرف اذا كان ذلك مقبولاً اقليمياً ودولياً على رغم ان المجتمعين الاقليمي والدولي قبلا في اوقات سابقة أموراً عدة انعكست سلباً على سيادة لبنان واستقلاله. أما البعض الآخر من الاوساط السياسية التي تعتبر نفسها قريبة من دمشق فيقول ان عدداً مهماً من اعضاء القيادة السياسية العليا في سورية يعتقد بأن التمديد للرئيس الهراوي غير مفيد للبنان ولسورية في الوقت نفسه. لكن القرار في النهاية هو في يد الرئيس الاسد الأكثر حنكة ودراية بالاوضاع في المنطقة. وفي هذا المجال يعتقد هؤلاء ان الرئيس السوري العارف بالموقف اللبناني الشعبي السلبي من التمديد سيسعى الى تأمين انجازات مهمة في لبنان خلال الولاية الممددة لعل ابرزها تأمين استقرار معين لترتيب الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتأمين اجراء انتخابات نيابية يشارك فيها الجميع وفق قانون انتخاب يؤدي تطبيقه الى "ائتلاف وطني" تحدث عنه اخيراً الرئيس بري احد ابرز حلفاء دمشق. ويعتقد ايضاً ان لا شيء يمنع الرئيس الاسد في حال مالت الاجواء الاقليمية الى التحسن لا سيما من وجهة نظر سورية او في حال تردت الاجواء في لبنان على نحو لا يمكن قبول استمراره من رعاية تغيير على مستوى عال يحقق الاهداف المنشودة ويقضي على السلبيات الكثيرة. الاّ أن ما يلفت اليه البعض نفسه هو ان محاولة معارضي التمديد مقايضته باخراج الرئيس الحريري من الحكومة لن تتم. اما لانه لا يزال حاجة لبنانية وسورية. واما لان الرئيس الهراوي لن يستطيع من دونه تحقيق اي انجاز.