لم تكن اسرائيل في حاجة الى انتظار اطلاق قمرها الاصطناعي الجديد المخصص للتجسس "أوفيق - 3" أفق - 3 لاثبات عمق الهوة التكنولوجية والعسكرية التي تفصل بينها وبين الدول العربية، ولاظهار مدى التفوق النوعي الذي يميز آلتها الحربية عن تلك العربية. فالقدرات العسكرية الاسرائيلية متقدمة على نظيراتها العربية منذ فترة طويلة على الصعيدين الكمي والنوعي. وهذا امر معروف جيداً ولا حاجة الى تكرار عناصره. كما ان برنامج انتاج الصواريخ في اسرائيل هو بدوره الاكثر تطوراً وتكاملاً من نوعه في العالم منذ سنوات عدة. ناهيك عن عامل القوة النورية التي تمتلكها الدولة العبرية مع الوسائل اللازمة لايصالها الى اهدافها المحددة في المنطقة على مسافات قصيرة ومتوسطة وبعيدة، ما يعطيها هامش تفوق استراتيجي شامل على جاراتها العربية في ما يعرف بسدول الطوق"، وكذلك على الدول العربية في عمق المنطقة. لكن ما يجعل من حقيق اطلاق اسرائيل القمر "افق - 3" ووضعه فعلاً في مدار دائم حول الارض واقعة ذات اهمية خاصة بل واستثنائية على المستوى الاستراتيجي هي مجموعة العوامل العسكرية والتقنية التي يعبر عنها هذا الحدث ويثبتها كأمر واقع لم يعد قابلاً للجدل. وأهم هذه العوامل. 1 - ان مجرد النجاح في وضع قمر اصطناعي لاغراض التجسس في مدار دائري دائم حول الكرة الارضية، بعد اطلاقه بواسطة صاروخ اثر تطويره وانتاجه محلياً، هو دليل قاطع الى نجاح برنامج الصواريخ الاسرائيلي في التوصل الى انتاج صاروخ باليستي استراتيجي بعيد المدى. وبكلام آخر، فإن الصاروخ "شافيت" الشهب الذي اطلق القمر "أفق - 3" على متنه، والذي يعتقد على نطاق واسع بأنه نسخة معدلة من الصاروخ الباليستي الاستراتيجي "جريكو - 3" اريحا - 3، بات الان بمثابة الدليل الحسي الملموس الذي طالما كان مطلوباً لاثبات ان اسرائيل تمتلك القدرة على ايصال رؤوسها النووية الى مسافات تفوق الف كلم. وما كان معروفاً حتى الآن - وان من دون برهان ثابت - هو ان اسرائيل طورت منذ اواخر الستينات ثلاثة انواع من الصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية، وهي "أريحا - 1" بمدى 450 كلم، و"أريحا - 2" بمدى 650 كلم، و"أريحا - 3" الذي كان يعتقد بزنه قادر على الوصول الى مدى 1500 كلم وان انتاجه تم اعتباراً من اواسط الثمانينات. واذا صح فعلاً ان "شافيتش هو طراز فضائي من هذا الصاروخ مخصص لوضع اقمار اصطناعية في مدار حول الارض، وهو ما بات شبه اكيد عملياً، فأنه يعني بدوره ان "أريحا - 3" يتمتع فعلاً بالقدرة على ايصال رؤوسه الحربية الى مسافات لا تقل عن 1500 كلم، ما يثبت بالتالي امتلاك اسرائيل قدرة الردع النووي الاستراتيجي في معظم ارجاء المنطقة العربية والشرق الاوسط. 2 - ان حقيقة كون القمر الاصطناعي "أفق - 3" معد لمهمات التجسس والاستطلاع هي في حد ذاتها دليل الى المستوى الذي بلغته الصناعة الالكترونية في اسرائيل على صعيد انظمة الرؤية والتنصت والملاحة والمتابعة والقيادة والتحكم. فالقمر الذي يبلغ وزنه 225 كلغ وسيدور حول الارض على ارتفاع 600 كلم، سيمر مباشرة فوق دمشق، وعلى مسافة 150 كلم تقريباً الى الشمال من طهران، و400 كلم الى الشمال من بغداد. ومن هذا المدار، فإن "أفق - 3" المجهز بمعدات تشغيل تعمل بواسطة الطاقة الشمسية وبأنظمة استطلاع وتجسس بصرية ،معدات تنصت الكتروني وسمعية متطورة سيوفر للدولة العبرية القدرة على التقاط فترة تمتد نحو 15 دقيقة من الاحداثيات الصادرة عنه بمعدل ست مرات يومياً على مدى سنة كاملة. وستشتمل هذه القردة الاستطلاعية التجسسية على صور فوتوغرافية تصل الى درجة "قراءة" ارقام السيارات في الشوارع، وعلى التنصت على المكالمات الهاتفية واللاسلكية في انحاء واسعة من منطقة الشرق الاوسط من دون اي عائق او امكان اعتراض او عرقلة عمله من جانب الطرف الآخر. 