تلاشت الحدود الداخلية بين سبع دول من الاتحاد الأوروبي هي فرنسا والمانيا وهولندا وبلجيكا واللوكسمبورغ واسبانيا والبرتغال، ليصبح هناك مجال جديد يضم 200 مليون شخص ويمتد من هامبورغ الى ليشبونة، انه مجال شينغن. لا فرق داخل هذا المجال الموحد بين المواطنين الأوروبيين والرعايا الأجانب، والاتفاقية التي تحمل الآن اسم قرية في اللوكسمبورغ، تقع على نهر الموزيل وعلى مقربة من الحدود الفرنسية، أقرت عملياً على مستوى سبع دول، ما أقرته من حيث المبدأ السوق الموحدة الأوروبية على مستوى الاتحاد الأوروبي كله. هذه الاتفاقية، التي جرى التوقيع عليها قبل خمس سنوات، تشكل مختبراً قابلاً للتوسع التدريجي، وقعت عليها كذلك ايطاليا واليونان، ومن المفترض ان توقع عليها النمسا خلال الشهر الجاري، ولاحقاً الدنمارك والسويد وفنلندا، مع فترة اعداد وتأقلم، تطول او تقصر، حسب متطلبات فعالية المراقبة عند الحدود الخارجية لمجال شينغن. لكن في المقابل، ما يجوز في ميادين عدة على الاتحاد الأوروبي، لا يجوز بالضرورة على بريطانيا التي رفضت الانخراط في هذا المجال المفتوح، بحجة الحد من حرية حركة الأجانب على أراضيها. غير ان شينغن التي تكرس المجال الموحد، ولو جزئياً على مستوى أوروبي، تفرض تنسيقاً أكبر بين قوات الأمن والشرطة، وفي هذا الاطار تم انشاء منظومة معلوماتية شينغن ومقرها ستراسبورغ لجمع المعلومات بالنسبة الى الأشخاص غير المرغوب فيهم ولتكثيف مكافحة أعمال السرقة والجريمة والمخدرات، كما أصبح يحق لقوات الأمن في دولة ما من مجال شينغن ملاحقة عناصر مشتبه بها في دولة مجاورة من المجال نفسه. مع اتفاقية شينغن، فتح المجال ايضاً للأجانب المتمتعين بوضع قانوني في التنقل بحرية تامة، ومفهوم "السيادة" الذي كان محصوراً حتى الآن داخل الحدود "الوطنية" اتسع مداه الجغرافي، ومن هنا ملاحظة زيادة أعمال المراقبة على الحدود الفاصلة بين مجال شينغن والدول الأخرى خصوصاً غير المنخرطة في عضوية الاتحاد الأوروبي. اما داخل مجال شينغن نفسه، حيث تسقط تدريجياً المراقبات الحدودية بين دولة وأخرى خلال الشهور الثلاثة المقبلة، فإن عمليات الطيران تحولت الى عمليات داخلية، ولم يعد هناك من فروقات من حيث المعاملات بين طائرة تتوجه مثلاً من باريس الى مرسيليا وأخرى تتوجه من باريس الى فرانكفورت، وبذلك تساوت للمرة الأولى حرية حركة الأشخاص مع حرية حركة الخدمات والرساميل والبضائع. البعض يرى في المجال الذي فتحته شينغن تعزيزاً للمواطنية الأوروبية، ولكن هذه الاتفاقية المفترض ان تدعم من اجراءات الحد من الهجرة غير المشروعة، تقرب كثيراً من مسافة المساواة بين الأوروبيين… وغير الأوروبيين. انه نموذج مصغر لما يفترض ان يكون عليه الاتحاد الأوروبي.