ما أن اتخذ الرئيس بيل كلينتون قراراً بمنع أي شركة أميركية أو مواطن أميركي من تطوير حقول النفط والغاز في إيران، حتى كثفت إيران اتصالاتها مع اليابان ودول أوروبية وروسيا وغيرها من الدول ذات الخبرة في مشاريع تطوير حقول النفط والغاز. وأكدت مصادر إيرانية رفيعة ل "الوسط" أن إيران جادة قبل أي وقت مضى في "خوض المنافسة التجارية واللعب على التناقضات الكثيرة بين أميركا وحليفاتها الأوروبيات". ومن هنا قال علي الحسيني مساعد وزير النفط الإيراني للشؤون البرلمانية، ان القوانين الإيرانية الجديدة تتيح للمستثمرين الأجانب الدخول مع شركة النفط الوطنية في مشاريع تشمل تطوير حقول النفط وتوفير العملات الصعبة في عهد البناء والإعمار. وكان المسؤول الإيراني يعلق على قرار شركة كونوكو الانسحاب من الاتفاق الذي وقعته في 4 آذار مارس الماضي مع شركة النفط الوطنية الإيرانية لتطوير حقلين للغاز والنفط بالقرب من جزيرة سيري الإيرانية في الخليج. وأكد الحسيني قدرة إيران على ايجاد بدائل للشركة الأميركية، وقال إن واشنطن كانت على علم بالمفاوضات بين كونوكو وإيران واستغرقت ثلاث سنوات، لكنها اتخذت قرار معارضة تنفيذه في محاولة لتحسين الصورة الأميركية لدى الحلفاء الأوروبيين. مصادر إيرانية أخرى اعتبرت ان الانفتاح الإيراني لمصلحة كونوكو يشير إلى السياسة السلمية الإيرانية تجاه الولاياتالمتحدة إذا لم تتخذ الأخيرة مواقف عدائية ضد إيران. وأوضحت ان السنوات الثلاث الماضية التي كانت تجري خلالها المفاوضات مع كونوكو، شهدت اتصالات إيرانية - أميركية جرى معظمها بصورة غير مباشرة لجس النبض، لكن القرار الأميركي الأخير جاء ليدعم موقف الإيرانيين الذين يرفضون تطبيع العلاقات مع الولاياتالمتحدة على أساس أنها لا تكف عن معاداة إيران. وترى أوساط محلية أن "واشنطن ترغب برؤية إيران مستسلمة للشروط الأميركية من دون قيد أو شرط". وكعلامة فارقة في الجدل على الاتفاق - الصفقة بين كونوكو وإيران فإنها كما أثارت معارضة الإدارة الأميركية في الخارج فإنها رفعت من حدة الاحتجاجات ضد الرئيس هاشمي رفسنجاني وبرنامجه الاصلاحي، خصوصاً من قبل جماعة المتشددين. وحرصت طهران الرسمية عند الاعلان عن توقيع الاتفاق على اخفاء اسم الشركة وهويتها الأميركية وركزت على ابراز أنها هولندية وأن العقد هو الأول في مجال الاستثمارات ويتيح لها تطوير مشروع انتاجها النفطي بالمقايضة. حتى ان الصحف ووسائل الاعلام الأخرى في إيران كانت تجهل طبيعة الصفقة واطارها الأميركي. وقال رئيس تحرير صحيفة "سلام" المتشددة عباس عبدي انه كان يفكر بدرس وتحليل خلفيات الصفقة بعد أن علم ان طرفها الثاني شركة أميركية. ولكن الرئيس كلينتون لم يوفر الوقت لعبدي وأنصار منهج المعارضة الإيرانية لمبدأ العلاقات الاقتصادية مع أمريكا. بدائل كثيرة ويبدو حرج الرئيس رفسنجاني أكثر من حرج الرئيس كلينتون بالنسبة إلى الصفقة لأن الرئيس الإيراني يواجه معارضتين: الأولى تخلق له المتاعب وتثير أمام عجلة الاصلاح صعوبات كثيرة تجعل غالبية شعاراته حول حرية الرأي في الميزان، وفي هذا الواقع عمدت إدارة رفسنجاني إلى تبرير ما هي عليه بعد انسحاب كونوكو من الصفقة. وقال وزير الخارجية علي أكبر ولايتي ان إيران ليست بحاجة إلى الأميركيين "وأمامنا بدائل كثيرة نعرف كيف