3 - ان وجود مثل هذه القدرة في حوزة اسرائيل يعني انها باتت تمتلك ميزة جمع المعلومات وتحليلها على المستوى الاستراتيجي في صورة مستقلة من دون الحاجة الى الاعتماد في ذلك على جاراتها، اضافة الى كونه عاملاً يساهم الى حد بعيد في زيادة امكاناتها على المناورة السياسية العسكرية والاستراتيجية. واذا كانت اسرائيل ستظل في حاجة نسبية الى الاعتماد جزئياً على المعلومات الواردة اليها عن طريق الاقمار الاصطناعية الاميركية مع وجود القمر "افق - 3"، فإن هذا الاخير ليس سوى خطوة واحدة في مسلسل تطوير القدرات الصاروخية والفضائية الاسرائيلية. اذ ان العمل يجري حالياً على تطوير قمر اصطناعي جديد هو "عاموس - 1" الذي سيبلغ وزنه طناً واحداً، وسيغطي منطقة الشرق الاوسط تغطية شاملة على مدى عشر سنين. وعلى رغم ان المصادر الاسرائيلية تركز على الطابع "المدني" لهذا القمر، من حيث ادعائها ان مهمته الرئيسية تتركز في الاتصالات، فان اغراضه العسكرية لن تكون خافية. ومن المقرر ان يطلق "عاموس - 1" ويوضع في مداره خلال شهر تشرين الثاني نوفمبر المقبل على متن صاروخ فضائي اوروبي من طراز "اريان"، وهو سيشكل بلا شك مرحلة اخرى متقدمة من مراحل تكامل قدرات الردع النووي الاستراتيجي والفضائي الاسرائيلية وتطورها المستقبلي. في اي حال ... ان الفجوة التكنولوجية بين العرب واسرائيل تزداد اتساعاً مع التباطؤ العربي في مواجهتها، والتقاعس عن اتخاذ الاجراءات الضرورية لاحتواء خطرها وتضييق مداها. واذا كانت اسرائيل تمكنت قبل عملية السلام من ايجاد تلك الفجوة على رغم ملايين الدولارات التي انقفتها على عملياتها وصناعاتها العسكرية، فهي تبدو قادرة في ظل خطوات التطبيع على زيادة هذه الفجوة اتساعاً، والهيمنة على المنطقة تكنولوجياً واقتصادياً بعد ان هيمنت عليها عسكرياً. اذ يكفي تحويل جزاء من البلايين التي تتكبدها الى منتجات استهلاكية، كي تتمكن من تحقيق اطماعها بالهيمنة على الدول العربية. الأمر الاكيد ان اسرائيل ما كانت لترضى بالتطبيع والسلام مع العرب لو لم يكونا في مصلحتها، ولو لم تكن واثقة من ان التصبيع سيكون عبارة عن تطويع وتقويض للقدرات العربية، وان السلام مجرد وسيلة للتغلغل في المنطقة العربية ودفعها الى التسليم بتفوق الدولة العبرية العسكري والتكنولوجي والاقتصادي. أمن اسرائيل في النظام العالمي الجديد: قوة اقتصادية تستثمر في التكنولوجيا والتصنيع "ان مصادرة القوة والثروة هذا الايام عالمية اكثر منها قومية، وفكرية اكثر منها مادية. اذ ان حجم الاراضي وعدد الناس وثروة المواد الخام لم تعد تقرر مصير الأمة، لأن مدى التعليم واستخدام التكنولوجيا والمعلومات الحديثة هي العوامل التي تحدث الفارق. ان العلوم لا تعرف حدوداً جغرافية والتكنولوجيا لا تحمل رايات وطنية ... اذ حلت موهبة الابداع والبناء محل استراتيجيات الدمار، وأصبحت اجهزة الكومبيوتر لا البنادق هي التي تحدث الفارق ... وأخذ موسم الصيد في التاريخ يختفي". اذا كان وزير الخارجية الاسرائيلي شمعون بيريز الذي أدلى بهذا الرأي امام الجمعية العامة لأمم المتحدة مصيباً، واذا بدأ الشرق الاوسط دخول عصر التنمية الاقتصادية القائمة على المعرفة بدلاً من المادة، فإن اسرائيل التي يصل مجمل انتاجها الى حوالى 70 ألف مليون دولار في السنة، في مكانة تؤهلها للاستفادة من التحول الى صناعة التكنولوجيا المتقدمة. اذ ان اسرائيل كانت تفتقر دائماً الى العناصر التقليدية اللازمة لبناء اقتصاد حديث. فمواردها الطبيعية قليلة وسوقها المحلية صغيرة ولديها نزعة تاريخية للزراعة. وتجارتها مع الدول المجاورة كانت شبه معدومة. وفوق كل ذلك فشلت الجهود التي اشرفت عليها الدولة من أجل اقامة صناعة ثقيلة، كالفولاذ والسيارات مثلاً. ومن المفارقات ان مظاهر العجز هذه، التي تعول الى بداية الاستعمار اليهودي لفلسطين، اجبرت الاقتصاد الاسرائيلي على الاستفادة القصوى من المزايا الأخرى التي تأمنت له، وتعود عليه الان بنفع كبير في عالم الاقتصاد الجديد الذي نشأن بعد مرحلة الاقتصاد الصناعي. يقول يونا ايتنغار الملحق العلمي والتكنولوجي في السفارة الاسراذيلية في واشنطن: "كانت اسرائيل مضطرة الى وضع الافكار واستنباط الاساليب الزراعية كي تستطيع استغلال الاراضي وانتاج المحاصيل الضرورية لتلبية احتياجات سكانها". وكان كثيرون من نجوم الحركة الصهيونية علماء وفنيين مرموقين. وكان معهد فوكاني من بين المؤسسات الاولى لدرس الزراعة كعلم. وطور حاييم وايزمان وسيلة تستفيد من النباتات لانتاج الأسيتون، العنصر الاساسي في صناعة الذخيرة في الحرب العالمية الاولى. ويقول ايتنغار: "نظراً الى ان الاسواق الاقليمية كانت مغلقة في وجه اسرائيل، اضطرت الى التنافس مع التكنولوجيا الغربية. ولو انها لم تستطع التصدير الى الغرب لما امكنها ان تطور اي صناعة. وكان عليها ايضاً ان تصل الى مستوى تكنولوجي متقدم كي تستطيع منافسة التكنولوجيا الغربية في الاسواق العالمية. كان هذا القوة الدافعة الاساسية وراء صناعات التكنولوجيا الاسرائيلية المتقدمة". لكن اسرائيل لم تستطع تعبئة الاموال الضخمة ورؤوس الاموال اللازمة لقوتها العاملة التي كانت على مستوى جيد من التعليم الا بعد حرب حزيران يونيو 1967، حين بدأت المساعدات العسكرية والاقتصادية الاميركية تتدفق عليها بكميات ضخمة. وهكذا التقي رأس المال والأيدي العاملة في السبعينات والثمانينات لمواجهة تحدي بناء قوة عسكرية تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة، وانطلقت اثر ذلك صناعات اسرائيل التكنولوجية في كل المجالات. وبدأت شركات مثل "رافائيل" و"صناعة الطائرات" اضافة الى مجموعة من الشركات الصغير التي طورت منتجات ملائمة للقطاع العسكري، تتغذي بالأموال التي خصصتها الحكومة للبحوث والتطوير. فاسرائيل تنفق على البحوث والتطوير 3 في المئة من مجمل انتاجها وهي نسبة اكبر مما تنفق اي دولة في العالم بما في ذلك الولاياتالمتحدة واليابان. ويأتي انفاقها على التعليم في المرتبة الثالثة بعد الدفاع وتسديد الديون. لكن الفارق بين اسرائيل والدول الاخرى ان الدولة العبرية تخصص نسبة 65 في المئة من نفقات البحوث والتطوير طبقاً لأرقام بنك هابو عليم في كانون الثاني - يناير 1994 لقطاع الدفاع. ففي الربع الأول من 1994 بلغت طلبات الصناعة من مخصصات البحوث والتطوير الحكومية حوالى 380 مليون دولار اي بزيادة 16 في المئة عما كانت عليه في الفترة نفسها عام 1993. لكن الحكومة قللت اليوم من أهمية تطوير انواع جديدة من التكنولوجيا، بعدما اصبحت السوق العالمية تقوم بدورهم في رعاية صناعات التكنولوجيا الاسرائيلية. وبدا انفاق مخصصات البحوث والتطوير يركز على قطاعات مختارة تتميز بنوعيتها. ففي المجالات التكنولوجية تركز اسرائيل على دعم تطوير برامج الكومبيوتر والالكترونيات الدقيقة والألياف الضوئية والتكنولوجيا البيولوجية. وساعدت وزارة العلوم والتكنولوجيا في اقامة "مراكز امتياز" في مجالات هندسة الكومبيوتر وأشعة الليزر والانساني الآلي وعلوم الفضاء. وانشأ معهد تكنيون للبحوث والتطوير 15 شركة لتحويل المنجزات العلمية الى منتجات تجارية ناجحة. وفي تكنيون، وهو جامعة الهندسة الاولى في اسرائيل، انشئت مراكز امتياز في عدد من الميادين مثل: الالكترونيات البصرية التي تجمع بحوث تطوير البصريات والضوئيات، والالكترونيات وفيزياء المواد شبه المواصلة للحرارة والضوء. وتقدم الكليات الاخرى في الجامعة فرصة لتعاون العلماء في مجالات الطب، والهندسة الطبية، والتكنولوجيا البيولوجية وهندسة الطب الحيوي. وتجرى نسبة 40 في المئة تقريباً من البحوث المدنية في اسرائيل في واحدة من المدارس الاربع عشرة وكذلك المراكز التسعين التابعة للجامعة العبرية في القدس، حيث حققت بحوث تكنولوجيا الزراعة الحيوية والكيمياء المائية الحيوية وطاقة الجزئيات والذرة سمعة عالمية. ومن اهم المجالات التي حولت الجامعة منجزتها العلمية فيها الى منتجات تجارية: التكنولوجيا البيولوجية والعلوم الصيدلية والطبية والزراعية. وساعدت في توسع صناعة التكنولوجيا الاسرائيلية المتقدمة - من 400 مليون دولار عام 1975 الى اكثر من 4 مليارات دولار الآن - القوة العاملة فيها اذ ان نسبة 15 في المئة من هذه القوة تضم خريجي الجامعات المتخصصة كما ان عدد العلماء والمهندسين بين كل 10 الاف من افراد تلك القوة في اسرائيل يبلغ ضعف عددهم في من الولاياتالمتحدة واليابان. وزادت هجرة اكثر من 1.5 مليون من اليهود "السوفيات" الى اسرائيل خلال السنوات الخمس الماضية من مكانتها التكنولوجية. ففي بداية هذا العقد كان حوالى 50 ألف اكاديمي يعملون في مجال البحوث والتطوير. وبمجيء اليهود السوفيات زاد العدد اكثر من 10 الاف، لأن عدد العلماء بين كل 100 الف مهاجر كان يزيد على 1500. وبدأت الدولة تنفيذ الكثير من المشاريع التي تعتمد على البحوث والتطوير من اجل استيعاب الكوادر الجديدة. اذ كان في امكان برامج بحوث الدفاع ان تستوعب هذه القوة العاملة والمواهب الفائضة. لكن هذا لم يعد ممكناً. فمع ان القطاع الدفاعي يواصل المطالبة بنسبة الربع تقريباً من مجموع الانفاق العام، فان نصيبه من الانتاج الاسرائيلي شهد انخفاضاً مضطرداً منذ عشر سنين الي ان اصبح الآن 11 في المئة. ومع ان هذه النسبة 4 أضعاف معد الانفاق في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن الندرة النسبية