نختارها لتطوير مشاريعنا النفطية"، مشيراً إلى أن بلاده تتمتع بعلاقات اقتصادية ومالية جيدة مع الدول الأوروبية. وقال ولايتي "إن الشركات الأميركية والأوروبية تتنافس على السوق الإيرانية وليس هناك اليوم من يقبل بالأوامر الأميركية". وأكدت معلومات حصلت عليها "الوسط" ان مجلس الشورى الإسلامي أزاح جميع العقبات التي تعترض مشاركة شركات استثمار أجنبية في إيران لتمويل مشاريع اقتصادية كبرى تمويلاً ذاتياً. وقالت مصادر عليمة إن شركة اليابان للتنقيب وكونسرتيوم اليابان الوطني للنفط اضافة إلى شركة توتال الفرنسية دخلت منذ أيام في مفاوضات مع شركة النفط الإيرانية للفوز بالعقد الذي خسرته لصالح كونوكو، فيما تفاوض مجموعة رويال دتش شل على تطوير حقل بارس الشمالي للغاز. وفي هذا الاطار ولتأكيد قدرتها على اختراق التحالف الذي تريده واشنطن ضدها، وقعت إيران بعد يوم واحد فقط من الأمر التنفيذي الأميركي الذي اجبر كونوكو على الانسحاب اتفاقاً مع شركة المانية - هولندية مشتركة لتمويل تطوير حقل غاز بارس الجنوبي وإعادة تأهيل حقل أبوذر النفطي في الخليج. وكشفت مصادر في وزارة النفط الإيرانية أن شركة EAB الألمانية وجون براون الهولندية وقعتا اتفاقاً لتطوير وتمويل حقلي الغاز والنفط الإيرانيين في الخليج، على أن تقوم البنوك الألمانية بتمويل المشروع. وأيدت بون حصول الاتفاق التي تقدر قيمته ب 3،1 مليار مارك. وقال المتحدث باسم الحكومة الألمانية ان هذا الاتفاق لا ينطوي على اثار سيئة في العلاقات الألمانية - الأميركية. واعتبر مراقبون ان التجاهل الألماني لدعوة الرئيس كلينتون الدول الغربية إلى الامتناع عن الدخول في مشاريع مع إيران خصوصاً في حقلي النفط والغاز، يشكل اختراقاً إيرانياً لأية قرارات أميركية تهدف إلى فرض حظر تجاري على إيران. وتشتري الشركات الأميركية مثل ايكسون وكوستال اويل وكالتكس وموبيل أكثر من 600 ألف برميل من النفط يومياً تدر على إيران بين 5،3 إلى 4 مليارات دولار سنوياً. وهذه إحدى الثغرات في مشاريع الحظر الأميركية على إيران لأن القانون الأميركي يسمح للشركات الأميركية بشراء النفط الإيراني بعد تصديره إلى أوروبا. ويرى محللون اقتصاديون ان الانعكاسات غير المباشرة للحظر الأميركي ضد إيران ستلحق أضراراً بمصلحة الولاياتالمتحدة نفسها أكثر من إيران التي عرفت كيف تختار البدائل. وقال مسؤول إيراني إن كونوكو تحاول إلغاء الأمر التنفيذي ضد العقد مع إيران من واقع خسارتها الكبيرة فيما لو ذهبت الصفقة إلى غيرها. وأوضح ان الاتفاق مع إيران ينص على إعادة ضخ الغاز الإيراني من حقل سيري إلى حقول نفط قديمة في دبي لزيادة الانتاج فيها، وهي الحقول التي تعمل بها الشركة الأميركية. وأشار المسؤول الإيراني إلى أن كونوكو لا تريد تكرار تجربة أرصدتها المجمدة في ليبيا بسبب الحظر الدولي. وقال قسطنطين نكاندروز نائب رئيس شركة دبون ورئيس شركة كونوكو في هيوستن ان الاتفاق الذي توصلت إليه الشركة مع إيران ينسجم نصاً وروحاً مع القوانين والقواعد المعمول بها في أميركا. وأكد أنه لولا موافقة الإدارة الأميركية لما تم التوقيع على الاتفاق الذي وصفه بأنه سليم من الناحية القانونية باعتراف المسؤولين الأميركيين أنفسهم. وفي هذا الاطار قال مهدي حسيني نائب رئيس شركة النفط الوطنية ورئيس دائرة