لدولارات الدفاع في اسرائيل، وغيرها، اضافة الى الزيادة الرهيبة التي تشهدها الاسواق المدنية في الطلب على منتجات التكنولوجيا المتقدمة، دفعتا صناعات التكنولوجيا المتقدمة في اسرائيل الى تطوير مجموعة واسعة جداً من السلع التي تستطيع المنافسة عالمياً. تحول تكنولوجيا الدفاع ... هكذا يتبين ان الانتقال الصعب الذي يشغل بال التكنولوجيا الدفاعية في روسياوالولاياتالمتحدة، اي التحول من الدفاع الى المنتجات المدنية، حدث في اسرائيل منذ مدة، ما ادى الى استغناء عن العمال المهرة في كثير من الشركات. لكن هذا التحول رافقته كما يبدو طفرة من الازدهار في قطاع الشركات التكنولوجية الصغيرة في اسرائيل. وهناك عدد من الأسباب التي جعلت اسرائيل تنجح اكثر من غيرها في التحول من تكنولوجيا الدفاع المتقدمة الى التكنولوجيا المدنية. السبب الأول ان قطاعاً كبيراً من التكنولوجيا الاسرائيلية، لم تكن له اصلاً اي علاقة بالتطبيقات والاستخدامات الدفاعية. فالطب والتكنولوجيا البيولوجية والكومبيوتر وما يرافقها من برامج، صناعات تكنولوجية لم تول التطبيقات الدفاعية أهمية تذكر. ومع ان صناعة الكومبيوتر ربما اعتمدت في الماضي على القطاع العسكري الى درجة كبيرة، فان السوق المدنية لها الآن كما يقول ايتنغار "احتياجاتها الخاصة التي اصبحت تشكل السوق الى درجة كبيرة". ولهذا لم يعد قطاع الدفاع المستثمر الاساسي في صناعة الكومبيوتر. ومن الامثلة البارزة على التحول الناجح شركة "نوغا لايتش التابعة لمجموعة أورليل، التي تنتج انظمة متقدمة للرؤية الليلية، اذ ان "جاسوس الليل" وهو نظام انتجته للقطاع العسكري تحول من نظام دفاعي الى نظام مدني يستخدم الآن في مجالات الطيران المدني والفلك والصيد والابحار الليلي ومهمات الأمن. ثانياً، هناك استثمارات كبيرة للشركات الاجنبية في اسرائيل معظمها في القطاع المدني، وفي مقدم هذه الشركات التي تستثمر في البحوث والتطوير وغيرها. ويقول دانيال تال مدير العمليات في شركة "بيرد" ان الشركات الاميركية استثمرت في اسرائيل خلال الاشهر الثلاثين الماضية اكثر من 400 مليون دولار. يذكر ان "بيرد" تأسست بمبادرة اميركية - اسرائيلية مشتركة في عام 1977، لتمويل البحوث المشتركة بين الصناعات التكنولوجية المتقدمة في الولاياتالمتحدة واسرائيل. ثالثاً، الابتكار والابداع هما العنصران الاساسيان في نجاح الصناعات التكنولوجية المقتدمة في السوق. ويقول ايتنغار: "هذه أرضية ممتازة يمكن لاسرائيل فيها ان تنافس غيرها في صورة جيدة". رابعاً، أدى ظهور سوق عالمية الى تقليل اهمية البعد الجغرافي في مجال البحوث والتطوير والتصنيع والتسويق. وفتح انحسار فاعلية المقاطعة العربية ابواب الفرص والاسواق الاستهلاكية التي كانت مغلقة، مثل الصين والهند والشرق الاقصى، وفي مثل هذه البيئة يمكن الشركات الاسرائيلية ان تدخل في شركات جديدة وتزيد قدرتها على التسويق في اوروبا واليابان. وقال وزير التجارة والصناعة الاسرائيلي ميشحا هاريش اخيراً ان الدولة العبرية "تدرك في هذا النظام العالمي الجديد ان امنها الفعلي سيعتمد على قوتها الاقتصادية، لذلك شرعنا في عملية تغيير كبرى للبنية الاساسية مع تركيز على تحرير الاقتصاد ونقل الملكية الى القطاع الخاص. وقررنا زيادة الاستثمار والتطوير في التكنولوجيا المتقدمة والصناعات العلمية والتقنية كي نتمكن من منافسة الآخرين بنجاح ونجتذب مزيداً من الاستثمارات والتجارة في اطار العالم الجديد الذي اعقب انتهاء الحرب الباردة". وتساهم صناعة التكنولوجيا المتقدمة اليوم بنسبة 20 في المئة من الانتاج الصناعي الاسرائيلي و50 في المئة من مجموع الصادرات. ونمت صناعة الالكترونيات بما فيها الاتصالات والمعدات الطبية واتصالات الفضاء والاقمار الاصطناعية ومحلقات الكومبيوتر والكترونيات الدفاع بنسبة 15 في المئة خلال عام 1993 لتصل الى 4.6 مليار دولار. وزادت الصادرات في هذه القطاعات بنسبة 20 في المئة فوصلت قيمها الى 3.2 مليار دولار عام 1993 تعادل تقريباً صادرات الماس الاسرائيلية 30 في المئة منها صادرات الدفاع و26 في المئة صادرات الاتصالات، ونسبة مماثلة للمعدات الطبية. الصناعات التكنولوجية المتقدمة في اسرائيل * التكنولوجيا الطبية: يعمل في صناعة التكنولوجيا الطبية في اسرائيل اكثر من 150 شركة زادت مبيعاتها بمعدل 12 في المئة سنوياً خلال السنين العشر الماضية، ووصلت عام 1992 الى 308 ملايين دولار، كانت قيمة الصادرات منها 240 مليون دولار. وحولت شركة "هاداسيت" مثلاً المنجزات العلمية التي حققتها منظمة "هاداسا" الطبية في مجالات اختبارات الدورة الدموية وسريان الدم والتلقيح الاصطناعي الى المجال التجاري الطبي. وتجاوزت استثمارات البحوث والتطوير عام 1992 في كل مجالات القطاع الطبي 40 مليون دولار وشملت أشعة الليزر ومعدات التصوير الحراري والمراقبة والبرامج الطبيعة لأجهزة الكومبيوتر. وبدأت مؤسسة "بيرد" بتمويل تطوير نظام يستخدم أشعة الليزر في جراحة العيون لاسترداد البصر، بالتعاون مع شركة "نانو" للبصريات. وتعتمد الخبرة الطبية في اسرائيل على قوة عاملة يفوق ما يحمله افرادها من شهادات ودرجات جامعية علمية وتكنولوجية قياساً الى عددهم ما يحمله افراد قوة عاملة في العالم. وتعززت هذه الخبرة الى درجة كبيرة بوصول المهاجرين من الاتحاد السوفياتي السابق. وشركة "إيلسنت" التي تتخصص في تكنولوجيا التصوير الحراري وصناعات الليزر هي التي انتجت الليزر المستخدم في الجراحة. وبدأت اسرائيل بتوسيع آفاق صادراتها لتتجاوز الاسواق التقليدية في اوروبا وزميركا الشمالية. فشركة "ميديس إل" مثلاً تبيع الصين معدات التشخيص. واواخر العام الماضي عرضت الشركات الطبية الاسرائيلية منتجاتها في المعرض الطبي المغربي الذي اقيم في الدار البيضاء. * الأدوية والمواد الصيدلية توظف صناعة الأدوية والمواد الصيدلية اكثر من 4200 شخص. ونجحت في ترسيخ سمعتها عالمياً لا سيما في مجال العقاقير، كتلك التي تحارب امراض الايدز والسرطان والسكري، وأمراض القلب. وبلغت قيمة صادرات الصناعات الطبية عام 1992 حوالي 200 مليون دولار. * التكنولوجيا البيولوجية تنتج الشركات العاملة في هذا القطاع، وعددها اكثر من 30 منتجات تشمل جرعات اللقاح والتطعيم واخرى تتصل بالهندسة الوراثية والجينات، للانسان والنبات، وتلغت مبيعاتها اكثر من 80 مليون دولار عام 1992 بينها 70 مليوناً من الصادرات وهي تحتل نسبة 5 في المئة من السوق العالمية في هذا القطاع. ومن أشهر الادوية والعقاقير الاسرائيلية: "انترلوكين - 6" الذي يوقف نمو الخلايا السرطانية، "فرون" الذي يستخدم في معالجة سرطان الدم وسرطان الثدي، البكتيريا المستخدمة في تنظيف ناقلات النفط وانتاج القمح الذي يحتوي نسبة كبيرة من البروتينات. وتؤلف شبكة من معاهد البحوث والبرامج الجامعية جزاءاً اساسياً من صناعة التكنولوجيا البيولوجية الاسرائيلية. اذ ان معهد فولكاني الذي يعمل فيه اكثر من 1000 عالم وموظف يجري بحوثاً في ميدان التحكم البيولوجي والجينات النباتية. * الكومبيوتر والملحقات والبرامج يكاد يكون مستحيلاً في بيئتنا التي تشهد تفاعلاً متبادلاً مع الانسان التمييز بين استخدامات الكومبيوتر والالكترونيات الدقيقة وعالم الاتصالات. اذ تؤلف كلها جوهر صناعة الالكترونيات الاسرائيلية التي تبلغ قيمة منتجاتها 4000 مليون دولار. وهناك كثير من الشركات العالمية العملاقة، مثل "آي.بي.إم"، "دي. إي. سي"، "موتورولا"، "ناشيونال سيميكونداكتور"، التي اسست شركات فرعية في اسرائيل ودخلت في مشاريع مشتركة مع الشركات الاسرائيلية. ومن الشركات الاسرائيلية التي احتلت مواقع مهمة في السوق العالمية في مجال الاستخدامات المتعددة للدوائر الرقمية، وأنظمة الاشراف على الجودة، وأجهزة الكومبيوتر المستخدمة في التصنيف التحليلي: "إي سي. إل" و"أوبتروتيك" و"أروبوت" وكانت اسرائيل اول من انتج معالج الكومبيوتر الذي يعمل ب"32 بت"، وانتجت اكبر معالج للكومبيوتر في العالم بعدما ساهمت في تطوير معالج "بنتيوم". ويقول غيورا ميوحاس الرئيس السابق لاحدى شركات البتروكيماويات الاسرائيلية ان للدولة العبرية "وجوداً عالمياً قوياً جداً في ميدان اجهزة الكومبيوتر وبرامجها، بسبب مؤهلات القوى العاملة فيها". هذه المؤهلات كانت وراء اجتذاب العديد من الشركات الاميركية الى اسرائيل. فشركة "انتل" مثلاً استثمرت 500 مليون دولار لاقامة منشأة للانتاج في القدس وتعتزم استثمار مليار دولار أخرى قريباً. وبدأت شركة "ديجيتال ليمتد" أخيراً مشروعاً في القدس تبلغ نفقاته 7 ملايين دولار، ويعمل فيه 80 متخصصا في تصميم البرامج وشرائح الكومبيوتر. وفاز مصنع شركة "موتورولا" في النقب بالجائزة الاولى في وجه منافسة قوية من مصانع الشركات الكبري العالمية. وافتتحت شركة "مايكروسوفت" وهي اكبر شركة لصناعة برامج الكومبيوتر في العالم، مصنعاً في مدينة حيفا، وبينما تطلب شركة "آى.