التنقيب والعقود الخارجية ل "الوسط" ان شركته لم تبلغ رسمياً بقرار انسحاب كونوكو، وذكر أن الاتفاق مع الشركة الأميركية اقتصادي محض "وشركتنا اقتصادية ولا تتوخى تحقيق أهداف سياسية". وأشار حسيني إلى أنه أجرى محادثات مع شركة أخرى هي شركة كوموكو في الولاياتالمتحدة منذ سنتين وأنهى بذلك خلافاً حسمته محكمة العدل الدولية لمصلحة الطرفين. وتحتاج إيران إلى 65،13 مليار دولار من عائداتها النفطية في السنة الإيرانية التي بدأت في 21 آذار مارس. وأظهرت توقعات مجلس الشورى الإسلامي ان هذه العائدات قد تصل إلى هذا الرقم خلال السنة المالية الجديدة. وقال غلام رضا آغازاده وزير النفط الإيراني ان المجلس سمح لوزارته بتصدير 340،2 مليون برميل يومياً بسعر تقديري يبلغ 15 دولاراً للبرميل الواحد. وقرر البرلمان أن لا تتجاوز الصادرات النفطية 5،2 مليون برميل يومياً في السنة الجديدة 1995 - 1996، وسمح لوزارة النفط ببيع 150 ألف برميل يومياً لاستيراد منتجات نفطية مصنعة في الخارج للاستهلاك المحلي. وتبلغ قدرة إيران الانتاجية 3،4 مليون برميل يومياً وهي أكبر من الحصة الانتاجية المقررة من قبل أوبك والبالغة 6،3 مليون برميل يومياً. وفي هذا الواقع ومع ارتفاع معدلات التضخم بنسب تجاوزت 47 في المئة خلال الشهر الماضي، علماً بأن بعض التقارير أشارت إلى أن معدل التضخم هو بين 60 و100 في المئة، يصبح على إيران أن تبذل قصارى جهدها لئلا يؤثر الحظر الأميركي على مشاريعها الاقتصادية التي يأمل رفسنجاني ان تحقق لإيران نمواً اقتصادياً كبيراً. الرد العملي على الاتهامات وتتهم ايرانواشنطن بمعارضتها المشاركة في مشروع نفط بحر قزوين، وقال مهدي حسيني ان الادارة الاميركية تعمل على منع ايران من المشاركة في المشروع مع كونسريتوم يضم شركات اميركية وروسية وبريطانية وتركية. وكانت ايران حصلت في نهاية العام الماضي من آذربيجان على 20 في المئة من حصتها في الكونسريتوم أي 5 في المئة من اجمالي الحصص في مقابل استثمار النفط الخام في بحر قزوين، إلا ان واشنطن ترفض المشاركة الايرانية. وأكد حسيني ان اعضاء الكونسريتوم موافقون على المشاركة الايرانية في المشروع، وقال حتى الشركات الاميركية التي تملك 40 في المئة من المشروع ليست ضد المشاركة الايرانية، لكن الضغوط الاميركية تحاول منع ايران من المشاركة التي توفر لها عبور انبوب النفط لأراضيها، وهو ما تعارضه اميركا وروسيا التي تريد ان يمر الأنبوب عبر ميناء نوفوروسيسك على البحر الأسود. وتدرس ايران مع باكستان مشروع مد انبوب لنقل الغاز بسعة 1.6 مليار قدم مكعب يومياً. وتبلغ قيمته الاجمالية حوالى 4 مليارات دولار ينجز في عام 2001. وتوفر عضوية ايران في منظمة التعاون الاقتصادي الاقليمية ECO ايجاد مشاريع اتصال كبرى لتنشيط حركة التجارة من آسيا الوسطى والقوقاز الى الخليج وأوروبا وبالعكس كما فعلت أخيراً بانشاء خط سكك حديد بطول 700 كيلومتر سيربط دول الاتحاد السوفياتي السابق بمياه الخليج الدافئة. وقال مسؤول كبير في ادارة الرئيس رفسنجاني ان هذه المشاريع تعتبر الرد العملي لايران على الاتهامات الاميركية لها بأنها ترعى الارهاب. وشرح المسؤول نظرية اصبحت طهران تعتقد بها وهي ايجاد مصالح اقتصادية متشابكة في المنطقة تجعل امكان توجيه ضربة عسكرية لها أمراً صعباً.