بي.إم" موظفين باستمرار للعمل في مصنعها في حيفا تستغني عن خدمات آلاف من الموظفين العاملين معها في اماكن أخرى من العالم. وخلال السنين العشر الماضية نما حجم صناعة البرامج والملحقات الاسرائيلية 3 أضعاف، ففي عام 1991 بلغت مبيعات البرامج الاسرائيلية اكثر من 500 مليون دولار. ويعزي هذا النجاح الى القوة العاملة ذات المهارة المميزة. اذ يزيد عدد افرادها على 12 الف مبرمج لدى نصفهم خبرة في الكومبيوتر في الولاياتالمتحدة. ومع الهجرة من الاتحاد السوفياتي السابق تضاعف عدد الاختصاصيين العاملين في صناعة برامج الكومبيوتر وملحقاته في اسرائيل. اما عدد الشركات العاملة في هذا القطاع فيزيد على 150 شركة. ومن أشهر منتجات الكومبيوتر "ماجيك" السحر الذي طورته شركة "ماشوف" و"ويزدام" الحكمة" السحر الذي طورته شركة "إم.إل.إل" لادارة البيانات والمعطيات الاساسية، وطورت شركة "آريس" برنامجاً لضمان سرية البرامج وقطع الطريق على من يحاول التسلل الى النظام. * الاتصالات ربما كانت صناعة الاتصالات والاتصالات المعلوماتية اكثر الصناعات الاسرائيلية نمواً وتطوراً. والسبب ان الاتصالات من اسهل الصناعات الدفاعية التي ميكن تحويلها الي الاستخدام المدني. ومع ان هناك الآن انحساراً في الدفاع يشهد القطاع المدني نمواً مضطرداً. ويبلغ حجم التجارة في هذا القطاع اكثر من مليار دولار، تتجاوز نسبة الصادرات منها النصف. وهناك اكثر من 55 شركة اسرائيلية في هذا القطاع يمكن تداول اسهمها في البورصات والاسواق المالية الاميركية، وهو عدد يفوق عدد الشركات من أي دولة أخرى. صناعات الكومبيوتر في المنطقة العربية: 840 مليون دولار سنوياً هل تلتهمها اسرائيل؟ لا توجد حتى الآن دراسة موضوعية للسوق العربية للحاسبات والبرمجة لا على الصعيد القومي ولا على الصعيد القطري، وبالتالي ما زالت المعلومات التي تنشر عن هذه السوق تعتمد الى درجة كبيرة على التخمينات والانصباعات واحياناً على احصاءات ناقصة. وشهد عقدا الثمانينات والستعينات طفرة هائلة في انتشار اجهزة الكومبيوتر في البلاد العربية، وانتشرت طفرة هائلة في انتشار اجهزة الكومبيوتر في البلاد العربية، وانتشرت تطبيقهاتها الميسرة التي يمكن استخدامها من قبل اعداد هائلة من غير المتخصصين في المنزل والمكتب او المصنع والمدرسة، حتى اصبح الكومبيوتر من اهم السلع المصنعة من حيث اهميته وانتشاره. وتتباين نسب انتشار الكومبيوتر والبرمجة الى حد كبير بين قطر عربي وآخر وحسب دراسة اعدتها اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا اسكوا اخذت تطبيقات الكومبيوتر وبرامجه تنتشر منذ مطلع الستينات في شكل مضطرد في الدول العربية، حيث استوردت الشركات الكبرى خاصة شركات النفط الكومبيوتر لتيسير اعمالها ورفع كفاءتها تبعاً لما يجري في الشركات الأم في الدول المصنعة. وكانت "عدوى الكومبيوتر" تنتشر في شكل واسع في دول الخليج العربي مع زيادة الفوائض النفطية لكن ظهور الكومبيوترات الصغيرة وانتاج برامجها التي تتميز بأنها موحدة المعايير سهلة الاستعمال ورخيصة الاسعار، ادى الى التوسع في استخدام الكومبيوتر وبرمجته في معظم الدول العربية، خصوصاً مع اقبال بعض الحكومات العربية على وضع خطط لادخال الكومبيوتر الى المدارس والجامعات. وفي بداية التسعينات شكلت الدول العربية سوقاً كبيرة لتجهيزات الكومبيوتر وبرامجه، لكن استيراد الكومبيتوترات الكبيرة اصبح محدوداً ومحصوراً في خدمة بعض المؤسسات الكبري، وتزايد الطلب على الكومبيوتر الشخصي في معظم الدول العربية ما دفع بعض الشركات الى تجميع الكومبيوترات الشخصية بأعداد محدودة في السعودية ومصر وليبيا والجزائر والبحرين. لكن الانتاج العربي من الكومبيوتر وبرامجه ما زال الى درجة كبيرة محدوداً جداً ومحصوراً بالتطبيقات التقليدية وهي المحاسبة المالية والادارة العامة في الشركات والمؤسسات الكبري وتحرير المخطوطات وألعاب الفيديو وبعض البرامج الهندسية والطبية. ويقدر مسح اجرته شركة "صن مايكرو سيستيمز" الاميركية سوق الكومبيوتر العربية بنحو 840 مليون دولار سنوياً، بمعدل نمو سنوي 12 في المئة، بينما تقدر مصادر اخرى لشركات الكومبيوتر قيمة سوق صناعة المعلومات في منطقة الخليج العربي وحدها بزكثر من مليار دولار. ويتوقع الدكتور محمد الدوراني، مدير ادارة الاتصالات في الامانة العامة لمجلس التعاون الخليجي ارتفاع مستوى استثمارات دول الخليج في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الى حوالي 3 مليارات دولار سنوياً بحلول عام 2000. ويشير الدكتور حسن الشريف المستشار في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا الذي اعد الدراسة الى ان هناك حكومات عربية تنقذ برامج الادخال الكومبيوتر في المدارس، لكن هذه البرامج ما زالت بدائية ترتكز على تعليم اولويات البرمجة وقلما تخطتها الى الاستخدام الفعلي للكومبيوتر لتطوير العملية التعليمية. وبعض الشركات الكبرى خصوصاً تلك المرتبطة بشركات اجنبية قد يعمد الى استخدامات متقدمة للكومبيوتر، لكن هذه الاستخدامات تبقى محصورة في هذه الشركات من دون فائدة تعود على المجتمع ككل. وهناك جهود عربية لادخال انظمة اتمتع المعلومات في مراكز بعض الدول العربية بداية انتشار للحوسبة في الميدان الصناعي خصوصاً في اطار ادارة المؤسسات الصناعية وعملية التصنيع نفسها لا سيما لدى شركات الانتاج الكبرى نفط - فوسفات - اسمنت. ويمكن القول ان معظم التطبيقات المتقدمة والمستجدة للكومبيوتر ما زال غائباً تماماً او محصوراً في بعض مراكز البحث، ومنها تطبيقات الذكاء الصناعي نظم الخبرة، واستخدامات الحوسبة المتوازية والتطبيقات المتقدمة في الطب والجراحة والزراعة. سوق الكومبيوتر والبرمجة في مصر حققت مصر في السنوات الاخيرة قفزة هائلة في مجال استعمال اجهزة الكومبيوتر وتكنولوجيا المعلومات، ودخلت السوق المصرية شركات كثيرة ووكالات زادت على 500 شركة. وأصبحت المنافسة شديدة وزادت الاجهزة في الشركات والمكاتب والمنازل في شكل مضطرد حتى برزت مصر كنموذج لسرعة النمو في استخدام الكومبيوتر. ويؤكد الدكتور محمد الوفائي مدير "مركز الوفائي للكومبيوتر" ان مبيعات الاجهزة والبرامج في مصر تسير بمعدلات متسارعة وصلت الى 16 في المئة العام الماضي، ويتوقع ان تصل الى 25 في المئة هذه السنة في ضوء الاستمرار في اعتماد برنامج الاصلاح الاقتصادي والهيكلي للشركات العامة في مصر، وتعاظم النشاطات الخاصة. ويقدر حجم المبيعات بنحو 158 مليون دولار. ويشير الدكتور الوفائي الى ان عدد الاجهزة المستخدمة في مصر يزيد على 100 الف جهاز شخصي ونحو 1000 جهاز كبير، اشتري معظمها خلال السنوات الخمس الاخيرة من الخارج ففي 1988 - 1989 ارتفع عدد الاجهزة المستوردة بنسبة 526 في المئة، وزاد من 4055 جهازاً عام 1987 الى 25400 جهاز. وحققت صناعة برامج الكومبيوتر المصريج نجاحات بارزة في مجال المعلومات الجغرافية والحسابات والرسوم البيانية والفنون والكتابة وغيرها باللغة العربية. وفي سوق الكومبيوتر الشخصي تحتل "اي.بي.ام" و"ام.اس.اكس" صخر مركز الصدارة تليهما "ابل ماكنتوش" وآى.سي.ال". سوق الكومبيوتر في الخليج في دول الخليج ما زال النمو المتصاعد في سوق المعلوماتية يدفع ابرز الشركات العالمية الى تعزيز حضورها وسط ارتفاع حدة المنافسة. واعلنت شركات استعدادها لفتح مواكز اقليمية في المنطقة او لزيادة مراكز الخدمة والتسويق التابعة لها. وفتحت شركة "انظمة صفر واحد" البحرينية فروعاً في السعودية لمواكبة تطور اعمالها هناك مركزة على تعريب تطبيقات انظمة التشغيل وبرامة الاتصالات. وتعتزم شركة "هنجز اوير انفوسيستيمز" الهندية توسيع شبكة وجودها في منطقة الخليج التي تضم حالياً البحرين والسعودية لتشمل قطر والامارات. كما افتتحت شركة "انتل" مكتباً في دبي. ولا يخفي التوجه السعودي لاستخدام التقنية الحديثة في المجالات المختلفة، وحسب السيد عبدالرحمن الجريس، رئيس مجلس ادارة الغرف التجارية والصناعية السعودية رئيس مجموعة الرياض للحسابات، تعتبر المملكة اكثر الدول العربية استخداماً لأجهزة الكومبيوتر. ويقدر الجريس حجم مبيعات الاجهزة في عام 1994 بنحو 400 مليون دولار، ويدعو الى العمل من اجل ارساء صناعة وطنية للحسابات الآلية وبرامجها وطورت شركة "الجريس للتقنية" مجال البرامج فقدمت "برنامج المدرسة السعودي" الذي يعد من انجح البرامج المطبقة في المدارس الحكومية والخاصة. وخطت شركة "العالمية" الكويتية في العامين الماضيين خطوة مهمة بتدشين مركز لتطوير البرامج في القاهرة يعد اكبر المراكز في الشرق الاوسط لتؤكد ريادتها في صناعة البرمجيات العربية. والتي تستند الى اكثر من 10 سنوات من الخبرة. ويقول السيد حمد الشرخ رئيس الشركة ان لدى "العالمية" التقنيات التي تميز انتاجها المعرب. وهي تعد اكبر الشركات العربية العاملة في مجال انظمة الكومبيوتر وبرامجه، تأسست في الكويت عام 1970 تحت اسم "صخر" وفي 1985 تم انتاج اول كومبيوتر شخصي عربي هو "صخر MSX" الذي حقق نجاحاً في السوق العربية وتجاوز عدد مستخدميه نحو نصف مليون شخص. وتشير المعلومات المتاحة عن السوق الادرنية الى ان سوق الكومبيوتر شهدت خلال السنوات الاخيرة نمواً مضطرداً، اذ زاد عدد الشركات العاملة في هذا المجال على 200. ويقدر الخبراء قيمة واردات تونس من اجهزة الكومبيوتر سنوياً بحوالي 70 مليون دولار. منافسة أم مواجهة مع اسرائيل؟ يحذر خبراء عرب من ان الانفتاح على اسرائيل في ظل التسوية السلمية سيتيح للدولة العبرية السيطرة على سوق الكومبيوتر في المنطقة. فالاسرائيليون متفوقون في الصناعات الالكترونية، وخدمج ما بعد البيع لديهم متفوقة والأسعار ارخص. وتصل مبيعات اسرائيل من برامج الكومبيوتر الى اضعاف مبيعات كل الدول العربية ولها سوق كبيرة في افريقيا واوروبا واميركا اللاتينية وآسيا. وصناعة الكومبيوتر والبرمجة في اسرائيل متطورة جداً ستكون منافستها صعبة. وستغزو المنطقة العربية كما يقول احد الخبراء المصريين. وهناك من يعتقد ان اسرائيل ستتحول الى مركز للتكنولوجيا في الشرق الاوسط. ويشير الدكتور حسن الشريف الى المشاكل التي تواجه سوق البرمجيات العربية واهمها غياب المعايير الموحدة، اذ اعتمدت كل شركة او مؤسسة معايير ومواصفات خاصة بها لتطوير حلول مناسبة تسمح باستخدام اللغة العربية في الكومبيوتر، ما يؤخر معالجة العربية في الكومبيوتر ويخلق صعوبات في ربط الكومبيرترات في شبكة عاملة واحدة. وابرز العقبات التي تواجه برمجة عربية ناجحة ضعف صناعة الكومبيوتر في البلاد العربية لأن كثيراً من البرامج يصمم لحاسوب معين. ومن العقبات ايضاً ضعف الثقة بالمنتج العربي، وعدم وعي المستفيد العربي اهمية البرمجة وعدم وجود معايير عربية موحدة تجعل السوق العربية واسعة وعدم توافر رأس المال المخاطر الراغب في الاستثمار في البرامج واخيراً عدم وجود سياسة حكومية لدعم صناعة البرمجة العربية. مخصصات البحث العلمي العربي واحد في الألف من الدخل القومي ما زالت التكنولوجيا العربية تعيش فترة حضانة، فباستثناء بعض الصناعات الخفيفة والصناعات النفطية والكيماوية المحدودة، تستورد الدول العربية كل ما تحتاجه من تكنولوجيا متوسطة ومتقدمة. والسبب الأول ان تطوير التكنولوجيا يتطلب بحوثاً علمية وتقنية متواصلة، ودعماً مادياً سخياً، وجهوداً مشتركة تساهم فيها الحكومات والمؤسسات التعليمية ومراكز البحوث والشركات التجارية والصناعية والبنوك والمتبرعون من الاغنياء واصحاب الثروات. اذ ان التطور التكنولوجي كما يقول خبير مشاريع البحوث والتطوير رئيس منظمة الموارد العلمية والتكنولوجية في مدينة مانشستر البريطانية الدكتور محمد التكريتي، هو عملية سياسية واقتصادية واجتماعية متشابكة تحتاج الى مشاركة خبرات متنوعة في السياسة والتخطيط الاقتصادي والعلوم والتكنولوجيا والادارة والصناعة والزراعة الى جانب مؤسسات الدولة بحيث يحقق التعاون بينها اهدافاً واضحة وبرامج محددة. ولا بد من الاستفادة من تجارب الدول الصناعية وبعض الدول النامية من دون الحاجة الى تقليدها او استنساخها في صورة عشوائية. واذا كانت اسرائيل والدول الصناعية حققت القدر الاكبر من التقدم التكنولوجي من خلال اهتمامها بالبحث العلمي، فإن الدول العربية ومعظم الدول النامية ما زالت في بداية الطريق الطويل وحاجتها للتكنولوجيا تزداد يومياً. فمشكلاتها الصناعية والصحية والزراعية والاجتماعية لا يمكن حلها الآن من خلال البحث العلمي الذي اثبتت التجارب ان اصالته امر اساسي في نجاح كثير من المشاريع العلمية التي يتعذر اقتباسها او نقلها فقط. واذا لم تهتم الدول العربية بالبحث العلمي الجدي فإن الفجوة التكنولوجية الواسعة بينها وبين اسرائيل والدول الصناعية ستزداد اتساعاً. وهنا تأتي اهمية اعداد الباحثين والعلماء وتأمين موارد الانفاق اللازم اجراء البحوث العلمية. والمفارقة ان ما تنفقه الدول العربية مجتمعة على هذه الجهود لا يزيد على واحد في الألف من دخلها القومي. ولتشجيع الدول العربي الغنية على خوض مغامرة البحث العلمي وتسخير الاموال اللازمة لها، لا بد من وجود المؤسسات العلمية ومراكز البحوث والخبرات التقنية والباحثين المؤهلين.